بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن مستغرباً ما تناقلته بعض وسائل الإعلام هذه الأيام من تطبيق السجون الصهيونية للتفتيش وبصورة بالغة الشدة، والتي خشيت على ما يبدو من محاولة الحصول على أدلة تثبت استخدامهم للأساليب المحرمة دولياً
سأروي اليوم لكم قصة فصولها من واقع مرير، لسجن آخر..وسجين آخر، غير تلك القصة التي ستبقى محفورة في ذاكرة أبنائنا... وأبناء أبنائنا عن زيف الديمقراطية.. وتحرير الشعوب، لدولة يبدو أنها لم... ولن تقرأ التاريخ الذي يعرف يقيناً أننا - وبفضل من الله - أمة من الصعب أن تنحني أمام محتل، من الصعب أن تسامح من جاءها بابتسامة.. هي في حقيقتها كابتسامة الليث مبطنة بكل معاني الغدر..
أما السبب في اختياري لهذا الحديث دون غيره فيرجع للتوافق العجيب بين أدوات التعذيب المستخدمة في كليهما، أدوات لم تتوقف عند تعذيب أجساد السجناء على اختلافهم... أطفالاً كانوا أم رجالاً، نساء كانوا أم شيوخاً! بل تعدت ذلك لتصل للمساس بكرامتهم وأعراضهم...
تعذيب مبرراته كمبررات أولئك جاهزة ومقولبة وبشكل مقزز، هذه القصة قد تصب الزيت الحار على جروح أراد بعضهم أن تكون دامية غائرة، فالعفو كل العفو فلم أقصد إيلام القارئ، فالطبيب قد يوصي بالجراحة لاستئصال ورم خبيث.. كخبث أولئك..
المشكلة التي واجهتني عند الإعداد لكتابة هذه السطور تكمن في كثرة المعلومات التي تتزاحم أمامي، ولكني أعدكم بمحاولة اختيار أخفها وطأة خشية على نفسية القارئ، فليس الغرض من كتابة هذا المقال هو إصابتكم بالتقزز! محال أن يكون ذلك ما أسعى إليه، كل ما هنالك أني أردت أن يشاركني القارئ بعض الحقائق التي قد قدر لي الوقوف عليها، وهي لا تقل خطورة عن واقع سجن (أبو غريب) الذي افتضح سره بالدلائل اليقينية، في حين بقيت أسرار هذه السجون طي الكتمان، بمعزل عن الاهتمام الإعلامي العالمي الذي تستحق، فهي على الإطلاق الأبشع والأوحش... !
(النازيون الجدد) مصطلح أطلقه البعض على أولئك، ظلماً وزوراً فالنازيون على فرض صدق كل ما يقال عنهم - وهذا محال - يقفون من أولئك موقف الطالب من أستاذ الجريمة بأبعادها الستة، فالسجون والمعتقلات في الكيان الصهيوني ابتكرت ألوانا من العذاب لم تعرفه الإنسانية في عقودها الأخيرة، إنها سجون تفوق في وحشيتها سجون القرن التاسع عشر البريطانية، فكل ما يقال عن سجن (أبو غريب) على أرض العراق المحتلة، هو في حد ذاته لا يخرج عن أبجدية التعذيب المقننة والمدعومة من أعلى السلطات في الكيان الصهيوني، فمن خلال اعتماد الكيان الصهيوني لقانون أطلق عليه اسم (الشاباك) سمح للتحقيق باستخدام كل أساليب العنف الجسدي منه والنفسي على السواء، هذه الأساليب تحدد حسب تعليمات المحكمة العليا الصهيونية، في إطار سري، فلا يسمح برقابة قانونية عليها... !
وهكذا مارس المحققون ورجال المخابرات في هذا الكيان الصهيوني كل أنواع التعذيب المعروفة، بل قاموا باختراع أساليب تفوق مخيلة أي عاقل، والهدف تحطيم الموقوفين وانتزاع المعلومات منهم، ولا بأس لو أدى ذلك إلى موتهم أو إصابتهم بالعاهات الدائمة. !
هذه الأساليب الوحشية لخصها تقرير أعد من قبل (منظمة العفو الدولية) في شهر (مايو) من عام (1992)، انتهى إلى ما انتهت إليه اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أن الكيان الصهيوني لا يتورع عن استخدام جميع أنواع التعذيب في سجونه، فهو يمارس الضرب بكل أنواعه مع التركيز على المناطق الأعظم خطورة، والأكثر إيلاما، كالرأس والأعضاء التناسلية، واستخدام الكماشة في نزع الأظافر، سحق الأصابع، التعذيب بالنار والكهرباء، إجبار الموقوفين على البقاء لفترات طويلة موثوقي الأيدي ورؤوسهم مغطاة، تعليقهم بالأغلال بطرق مختلفة، من علو مرتفع، أو بتكبيل الأطراف الأربعة لفترات طويلة، مع تجريدهم من الثياب، حتى الداخلية منها، تعذيبهم بالعقاقير الكيمائية، وبحقن الماء، استخدامهم للكلاب البوليسية، أو المصابة منها بالأمراض المقززة في عمليات التعذيب، الحرمان من الحاجات الأساسية حتى المتعلقة منها بقضاء الحاجة، غمر السجناء بالماء، فضلاً على كل ذلك يقومون بالمساس بكرامة المعتقل وبأبشع صور، والتهديد بالتعرض لأهله - أمامه - بما يشين، والتبول عليه! أما المعتقلات فيكفي هنا أن أشير إلى أنهن يتعرضن لفقدان بكاراتهن.. !
إن هذه الدموية الغائرة في الكيان الصهيوني رفضها بعض من ينتمي لها، فها هي المحامية (فيليسا لانجر) الصهيونية، والتي سبق لها أن ترافعت في قضايا تتعلق بالعرب أمام محاكم بلادها، تقول في مقابلة صحفية نشرت في صحيفة القبس الكويتية، بتاريخ 18/ 5/1984: (صدقني عندما أتحدث مع زوجي عن أساليب التعذيب والوضع في السجون فإنه لا يصدق.. لقد تعرض زوجي للاعتقال من قبل ألمانيا النازية، ودخل معسكرات النازية... لكن عندما أروي له ما يحدث في السجون ضد المعتقلين العرب.. فإنه لا يكاد يصدق.. )!
كما نشرت صحيفة (الجارديان) البريطانية، بتاريخ 9/8/ 1983 مقالاً (لمايكل أدمز) وصف فيه وحشية هذا الكيان في معاملتهم للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، كما أشار لبعض مضامين مقال قديم له، حيث قال: (لقد كتبت.. فيما مضى، أني مررت بظروف تتفاوت بين الجيدة والسيئة، خلال سجني الذي استمر لمدة أربع سنوات كأسير حرب في ألمانيا، ولكن الألمان لم يعاملوني قط بفظاظة كتلك التي يعامل بها الإسرائيليون العرب... والذين كان أغلبهم من النساء والأطفال)!
سجون وتعذيب وقهر، تحول كل ذلك بفضل من المولى - سبحانه -، لمعاهد عليا تعلم المعتقلين الوطنية والصلابة والصمود، لقد زادت السجون الصهيونية من صلابة رجالنا ونسائنا بل حتى أطفالنا، فالتعذيب لم ولن يوقف نضال أصحاب الحق من أجل استعادة المقدسات.. والأرض والكرامة.. !!
وبعد كل هذا لم يكن مستغرباً ما تناقلته بعض وسائل الإعلام هذه الأيام من تطبيق السجون الصهيونية للتفتيش وبصورة بالغة الشدة، والتي استجدت أخيراً في السجون الصهيونية، خشيت على ما يبدو من محاولة أحدهم الحصول على أدلة تثبت استخدامهم للأساليب المحرمة دولياً مع المعتقلين، ألستم معي في أن حالهم ينطبق عليه المثل القائل (يكاد المريب أن يقول خذوني)!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد