بسم الله الرحمن الرحيم
في يوم الثالث من أغسطس العام الماضي امتزجت دموع الفرح بدندنة الحمد والثناء على الله بما هو أهله والسجود شكرا له والاعتبار بآياته وكمال ملكه وحكمته، امتزج كل ذلك، عند أغلبية الشناقطة، في موريتانيا وخارجها، تشفيا من الجلاد النهاب المستكبر، الذي سامهم سوء العذاب طيلة عقدين من الزمن، كانوا فيها مسرحا لبطشه وتنكيله ومسخه، وظنا من بعضهم أن إرهاب الدولة ومصادرتها للأفكار والقيم النبيلة ومسارعتها الواضحة في الذين كفروا، ظنا منهم أن ذلك كله، قد ولى إلى غير رجعة!
وإن كان عقلاؤهم ظلت مشاعرهم يغلب عليها القلق وتستشرف المستقبل المجهول بعين الواقعية لا بأذن العاطفة، متمثلين قوله - تعالى -: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، فكان أول إجراء إطلاق منتسبي التيار الوسطي بالجملة قادة ومقودين، وإبقاء أهل الحديث شيوخ وطلاب علم رهن الاعتقال دون محاكمة ولو جائرة، فتحير الجميع لأن التهمة الملفقة الفرعونية كانت واحدة وهي الإرهاب وتعريض موريتانيا للانتقام الخارجي بقيادة الوسطي العقلاني المعتدل محمد الحسن الددو وعضوية الباقين، هكذا كانت أجهزة الأمن تذيع وتعذب لإثبات هذه التهمة المكذوبة! فكان التفريق بين المعتقلين مدعاة للاستغراب حقا، لكن بقاء الانقلابيين رهن الاعتقال كانت فيه سلوى لذوي أهل السنة والحديث (الموت افعشرة انزاهة) كما في المثل الحساني.
فحبس الجميع أنفاسه انتظارا لبرق خلب ظهر في سحب كثيفة من مواعيد عرقوب تحميلها ريح صر من تصريحات المسئولين الجدد والمحامين والقضاة بقرب الفرج بل تطور الأمر إلى منح المعتقلين حرية مؤقتة تختطفها مخالب النيابة العامة قبل إنفاذها الموهوم، فازداد كرب أهل السنة وذووهم وبينما هم في تلك الحال اطلع الرئيس لأول مرة معلنا (العفو العام الشامل المطلق) حسب وصفه، فانطلق أقارب الضحايا من أهل السنة إلى ساحة السجن العام تكاد قلوبهم تبرح صدورها لتلقي الأحبة بعد غياب طويل (كأنما ليله بالليل موصول)، ليفاجئوا بأن العفو عام أريد به الخاص، كما قال الأخ الشاعر - فك الله أسره-، إذ هو عفو خاص بالانقلابيين الذين سفكت الدماء بسبب محاولتهم الفاشلة، فأذاعت الإذاعة أسماء المعفو عنهم من العسكريين والوسطيين والمدنيين المعتقلين والفارين بدون محاكمة أو متابعة، فعاد الفارون واستقبلوا استقبال الأبطال في المطار وخارجه في مخيمات نصبها ذووهم في العاصمة وخارجها، فانقطعت آمال ضحايا أهل الحديث المشهود لهم بالفضل والاستقامة، وأنهم من أبعد الناس عن سفك الدماء وهتك الأعراض وتكفير المسلمين والله يعلم ذلك، انقطعت آمالهم إلا من الحي القيوم الفعال لما يريد - سبحانه -.
وهكذا استسلم الجميع للواقع، محاولين تبريره بأنواع من التبرير، لعل أقربها أنهم كبش فداء قدم قربانا لأسياد العالم كبرهان على الطاعة والانقياد ليعترف بهم بديلا عن (خادمه) السابق المخلوع!
مضت الأيام الطوال فكانت المفاجأة في ملاحقة شباب أهل السنة والتحقيق معهم وترويعهم، وإبقاء بعضهم معتقلا في حال يرغب بالبهائم عنها تعرية وتجويع وإسهار، فزاد رصيد المحنة كما وكيفا: فصار السجناء أكثر من خمسين، تذكر طريقة إلقاء القبض عليهم بمداهمات الجيش الإسرائيلي لبيوت النشطاء الفلسطينيين من إرهاب الأهالي وإهانة المصاحف وسب الدين، كما صدر من مفوضة الشرطة (اكوه بنت اسويداحمد) المتزعمة لهذه الحملة إيضاعا في الإهانة لشباب وشيوخ أهل الحديث!
والحقيقة أن السوء لا يستغرب من منبته، وإنما المستغرب سكوت وسائل الإعلام (الإسلامية) الوسطية عن هذه المحنة التي طالت علماء وطلاب علم، كالشيخ النووي والشيخ الشاعر والشيخ مزيد، بل وتبريرها في بعض الأحيان! وتجاوز ذلك إلى الإغراء بأصحاب المحنة عن طريق التعريض والتهويل، بكونهم لا يرون الديمقراطية سبيلا للتغيير، هذا فضلا عن سلبهم صفة الإسلاميين واستبدالها بالسلفيين الجهاديين ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وإننا هنا ندعو الله - عز وجل - أن يفرج كرب المظلومين من أهل السنة في موريتانيا وغيرها، ثم ندعو علماء المسلمين الرسميين وغيرهم إلى إنصاف هؤلاء المظلومين الذين خذلناهم، وليذكروا وقفتهم مع الوسطي المعتدل محمد الحسن الددو عبر وسائل الإعلام، فقد كان لها أثر في إنصافه من ظلمه!، نعم ندعوهم إلى مثلها حتى نقطع الطريق أمام ظنهم بالحزبية الضيقة على حساب الإسلام الواسع "إنما المؤمنون إخوة".وقال - عليه السلام -:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد