ماذا يحدث في جنوب تايلاند؟


بسم الله الرحمن الرحيم

معركة الساعات السبع في أول مسجد بناه المسلمون في فطاني

 

 لم يخطر في بال أحد أن تتحول فطاني المعروفة الآن باسم جنوب تايلاند صبيحة يوم الأربعاء قبل الماضي إلى محور حديث وسائل الإعلام العالمية، فقد استيقظ الناس على وقع أزيز الرصاص والقذائف التي حولت أماكن عدة في الجنوب إلى ساحات حرب.. فماذا حدث في ذلك اليوم؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال الكبير.. لابد من الإشارة إلى أن جنوب تايلاند والمعروف تاريخياً باسم مملكة "فطاني" والذي يضم 14 ولاية كانت تقطنه أغلبية ساحقة من المسلمين، وقد استولت عليه مملكة تايلاند وضمته إليها بالقوة قبل أكثر من مائة وثمانين سنة، وهجّرت العديد من أهله إلى ولايات الشمال والوسط، أي إلى العاصمة بانكوك وما حولها.

وقد شهدت فترة السبعينيات من القرن الميلادي العشرين والتي انتشر فيها المد الشيوعي في آسيا محاولات انفصالية عرقية باعتبار أن أهل الجنوب من الملايو، الأقرب إلى سكان ماليزيا، وأعقب ذلك بروز المد الإسلامي الذي تأثر بالمنهج الثوري في الثورة والقتال.. واستمر ذلك قرابة عشرين عاماً.. لم يستطع خلالها المسلمون تحقيق الاستقلال. وكانت وراء ذلك أسباب عديدة أهمها عدم وضوح الرؤية عند غالبية المسلمين، فقد انقسموا إلى تيارين: الأول وطني قومي لا يرى أي ضرورة للراية الإسلامية في المعركة، والثاني إسلامي يرى أن حالة الهدوء والتعايش أولى من الحرب والقتال وأن ضرورات التنمية والتعليم أهم.

لكن لماذا عادت مطالبات بعض المسلمين بالاستقلال مرة أخرى بعد أكثر من عشرين عاماً من المكتسبات التي حصل عليها المسلمون في شتى المجالات وأبرزها حرية العبادة وممارسة الشعائر، إذ تتاح للمسلمين هنا حرية لا تتوافر في بعض الدول العربية المسلمة، ولهم حقوق كفلها الدستور ولديهم مجالس ترعى شؤونهم الدينية؟ أما من ناحية التعليم فإن الدستور ساوى بين المواطنين في حق التعليم.. والحديث عن بقية النواحي لا يختلف كثيراً.

تفجر الأحداث فجأة ودون سابق إنذار خصوصاً أن الهدوء بدأ يعود تدريجياً إلى الجنوب بعد شهرين من اضطرابات سابقة شهدتها المنطقة يضع علامة استفهام كبيرة على أداء الأجهزة الأمنية في الفترة المنصرمة.. ذلك أنه ومن خلال متابعة تداعيات الأزمة الأولى تم إحصاء أكثر من مائتي تجاوز أمني ضد المسلمين واستغلال ما عرف باسم قانون الطوارئ الخاص بالجنوب لاعتقال المئات من الشباب المسلم دون تهم تذكر..

 

الأربعاء الدموي:

في الساعة 4.00 قبل ساعة من موعد صلاة فجر الأربعاء قبل الماضي، أغار بعض الشباب يقدر عددهم بثلاثين شخصاً على نقطة تفتيش مركزية تابعة لولاية فطاني مستخدمين السكاكين، فقتلوا خمسة من رجال الشرطة والجيش، وتابعت مجموعة أخرى الهجوم في ولايتي "جالا" و "سونكلا" ونتج عنه مقتل أكثر من 80 مهاجماً كلهم من القاصرين بين (18 20) عاماً.. أما المجموعة التي هاجمت مركز تفتيش فطاني فقد غنمت بعض الأسلحة الخفيفة ولاذت بالفرار إلى المسجد التاريخي المسمى (كروسئ) ويرجع تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر الميلادي وذلك بعد صلاة الفجر مباشرة، وتحصنت بداخله.

بدأ الجيش يطلق نداء لاستسلام الشبابº مما دفعهم إلى إطلاق الرصاص على الشرطة و"إعلان الجهاد" عبر مكبرات الصوت، وبعد سبع ساعات من المناوشات أطلق الجيش الغاز المسيل للدموع واقتحم المسجد وقتل كل من فيه وقدر عددهم بأكثر من خمسة وثلاثين.. وقد تم دفن الشباب في مقبرة جماعية وسط غضب شعبي ووطني من سوء تصرف الجيش.

وتوالت ردود الأفعال الداخلية على الأحداث التي أدت إلى مأساة وطنية.

ويعلق الدكتور إسماعيل لطفي جافاكيا رئيس الجامعة الإسلامية في فطاني على الأحداث قائلاً: إننا لا نقبل هذا النوع من الأعمال كما لا نقبل القتل باسم الإسلام والاعتداء على الأجهزة الأمنية، ولكننا نحمل هذه الأجهزة مسؤولية تفجر الأوضاع وسوء التصرف والتعامل مع شباب صغار، مضيفاً أنه كان يمكن تجاوز ما حدث والإبقاء على هؤلاء الشباب أحياء لمعرفة دوافعهم.

ويؤكد "نيمو ما كاجئ" مساعد رئيس المجلس الإسلامي لولاية جالا أن الحكومة والأجهزة الأمنية هي المسؤولة عن تفاقم الأوضاع ووصولها إلى هذا الحد، واتهم الحكومة والجيش بأنهما يسعيان إلى زيادة التوتر في الجنوب عبر رفض مشاريع إصلاح الجنوب باستمرار.

أما "عبد الرزاق آري" أمين عام المجلس الإسلامي في ولاية ناراثيوات فقد حذر من أن معالجة الأجهزة الأمنية لما حصل باستخدام القوة داخل المسجد ستؤدي إلى ردود فعل وانتقام من قبل أهالي الضحايا وأن لا أحد يمكنه السيطرة على الوضع بعد ذلك.

نقابة الصحفيين التايلاندية وجهت نداءً لتوخي الحذر في التعامل مع الأزمة واستخدام الكلمات والعبارات المناسبة كي لا ينقسم المجتمع التايلاندي على نفسه.

المعارضة من جانبها، أكدت أن الأجهزة الأمنية وأسلوبها الاستفزازي في التعامل مع المسلمين هو ما دفع هؤلاء الشباب إلى رد الفعل هذا، وحملت الحكومة ورئيس الوزراء شخصياً مسؤولية تفاقم الوضع في الجنوب بسبب دعمه للأجهزة الأمنية، رغم علمه بتجاوزاتها.

وكان "جافاليت" مساعد رئيس وزراء تايلاند قد أمر مسؤول العمليات الداخلية في الجنوب بالصبر وعدم استخدام القوة بأي حال من الأحوال والتفاوض للوصول إلى استسلام الشباب، وانتظار اللجنة التي شكلتها الحكومة للتفاوض لإنهاء الأزمة، إلا أن مسؤول العمليات رفض الأوامر واقتحم المسجد وقتل من فيه، وعلى إثر ذلك استدعاه مساعد رئيس الوزراء إلى بانكوك وطلب منه ترك منصبه لعدم إطاعة الأوامر.

 

الأسباب الحقيقية:

ويكمن السبب الحقيقي وراء هذه الأحداث المفاجئة في غياب عنصر الأمن وهو أمر يشعر به كل مسلم يعيش في الجنوب مواطناً أم مقيماً.. حيث تتعامل الأجهزة مع الجنوبيين بأسلوب استفزازي وتتكرر الاستفزازات بشكل يومي.

وبالعودة إلى الأحداث الأولى في بداية العام الحالي، نجد أنه تم استغلال قانون الطوارئ الخاص بالجنوب ضد المسلمين بشكل سيئ للغاية، فاعتقل المئات من المسلمين أغلبهم من فئة الشباب ما بين 18 25 سنة، وتم التضييق على المدارس الدينية ووضع نقاط تفتيش أمام بواباتها، واعتقل العشرات من الأساتذة وتم توجيه تهمة الإرهاب لهم وحكم على بعضهم رغم عدم وجود أي أدلة.. فضلاً عن اختفاء آخرين لا يعرف مصيرهم إلى الآن.. كل هذه التصرفات أدت إلى حالة من الاحتقان.. ومن ثم لا يمكن التنبؤ إن كانت هذه الأزمة ستمر بسلام أم أنها ستكون بداية لأحداث أشد عنفاًº انتقاماً لما حصل.. الكل الآن في حالة ترقب.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply