المغرب في حالة استنفار وترقب


  

بسم الله الرحمن الرحيم

قصاصة خبرية انفردت بها وكالة المغرب العربي للأنباء، وهي وكالة رسمية مغربية، أعلنت مصالح الأمن المغربي أنها تمكنت من تفكيك 'خلية إرهابية قيد التشكل ' تتكون من17 عنصرا يشتبه في ارتباطها ب'حركة إسلامية متطرفة ' لها صلات بالمجموعات الناشطة بالحدود العراقية وتقيم روابط وثيقة بتنظيم القاعدة.

 

وقالت مصادر أمنية أن المدعو خالد أزيك [طالب بسوريا دخل المغرب في شهر يونيو الماضي] ومحمد الرحا [بلجيكي من أصل مغربي دخل المغرب في شهر29 شتنبر الماضي] قاما بربط اتصال ببعض المغاربة الأفغان سابقا من بينهم اثنين كانا من بين معتقلي قاعدة غوانتانامو الأمريكية هما إبراهيم بنشقرون ومحمد مزوز اللذين يتابعان في قضية أخرى إلى جانب ثلاثة متهمين آخرين في حالة سراح مؤقت بتهم 'الانتماء لعصابة إجرامية وعدم التبليغ بجريمة المس بأمن الدولة ومساعدة عصابة من المجرمين عبر تحويل وتسليم أموال لمغاربة يقومون بأفعال ضد مصالح المغرب وتزوير جواز سفر مستعمل'.

وقدم المتهمون إلى المحكمة ووجهت إليهم تهم الإعداد لعمليات إرهابية دموية بالمغرب في شهر دجنبر ضد أهداف يهودية وسياحية وحكومية.

 

1- خطتان لا خطة واحدة:

وجاء الإعلان عن هذا 'الصيد الثمين' في وقت شرع فيه المغرب بمراجعة ملفات المعتقلين الإسلاميين الذين ألقي القبض عليهم قبل وبعد تفجيرات 16 ماي 2003، والذين قارب عددهم 3000 معتقل. وبالفعل أعيد النظر في حالات كثيرة وأطلق سراح دفعات من المعتقلين بعد أن تبين أن كثيرا منهم لا ناقة لهم ولا جمل في تلك الأحداث، وبعد أن خاضوا كلهم أو جلهم إضرابا عن الطعام استغرق شهرا كاملا، ورفعت تقارير حقوقية مغربية ودولية حول الأخطاء القانونية والحقوقية المرتكبة في حقهم من الإدارة المغربية. ويبدو المغرب كأنه بدون خطة واضحة في مكافحة الإرهاب، أو بالأحرى كأن له خطتان لا خطة واحدة، أو خطة برأسين وتدبيرين. فهناك يد للتعذيب والاعتقال والتجريح ويد ثانية للمراجعة والتصحيح والتسريح.

 

فمن جهة أولى، هناك خطة الاستئصال التام التي لا تميز بين هذا وذاك، وتحصد في طريقها كل مشبوه فيه، وكل من له علاقة مهما كانت بأحد المتهمين والمشكوك في علاقتهم بالسلفية والسلفيين. ومن المعروف أن المغرب انخرط مبكرا في 'الحملة الأمريكية ضد الإرهاب' غداة أحداث 11 سبتمبر 2001، ولم يستطع أن يقاوم الضغط الأمريكي الشديد عليه. وهكذا تسلم قيادة تنفيذ الحملة الأمريكية عناصر استخباراتية معروفة بتعاونها المكثف مع المخابرات الأمريكية، بل إن المغرب يتعاون في هذا الأمر مع مخابرات أوروربية قريبة مثل فرنسا وإسبانيا وبلجيكا، غير أنه في الوقت نفسه يواجه الخطط الاستخباراتية لدول أخرى لا تريد له الاستقرار وتشوش عليه، وتسعى لتليين موقفه من قضايا عربية وإقليمية، وتعتبر قضية الصحراء المغربية الشجرة التي تحاك حولها كثير من الحروب الخفية.

 

وقد ظهر اسم المغرب أخيرا في قضايا التعذيب والسجون السرية، التي أطلق عليها 'المواقع السوداء'، عقب انكشاف الأعمال السرية التي قامت بها المخابرات الأمريكية في دول أوروبية نشرت صحيفة 'الواشنطن بوست' الأمريكية تقريرا عنها، واعترف أحد رجال المخابرات المغربية المغادرين للوظيفة طوعا، بأشكال الخدمات التي كان المغرب يقدمها للولايات المتحدة الأمريكية. واتهم المغرب بأنه يوفر للاستخبارات الأمريكية سجونا سرية لتعذيب معتقلي غوانتانامو، ولو كانوا غير مغاربة مثل محمد بنيام الحبشي البريطاني الجنسية الإثيوبي الأصل.

وبالإضافة إلى هذا، يستعد المغرب لإنشاء وزارة جيدة تدعى وزارة الأمن القومي تكون مهمتها السهر على متابعة قضايا الأمن والإرهاب بالمغرب وتدبير العمليات المختلفة المرتبطة بهذا الملف والتنسيق بين الأجهزة والأجنحة. ويرى بعض المراقبين أن هناك تنافسا على هذا المنصب بين بعض الأسماء المرشحة لتولي هذه الحقيبة، وأن عمليات القبض على 'خلايا الإرهاب النائمة' التي يعلن عنها بين الفينة والأخرى يندرج ضمن أجواء المنافسة نحو المنصب المطلوب، وتعزيز فرص الثقة والتعيين بمنجزات ناصعة وخدمات جيدة.

 

وفي مقابل هذا الضغط الأمريكي والتنافس الاستخباراتي، تنشط جهة ثانية تعمل على المراجعة والتصحيح والتسريح. وهذه الجهة العاقلة تستحضر الضغط الحقوقي الداخلي والدولي المتمثل في الجمعيات الحقوقية المغربية والدولية التي تراقب الوضع في المغرب وتنسق مع الجمعيات المغربية وتنجز تقاريرها السنوية بعد الاستماع إلى شهادات المتخصصين والمعتقلين وأهاليهم. وبرزت بالمغرب في السنة الأخيرة جمعية 'النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين' التي تقوم بمساندة المعتقلين الإسلاميين على اختلافهم وتطالب برفع الحيف عنهم وإطلاق سراح الأبرياء منهم بعد مراجعة الأحكام الصادرة في حقهم، كما تقوم بتأطير عائلات هؤلاء المعتقلين، إذ استطاعت أن تنظم لهم وقفات احتجاجية متعددة أمام السجون المغربية التي يقبع فيها المعتقلون، واستقبلت ممثلين عن منظمات أمنستي وهيومنس رايتس وغيرهما. كما أن بعض الأحزاب السياسية المغربية وبعض الحركات الإسلامية عبرت عن مساندتها لمطالب المراجعة والتصحيح في حق المعتقلين على خلفية تفجيرات الدار البيضاء وضرورة المحاكمة العادلة.

 

2- جماعة العدل والإحسان على الخط

في هذه المرة، ظهر عنصر جديد زاد في توتر الجو المشحون ورفع حالة الطوارئ السياسية والأمنية بالمغرب، ويتعلق الأمر بجماعة العدل والإحسان المغربية التي تروج بين أعضائها وتعلن صراحة أن عام 2006 سيكون عاما حاسما بالمغرب، وأن على الجماعة أن تكون على أهبة الاستعداد للتحول الذي سيقع. ومما ساهم في ارتفاع درجة الحرارة في الطقس المشحون إيمان الجماعة، قيادة وأعضاء، بالرؤى والأحلام في اليقظة والمنام وتأويلها على أنها مبشرات للجماعة بتولي الخلافة والمسؤولية عام 2006 لأن المغرب، حسب شيخها عبد السلام ياسين قد بلغ الحضيض في جميع الجوانب، وأن 'شمس العدل والإحسان' ستطلع على المغرب قريبا جدا. ويتداول أعضاء الجماعة فيما بينهم نبوءة الخلافة الراشدة ويستعدون لها على قدم وساق، في الوقت الذي تواجه فيه الجماعة حملات مضادة لمنهجها وأحلامها، وتوصف هذه الأحلام والرؤى بأنها خرافات ودجل واستغلال لأغراض سياسية واضحة.

 

وعلى الرغم من أن الأستاذ محمد ظريف، وهو أستاذ جامعي ومحلل سياسي مختص في الجماعات الإسلامية المغربية، يعتبر أن هذه الأحلام نوع من التعبئة التي تقوم بها الجماعة، إلا أن مراقبين سياسيين آخرين يرون أن الجماعة تلعب بالنار في بلد معرض للضغط في جو اجتماعي متوتر قد تستغله بعض الأطراف لتصفية الحساب مع الحركات الإسلامية كلها أو جلها.

 

وتتشابه الأجواء الحالية مع أجواء ما قبل تفجيرات 16 ماي 2003 التي سبقت انتخابات 2003، واستغلتها العناصر الاستئصالية للقضاء على حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح. فقد 'هب بعض المسؤولين الحكوميين مباشرة بعد الإعلان عن أحداث 16 ماي إلى تحميل بعض الأطراف السياسية، في شخص حزب العدالة والتنمية، المسؤولية المعنوية في الأحداث، دون تبين من حقيقة ولا دليل، مستغلين الاستحقاقات الانتخابية التي سيدخلها المغرب في شتنبر الموالي والتوقعات بفوز حزب العدالة والتنمية فيها، محاولين الحد من انتشاره وتوسعه. وخرجت أصوات من صلب حكومة إدريس جطو عن طبيعتها الحكومية لتتحدث باعتبارها شخصية حزبية، مثل تصريحات كل من محمد بوزوبع، وزير العدل المغربي، ونبيل بن عبد الله، وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، ومحمد الكحص، كاتب الدولة المكلف بالشباب، وغيرهم من شخصيات جامعية وإعلامية مثل الأستاذ عبد اللطيف أكنوش وجمال براوي وعبد الصمد الديالمي وعبد العالي بن عمور وغيرهم.

 

وقد حاول كل هؤلاء، إلى جانب آخرين، أن يدفعوا حزب العدالة والتنمية إلى التراجع عن مرجعيته الإسلامية كمحدد في سلوكه السياسي، غير أن الحزب خرج سالما من تلك الحملة بفضل تغلب صوت الحكمة والتعقل لدى أصحاب القرار السياسي ولدى قيادته المسؤولة.

 

الاعتقالات الجديدة التي قامت بها السلطات الأمنية المغربية، أخذت تستغلها الجهات الاستئصالية النافذة في بعض الدوائر لتحجيم حزب العدالة والتنمية من جديد والضغط عليه لإسكات صوته بخصوص التطبيع مع الكيان الصهيوني ومع الميوعة الأخلاقية المنظمة. فالمغرب أقر قانون الأحزاب وصوت عليه في البرلمان، ويتوجه نحو انتخابات 2007، وهي انتخابات تنبئ بفوز كبير لحزب العدالة والتنمية واستعداده لتحمل المسؤولية تحت قيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس، ومنذ الآن شرعت القوى السياسية المغربية في الاستعداد والتحالف والاستقطاب وإجراء الحسابات والمعادلات السياسية. فإذا أخذ في الحسبان دخول جماعة العدل والإحسان على الخط، ازدادت الأوراق خلطا وارتباكا، وارتفعت مشاعر التخوف والقلق.

 

3- المغرب هدف حقيقي أم وهمي؟

يجد المغرب نفسه واقعا تحت ضغطين يصب التنسيق بينهما: ضغط القوى الأجنبية التي تدفعه إلى الانخراط في الحرب الوقائية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب، ويصل الأمر به في بعض الأحيان إلى ارتكاب بعض الأخطاء في الحملة، مثل ما وقع في معتقلي تفجيرات 16 ماي 2003، ومثل موقفه السريع من اختطاف المواطنين المغربيين عبد الكريم المحافظي وعبد الرحيم بوعالم. وقد يصل الضغط الأجنبي إلى التقاطع مع مصالح الجهات المعادية لمشاركة الإسلاميين في العمل السياسي، وتوافر الحظوظ أمامهم لتحمل المسؤولية في تسيير المدن والجماعات، وربما الحكومة المقبلة. وهناك الضغط الحقوقي الذي يحتج على انتهاك الحقوق وممارسة التعذيب والتعسف في الاعتقال والأحكام القضائية القاسية.

 

وأمام الفضائح والانتهاكات الأمريكية التي توالت وتتابعت، مثل استمرار الاحتلال العسكري للعراق، والمساندة غير المشروطة للكيان الصهيوني وقضايا التعذيب والسجون السرية ومثل تفكير الرئيس بوش في قصف قناة الجزيرة لولا نصح حليفه البريطاني توني بلير، يصل الأثر لا محالة للدول الحليفة والمتعاونة، ويخشى أن تكون هدفا حقيقيا لتنظيم القاعدة أو لأطراف خفية أخرى لها حساباتها الخاصة.

 

ومن ثم فإن المغرب ملزم برفع حالة الترقب القصوى وأن يكون على يقظة تامة وعلى حذر كامل معا، ومن المفروض عليه أن يحسب تداعيات كل خطوة يخطوها، ويصبح تفكيك خلايا القاعدة شيئا ضروريا ولازما ولكن فهم سبب وجودها والقضاء عليه أمر أوجب وأكثر ضرورة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply