الأقليّات المسلمة .. المأساة والكارثة !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أجل: نسينا عن عمد محنة إخوة لنا في العقيدة والإنسانية، ونسياننا أو تناسينا، مصدره: هو أن جعلنا الإسلام الحق الذي رضيه الله لعباده ديناً ـ خلف ظهورنا، واكتفينا بأن حوّلناه إلى مواسم نحتفل بها، وتلوك ألسنتنا كلاماً متكرراً معاداً مملاً..فرّطنا في مبادئ هذا الدين الذي أقر مبدأ الأخوة الإسلاميةº واعتبرها أقوى من أخوة النسب والدم "المسلم أخو المسلم لا يظله ولا يخذله ولا يسلمه".

ولا جدال في أن الكل يعرف أن لنا أقليات مسلمة في كثير من البقاع، تُعلن عليها حروب إبادة شرسة، وحصار أكثر شراسة، وفي نفس الوقت تحرص الأنظمة على ألاّ تبالي بمحنة أقلياتنا المسلمة، وليت الأمر وقف عند هذا الحد على الرغم من أنه جريمة، بل إننا نفرط أحياناً في حق نصرة هذه الأقليات والدفاع عنها في المناسبات السياسية.

ويجدر بنا أن نعرض ـ في إيجاز ـ لمحنة الإسلام في إثيوبيا.. المسلمون هناك أكثرية، ولم يعترف بذلك الإمبراطور الذي هلك هيلاسيلاسي، الذي اعتبر المسلمين رعايا من الدرجة الأخيرة، حرمهم من الوظائف إلاّ الدون منها، وفرض عليهم جزية أطلق عليها "ضريبة الكنائس" إمعاناً في إذلالهم، وبلغت به الوقاحة أثناء وجوده في نيويورك أول ستينيات القرن الماضي، أن قال للصحفيين الذين سألوه عن أوضاع المسلمين في بلادهم: "إنهم قلة دخلوا الإسلام على أيدي بعض التجار العرب، وقريباً سيعودون إلى دين آبائهم وأجدادهم". أذاعت وكالات الأنباء العالمية هذا وإعلامنا يغط في سبات عميق.

وأما ما حدث في إريتريا فهم أكثر إيلاماً. المعروف أن شعب إريتريا يغلب عليه الطابع العربي، وأن جهاد إريتريا ضد إثيوبيا حتى استقلت، كان مدعوماً من العرب والمسلمين، لكن تدخل الصليبية الدولية وإسرائيل ـ ونحن نائمون ـ جعلت السلطة بيد الصليبيين بزعامة الأفاق (أفورقي) الذي بدأ حكمه باضطهاد المسلمين والزج بالشباب المسلم المناضل في السجون حتى اليوم، وبالتنكر للعرب، رفض الانضمام للجامعة العربية، واعترف بإسرائيل، والتنكر للسودان الذي جعل من أرضه موئلاً للمجاهدين الإريتريينº بل وجازاها جزاء سنمارº فأصبح يساند المتمردين في الجنوب وفي شرق السودان. وصدق رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه: "آلت النفس الخبيثة ألا تغادر هذه الدنيا حتى تسيء إلى من أحسن إليها".

منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أصبحت الحرب سافرة ضد الإسلام والمسلمين، وكان لابد أن تشتد الوطأة على الأقليات المسلمة في شتى البقاع، واتخذت القوى المعادية للإسلام من أكذوبة الإرهاب ذريعة للعدوان على هذه الأقليات، ولك أن تتصور أن دولة مثل كندا التي كنا نحسن الظن بها، قررت أن تدخل في اللعبة القذرة، بها (100) ألف مسلم، منذ أسابيع قامت بالاعتداء على مسجد في مدينة تورنتو إثر اعتقال عدد من الشباب بتهمة التخطيط لأعمال إرهابية ـ أي أن الدول مدعية الحضارة، بدأت تعمل بقانون (الشك) وهو شبيه بقانون الغاب. وبدأت الأقلية المسلمة تعيش في رعب.

وحتى بورما البوذية مارست أبشع ألوان الاضطهاد ضد الأقلية المسلمة هناك، وفي عام 964 م قام الكهنة البوذيون بحرق المساجد الأثرية الموجودة في العاصمة رانجون، وإزاء حرب الإبادة اضطر عشرات الألوف من المسلمين إلى الفرار إلى بنجلاديش.

إن إعلان بعض الدول الغربية الحرب على الحجاب يُعدّ لوناً من ألوان مكافحة الإسلام الذي أصبح مثيراً للرعب في نفوس الأعداء، كانت فرنسا ـ مهد الحرية كما كان يُقال: البادئة بهذه البدعة الوقحة، وبدأت دول أخرى في تقليدها، وعلى سبيل المثال: ألمانياº فكثير من ولاياتها، سار على الدرب وآخرها ولاية (وسنغاليا) حيث قامت بتعديل القانون حتى يحرم على المدرسات المسلمات ارتداء الحجاب، وصوّت أغلب الأعضاء بالائتلاف الحاكم المكون من الاتحاد المسيحي (الديموقراطي) وحزب (الديموقراطيين الأحرار).

ولماذا نذهب بعيداً وأمامنا مثال صارخ تمارسه إسرائيل التي حولت فلسطين العربية كلها إلى أقلية تمارس فيها أبشع ألوان الجرائم، ومنذ أسابيع ذكرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية أن إسرائيل حولت (73) مسجداً إلى معابد يهودية وملاهٍ, ليليةº بل إن هناك تقريراً ذكر أن العملية الإجرامية تمت في سرية لا يحس بها سوى (عرب فلسطين1948) المغلوبين على أمورهم ـ بل إن هناك (34) مسجداً تم بالفعل تحويلها إلى متاحف واصطبلات خيل لمعسكرات الجيش العبري؟!

نحن بصدد الأقليات المسلمة التي تمثل شريحة أساسية من شرائح الدولة الأم، ولسنا بصدد الأقليات المسلمة من المغتربين، الذين عليهم أن يتحملوا أي شيء من الدولة المضيفة التي لم تجبرهم على الهجرة إليها، أما المتمتعون بجنسية الدولة، فإن هؤلاء لهم حماية قانونية، وبعض دول أوروبا لا تعترف بذلك ما دام الشأن يتعلق بمسلمينº فاليونان تعامل مسلميها كأجانب، ليس للمسلم أن يبيع أرضه لمسلم، ولا يُسمح لأطفال المسلمين بتلقي دروس دينية إلا ساعتين في كل أسبوع، ولأول مرة تسمح ببناء مسجد منذ أسابيع!

إن قضية "الأقليات المسلمة" تمثل مأساة وكارثة، ونحن نيام لا نفكر في أن نستيقظ ولو لساعات. وليس لدينا رعاة ورعايا ـ أدنى استعداد لكي نحس بأن الإسلام اليوم في خطر.

منذ أكثر من ربع قرن كتب الدكتور حسين مؤنس مقالات بمجلة الهلال تحت عنوان: "الإسلام في خطر"º فأشار إلى أن المسلمين قصّروا تقصيراً في حق الإسلام، لا يقوم لهم فيه عذر.. وها نحن اليوم ـ أولاً ـ نمثل خمس سكان الكوكب، ولو تركنا الأمر على هذه الحالº فسنصبح سُبع سكان الأرض. ولأن عوامل محاربة الإسلام اليوم أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضىº لأن الإسلام عقيدة وثقافةº فمحاربة الإسلام تدخل ضمن المعركة الثقافية التي تدور رحاها في أعنف صوره في عالمنا الراهن... وأكد - رحمه الله -: أن الغرب اليوم يبذل أقصى جهده لكسب المعركة الثقافيةº لأن ثقافته إذا سادت إقليماً لم تلبث شخصية ذلك الإقليم أن تتلاشى في شخصية الغرب، ويصبح في عداد توابعه!

وبعد!

فإن مأساة الأقليات المسلمة في الغرب والشرق، لا تزال قائمة، وتجاهل عالمنا المسلم والعربي لا يزال ـ كذلك ـ قائماً. ولا جدال في أن إعلان الجهاد الإسلامي ضد الدول المعتدية، وهذا الجهاد إن لم يصبح اليوم فرض عين ـ فهو على الأقل فرض كفاية، وهذا كتاب الله بين أيدينا: (وَمَا لَكُم لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالمُستَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخرِجنَا مِن هَذِهِ القَريَةِ الظَّالِمِ أَهلُهَا وَاجعَل لَنَا مِن لَدُنكَ وَلِيّاً وَاجعَل لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً). [النساء: 75].

وإذا كان من العسير اليوم أن نقوم بالجهاد المسلح ـ دون أن نتساءل: لماذا نواصل شراء الأسلحة الحديثة بأبهظ الأثمان؟ ـ فهناك جهاد سلمي آخر، أعني سلاح المقاطعة السياسية والاقتصادية للدول المعتديةº فإن لم نبادر به فلا معنى لذلك سوى أننا لم نملك إرادتنا. وتبقى مسؤولية الشعوب المسلمة، التي يمكنها أن تمارس المقاطعة الاقتصادية. وهذا أضعف الإيمانº فإن لم تفعل الشعوب المسلمة ذلك، فسوف يسجل التاريخ عليها أنها شعوب من ورق، أليس مما يبعث على الخجل أن الدولة عندنا تبادر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة أخرىº لأن إعلامها انتقد الرئيس الحاكم، ولو أن تلك الدولة قامت بشن حرب إبادة على أقلية مسلمة لديها، لما حركت ساكناً لدينا!

عام 1977 م قامت حكومة الفلبين بمجزرة بشرية ضد الأقلية المسلمة، واستنكرت مجلة (المسلمون) اللندنية التي عُطلّت أخيراً ـ المذبحة، وتساءلت في أسى مرير: "لماذا المسلمون وحدهم دائما هم المذبوحون؟! أقول: إن الفلبين عضو في اتحاد جنوبي آسيا، وفي الاتحاد دولتان مسلمتان: إندونيسيا وماليزيا!

وحسبنا الله وحده.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply