بسم الله الرحمن الرحيم
تنقسم أهداف المستشرقين في جملتهم من الدراسات الاستشراقية إلى ثلاثة أقسام:
أ - هدف علمي مشبوه، ويهدف إلى:
التشكيك بصحة رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومصدرها الإلهي، فجمهورهم ينكر أن يكون الرسول نبينا موحى إليه من عند الله جل شأنه، ويتخبطون في تفسير مظاهر الوحي التي كان يراها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحياناً، وبخاصة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -، فمن المستشرقين من يرجع ذلك إلى ((صرع)) كان ينتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حيناً بعد حين، ومنهم من يرجعه إلى تخيلات كانت تملأ ذهن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من يفسرها بمرض نفسي، وهكذا، كأن الله لم يرسل نبياً قبله حتى يصعب عليهم تفسير ظاهرة الوحي، ولما كانوا كلهم ما بين يهود ومسيحيين يعترفون بأنبياء التوراة، وهم كانوا أقل شأناً من محمد - صلى الله عليه وسلم - في التاريخ والتأثير والمبادئ التي نادى بها، كان إنكارهم لنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - تعنتاً مبعثه التعصب الديني الذي يملأ نفوس أكثرهم كرهبان وقسس ومبشرين.
ويتبع ذلك إنكارهم أن يكون القرآن كتاباً منزلاً عليه من عند الله –عزوجل-، وحين يفحمهم ما ورد فيه من حقائق تاريخية عن الأمم الماضية مما يستحيل صدوره عن أمي مثل محمد - صلى الله عليه وسلم -، يزعمون ما زعمه المشركون الجاهليون في عهد الرسول من أنه استمد هذه المعلومات من أناس كانوا يخبرونه بها، ويتخبطون في ذلك تخبطاً عجيباً، وحين يفحمهم ما جاء في القرآن من حقائق علمية لم تعرف وتكتشف إلا في هذا العصر. يرجعون ذلك إلى الذكاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيقعون في تخبط أشد غرابة من سابقه، وسنناقش آراءهم في هذا الموضوع في أبحاثنا المقبلة إن شاء الله.
1 ويتبع انكارهم لنبوة الرسول وسماوية القرآن، انكارهم أن يكون الإسلام ديناً من عند الله وإنما هو ملفق عندهم من الديانتين اليهودية والمسيحية، وليس لهم في ذلك مستند يؤيده البحث العلمي وإنما هي ادعاءات تستند على بعض نقاط الالتقاء بين الإسلام والدينين السابقين.
ويلاحظ أن المستشرقين اليهود أمثال جولدزبهر وشاخت هم أشد حرصاً على ادعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه، أما المستشرقون المسيحيون فيجرون وراءهم في هذه الدعوى إذ ليس في المسيحية تشريع يستطيعون أن يزعموا تأثر الإسلام به وأخذه منه، وإنما فيه مبادئ أخلاقية زعموا أنها أثرت في الإسلام، ودخلت عليه منها، كأن المفروض في الديانات الإلهية أن تتعارض مبادؤها الأخلاقية، وكأن الذي أوحى بدين هو غير الذي أوحى بدين آخر، فتعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.
2 التشكيك في صحة الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا المحققون، ويتذرع هؤلاء المستشرقون بما دخل على الحديث النبوي من وضع ودس، متجاهلين تلك الجهود التي بذلها علماؤنا لتنقية الحديث الصحيح من غيره، مستندين إلى قواعد بالغة الدقة في التثبت والتحري، مما لم يعهد عندهم في ديانتيهم عشر معشاره في في التأكد من صحة الكتب المقدسة عندهم، وقد ناقشتهم في ذلك نقاشاً علمياً في كتابي: ((السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)) الذي صدر حديثاً.
والذي حملهم على ركوب متن الشطط في دعواهم هذه، ما رأوه في الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا من ثروة فكرية وتشريعية مدهشة وهم لا يعتقدون بنبوة الرسول، فادعوا أن هذا لا يعقل أن يصدر كله عن محمد الأمي بل هو عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى، فالعقدة النفسية عندهم هي عدم تصديقهم بنبوة الرسول، ومنها ينبعث كل تخبطاتهم وأوهامهم.
3 التشكيك بقيمة الفقه الإسلامي الذاتية، ذلك التشريع الهائل الذي لم يجتمع مثله لجميع الأمم في جميع العصور، لقد سقط في أيديهم حين إطلاعهم على عظمته وهم لا يؤمنون بنبوة الرسول، فلم يجدوا بداً من الزعم بأن هذا الفقه العظيم مستمد من الفقه الروماني، أي أنه مستمد منهم الغربيين وقد بين علماؤنا الباحثون تهافت هذه الدعوى، وفي البحث الممتع الذي نشرناه للدكتور معروف الدواليبي حول هذا الموضوع في أعداد المجلة للسنة الأولى ما يكشف تهافت تلك الدعوى، وفيما قرره مؤتمر القانون المقارن المنعقد بلاهاي من أن الفقه الإسلامي فقه مستقل بذاته وليس مستمداً من أي فقه آخر، ما يفحم المتعنتين منهم، ويقنع المنصفين الذين لا يبغون غير الحق سبيلا.
4 التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسايرة التطور العلمي، لنظل عالة على مصطلحاتهم التي تشعرنا بفضلهم وسلطانهم الأدبي علينا، وتشكيكهم في غنى الأدب العربي، وإظهاره مجدباً فقيراً لنتجه إلى آدابهم، وذلك هو الاستعمار الأدبي الذي يبغونه مع الاستعمار العسكري الذي يرتكبونه..
تلك هي الأهداف العلمية التي يعمل لها أكثرهم أو جمهرتهم الساحقة.
ب الأهداف الدينية والسياسية، تتلخص فيما يلي:
1 - تشكيك المسلمين بنبيهم وقرآنهم وشريعتهم وفقههم، ففي ذلك هدفان ديني واستعماري.
2 - تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري، يدعون أن الحضارة الإسلامية منقولة عن حضارة الرومان، ولم يكن العرب والمسلمون إلا نقلة لفلسفة تلك الحضارة وآثارها، لم يكن لهم إبداع فكري ولا ابتكار حضاري، وكان في حضارتهم كل النقائص، وإذا تحدثوا بشيء عن حسناتها وقليلاً ما يفعلون يذكرونها على مضض مع انتقاص كبير.
3 - إضعاف ثقة المسلمين بتراثهم، وبث روح الشك في كل ما بين أيديهم من قيم وعقيدة ومثل عليا، ليسهل على الاستعمار تشديد وطأته عليهم، ونشر ثقافته الحضارية فيما بينهم، فيكونوا عبيداً لها يجرهم حبها إلى حبهم أو إضعاف روح المقاومة في نفوسهم.
4 - إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين في مختلف أقطارهم عن طريق إحياء
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد