الإسلام الفرنسي أم الإسلام في فرنسا؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

من يتابع الجدل القائم في فرنسا حول وضعية الإسلام داخل الجمهورية سوف يجد نفسه أمام قضية كبيرة جداً تلخصها هذه العبارة: "الإسلام في فرنسا، والإسلام كما تريده فرنسا".

ذلك أن الجمهورية الخامسة تتعامل مع الدين الإسلامي بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها معه كثير من الدول الإسلامية، سواء كانت جمهوريات أو ملكيات، ويخيل للمراقب أنه في مصر، أو في الأردن، أو في تونس، أو في تركيا.

بلدان تتعامل مع دينها الرسمي بحذر، وتسعى لتطويعه وفق تطلعاتها واختياراتها، وتستخدمه لتبرير سياساتها، وتقف حجر عثرة أمام تصاعد صحوته وتوسع الحركات والأحزاب الإسلامية، سواء تلك التي قررت المشاركة السياسية ومضت فيها، أو تلك امتنعت وقاطعت، أو تلك التي تعمل في المجال الثقافي والاجتماعي والتربوي، أو تلك التي تعمل في المجال السياسي بطريقة أو أخرى.

وفي هذا السياق ذهب بعض المراقبين والكتاب الفرنسيين إلى اعتبار فرنسا دولة إسلامية ما دام الإسلام فيها هو ثاني ديانة، وما دامت الجالية المسلمة هي أكبر الجاليات فيها مقارنة مع باقي الدول الأوروبية، وبناء على ذلك قد تطالب فرنسا يوماً ما بالانضمام إلى مؤتمرات القمة الإسلامية، إن لم يكن بصفة العضوية فبصفة المراقب.

الحضور الإسلامي في الغرب عامة - وفرنسا بالخصوص - أثار نقاشاً جديداً وجدلاً مفيداً حول العلمانية، وإعادة النظر في أمرها بمناسبة مرور قرن على قانون 1905.

 

انتماء مزدوج.. خطاب مزدوج:

الانتماء المزدوج تهمة تخرجها السلطات الفكرية والسياسية والإعلامية الفرنسية في وجه مسلمي فرنسا المنحدرين من أصول إسلامية مغاربية ومشرقية كلما وقعت واقعة من الوقائع الدولية الكبيرة، مثل: أحداث 11سبتمبر 2001م، والغزو الأمريكي لأفغانستان، والاحتلال الأمريكي للعراق، وقد تصل التهمة أحياناً إلى التخوين، ولا يتوقف استخدام التهمة عند ذوي النزعات العنصرية الشوفينية مثل: الجبهة الوطنية الفرنسية برئاسة جان ماري لوبان، والحركة الوطنية الجمهورية برئاسة برونو ميغري، والمجموعات اليمينية المتطرفة، ولكنها تمتد إلى أغلب الفاعلين في المجتمع الفرنسي والقوى السياسية ذات اليمين أو ذات اليسار، وقد برزت معالم هذا الاتهام الفرنسي الرسمي في الإعلان القبلي لوزارة الداخلية في نوفمبر عام 1999م بخصوص تكوين المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، إعلان اعتبره فرانسوا فريغوزي الباحث الفرنسي المختص في شؤون الإسلام بفرنسا بمثابة ممارسة عقدة الأبوة تجاه مسلمي فرنسا المتهمين بعدم الانخراط التام في القيم والمؤسسات الجمهورية الوطنية.

وعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة من الفرنسيين ذوي الثقافة الإسلامية هم مواطنون فرنسيون حاصلون على الجنسية الفرنسيةº فإن فرنسا تستمر في تشجيع تدخل الدول العربية الأصلية التي انحدر منها المسلمون الفرنسيون في شؤونهم، وبهذا تمارس فرنسا ذاتها خطاباً مزدوجاً، إذ تنادي ببزوغ "إسلام فرنسي"، ثم تسمح في الآن نفسه للديكتاتوريات العربية الإسلامية بالتدخل في الشؤون الداخلية لمسلمي فرنسا، ولعل أبلغ دليل على هذا الخطاب المزدوج هو تعيين دليل بوبكر رئيساً للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بفرنسا، فالرجل ممثل للدولة الجزائرية، ويؤمن بالمقاربة الأمنية للإسلام بفرنسا في الوقت الذي تتطلع فيه الجاليات إلى التخلص من وصاية الدول الأصلية.

تدخل الدول الأصلية في شؤون مسلمي فرنسا يندرج ضمن سياساتها الخارجية، واهتمامها بالجاليات المقيمة في الغرب لضمان ولائها السياسي والثقافي عن طريق الوداديات، والتحكم في المسارات المعارضة التي يمكن أن تنزلق إليها، وإدراجها ضمن مخططات التنمية وللحصول على العملة الصعبة عن طريق تحويلاتها الماليةº في الزمن الذي ظن فيه المهاجرون الأولون أنهم سوف يعودون إلى أوطانهم الأصلية ولكن مع مرور الوقت، وجمع شمل الأسرة واتساعها، اكتشف هؤلاء أن العودة النهائية حلم يتبخر، وأن الخير والمستقبل في الإقامة النهائية، خاصة بعد الحصول على الجنسية بالميلاد أو بالإقامة، وظل هذا التدخل يمضي تحت عين السلطات الفرنسية وتشجيعها، في تناقض صارخ مع دعوتها المتكررة ببناء "إسلام فرنسي".

 

الإسلام الأصيل و"الإسلام الفرنسي":

الإسلام ليس سعودياً ولا مغربياً ولا باكستانياً ولا أوغندياً، بل ليس عربياً ولا إفريقياً ولا أوروبياً أو أمريكياً وآسيوياً، هو دين لا جنسية له، حسب بيانه القرآني والنبوي وإجماع علمائه، هو إذن دين كوني عالمي خاتم، صحيح أنه يتكيف حسب البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي يحل بها، ويعترف بالعرف السائد إذا لم يكن فيه مخالفة وفساد، ويحقق بذلك أشكالاً من التنوع والتعدد الإيجابي، لكنه لا يفرط في شيء من أصوله وأركانه، وقيمه المتعالية فوق الأعراق والأجناس، والأمم والشعوب، المتجاوزة للأزمنة والعصور والقرون.

ومع أن هذه الحقيقة ثابتة بكل قوة في الماضي والحاضر فإن كثيراً من الأنظمة الحاكمة - بما فيها الأنظمة العربية الإسلامية - حاولت صناعة إسلام يصلح لها وفق لبوس محدد، ولعل ذلك ما شجع فرنسا على اتخاذ بعض الدول الإسلامية قدوة لها في ذلك، وقد أظهرت قضية الحجاب حقيقة هذا الاقتداء في محطتين اثنتين:

الأولى تصريح (الرئيس الفرنسي) جاك شيراك في تونس قبل الإعلان عن قانون يمنع الحجاب في المدارس الفرنسية، حيث زعم أن هذا الحجاب يمثل عدواناً على العلمانية.

والثانية عندما توجه نيكولا ساركوزي - عندما كان وزيراً للداخلية الفرنسية - إلى مصر يستفتي الشيخ طنطاوي في موضوع الحجاب بسبب تأثر مكانة فرنسا في العالم العربي والإسلامي بهذا الموضوع، وقد كان حاضراً عند المسؤولين الفرنسيين ما تفعله كثير من الحكومات العربية والإسلامية بأحكام الإسلام، وكيف تضطهد المحجبات والملتحين والدعاة والحركات الدينية، استجابة لضغوط أجنبية أو لأغراض سياسية ضيقة.

وتسعى عدة قوى ضاغطة في فرنسا إلى تقديم الإسلام على أنه مصدر تهديد دائم للعلمانية وللنسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي، مستغلة في ذلك المناخ الدولي، والأحداث الملتهبة، وبذلك تدفع السلطات الفرنسية إلى تبني الخيار الأمني والمضي فيه، بينما تنظر إليه جهات أخرى على أنه ديانة مثل المسيحية ينبغي التصدي له عن طريق القانون الحاسم معتمدة في ذلك على قانون عام 1905، وبذلك تدفع السلطات إلى تبني الخيار القانوني.

وهذا الأسلوب المزدوج لا يفسح المجال أمام الرؤية الصحيحة للدين الإسلامي كما هو لا كما يصوره الآخرون، ولا حتى كما يعيشه أهله حالياً، ومن شأن وضع كهذا أن يقطع الطريق أمام فرصة تاريخية للعلمانية الفرنسية للتلاقح والتثاقف مع الإسلام، ويعرقل الطريق أمام انبعاث إسلام أوروبي، لكن المقصود هنا تجربة في تنزيل الإسلام على بيئة أوروبية معاصرة، وتلك مسؤولية كبرى يتحملها مسلمو أوروبا، ويوجد مسلمو فرنسا في طليعة المغامرة.

 

مراجعة العلمانية: الإسلام هو السبب:

اشتد الجدل في فرنسا حول مراجعة قانون عام 1905 القاضي الذي يتحدث عن علاقة الدولة بالدين، ويفصل بين الكنسية والدولة، لكنه يجعل الدولة راعية للدين وحامية له، ويقود الجدل المتصاعد حاليا نيكولا ساركوزي (وزير الداخلية السابق في حكومة جاك شيراك، ووزير الاقتصاد) الذي يستعد ليكون الرئيس المقبل لحزب الأغلبية (اتحاد الأغلبية الرئاسية)، والذي لا يخفي طموحاته الرئاسية لعام 2007م، ففي نهاية أكتوبر 2004م أصدر ساركوزي كتاباً حول " الإسلام في فرنسا: الجمهورية، الديانات، الأمل".

وحسب عدد من المراقبين والمحللين فإن هذه الشخصية السياسية الفرنسية ذات حنكة معتبرة، إذ استطاع اختيار التوقيت المناسب لإثارة النقاش والجدل، ففي الوقت الذي تستعد فيه فرنسا للاحتفال بمرور قرن على قانون 1905 أخرج ساركوزي كتابه الجديد مناقشاً فيه وضع الإسلام، ومكانة الدين في المجتمع، داعياً إلى مراجعة القانون، محرجاً كل ألوان الطيف السياسي الفرنسي ذات اليمين وذات اليسار للتعبير عن موقفها، والخروج عن صمتها أمام قانون طال أمده، وتغيرت الظروف والملابسات التي كانت سبباً في وضعه لأول الأمر.

ساركوزي وضع سؤالاً ضخماً بكتابه هذا أمام الجميع وهو: هل ينبغي مراجعة العلمانية وتطويرها لصناعة إسلام فرنسي؟ وبطبيعة الحال فإن كل رجال السياسة لا يجيبون مثل ساركوزي، ولكن ماذا يريد ساركوزي بالضبط؟ وهل الهاجس الانتخابي هو السبب كما تذهب إلى ذلك بعض الأصوات؟ قبل هذا وذاك ماذا قال الرجل؟

عبر الرجل عن مواقفه وأفكاره في كتاب (حوارات)، وقال: إنه كاثوليكي "بالثقافة، والتقاليد، والدين"، ويحضر الصلوات الدينية الأسبوعية وغير الأسبوعية، وإن هذا التدين يجعله منسجماً مع الذات، والهوية، والجذور الثقافية التاريخية، ولذلك "لا يمكن أن نربي الشبان بالاقتصار على القيم الزمنية والمادية، ولا حتى الجمهورية"، وكشف عن لقاءات كثيرة أجراها مع شخصيات كاثوليكية معتبرة ساعدته على التقرب من المناخ العقدي، ومنحته القوة والاهتمام بالقضية، ومشروعية التحرك من أجلها، واعتبر ساركوزي أن الدين عنصر هام من عناصر الحضارة، والتمدن، والحياة العامة، وأن فراغاً كبيراً يحدث عندما يضمحل أو يغيب.

وتساءل "هل من الغريب ملاءمة قانون عمره قرن واحد، واعتمد عندما لم يكن هناك مسلمون في فرنسا؟"، وأعاد التذكير بدعوته على التمييز الإيجابي الذي يفسح المجال أمام المسلمين للاندماج في الحياة العامة، والحياة السياسية الفرنسية، متبنياً اقتراح (رئيس فرنسا الشهير) الجنرال شارل ديغول، القاضي بتخصيص نسبة 10 في المئة من وظائف الخدمة العمومية لمسلمي فرنسا، ورأى أنه "يجب تخليص الإسلام في فرنسا من التأثيرات الأجنبية ومن الأصوليين"، لذلك دعا إلى مشاركة مالية من جانب الدولة أو الإدارات المحلية في بناء مساجد، وتأهيل أئمة.

وتحول الجدل حول هذه القضية الشائكة إلى مواجهة سياسيةº إذ أن الرئيس جاك شيراك أكد أنه من غير الوارد المساس بهذا القانون الذي يشكل رمزاً للعلمانية "أساس النظام الجمهوري"، وزاد رئيس الحكومة جان بيار رافاران من التصعيد بانتقاده الذين "يجازفون بزعزعة توازن جمهوريتنا"، أما( وزير الداخلية والديانات) دومينيك دو فيلبان الذي تولى هذه الحقيبة خلفا لساركوزي فيرفض "فتح صندوق الشرور هذا"، وربما كان دو فيليبان يسابق ساركوزي عندما اقترح على المجلس الفرنسي للدين الإسلامي تمويل البنايات الدينية الإسلامية عن طريق مؤسسة مالية إسلامية خاصة.

واتهم بعض السياسيين ساركوزي المشاغب بركوب موجة الأصولية الأمريكية التي ساهمت في إعادة انتخاب جورج بوش، وقد أكد أخيراً في الصحف أن "الدين والجمهورية متكاملان"، وإلى ذلك ذهب فرنسوا بايرو (وسط) في صحيفة "لوموند" عندما قال: "إن جزءاً كبيراً من النموذج الذي يدافع عنه ساركوزي هو النموذج الأمريكي"، لكن رئيس اتحاد الديموقراطية الفرنسية اعترف بأنه "من الصحيح مشكلة تمويل مجموعة دينية (المسلمون) من قبل قوى خارجية"، أما (وزير الصحة) فيليب دوست- بلازي فقد قال: "يمكننا أن نفهم إطلاق البعض لهذه المشكلة، لكن بلدنا ليس الولايات المتحدة".

لكن جان بوبيرو (أستاذ تاريخ وعلم اجتماع العلمانية في معهد الدراسات العليا في باريس) يرى أن هذا الجدل يفيد في "طرح مشكلة المساواة بين الديانات(...)، وطرح أفكار لا تندرج بالضرورة في إطار اللائق سياسياً"، وأضاف بوبيرو أن "الكاثوليك والبروتستانت واليهود يتمتعون بمبان مجانية لممارسة الشعائر، ولا يملكون المال الكافي لصيانتها، لكن هذا لا ينطبق على الإسلام الذي كان غائباً عن فرنسا في 1905"، إلا أن القانون والقضاء يتضمنان عدة موارد لمساعدة المسلمين من بينها مسجد باريس الذي بني غداة الحرب العالمية الأولى.

ليس صعباً أن يلمح المراقب أن الحضور الإسلامي في الغرب عامة - وفرنسا خاصة -، هو السبب الأول في هذه المناقشات والمناوشات والمراجعات، وذلك باعتراف كثير من المراقبين والسياسيين والمحللين، فالإسلام - كما سلف - ليس ديناً للعرب، أو للأمازيغ، أو لغيرهما، بل هو دين كوني يتجاوز الأعراق والأجناس، ومن يدري فقد ينبعث في دورة عالمية جديدة من الغرب هذه المرة، وليس من مهده الأول، ومهاده الجغرافي التقليدي.

هناك أسباب أخرى لهذا الجدل مثل: السياسة الدينية الأمريكية وأصوليتها الزاحفة، وهناك أيضاً عودة الدين بأشكال وتعبيرات جديدة لكنها تحتل الرتبة الثانية بعد العنصر الإسلامي.

 

العلمانية تتحرك وتتحول:

لا يقتصر الجدل حول مكانة الديني وعلاقته بالسياسي على رجال الدولة والأحزاب فقط، بل عن الجدل أكثر قوة واتساعاً بين رجال الفكر والرأي، ولا يعكس الإعلام ذلك لهيمنة السياسيين عليه، ولسيطرتهم على مسرح الأحداث، ومن يتابع الجدل الفكري سوف يدرك أن العلمانية هي الأخرى تتحرك من مكانها التاريخي، وتتحول متخذة أشكالاُ وحالات نفسية جديدة، وقد قام (الباحث الفرنسي المقتدر) إيميل بولا (بثلاث نقط تحت الباء)، وأمهر المتخصصين في الموضوع برصد هذه التحولات والتشكيلات الجديدة في مجلد ضخم رائد تحت عنوان "علمانيتنا العمومية" (415 صفحة، منشورات بيرغ الدولية 2003)، حيث أكد أن العلمانية الفرنسية حالة متطورة متغيرة وليست قانوناً محدداً، وأن المأساة الحالية للعلمانية تكمن في أنها لم تعد بالنسبة لكثير من العلمانيين سوى جائزة عظيمة، وميراث لا يعرف أحد على وجه التمام مكوناته.

عندما سئل إيميل بولا في مقابلة صحافية طويلة أجراها معه موقع "روليجيو سكوب" عن موقع الإسلام في العلمانية العمومية الفرنسية قال:" إن الإسلام في فرنسا الآن لا يجب أن ينسينا ما كان يذكر به "هيريوت" في سنة 1920 بأن فرنسا بفضل مستعمراتها كانت"قوة إسلامية عظمى"، إن المشاكل التي يطرحها الإسلام اليوم هي ذات مستويين: للدولة (ذبائح عيد الأضحى، رمضان، الأسماء الشخصية في سجلات الحالة المدنية،...) وللمجتمع، والرأي العام في (ما يسمى بالإدماج)، فإذا ما اعترضت عملية بناء مسجد مشاكل ما فإن ذلك ليس خطأ الدولة وقوانينها ولكنها مشاكل محلية بكل تأكيد، أي على مستوى تطبيق القانون الذي يمكن أن توضع أمامه عراقيل، مثل: تصميم التهيئة مثلاً أو استغلال الأراضي.

إن المشكل ليس فقط مشكل حرية ممارسة الشعائر التعبدية التي يضمنها القانونº ولكن المشكل كذلك في معرفة هل سوف يتم القبول بذلك، وبنفس الامتيازات، فهناك شكاوى من كون حرية التدين لا تحظى بالاحترامº لأنها غير معترف بها في إطار جمعية دينية، مع أن الجمعية الدينية لم يكن لها في قانون 1905 أي امتياز، فالامتيازات جاءت على مراحل، وانطلاقاً من اللحظة التي تكون هناك امتيازات فإننا نسقط في مشكل لا علاقة له بالعلمانية: وهو أن الدولة أو الجماعات المحلية عليها أن تعرف جيداً لمن تمنح هذه الامتيازات، وأن تعرف ما الذي سيتم فعله بالمال العام، وأحكامها هنا التي يمكن أن تكون موضع متابعة قضائية هي في الحقيقة أحكام تقديرية: إنها تعود إلى السلطات العامة للإدارة ولا تعود إلى العلمانية.

فيمكن للمرء أن يبني مسجداً كما يمكنه أن يبني كنيسة، فقط يحدث أن تكون هناك قواعد متبعة من كل نوع، وإذا وجد عمدة مدينة ما يكره المسلمين ورفض لهم بناء مسجد على أرض ماº فإن هذا المشكل لا يعود إطلاقاً إلى العلمانية: إنه مشكل عائد إلى العمدة، وإلى الجماعة المحلية... المشكل ليس راجعاً إلى العلمانية!".

وأخيراً إذا كان الإسلام وراء تحولات كبرى تحدث للعلمانية ونشهدها في زماننا هذا وفي مكاننا هذاº فإن تحولات أخرى تحدث للإسلام في الغرب نفسه وفي العالم كله بسبب العلمانية أيضاً، وتلك قضية أخرى تناولتها الباحثة الفرنسية المنصفة جوسلين سيزاري في كتابها الجديد: (الإسلام في اختبار الغرب)،(منشورات لا ديكوفيرت.300 صفحة عام 2004)، قضية تستحق العودة إليها قريباً.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply