بسم الله الرحمن الرحيم
منذ اشتد الصراع بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، ودول الغرب تبذل كل جهدها لحملنا على الانحياز إليها والوقوف بجانبها في هذا الصراع.
ولما كانت شعوبنا الإسلامية، منها من لا يزال يئن تحت وطأة الاستعمار الغربي، ومنها من هو حديث عهد بأساليبه وجرائمه، فقد أخفقت الدعاية الغربية إخفاقاً ذريعاً في إقناع شعوبنا بالانحياز إلى الغرب، ونسيان ماضيه وجرائمه بحجة (الخطر الجديد). ولم يعلن انحيازه إليه إلا من ماتت ضمائرهم، ومن يرتبط وجودهم وكيانهم ومصالحهم الدنيئة الخاصة بالمعسكر الغربي، فجندوا كل إمكانياتهم وجهودهم لخدمة أطماعه على حساب شعوبهم وكرامتها واستقلالها.
عندئذ لجأت العقلية الغربية الماكرة إلى تجنيد (الدين) لخدمة مآربها في هذا الصراع، فأخذت منذ أمد ليس بالبعيد تدعو إلى إيجاد (جبهة مسيحية إسلامية) ضد الخطر الشيوعي، واستعملت لذلك من رجال الدين الغربيين ومن المنتسبين إلى العلم في أوساط المسلمين، من أخذوا ينادون بإيجاد هذه (الجبهة) كحرب صليبية جديدة ضد أعدائهم (الجدد الشيوعيين).
ولقد كان المؤتمر الإسلامي المسيحي العالمي الذين انعقد في بحمدون (لبنان) عام 1954 بدعوة من جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية مناسبة طيبة ليتعرف الواعون من دعاة الإسلام إلى حقيقة هذه الدعوة وأهدافها السياسية، وكان لهم موقف معروف من فضحها وكشفها على حقيقتها، وفضح المتعاملين معهم من بعض أدعياء الدين والعلم من المسلمين، ومع أن المؤتمر قد انبثقت عنه لجنة تنفيذية لمتابع عقد دوراته كل سنتين في عاصمة من عواصم البلدان الإسلامية، فقد ولدت اللجنة ميتة، وبالرغم من محاولات الأمريكيين المستميتين في نجاح هذه الفكرة أمثال القس (هوبكنز) لبعث الحياة فيها خابت آمالهم وعادوا بخفي حنين..!
واليوم تطالعنا الصحف بتجديد المحاولات الغربية الرامية إلى إنشاء تكتل (ديني) باسم الإسلام والمسيحية ضد الشيوعية، مما يدل على أن الاستعماريين الغربيين لا يزالون يحلمون بتحقيق هذه الفكرة، في غفلة من المسلمين واستهتار بوعيهم الذي بدت خطورته تكشف مقاتل الاستعمار في ديار المسلمين.
إن الإسلام والمسيحية يلتقيان في كثير من خطوات الخير والفضيلة والإيمان بالله، ونحن المسلمين والمسيحيين العرب والشرقيين لم نكن يوماً في حاجة إلى من يدعونا إلى التعاون على محاربة (الإلحاد) مادامت ديانتانا قائمتين على أساس الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، بل إننا عشنا متعاونين على هذا الهدف في ظل الحضارة الإسلامية الزاهرة، لم يعكر صفو هذا التعاون بيننا إلا يوم شن الغربيون حملاتهم (الصليبية) على بلادنا في القرون الوسطى، ولئن استطعنا أن ندحرهم بعد حروب دامت مائتي سنة، كلفتنا وكلفتهم أنهاراً من الدماء، وأجيالاً من الضحايا، وتركة مثقلة بالديون لم نتمكن من سدادها حتى اليوم، فإن حملاتهم الاستعمارية على بلادنا باسم (الدين) لم تنقطع بعد، وها هي حرب الجزائر التي تحاول فرنسا أن تصورها للعالم الغربي صراعاً بين الأوربيين وبين المسلمين، ما زالت تدور رحاها الطاحنة المتواصلة منذ ست سنوات كاملة، وهي تفيض بمآسي المذابح والجرائم التي يرتكبها الاستعمار الفرنسي الوحشي ضد شعبنا المسالم في المدن والقرى، وآخرها المجازر الجماعية التي قامت بها القوات الفرنسية والمستوطنون الفرنسيون عند زيارة (ديغول) الأخيرة إلى الجزائر.
فماذا فعل الغربيون (المتدينون) إزاء هذه المأساة الإنسانية التي يبرأ منها السيد المسيح ويلعن مرتكبيها ومسببيها والراضين أو الساكتين عنها؟ إننا لم نسمع إلا في الأيام الأخيرة أن رجال الدين في فرنسا أعلنوا استنكارهم لاستمرار الحرب الجزائرية! وأغلب الظن أنهم فعلوا ذلك إشفاقاً منهم على فرنسا التي هدتها الحرب الجزائرية، وجعلت سمعتها في الحضيض، وشرف جيشها على النعال، ومواردها الاقتصادية في انهيار، لا إشفاقاً منهم على مئات الألوف من ضحايا التعذيب الوحشي الذي يلقاه العزل من أبناء الجزائر، على يد الجيش الفرنسي المهزوم أمام أبطال الجزائر في ميادين الحروب ومعاركها، ولا دفاعاً عن مبادئ المسيح التي تحرم هذه الوحشية القذرة التي يقوم بها الفرنسيون في قطر عربي مسلم يدافع عن حقه في الحرية والحياة الكريمة.
لقد استيقظ الضمير (الديني) لدى الغربيين فجأة! ليدعونا إلى التعاون ضد الإلحاد الذي تنادي به الشيوعية... ومن حقنا أن نتساءل:
أين كان هذا الضمير عندما كان الاستعمار الغربي ولا يزال ينزل ضرباته الثقيلة على شعوب آسيا وأفريقيا، و(يسرق) ثرواتها وكرامتها ومقدراتها؟
أين كان هذا الضمير عندما تعاون الحلفاء الغربيون في الحرب العالمية الثانية مع روسيا الشيوعية حتى أحرزوا النصر على الألمان والطليان وهما شعبان مسيحيان لم يعلنا إلحادهما ولا كفرهما بالمسيح والمسيحية؟
أين كان هذا الضمير عندما اغتصبت إسرائيل فلسطين وشردت سكانها الأصليين، بمعونة هؤلاء الحلفاء، ولا تزال حكومات الغرب وشعوبه تعطف عليها وتمدها بأسباب القوة والبقاء؟
بل أين هذا الضمير الآن بعد أنباء المجازر النكراء التي صبغت أرض الجزائر من جديد بدماء الشهداء الأبرياء؟
أكل هذا في نظر الضمير (الديني الغربي) لا يخالف الدين ولا يدعو إلى الاهتمام به؟ وإنما الذي يدعو إلى الاهتمام هو (الإلحاد) الروسي فقط، دون (الإلحاد) الغربي لاسيما إذا كان إنجليزياً أو فرنسياً أو أمريكياً؟…
إننا ضد الإلحاد، وضد الكفر بالله وبالديانات، لا لأن مصلحتنا المادية تحتم علينا أن نتخذ هذا الموقف كما يفعل الغرب اليوم، بل لأن مصلحتنا الإنسانية، وقيمنا الدينية والاجتماعية تحتم علينا ذلك، غير أننا من الوعي بحيث لا يخدعنا هؤلاء الغربيون عن محاولة استغلالهم الدين مرة أخرى للقيام بحملة (صليبية) جديدة تنبعث عن نفس الأهداف والعوامل الاستعمارية التي حملتهم على حروبهم (الصليبية) ضدنا في القرون الوسطى!..
من أجل هذا نجد من واجبنا أن نقول للرأي العام الإسلامي والمسيحي في بلادنا، ولرجال العلم والدين ومؤسساتهما وخاصة الأزهر: احذروا الوقوع في الفخ (الناسك) فلقد آمنا بمبدأ الحياد السياسي العالمي وقطفنا ثماره!..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد