بسم الله الرحمن الرحيم
بات واضحًا أن العدوان الأمريكي البريطاني على العراق يُحرز معدلات عالية يومًا بعد يوم من الرفض والاستنكار، وبألوان مختلفة من التنديد والإدانة على الصعيد الإقليمي والعالمي معًا.
ولم يكن مسلمو أفريقيا غير العربية بمعزل عن تلك الأحداث، فقد شهدت القارة -من كيب تاون جنوبًا إلى باماكو شمالاً، ومن نيروبي شرقًا إلى داكار غربًا- تفاعلات إيجابية وتحركات شعبية ومدنية لإدانة هذا العدوان الغاشم، والدعوة لوقفه.
وفي نيجيريا -أكبر دول القارة سكانًا وذات التمركز الإسلامي الواسع- تفاعل مسلموها مع قضية الحرب الأمريكية بشكل إيجابي جدًّا، رغم مشاغل وطنية من قضايا ومستجدات على الساحة المحلية.
تفاعلات وتحركات متنوعة:
تتميز نيجيريا بأن ساحتها المحلية تعتبر أكثر الساحات الإفريقية تفاعلاً مع الأحداث الدولية ذات الطابع الديني، وبالتحديد أحداث الشرق الأوسط، وذلك لعوامل وأسباب خاصة بتركيباتها الداخلية، لذا فقد انعكست قضية العدوان الأنجلو أمريكي على الساحة النيجيرية، وتفاعل معها مسلموها بشكل إيجابي، يتصف برفض قاطع وتنديد واضح لهذا العدوان، وقد أخذ ذلك أشكالاً وألوانًا شتى، منها:
1- اعتصامات بالجوامع والمساجد العامة للتعبير عن الرفض والاحتجاج على العدوان على العراق، فقد شهدت الجوامع الأميرية المركزية في عدد من العواصم والمدن النيجيرية المختلفة منذ بداية العدوان على العراق شيئًا من ذلك، فقد اعتصم آلاف المصلين عقب صلاة الجمعة يوم 21/3/2003 في كل من مدينة كانو وصوكوتو وغوسو ورينغن الشماليةº للتنديد بالهجوم الأمريكي على العراق.
2- خطب التعبئة على المنابر، حيث نالت القضية حيزًا كبيرًا من خطب الجمعة من الأئمة والخطباء، بالتناول والشرح من كافة الأبعاد المختلفة، الدينية والثقافية وغيرهما.
3- جلسات الابتهال التي دعا إليها الكثير من العلماء والمشايخ والأئمة، بتخصيص الدعاء للعراق بالنصر والتأييد.
ففي الجامع الكبير في مدينة أبادن جنوب البلاد، شهد يوم الجمعة 21/3/2003 تجمعًا لحشد من المسلمين يتقدمهم كبير الأئمة في المنطقة، وقرءوا آيات الدمار والهلاك على أمريكا وأعوانها، وقد تضمنت الدعوة قراءة سورة الفيل، وترداد قوله - تعالى -: (ترميهم بحجارة من سجيل) آلاف المرات على القوات الأمريكية الغازية للعراق بقيادة أمريكا وبريطانيا.
4- التعبير الصامت عن طريق الشعارات، التي تحمل عناوين وتعبيرات مختلفة للإدانة والاستنكار، والدعوة إلى وقف فوري للعدوان على العراق، انتشرت على جنبات الطرق وأماكن التجمعات العامة، ومما حملت من التعبيرات:
- أمريكا + بريطانيا = الإرهابي الأول
- لا للعدوان على العراق
- الحرب على العراق لأجل النفط
- لا للظلم والإمبريالية الأمريكية
- النصر للإسلام وجنوده
- الموت لأمريكا ولإسرائيل ولبريطانيا
- حيَّ على الجهاد
تفاعل ثقافي وأكاديمي
معارضة العدوان على العراق تم التعبير عنها عبر فعاليات ثقافية وأكاديمية مختلفة، منها:
1- بيان مجلس العلماء النيجيري المندد بالعدوان، الصادر يوم 25/3/2003 وسط تجمع أكثر من 7 آلاف إنسان بساحة مسجد علي بن أبي طالب بمدينة كانو الشمالية، الذي تضمن أربعة مطالب أساسية:
أولها: دعوة مسلمي نيجيريا إلى مقاطعة فورية للسلع والمنتجات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.
ثانيها: دعوة رجال الأعمال والتجار المسلمين إلى اعتماد اليورو الأوروبي في تعاملاتهم بدلاً من الدولار الأمريكي.
ثالثها: التعبئة العامة لإحياء روح الجهاد والشهادة في سبيل الله.
رابعها: دعوة أئمة المساجد والجوامع لإقامة دعوات خاصة على القوات الأمريكية الغازية المعتدية وحلفائها عقب كل الصلوات، وحث الجماهير الحاشدة على إحياء فريضة الجهاد وأهمية نصرة الشعب العراقي، وكلمات عن مخططات الإمبريالية الأمريكية ومكائدها ضد المسلمين.
2- تحرك ملموس عبر وسائل الإعلامº فقد سارع المجلس الوطني للمنظمات الإسلامية للشباب الذي يضم حوالي 900 منظمة وجمعية وهيئة شبابية إلى عقد مؤتمر صحفي أدان فيه العدوان الأمريكي على العراق بوصفه عملاً إجراميًّا، وقد دعا الاتحاد إلى أنه يتعين على المجتمع الدولي ودول العالم كلها الضغط على أمريكا لوقف تلك الهجمات العدوانية.
وأكد على أنه من واجب المحبين للسلام في أي مكان في العالم أن يرفعوا أصواتهم في الآفاق ضد بوش وأنصاره، عشاق المآسي الإنسانية والدمار.
على الصعيد الثقافي أرسل منتدى أريوا الشمالي -المظلة الرئيسية لقبائل شمال البلاد- رسالة إدانة واضحة للعدوان الأمريكي على العراق، وتضامن كامل مع الشعب العراقي خلال مؤتمره السنوي يوم 28/3/2003.
انتقاد للموقف العربي:
ومن المؤشرات المهمة على التفاعل والمتابعة المستمرة من جانب مسلمي نيجيريا للقضية انتقاد بعض زعماء وقيادات العمل الإسلامي في نيجيريا لبيان مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة، أمثال الشيخ إبراهيم الزكزكي زعيم منظمة الأخوة الإسلامية في نيجيريا الذي وصف موقف الدول العربية بالمخجل، وأن البيان لا يستند إلى خطط عملية للدفاع عن العراق والأراضي العربية.
لعل التفاعل الأكثر وقعًا، وهو ما لقي صدى كبيرًا في الأوساط الإعلامية، إعلان مجموعة من شباب الجامعات استعدادهم التوجه إلى العراق لقتال القوات الغازية.
لماذا اختفت المظاهرات؟
هناك عدة عوامل وراء اختفاء ظاهرة المظاهرات والمسيرات، على عكس الأسلوب السائد في التعبير عن المواقف في عدد من البلاد والدول، ويأتي في مقدمتها:
1- الموقف الرسمي المتطابق مع الشعبي، فالحكومة النيجيرية ترفض بشدة الحرب الأمريكية على العراقº وهو ما أدى إلى توتر في العلاقات بين البلدين.
2- رغم معارضة السلطات النيجيرية للحرب الأمريكية ضد العراق، فقد منعت تنظيم أية مظاهرات احتجاج ضد العمليات العسكرية الأمريكية على العراق، مخافة أن تتحول إلى أعمال شغب عنيفة، أو أن تُستغَل سياسيًّا على خلفية ما حدث في قضية مسابقة ملكات جمال العالم، التي استضافتها نيجيريا في شهر ديسمبر من العام 2002.
3- الوضع الداخلي المشحون باحتقان سياسي، وانشغال بالترتيبات للانتخابات الرئاسية المقبلة.
4- مخاوف من تحويل القضية لاشتباكات طائفية بين المسلمين والمسيحيين في البلاد.
لذا فمسلمو أفريقيا، وخاصة نيجيريا يقولون للعرب والمسلمين في كل مكان: نحن هنا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد