بسم الله الرحمن الرحيم
لعل الدارس لطبيعة المجتمع الصهيوني، يلاحظ تلك الملاءمة والتوافق القوي بين أهداف التربية الصهيونية من جهة وأهداف الحركة الصهيونية وحاجات المجتمع الصهيوني من جهة أخرى، فلقد كانت التربية الصهيونية بخلفيتها الدينية والتوراتية التلمودية العنصرية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم الصهيونية العدوانية، هي الوسيلة الأولى والأهم التي استخدمت لتحقيق أهداف الصهاينة في إنشاء إسرائيل وبقائها.
لقد استمدت التربية الصهيونية فلسفتها التربوية من مصادر أربعة هي:
1- الحركة الصهيونية.
2- الديانة اليهودية.
3- دولة إسرائيل.
4- الحضارة الغربية.
أولاً: الحركة الصهيونية:
عند التحدث عن الحركة الصهيونية لأحد أهم مصادر التربية اليهودية، فإنه لابد لنا من العودة إلى الجذور التاريخية للحركة الصهيونية والتعرف على الوسائل والمؤسسات التي أقامتها لبلورة إيديولوجية خاصة بها، بإقامة إقليم يهودي مستقل ذاتياً واستقطاب المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وقلب الأفكار والوقائع.
والصهيونية تنقسم إلى جزءين متكاملين هما: الصهيونية الدينية والصهيونية السياسية، فالصهيونية الدينية ترتبط بالأمل اليهودي الكبير القائم على العودة إلى "أرض الميعاد".
وقد كانت الصهيونية الدينية وراء التقليد بالحج إلى الأراضي المقدسة في العصور الوسطى وفي خلال القرن التاسع عشر حين ظهرت حركة "أحباء صهيون"، وهي المجموعات الصهيونية التي هاجرت من أوروبا الشرقية وخاصة روسيا وبولوينا ورومانيا، في سنوات "1881 -1904"، وأقامت فيها المستوطنات الأولى، وكان هدفها هو خلق مركز روحي على أرض فلسطين "صهيون" تتألف منه العقيدة والثقافة اليهوديتان"(1).
أما الصهيونية السياسية فهي مذهب سياسي يدعو إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين على أساس قومي عنصري، وهي الحركة التي تدعو إلى التطبيق العلمي لمنهاج مؤسسها "يثودور هرتزل" والمتمثلة في النقاط التالية:
1- تبني فكرة استعمار يهودي منظم بمقياس واسع لفلسطين.
2- الحصول على حق قانوني معترف به دولياً بشرعية استعمار اليهود لفلسطين.
3- تشكيل منظمة دائمة تعمل على توحيد جميع اليهود للعمل في سبيل الصهيونية.
وقد كان هناك نوعان من المؤيدين في صفوف الحركة الصهيونية، يطلب الأول، تحقيق النواحي الثقافية، بينما يطلب الآخر الأغراض السياسية، حيث مطلبهم يتمثل في تأسيس دولة قومية يهودية في فلسطين. أما الصهيونيون الثقافيون فكانوا يهتمون أولاً وقبل كل شيء بإعادة تربية الإنسان الصهيوني وتشكيله ذهنياً، ببعث الثقافة العبرية من النواحي اللغوية والدينية والعنصرية كمقومات تشكل بنية الفكر الصهيوني والإيديولوجية الصهيونية بشكل عام.
ثانياً: الديانة اليهودية:
تعتبر الديانة اليهودية مصدراً هاماً من مصادر الفلسفة التربوية عند الصهاينة، فلقد اعتمدت التربية اعتماداً كبيراً على الدين في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التوراة والتلمود، من أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الناشئة الصهيونية.
وقد ركزت تلك التعاليم على ترسيخ مفهوم الوطن القومي الصهيوني الذي يعيش فيه شعب يهودي امتدت صورته الروحانية، والدينية، والقومية، والرسمية، عبر التاريخ.
وقد تضمنت تلك الفلسفة تعليم أبناء الصهاينة المفاهيم الدينية التالية:
1- اعتبار التوراة والتلمود في أصولها العبرية المصدر الأساسي للتاريخ، والجغرافيا، والأدب القومي، والمحتوى الأساسي للتقاليد الروحية والأخلاقية.
2- اعتبار الشعب اليهودي هو "شعب الله المختار" الذي هو فوق كل الشعوب التي سخرت لخدمته، وأن جميع الحضارات والثقافات هي وحي هذه الديانة وهذا الشعب.
3- ملء المناهج الدراسية بالبطولات الخارقة والأساطير التي وردت في الكتب الدينية، وأن الله وعدهم باستخلافهم في الأرض.
4- أن اليهود أمة واحدة لذلك لابد من جمع جميع الصهاينة في فلسطين على أساس الدين واللغة العبرية، وإعادة صياغة الأمة اليهودية وفق الروح اليهودية وحياً من الدين اليهودي، وتهدف التربية الدينية إلى تربية الطفل جسدياً، واجتماعياً، وانفعالياً، وعقلياً، عن طريق قصص من التوراة وأسفارها.
ثالثاً: دولة إسرائيل:
تعتبر دولة إسرائيل التي قامت على جزء من أرض فلسطين في الخامس عشر من شهر مايو 1948م، بتحالف بين الحركة الصهيونية وقوى التحالف الغربي واعتماداً على العنصر اليهودي، وتعتبر اليوم أحد مصادر فلسفة التربية عند الصهيونية نظراً لاعتمادها لمصدرين سابقين والبالغ عددهم خمسة ملايين نسمة تقريباً.
وتستمد التربية أصولها من الفلسفة السائدة في المجتمع الصهيوني فهي انعكاس لمطالبه واحتياجاته. ففلسفة التربية في الدولة الصهيونية تهدف إلى:
1- تكوين مجتمع عضوي موحد من شتات اليهود التي تجمعت في أرض فلسطين.
2- بناء دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية.
3- المحافظة على التراث الصهيوني ونشره وتعميمه بين الناشئ الصهيوني في الدولة الصهيونية، وتحويل الدولة الصهيونية لتصبح مركز الاتصال بين صهاينة العالم أينما وجدوا والممثلة الرئيسة لمنجزات الشعب الصهيوني.
رابعاً: الحضارة الغربية:
لقد كانت ولا تزال الحضارة الغربية، أحد مصادر فلسفة التربية عند الصهاينة، حيث إن تساؤلهم دائماً كيف يمكن أن تقوم للصهيونية دولة عصرية؟
وفي هذا الشأن نجد أنه لجميع زعماء الصهاينة(2) الذين هم زعماء الدولة الصهيونية ومعظمهم من اليهود الغربيين والذين يمثلون الغالبية العظمى في فلسطين قبل عام 1948م، والذين يمتازون بارتفاع مستواهم الثقافي والاجتماعي، ويعيشون في المدن أكثر من القرى، وكان من الطبيعي أن يقوموا ببناء دولتهم على أسس عصرية غربية ومن هنا كان الاهتمام كبيراً من ناحيتين:
1- العلم والتكنولوجيا: ولهذا كان أول عمل قامت به الصهيونية عند مباشرتهم العمل في فلسطين هو بناء الجامعة العبرية في القدس وكذلك بناء معهد الهندسة التطبيقية في حيفا 1912م، كما أن الاهتمام الكبير بالتعليم الصناعي لتخريج العمال المهرة والفنيين.
2- اتباع أحدث الاتجاهات الغربية في التعليم، وهم في هذا سباقون حتى وصل بهم الأمر أنهم يحاولون تعميم المدارس الشاملة في الدولة الصهيونية قبل تعميمها في الدول الغربية.
أما معالم فلسفة التربية عند الصهيونية فهي(3):
أولاً: فلسفة الاضطهاد:
لقد ظهر ما يسمى: "بالمسألة اليهودية" التي نتجت عن احتقار اليهود واضطهادهم في جميع أنحاء العالم على مر التاريخ في كل بلد حلوا به بداية من العصر الفرعوني القديم حتى العهد النازي في ألمانيا.
وقد قامت الحركة الصهيونية باستغلال هذه النقطة، وقام الزعماء الصهاينة باستدرار عطف اليهود والعالم بالتأكيد المستمر على هذه النقطة، فصوروا اليهود بأنهم شعب منبوذ ومحتقر وأنهم مضطهدون في كل مكانº وذلك من أجل إقناعهم بضرورة قيام الصهيونية، وأنه مهما عمل اليهود لحل هذه المسألة فلن ينجحوا ما داموا موجودين على شكل أقليات متبعثرين بين الشعوب ولقد حاول بعض الذين تطرقوا للمسألة اليهودية(4)، أن يرجعوها إلى عوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فوضعوا قسماً من المسؤولية على اليهود أنفسهم بسبب سيطرتهم المالية في كثير من بلدان العالمº لكن زعماء الصهيونية يرفضون ذلك، ويحملون المسؤولية للبشرية بمختلف شعوبها، وقد كانوا يهدفون من التركيز على هذه المعاني إلى هدفين هما:
1- إثارة العطف والشعور بالذنب لدى مختلف الشعوب لتساعد اليهود على حل مشكلاتهم.
2- إقناع اليهود أنفسهم بضرورة الترابط والتنظيم من أجل التخلص من حياة الذل وفق الفكرة الصهيونية.
ثانياً: القومية اليهودية ومقوماتها:
يرى الصهاينة أن الاضطهاد، أثر في تحطيم شعور الاستقلال القومي عند اليهود، وأفقدهم كل مقومات الأمة من لغة، وعادات، وأرض مشتركة، ويتفقون على أن المسألة اليهودية هي مسألة قومية وليست اجتماعية أو دينيةº ولذلك يجب أن يصبحوا أمة.. فنحن شعب واحد كما يقول "هرتزل"(5).
وبهذا انطلق تفكير آخر، غير فلسفة الاضطهاد ينادي بإنشاء دولة يهودية تقوم على إحياء التراث اليهودي والروح اليهودية، وكان على رأس هؤلاء الفلاسفة والمفكرين "آحاد هاعام" حيث يقول: إن مشاعر الناس القومية تهدف وتأمل في الوصول إلى حل مشاكلهم الروحية أيضاً بالإضافة إلى المتاعب المادية(6).
ثالثاً: ارتباط الدين بالقومية في الحركة الصهيونية:
في البند السابق لاحظنا كيف تبنت الصهيونية فلسفة "آحاد هاعام" وأوجدت لها جذوراً في الدين اليهودي والكتب الدينية، واستفادت منها وغذتها، ففكرة أنهم موعودون بوراثة الأرض المقدسة في فلسطين جاءت في كثير من نصوص التوراة، ومن خلال هذه العقيدة انبثقت الصهيونية ديناً قومياً لليهودº حيث تلتحم العقائد الروحية المتزمتة، والتقاليد الاجتماعية المتعصبة، والمبادئ السياسية المتطرفة، ومن هنا فقد نصب الصهاينة أنفسهم سدنة لهذا الدين القومي، يلتفون حوله دعاة لأهدافه، يتولونها بالرعاية تساعدهم النصوص الدينيةº ابتغاء تجسيد هذه القومية للملأ وإبرازها في المجال الدولي حقيقة واقعة، وفكرة الحنين إلى الأرض - أي أرض الميعاد - والدعوة إليها هي عقيدة دينية جاءت بها النصوص في التوراة والتلمود وغيرها من الكتب.
رابعاً: العنصرية والعدوانية:
بناء على روح الانعزال لدى اليهود وعلى الكراهية المتبادلة بينهم وبين مختلف الأمم، وبناء على تعاليم الدين اليهودي تكونت عند الصهاينة عقيدة "الشعب المختار" العبقري المتميز، وهنا يرى بعضهم أن الشخص الذي لا يقول: "إن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار لابد أن يكون أعمى"(7).
والكتب الدينية مليئة بالنصوص التي استدل منها اليهود على هذه العقيدة، مثلما ورد في سفر "اللاويين" رقم 26.
خامساً: فلسفة دين العمل:
لقد كان أهم أركان الثقافة اليهودية التي ركز عليها زعماء الصهيونية العمل اليدوي، وقد استولت فكرة العمل اليدوي على أذهان هؤلاء الزعماء منذ بداية الحركة الصهيونية.
ويعد "جوردون" هو المفكر الأول الذي نادى بفلسفة: "دين العمل" وانشأ حركة الرواد التي تدعو إلى عودة اليهود إلى فلسطين "أرض الأجداد والميعاد"، وهذه العودة تعني تطهير النفس اليهودية عن طريق العمل اليدوي والجسدي، واقترح الصهاينة أن تؤسس منظمة هدفها تشجيع الاستيطان، وستكون الحالة مختلفة لو تحمسنا للعمل بأيدينا، وسيبارك الله عملنا بكل تأكيد، وهناك فائدة أخرى للاستيطان الزراعي ألا وهي تطبيق الوصايا الدينية المتعلقة بالعمل في تربة الأراضي المقدسة(8).
سادساً: اللغة العبرية:
تعتبر اللغة العبرية من أهم الأسس التي تقوم عليها فلسفة التربية والتعليم لدى اليهودº وذلك لارتباط هذه اللغة كمبدأ من مبادئ القومية ولارتباطها بالدين، حيث إنها لغة التوراة والأدب العبري والتراث العبري القديم، وقد بقيت اللغة العبرية حبيسة "الجيتو" مئات السنين ولم تستعمل إلا كلغة دين وشعائر فقط، وقد اعترف القادة الصهاينة أنفسهم بذلك على أن اللغة العبرية لغة فقدت حياتهاº إذ لم يتحدث بها طوال ألفي سنة، وقد تزعم في العصر الحديث "اليعزر بن يهوذا" الملقب بأبي العبرية الحديثة، تزعم بعث هذه اللغة، وناضل في سبيل اعتمادها لغة محكية، ثم تبنت الدولة الصهيونية هذه المحاولة فيما بعد(9).
وقد تجاوزت اللغة العبرية النطاق الذي عاشت فيه قروناً كلغة تقليدية لتلعب دور اللغة القومية، فلم تعد لغة دين وشعائر وطقوس فحسب، بل أصبحت أداة لخلق الوحدة داخل المجتمع الصهيوني، وأداة لتعميق الانتماء والولاء للأرض.
والواقع أن الأهداف الرسمية للتربية والتعليم في الدولة الصهيونية نجدها تتمثل فيما يلي: (10)
1- تكوين مجتمع عضوي موحد.
2- بناء دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية.
3- الحفاظ على التراث اليهودي ونشره وتعميقه.
4- دعم مركزية الصهيونية بين العالم.
وقد حددت السلطات التعليمية في الدولة الصهيونية هذه الأهداف لإرساء الأسس التربوية الآتية:
1- تعميق الوعي اليهودي الصهيوني.
2- التربية على قيم القومية اليهودية الصهيونية.
3- الاهتمام بدور اللغة العبرية من أجل الحفاظ على التراث اليهودي وبعثه وتعميقه بين الشباب الصهيونيº ولهذا فقد أصبح دورها يفوق كافة أدوار التدريسº إذ تحتل مكاناً بارزاً في مناهج المدارس الصهيونية.
4- ترسيخ جذور الشباب الصهيوني في ماضي الشعب اليهودي، وتراثهم التاريخيº وذلك لخلق أجيال صهيونية تؤمن بالمعتقدات الصهيونية التي اعتنقها جيل المؤسسين (الرواد)، للتأكيد على (الريادة) وتصوير الرواد الأوائل مؤسسي الدولة للاقتداء بهم.
5- التعلق بالأرض: ويرتبط هذا الهدف مع ضرورة تكوين مجتمع يوحد فيه الشتات اليهودي ويلتصق به.
6- فلسفة (دين العمل)، ويرتبط مع الهدف السابق بوصفه أحد أركان الثقافة اليهودية والهدف من التعلق بالأرض. وفلسفة دين العمل بها هو تحقيق الاستيطان اليهودي في النهاية على الأرض الصهيونية.
أما الأهداف غير المعلنة للتربية الصهيونية وتحث على العنف والعدوان فهي(11):
1- الإيمان المطلق بحق شعب إسرائيل في (أرض إسرائيل) وملكيتهم لها والاستيطان فيها من خلال التكرار والتأكيد بالحديث عن الحق التاريخي في (أرض إسرائيل التاريخية).
2- تحقيق التضامن الصهيوني داخل إسرائيل وخارجها لضمان استمرار الهجرة الصهيونية، والدعم المادي لإسرائيل خاصة من يهود المهجر.
3- تكوين الاستعداد لدى الأجيال الصهيونية للتوسع والاحتلال والعنف وكراهية العرب، وذلك بحجة إنقاذ الأرض.
4- تأكيد الشعور بالقلق والتوتر لتحقيق استمرارية الإحساس بالاضطهاد عند الأجيال الصهيونية المتعاقبةº لضمان عدم اندماج وانصهار هذه الأجيال في أي مجتمع آخر غير (إسرائيل).
5- إظهار التفوق العبري الحضاري عبر العصور لتكوين الإحساس بالتمايز والتفوق، والشعور بالاستعلاء عند الأجيال الصهيونية الجديدة وعودة الشعب المختار إلى (الأرض الموعودة).
6- تشويه وتقزيم الصورة العربية في نظر الطالب الصهيوني مقابل التأكيد على صورة (السوبرمان) الصهيوني الذي لا يقهر.
7- تربية وتنشئة أجيال صهيونية متعصبة جداً لصهيونيتها ودولتها بكل ممارستها مؤمنة بذلك إيماناً مطلقاًَ.
والواقع أن زعماء الصهيونية وضعوا بروتوكولاً صهيونياً يحث على العنف والعدوان والاضطهاد ضد كل ما هو غير صهيوني، من إجمالي أربعة وعشرين بروتوكولاً، وكل بروتوكول يحوي فكرة أو عدة أفكار في مخطط دولتهم العالمية، وكلها أفكار أو عدة أفكار خطيرة وتدميرية فهي تتحدث عن القوة وارتباطها بالحق، وعن الأزمة الاقتصادية العالمية والمحافل الماسونية والتسلح والعنف ومبرراته، والدعاية وكيف يعالجها اليهود وتدمير الأبنية الحاضرة والتمهيد للاستبداد، والصحافة، وكيف سيطروا عليها وكمموا أفواهها، وإلغاء الديانات غير اليهودية وغيرها من الأفكار الهدامة(12).
ولقد استحدثت السياسة التعليمية الصهيونية الحديثة أفكارها وأهدافها في ضوء ما جاء في البروتوكول الأول للصهاينة والذي جاء فيه: "إن الحق للقوة وإن العنف هو الأصل، وإن الخداع والمكر هما الطريقة التي تسير عليها الحكومات، وإن الشر هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ الخير"، كذلك فقد ورد في نفس البروتوكول: "إن أفضل طريقة للحكم هو العنف والإرهاب وليس النقاش الأكاديمي"(13).
ويتساءل واضعو هذا البروتوكول "ما الذي روض الحيوانات الوحشية التي نسميها نحن أناساً؟ وما الذي سيطر عليهم حتى اليوم؟ ففي الفترات البدائية خضعوا للقوة العاتية والعمياء، وبعد ذلك خضعوا للقانون الذي هو القوة ذاتها في مظهر آخر. ومن هذا نستنتج وفقاً لقوانين الطبيعة أن الحق يكمن في القوة"(14).
والحقيقة أن العنف الصهيوني لم ولن تتوقف حلقاته سواء وفق بروتوكولات صهيونية أو سياسة تعليم صهيونيةº لأن هذا العنف مرتبط بركنين أساسيين هما:
1- ديني توراتي النزعة يدعو إليه الحاخامات اليهود بشكل بعيد تماماً عن روح الأديان السماوية.
2- فكري يتمثل في بروتوكولاتهم التي وضعوها من عشرات السنين، وهي تحثهم على تدمير كل ما هو غير يهودي.
في ضوء هذه الأفكار نجد أن التعليم الصهيوني يواصل تماديه بتربية طلابه على منهج العنف والذي ينطلق من أصول صهيونية واضحة المعالم تعبر عنها جميع مراحل التعليم، وما فيها من دعم الإحساس بالاضطهاد وبغض الآخر وغرس الكراهية والحقد، والتأكيد على أهمية العنف والإرهاب، وتكريس العنصرية والتفوق وتشويه العرب والإسلام والمسلمين(15).
إن مناهج التعليم الصهيونية تستمد أصولها من الشواهد التوراتية القائمة على نظرية الإبادة لدى اليهود، والتي تلي موقع العبادات، كما جاء في سفر العدد (31: 9-10) "وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم، ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم، وأخذوا كل الغنيمة، وكل النهب من الناس والبهائم، وتم ذلك بعد أن قتلوا كل الرجال والملوك".
أما قتل الأطفال والتنكيل بهم فقد حفلت به الكتب والمناهج الصهيونية، وحملت في الأغلب أكثر النزعات إجرامية، وقد ازداد العنف الصهيوني في مناهجهم باستخدام التطور التكنولوجي وأدوات التدمير والقتل لكل ماهو غير يهودي، كما أجمعت المناهج الصهيونية على استخدام العنف والتدمير والعدوان على العربي من خلال:
1- اعتبار اليهود أساس التطور في فلسطين وبغيرهم لن يحدث لها تطور وتقدم.
2- اعتبار فلسطين والجولان أرضاً يهودية والأقطار المجاورة غريبة عنها تاريخياً وعقدياً.
3- اعتبار العرب محتلين للأرض والفتح العربي ماهو إلا غزو تاريخي.
4- وصف العرب بأنهم بدو رحل جاؤوا إلى فلسطين على أنهم غزاة، وقد هدموا حضارة اليهود وعمرانهم.
5- التركيز على تعرض اليهود للظلم بشكل دائم.
6- مساعدة الإنجليز لليهود ليست سوى رد جميل لليهود مقابل خدمات اليهود للإنجليز.
8- التركيز في كل موقع على بدعة الفناء والكارثة التي تعرض لها اليهود من قبل الألمان.
9- وصف العرب أصحاب الأرض بالمعتدين وقطاع الطرق.
10- ردة فعل اليهود ضد الفناء الأوروبي والإرهاب الغربي كانت بإقامة المزيد من المستوطنات.
11- القول بأن سلطات الانتداب مارست الإرهاب ضد اليهود المستعمرين لمنعهم من الإقامة في فلسطين.
12- إظهار قدرة الجندي الصهيوني أمام الجندي العربي والبطولات التي قدمها اليهود مقابل العرب.
13- الادعاء أن الفلسطينيين هم الذين هربوا من ديارهم ولم يطردوا منها.
14- اتهام العرب بالعدوان على إسرائيل.
15- الدعوة الدائمة لإقامة المستوطنات رداً على العرب ودفاعاً عن أرض إسرائيل.
16- تصوير الاحتلال الإسرائيلي بأنه نعمة للعرب وليس نقمة من خلال التقدم والعلم الذي حصل مع مجيء اليهود في فلسطين.
17- عدم الاعتراف بجنسية اليهود في البلدان المختلفة والاعتراف بالقومية اليهودية فقط.
18- حتى يحافظ اليهود على استقلالهم وهويتهم، تجمعوا في مراكز خاصة بهم في كل الدول التي عاشوا بها.
إن التعليم الصهيوني بمراحله المختلفة يهدف إلى ضرورة تفعيل مفاهيم القوة، والعنف، والعداوة، للآخرينº حتى يمكن الضمان لاستمرارية الدولة الصهيونية، فرواد التعليم الصهيوني يعلمون أطفالهم العنف، والعدوان، وكراهية العرب، وتشويه صورة المسلمين، ويطالبون بتربية أطفال العرب على حب الصهاينة وغرس بذور السلام وقبول الآخر.
فمن خلال تحليلنا ودراسة تسعة كتب تعليمية صهيونية، (16) وجد أن المناهج التعليمية الصهيونية تهتم بغرس (ثقافة العنف) و (إبراز سمو العرق اليهودي)، وأن المدارس الدينية التي تحظى بدعم الحكومة الصهيونية تقوم سياستها التعليمية ومناهجها الدراسية بغرس الكراهية، والعداء، والعنف للآخرين خاصة العرب، باعتبارهم من (الأغيار) و (الأمميين)، كما تكرس سمو العنصر اليهودي الصهيوني على غيره من الشعوب، وتؤكد ضرورة وجود علاقة قوية ووثيقة بين طلاب المدارس والجيش، وهو الذي يعني: (عسكرة الطلاب) و (صهينة العسكر)، وقد حرص الكيان الصهيوني على إبراز التميز الثقافي والتعليمي، وإحياء اللغة العبرية التي كانت لغة ميتة مهملة لقرون عديدة، وجعلها لغة التعليم في جميع المراحل الدراسية.
وتعتمد كتب ومناهج التعليم الصهيونية في غرس هذه المفاهيم العنصرية، على أحدث النظريات التعليمية في القراءة، واستخدام الجوانب الفنية الجذابة كالرسم، والصور، والإخراج، وأسلوب المحاورة والمناقشة، وهو الذي يدعو إلى ضرورة الاهتمام بالجانب العلمي والفني في العملية التعليمية والتربوية في الدول الإسلامية، كما أنني أنبه القائمين على المناهج التربوية في الدول العربية والإسلامية لتضمين المقررات المدرسية المعلومات الكافية للتصدي للاتجاه الموجود في بعض الكتب الدراسية في الكيان الصهيوني، خاصة تركيزه على (ثقافة العنف) و (إلغاء الآخرين) و(التفرد والتميز لليهودي)، وادعاءات أن الإسلام للعرب فقط.
ــــــــــــــــ
الهوامش:
1- سمير هوانة، البعد التربوي للكيان الإسرائيلي، مركز دراسات الوحدة العربية، الكويت، الطبعة الأولى، 1986، ص: (248).
2- سعد المرصفي، الخطر اليهودي، مكتبة المنار الإسلامية، ط1، 1413ه، ص: (212).
3- خليل السواجري، التربية العنصرية في الكيان الصهيوني، العدد (53)، من الكاتب العربي، 1999، ص: (219).
4- انطون شلخت، مناهج التعليم الإسرائيلي، مجلة قضايا إسرائيلية، العدد الثالث، 2001م، ص: (87).
5- ثيودور هرتزل، الدولة اليهودية، مركز الدراسات الفلسطينية، ص: (69).
6- آحاد هاعام، فلسفة الصهيونية الثقافية، دار الفكر ببيروت، ص: (128).
7- موسى هيس، روما والقدس، مركز الدراسات الفلسطينية، ص: (71).
8- ارون دافيد جوردون، فلسفة دين العمل، دار الراية للنشر، بيروت، ص: (173).
9- صلاح الزرو، المتدينون في المجتمع الإسرائيلي، رابطة الجامعيين، مركز الأبحاث، الخليل، 1990م، ص: (286).
10- وائل القاضي، التعليم في إسرائيل، جامعة النجاح الوطنية، 2003م، ص: (60).
11- المرجع السابق، ص: (60).
12- شوقي عبد الناصر، بروتوكولات حكماء صهيون وتعاليم التلمود، ط2، بدون تاريخ، ص: (11).
13- المرجع السابق، ص: (12).
14- المرجع السابق، ص: (13).
15- هارون هاشم رشيد، الصهيونية في الكتب المدرسية الإسرائيلية، كتاب المعرفة، وزارة التربية والتعليم، المملكة العربية السعودية، 1418ه، ص: (99).
16- تم تحليل الكتب الدراسية الآتية:
أ- تاريخ علاقة اليهود بالشعوب الأخرى.
ب - يهود وعرب في دولة فلسطين.
ج - التعليم في إسرائيل.
د - الصراع العربي الإسرائيلي في المناهج الأمريكية.
ه - من جيل إلى جيل.
و - القدسº يهوذا والسامرة.
ز- رحلة إلى الماضي.
س - نظام الحكم في دولة إسرائيل.
ش- منهاج وتاريخ الاستيطان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد