مشروع الشرق الأوسط الكبير


بسم الله الرحمن الرحيم

لعله من المناسب أن نذكر بما قاله الكاتب اليساري الأمريكي نعوم شومسكي بصدد هذا المشروع عندما كتب: (إذا كان لا بد من تعلم الدرس المركزي لهذا النظام العالمي الجديد فهو نحن السادة وعليكم أن تمسحوا أحذيتنا)، والخطاب موجه إلي الجميع وخاصة إلي العرب والمسلمين الذين ينتشرون بين باكستان والمغرب مروراً بتركيا وإسرائيل، وهذه هي منطقة الرق الأوسط الكبير كما يحددها هذا المشروع.

وكبرهان على هذه الفوقية الإمبراطورية الآمرة فإن المشروع الجديد يأمر المعنيين من عرب ومسلمين ولا يحاورهم، ولا يأخذ رأيهم في هذا المشروع، فهو سلسلة أوامر فوقية نفذوا وإلا.

والسلبية الأخرى القامعة لهذا المشروع هو أنه قفز بالكامل عن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني العربي، واعتبر أنه غير موجود، واصفاً إسرائيل بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وكان الرئيس بوش وصف شارون بأنه رجل سلام، وأنه الجد الطيب العطوف.

هذه هي السلبيات التي يمكن تسجيلها بسرعة لدي قراءتنا لهذا المشروع، والذي لم يقدم بصورة رسمية من الإدارة الأمريكية، وإنما تم تسريبه بوسائل إعلامية.

على أن هذه الملاحظات على النواحي السلبية في المشروع لا تعني أبداً أنه خال من الإيجابيات، فالدعوة إلي الإصلاح والتغيير، وحقوق الإنسان، وإنصاف المرأة، وتعميم الثقافة وتطويرها ليست مطالب سيئة وإن جاءت من الأمريكان.

فهذه المطالب ينادي بها التنويريون العرب منذ أكثر من مئة عام، ولا يزال المثقفون العرب ينادون بها إلى الآن.

وبخصوص التشكيك بالنوايا الأمريكية فإن هذا التشكيك أصبح مألوفاً ومكرراً خاصة أن السياسات الأمريكية في المنطقة تدعم هذه الشكوك.

ولكن يبدو أن الدعوة إلي الإصلاح والتغيير في الشرق الأوسط الكبير مخلصة هذه المرة، لا بسبب ما تغمره أمريكا الرسمية من محبة لشعوب هذه المنطقةº ولكن بسبب مصالحها وخاصة ما يتعلق بالجانب الأمني بعد أحداث الحادي عشر من أيلول الشهيرة.

أمريكا تبحث الآن عن أفضل الطرق وأقلها كلفة لتأمين أمنها عن طريق من تسميهم بالإرهابيين الذين لاحظت أنهم خرجوا جميعاً من الشرق الأوسط وخاصة من الجزء المسلم العربي في الشرق الأوسط.

وتعتقد الإدارة الأمريكية ومفكروها ومنظروها أن أفضل طريقة لمنع الإرهاب هو القضاء على جذوره الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لأن الإرهاب يزدهر في البلدان ذات النظم الديكتاتورية المستبدة بسبب الاحتقان والقهر.

فإذا ما شاعت الديمقراطية وما يلحقها من إصلاحات سياسية بالتالي اقتصادية واجتماعية فإن المناخ الذي يفرخ الإرهاب سوف يختفي.

إن هذا التوجه الجديد تمليه المصالح وليس المبادئ، فإن هذه الدعوة تظل مطلوبة وصحيحة، وكونها تلتقي مع مطالب النخب المثقفة فإنه لا يعني أن هذه النخب هي عملية أو مشكوك بوطنيتها.

والحق أنه ما كان للإدارة الأمريكية أن تلعب دور عراب الإصلاح والديمقراطية لو أن النخب والأنظمة قامت بواجبها نحو شعوبها بدل أن يصل الأمر بها أن تقوم بها تحت تهديد البوارج والصواريخ الأمريكية.

وخلاصة القول إن هناك سلبيات كثيرة في المشروع الأمريكي غير أن هناك إيجابيات لا يجب إنكارها تحت ضغط الكراهية الناتج عن السياسات الأمريكية وخاصة في فلسطين.

وللأسف الشديد منذ أصبح واضحاً أنه ما من سبيل لإحداث أي تغيير حقيقي في المنطقة إلا بتدخل قوة أجنبية إذ أن الأنظمة تمتلك خبرة هائلة في قمع جماهيرها دون حدود، وبهذا فإن التدخل الأمريكي سلاح ذو حدينº هو رهان أو مغامرة، ولكنه الوحيد المتاح أمام جماهير الشرق الأوسط الكبير.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply