المستشرق النمساوي محمد أسد (ليو بولد فايس) كما لا يعرفه الكثيرون


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

محمد أسد (1900- 1992م) صحفي نمساوي يهودي، وُلِد بإقليم من أقاليم بولندا كان تابعاً آنذاك للإمبراطورية النمساوية، وكان يسمى ليوبولد فايس، ثم دخل في الإسلام سنة 1926م بعد أن رحل إلى الجزيرة العربية أيام الملك عبد العزيز آل سعود، ثم انتقل بعد ذلك إلى شبه القارة الهندية حيث توثقت بينه وبين العلامة إقبال عُرَى الصداقة، وظل يساعد في إذكاء نهضة الإسلام في تلك البلاد إلى أن انفصلت الباكستان عنها، فانتقل إلى الإقامة في الدولة المسلمة الجديدة، واكتسب جنسيتها، وأصبح مندوبها الدائم في الأمم المتحدة حتى عام 1953م.

وقد تزوج أسد ثلاث مرات: أُولاها بإلزا التي أسلمت معه ولكنها لم تُعَمَّر طويلاً، فاقترن بامرأة عربية رُزِق منها ابنه الوحيد طلال الأستاذ بإحدى الجامعات الأمريكية ثم انفصل عنها، وأخيراً تزوج بولا حميدة الأمريكية التي أسلمت هي أيضاً.

كما ترك أسد عدة كتب تُرجِم بعضها إلى العربية: "الطريق إلى مكة"، و"الإسلام في مفترق الطرق"، و"منهاج الحكم في الإسلام"، وبعضها الآخر لم يترجم بعـــد إلى لغــة الضاد حسب علمي، وهى ترجمته الإنجليزيــة للفرآن الكريم واسمهــا: ”The Message of the Quran"، وترجمته لقسم من "صحيح البخاري" بعنوان "Sahih al-Bukhari _ The Early Years of Islam "، وبقية سيرته الذاتية، وعنوانها: "Coming Home of the Heart" ...إلخ.

والذين يعرفون أسد في العالم العربي إنما يعرفونه في الغالب من خلال كتبه المترجمة إلى العربية، وهذه الكتب ليس فيها تقريباً ما يمكن الاختلاف معه بسببه، لكن الأمر يختلف بالنسبة لترجمته للقرآن، وإلى حد ما بالنسبة لترجمته لـ"صحيح البخارى"، إذ نراه في الأولى مثلاً ينكر معجزات الأنبياء، ويُجَوِّز عليهم الوقوع في الأخطاء والخطأيا مثلهم في ذلك مثل أي شخص آخر، كما يؤوّل الجن والشياطين والملائكة ونعيم الجنة وعذاب النار تأويلاً رمزياً، فضلاً عن أن له في مجال الفقه آراء غريبة ليس من السهل هضمها أبداً، وهو ما يجهله قراؤه العرب، وما يبدو الإسلام معه شيئاً آخر غير الذي نعرف.

وكل ما أرجوه ألا أكون قد ظلمت الرجل أو أسأت إليه، فلقد كنت شديد الانبهار بقصة إسلامه وكتاباته المترجمة إلى لغتنا، إلى أن اطَّلَعتُ على ترجمته للقرآن الكريم، ووجدت فيها تلك الآراء الغريبة فخفَّ انبهاري، وحَلَّت محلَّه نظرة نقدية تريد وضع الأمور في نصابها الصحيح، مبتغية بذلك وجه الله وحده، وهو نعم المولى ونعم النصير!

وسوف أبدأ بدراسة هذه الترجمة لأنها تتضمن آراء أسد التي لا يعرفها جمهور قرائه العرب، وستكون أولى خطواتنا في هذه الدراسة هي تناول الناحية الفنية في الترجمة، أما آراء كاتبنا الغريبة فيجدها القارئ في هوامش هذه الترجمة، وسوف نتعرض لها لاحقاً بعد الانتهاء من الناحية الفنية:

 

- ترجمة أسد للقرآن الكريم:

صدرت ترجمة محمد أسد للقرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية عام   1980 م عن "دار الأندلس" بجبل طارق، وكانت قد صدرت طبعة محدودة تضم السٌّوَر التسع الأولى قبل ذلك بستة عشر عاماً، وتقع الترجمة الكاملة في ألف صفحة من الصفحات الكبار، ويشغل الجزءَ العلوىَّ من كل صفحة النصٌّ القرآنى في الناحية اليمنى، وترجمته الإنجليزية على اليسار، أما الجزء السفلىّ فيضم الهوامش التفسيرية، والتعليقات الفنية الخاصة بعملية الترجمة...إلخ، وفي بداية كل سورة يطالع القارئ تمهيداً يتحدث عن تاريخ نزولها، والموضوعات التي تتعرض لها وما إلى ذلك.

ولا شك أن ترجمة مثل هذه تحتاج إلى دراسة علمية مفصلة تليق بها وبصاحبها، ولست أعلم أحداً نهض بهذا العبء من قبل، وكنت قد رأيت نسخة من هذا الكتاب لأول مرة في لندن في إحدى المكتبات التي تبيع الكتب العربية والإسلامية عام 1981م، ثم وجدت نسخة أخرى في مكتبة كلية التربية بالطائف عام 1991م، واستعنت بها في كتابي عن سورة "الرعد"، ثم لما عدت إلى مصر شرعت أبحث عنها فعثرت على نسخة منها في مكتبة جامعة القاهرة صوَّرتُها وأنا في غاية الانشراح، وهذه الصورة هي التي اعتمدتُ عليها في دراستي لسورة "المائدة"، التي خالفت فيها أسد في بعض ما قاله عن عقوبة الحرابة، وهأنذا أجد في الدوحة نسخة أخرى سهّل لي استعارتها من وزارة الأوقاف القطرية الأستاذ أحمد الصِّدّيق الشاعر الإسلامي المعروف، فله أجزل الشكر على هذه المعاونة القيمة، وهى النسخة التي اعتمدت عليها في وضع هذه الدراسة.

وبالمناسبة فقد وجدت بعد أن انتهيت من تأليفها نسخةً أخرى هنا في مكتبةٍ, يملكها رجل باكستانى فاشتريتها.

وقد لاحظت أن أسد - على طول ترجمته كلها - لم يسمّ قط رب العزة باسم "الله" مُؤثِراً استعمال كلمة "God"، ولا أدرى السر في ذلك، وهو نفسه ما فعله في ترجمته لـ"صحيح البخارى"، إن كلمة "الله" هي اسمُ عَلَم، وأسماء الأعلام لا تتغير في الترجمة، بل تبقى على حالها كما هو معروف، وإذا كان سافارى وبيرك مثلاً في ترجمتيهما للقرآن إلى الفرنسية قد صنعا مثل هذا فمن السهل أن يُفَسَّر ذلك بأنه كراهية منهما لهذا الاسم الكريم الذي يُعرَف به المولى في دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، لكن ماذا عن أسد نفسه الذي ترك دينه وأسماء الإله فيه إلى الإسلام وإلهه؟ ترى لماذا تخلى بتلك البساطة عن هذه الخصوصية الإسلامية الجميل

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply