الاستشراق علم غريب أم استعمار جديد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يصرّ البعض على استخدام صور النعامة التي تدفن رأسها في الرمال لوصف من يُتهمون بالغفلة؟

ولقد أشار علماء الحيوان أن النعامة مظلومة بهذا الوصف، وليس مهماً أن تكون النعامة مظلومة أو ظالمة، ولكن كيف يمكن أن نصف من يزعمون أن الاستشراق قد انتهى، أو قد ضغف، أو أنه أُضعف في الفروع المعرفية في الجامعات الغربية منذ بدأ؟ على الأقل فلنقف موقف المحايد دون إفراط أو تفريط، ودون مبالغة أو لا مبالاة.  

والحقيقة أن الاستشراق قد شغل حيّزاً كبيراً في الكتابات العربية، وقد بالغ البعض في ذمّه، بينما رأى البعض الآخر أن الاستشراق إنما هو جهد علمي محض لدراسة الشرق، ورأوا في المستشرقين المثال في المنهجية والإخلاص والدقة وغير ذلك من النعوت المادحة.

كتب المستشرقون في القرآن والسُنّة واللغة والتاريخ والاجتماع والسياسة، وقد صدرت كتابات كثيرة تتناول تعريفه ودوافعه ونشأته.

 

التعريف القديم والجديد:

والاستشراق حسب الموسوعات تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق، ويطلع على كل ما يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم، ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامّة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة، معبّراً عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما.

ولكن بعيداً عن التعريفات القديمة الفضفاضة يرى د. مازن مطبّقاني مدير مركز المدينة المنورة للدراسات الاستشراقية أن القضية ليست قضية تعريف قديم أو جديد "فالغرب تخلى عن هذا المصطلح منذ عام 1973 في مؤتمر المستشرقين الدولي الذي عقد في باريس، فذهب الاسم وبقي المسمى، ولقد تمّ استبدال كلمة استشراق بالدراسات الشرق أوسطية Middle east studies وهذا ما عبّر عنه المستشرق الفرنسي فلوريال سانغوستان Floréal Sanagustin مدير مركز الدراسات العربية في دمشق عندما التقيناه فقال: "كلمة الاستشراق هذه كلمة سلبية نوعاً ما، ولقد انتقد إدوارد سعيد الاستشراق بشكل لاذع، ونحن الآن في مرحلة ما بعد الاستشراق، لذلك يمكننا تسميتها دراسات شرقية أو شرق أوسطية.. "، إلا أن د. مطبّقاني عاد ليؤكد أن كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" أعاد الغربيين رغماً عنهم لاستخدام هذا المصطلح، ولكن بدلاً من أن تتم اليوم دراسة الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخاً واجتماعاً وسياسة واقتصاداً ضمن كلية واحدة أصبح بإمكان المتخصصين في كلياتهم المختلفة أن يدرسوا العالم الإسلامي بشكل مجمل.

وهذا ما أكّده طلاب من الجامعة الأمريكية (عثمان محمد، كاترين جمعة، غسان إبراهيم وغيرهم..) بأن هناك مواداً يُجبر الطالب في أي كلية كان على أن يدرسها، وهذه المواد تسمّى Civilization Sequence (CS) وفيها دراسات حول الاستشراق، والمفكرين العرب والمسلمين وغيرهم، وقراءة لهم من وجهة نظر غربية خاصة وأن "معظمهم علمانيون أو ملاحدة درسوا في الخارج.. " كما يقول عثمان محمد (متخرج من الجامعة الأمريكية 23 عاماً).

 

الأهداف والآثار:

وحتى لا نكون متحاملين على الاستشراق لا بد لنا من تحديد الأهداف التي تدفع الغربيين للدراسات الشرق أوسطية.

يقول د. نظام يعقوبي (خبير اقتصادي ومتخصص في الدراسات الاستشراقية من البحرين): "هناك أهداف استعمارية لها صلة بالجهات الاستخباراتية، وهناك أهداف علمية بحتة، ومثالاً على هذه الأخيرة نرى أن المستشرق إيوارلد فهرس المخطوطات العربية في مكتبة برلين في 50 سنةº وفِهرِسُه للمخطوطات العربية في برلين مطبوع قبل 150 عاماً في 10 مجلدات ضخمة، وهو أفضل فِهرس للمخطوطات العربية في العالم إطلاقاً، وهذه المستشرقة اليهودية حوّاء لازارس يافث كتبت بحثاً عن أساليب الإمام الغزالي في كتبه، وتوصلت إلى طريقة بحثية قارنت فيها بين جميع كتب الغزالي مستخلصة كل الجمل التي يرددها، واعتبرت أن القاسم المشترك بين كتاباته يمكن تسميته أسلوب الإمام الغزالي في الكتابة، وبذلك يمكنها أن تحكم على بعض الكتب المنسوبة إليه إن كانت فعلاً من مؤلفاته.. ".

أما أومسبي غو وزير المستعمرات البريطاني فقد قال في تقريره لرئيس حكومته بتاريخ 9/1/1938: "إن الحرب علّمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تحذره وتحاربه، وليس الامبرطورية وحدها بل فرنسا أيضاً، ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة، وأتمنى أن تكون إلى غير رجعة.. " وعلى نفس النسق الهجومي على الإسلام كان المستشرق غولدزيهر وشاخت وغيرهم.

ولقد فصلّ د. مطبّقاني هذه الأهداف بخمس أساسية تتجلى في: الهدف الديني، والهدف العلمي، والهدف الاقتصادي التجاري، والهدف السياسي الاستغلالي، وأخيراً الهدف الثقافي، واعتبر أن معظم هذه الأهداف تركت آثاراً في العالم الإسلامي في المجالات العقدية والتشريعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

 

حتى نكون منصفين:

وليس من العدل أو المنطق أن نقع في الخطأ الذي نأخذه على بعض المستشرقين، فنصدر التعميمات الجزافية ضدهمº خاصة وأن هناك بعضهم امتدحوا العرب والمسلمين، وبُهِروا بتاريخهم، فعلى سبيل المثال تحدث المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون في كتاب حضارة العرب عن ظهور الإسلام، وحالة العرب حينذاك، ثم امتدح الفتوحات الإسلامية وقال: "إن العالم لم يشهد فاتحاً أرحم من العرب"، وعلى الرغم من أن كتاب لوبون "فيه بعض المغالطات الفكرية والتاريخية" كما يقول د. مطبّقاني إلا أنك إذا تصفّحت هذا الكتاب فإنك تجد فيه بعض العبارات والكلمات التي أنصفت الإسلام والمسلمين نقتطف منها:

"وإذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمدٌ من أعظم من عرفهم التاريخ"، "ولم ينتشر الإسلام بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنق الإسلامَ الشعوبُ التي قهرت العرب كالترك والمغول.. ".

 

مراكز ومعاهد وجامعات استشراقية:

ونظراً لأهمية هذا العلم نرى أن كثيراً من الجامعات أفردت أقساماً له كقسم الدراسات الشرق أوسطية في الجامعة الأمريكية في بيروت، في حين انتشرت الكثير من المعاهد والمراكز الاستشراقية في مختلف الدول العربية كمركز غوتة الألماني في لبنان، والمعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق، ومركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق في المملكة العربية السعودية.

 

الجامعة الأمريكية ومركزها الاستشراقي:

على الرغم من أن الجامعة الأمريكية أحدثت قسماً جديداً للدراسات الشرق أوسطية CAMES (center of Arab & middle east studies) فإنّ د. مازن مطبّقاني يؤكّد أن الجامعة الأمريكية والجامعة اللبنانية الأمريكية هما من أهم المراكز الاستشراقية بشكل عام في الشرق الأوسط، خاصة وأنه تابع بعض الطلاب الذين جاؤوا من قسم الاستشراق في الجامعة التي يُدرِّس فيها (وهي جامعة الإمام محمد بن سعود) لإجراء دراسات مفصلة عن مناهج الجامعة الأمريكية.

ولكن بعيداً عن هذه المسألة فقلد التقينا بطالبتين من المركز الاستشراقي في الجامعة الأمريكية، وتعرّفنا عليه عن كثب.

تقول كاري يورك (26 سنة، أمريكية، تحضر رسالة الماجستير) أن هذا القسم يهتم بدراسة الشرق الأوسط من تاريخه إلى سياسته واقتصاده، إلى كل ما يتعلق بشؤونه، وتضيف أن هناك 25 طالباً وطالبة يدرسون معها، ولكن كل واحد منهم يستطيع اختيار المواد التي يريدها على أن لا تتجاوز الثمان مواد.

كاترين جمعة (26 سنة، لبنانية، طالبة في نفس القسم) اختارت حتى الآن 4 مواد هي: الإسلام والسياسة، والمدارس الفكرية في الإسلام، وموضوعات متفرقة حول الإسلام (Seminar) بالإضافة إلى اللغتين الفارسية والعبرية، ولكنها قالت: "إن من يدرّسون بعض المواد متحاملون كثيراً على الإسلام.. "، وهذا ما أكّدته كاري التي أخذت مادة الدراسات القرآنية قائلة: "للأسف إن مدرّس هذه المادة لا يعطينا وجهتي النظر، وهو غير موضوعي لأنه لا يعطينا إلا وجهة النظر المعادية للإسلام".

ومن المستغرب في هذا القسم أن معظم طلابه هم من الأجانب، وتقول كاترين "هناك حوالي 25 طالباً كلهم أجانب، وأنا اللبنانية الوحيدة فيه! وما يشككني أكثر في أهداف القسم أن نائب رئيس الجامعة يدرس معنا وهو يهودي متخرج من جامعة بيرزيت"، أما كاري يورك فتعتبر أنه رغم وجود "كثير من الأشخاص الذين يهدفون من دراسة الشرق الأوسط أهدافاً استعمارية" فإنها تستفيد من دراستها لشغفها بالإطلاع على التاريخ العربي، ولحبها للأسفار وربما "لرغبة منها بالعمل في السفارات أو في السلك الدبلوماسي في الأمم المتحدة".

 

المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق:

كثيراً سمعنا عن هذا المعهد وأنه من أهم المعاهد في الشرق الأوسط لناحية الأبحاث التي نشرها، والنشاطات التي قام بها، لذلك كان لا بد من زيارة له في مركزه لإجراء مقابلة مع رئيسه.

ولعل اللافت في هذه الزيارة والمقابلة أن فلوريال سانغوستان (مدير المركز) يتكلم العربية الفصحى أكثر من العرب أنفسهم.

 

س: متى أنشئ المركز؟

ج: أُسس المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق عام 1922م، وهو تابع لوزارة الخارجية الفرنسية. وكان في البداية يهتم بالآثار والفنون الإسلامية، ثم مع مرور الأيام تخصص في كل مجالات الاستشراق والحضارة العربية والإسلامية خاصة ما يتعلق منها بالقسم الشرقي من العالم العربي.

س: ما هو الهدف من المعهد؟

ج: لقد اهتمت فرنسا منذ فترة طويلة بالشرق، وليس فقط الشرق الأوسط بل بالصين أيضاً واليابان وغيرها، وهناك معهد للغات الشرقية في باريس تُدرّس فيه معظم اللغات والحضارات والنصوص الشرقية، كما أن هناك قسم باللغة العربية وآخر باللغة العِبرية واليابانية وغيرها، والهدف من هذه المعاهد بشكل عام هو تخريج ديبلوماسيين أو صحافيين أو باحثين لذلك نرى مثلاً أن السفير الفرنسي في سوريا يجيد اللغة العربية بطلاقة.

س: ما هي نشاطات المعهد؟

ج: هناك عدّة نشاطات وتتجلى فيما يلي:

1. الطباعة والنشر: وقد نشرنا منذ 70 سنة وحتى الآن 196 كتاباً متخصصاً بالأدب العربي، والتاريخ، وفقه اللغة، ومعظم هذه الكتب منشور باللغة الفرنسية، وبعضها باللغة العربية.

2. تأهيل الباحثين الشباب: الذين وصلوا لمرحلة الدكتوراه، ومنهم فرنسيون، وبعضهم أمريكيون وأجانب، وقد تخصصوا في الحضارة العربية والإسلامية، ونقوم بالإشراف على أعمالهم ونمنحهم بعض المنح الحكومية، ونعمل على تأهيلهم كباحثين حتى يصبحوا خبراء جامعيين في فرنسا وغيرها.

3. تنظيم وإقامة ندوات محلية وعالمية وسوف نقيم قريباً ندوة عالمية عن تيار الإصلاح الديني في المجتمعات العربية حول عبد الرحمن الكواكبي، ودعونا الكثير من الزملاء اللبنانيين، والمصريين، والسوريين، والفرنسيين، ومعظم المداخلات ستكون باللغة العربية، وسنعمل فيما بعد على نشر أعمال هذه الندوة.

4. المكتبة: نستقبل كثيراً من الباحثين الذين يزورون مكتبة المعهد "القيّمة" التي تجمع أكثر من 100 ألف كتاب باللغة العربية، وبمعظم اللغات الغربية، ونحاول دائماً أن نتابع حركة النشر في العالم العربي حتى نضع تحت متناول الباحث معظم المراجع الأساسية والمهمّة.

س: هل نظّمتم دورات في اللغة العربية؟

ج: أعتقد أن الباحث الأجنبي إذا أراد التخصص في الحضارة العربية عليه أن يُحكم اللغة، ولا يستطيع فقط الاستناد إلى كتب ترجمة، لأن الترجمة هي نوع من الخيانة لذلك لا بد من الرجوع دائماً إلى الأصل.

ولهذا نظّمنا منذ 15 سنة دورة لغوية مكثّفة للباحثين الأجانب في اللغة العربية الفصحى، واللهجة المحكية حتى يتمكنوا من قراءة النصوص، ويجروا المقابلات مع الناس.

س: ما هي اهتماتك الاستشراقية واهتمامات الدارسين للشرق الأوسط الآن؟

ج: أنا اهتمّ بتاريخ الفكر القديم، وكانت رسالة الدكتوراه التي أعددتها عن ابن سينا، وحالياً في فرنسا يوجد جيل جديد من الباحثين اللغويين مثل جورج بوهاس، وجان باتي غيوم، والمؤرخين كمدير المعهد السابق تيري بيانكي، وبرهان غليون من جامعة السوربون، وفي القضية الفلسطينية نجد جان فرانسوا لو غران، أما في الفلسفة فعندنا هنا في المعهد جان لويس لوبيتير.

س: هل تتعاونون مع مراكز ثقافية أخرى؟

ج: هناك تنسيق مع الجامعات السورية، ونقوم بنشاطات مشتركة مع المراكز الأخرى كالمركز الإيراني (المستشارية الإيرانية)، كما لنا علاقات بالمراكز الفرنسية الأخرى مثل مراكز الآثار، والمركز الفرنسي في بيروت.

 

مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق:

قبل عشرين سنة تقريباً تأسس قسم الاستشراق بكلية الدعوة في المدينة المنورة، وهدفه التعريف بالكتابات الاستشراقية حول الإسلام والمسلمين، ومحاولة الرد عليها، وكانت طموحات القسم كبيرة في ابتعاث عدد من الطلاب لدراسة اللغات الأجنبية، والمشاركة في المؤتمرات، وإقامة عدة ندوات، وكانت الطموحات أكبر بكثير من الإمكانات التي أتيحت، ورغم أن البداية كانت قوية جداً لكن تغير إدارات الجامعة والأشخاص أدى إلى برود في دعم هذا القسم حتى توقف برنامج الماجستير في القسم قبل أربعة أعوام.

وكان د. مطبّقاني مدير مركز المدينة المنورة أول من حصل على درجة الدكتوراه في قسم الاستشراق، وحضر بعض المؤتمرات والندوات في أوروبا وأمريكا والدول العربية، ورأى في الإنترنت وسيلة ممتازة لنشر الفكر، فقرر إنشاء المركز كموقع على الإنترنت في البداية لينطلق بعدها للعمل في الواقع.

والمركز يحاول الإطلاع على الكتابات الاستشراقية، ويشارك في المؤتمرات والندوات، ويقدم المحاضرات، كما أن له نشرة شهرية تقدم معلومات مهمة عن الاستشراق من خلال الأبواب الثابتة فيها والتي يؤمل أن تصبح أول مجلة عربية تتناول علم الاستشراق في الغرب.

ومن اهتمامات المركز قضايا المرأة، واهتمام المستشرقين بها، وكذلك تقديم صورة واقعية عن المرأة الغربية، ويقدم المركز الإجابات على الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن حول الاستشراق والمستشرقين، وكذلك حول الاستغراب وغير ذلك من الأمور.

يقول د. مطبّقاني: "لقد أُنشئ المركز لهذا الهدف، ومن المؤمل أن يسعى إلى تحقيقه - بإذن الله -، فإذا كان عدد زواره خلال السنتين الماضيتين زاد على الأربعين ألف زائر مع العلم أن بعض الزوار ينقل المادة العلمية، ويقوم بتوزيعها على آخرين فيكون عدد الزائرين أكثر من ذلك بكثير".

 

مواجهة الاستشراق:

لعل انتشار المراكز الاستشراقية في الأحضان العربية يدفعنا إلى التساؤل عن أجدى الوسائل لمواجهة جهوده، إلا أن الإجابة على ذلك ليست بالأمر الهين إذ كيف نواجه أمراً نجهله أو نعرف عنه بعض الأمور ونجهل أموراً كثيرة.

يقول د. مطبّقاني: "لا بد أن نتعرف على الاستشراق معرفة دقيقة منذ نشأته وحتى اليوم، وهذه المعرفة لا تتطلب أن نعرف كل ما كتب وما يكتب في مجال الدراسات العربية والإسلامية في الغربº بل نعرف القضايا الكبرى التي يتبناها المستشرقون، لأننا لو أردنا أن نرد على كل كلمة لما وسعنا الوقت والجهد، وإنهم ليفرحون بأن ننشغل بمثل هذا الأمر.

وإن كان الكثير منّا يرى أن التعليم في الجامعات الغربية يوفر لطلابنا أن يتلقوا العلم في جو علمي يوفر لهم الإمكانات والمنهجية العلمية، فمتى تصبح جامعاتنا جامعات حقيقية توفر الفرص التعليمية الصحيحة، فلا يعيش الطالب في الجامعة العربية مضطهداً مكسور الخاطر، يستأسد عليه الأساتذة والإدارات الجامعية، ويتفنون في إذلاله حتى إذا خرج إلى الواقع بعد نيل الشهادة صب جام غضبه على من يَتتلمذ على يديه.

إن مواجهة الاستشراق تكون أيضاً بأن ننقل من كوننا ذاتاً مدروسة إلى ذات دارسة، ومن ذات موضع الدراسة إلى ذات تجعل غيرها موضع الدرس، وأن نتخلص من عقد النقص التي فينا، وأن نقضي على عقدة الاستعلاء لدى عدونا، وهو ما يمكن أن نفعله حين نهيئ عدداً من أبنائنا المقيمين في الخارج لدراسة أوضاع المجتمعات الغربية. وأذكر مثالاً هنا أن أحد الطلاب العرب الذين يدرسون القانون في أمريكا أراد أن يدرس قضية بنوك الحيوانات المنوية من النواحي القانونية فأشار إليه أستاذه أن هذه المسألة شائكة، ولا ينبغي له أن يتصدى لها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply