وزير خارجية أم مدافع عن الاحتلال؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

منصب وزير الخارجية من المناصب السياسية الحساسة لأن أية تصريحات تصدر عن وزير خارجية دولة ما تعتبر دائما معبرة عن الموقف السياسي لهذه الدولة بمختلف مكوناتها السياسية ولهذا فعلى وزراء الخارجية أن يكونوا دائما منتبهين تماما لما يتفوهون به، ويفكرون عدة مرات قبل أن ينطقوا، والأهم من ذلك أن يكون نمط تفكيرهم نمطا وطنيا شاملا ويتمتعون بمقدار كاف من الذكاء!

 

وللأسف فإن "وزير الخارجية" الخاص بمجلس الحكم العراقي هوشيار زيباري لا يملك أيا من هذه المواصفات التي تسمح له بأن يكون وزير خارجية، بل يبدو في معظم الحالات ناطقا بلسان المؤتمر الوطني العراقي الذي ينتمي إليه أكثر من الوطن العراقي. وأذكر أنني كتبت مقالا في العام الماضي انتقدت فيه من غضبوا لتعيين وزير خارجية كردي في العراق وقلت بأنه لا توجد أي مشكلة في وجود وزير خارجية كردي، ولكن هناك مشكلة كبيرة في وجود وزير خارجية يفكر بزاوية ضيقة جدا ولا يعبر عن مجمل آراء ومواقف ومصالح الشعب العراقي.

 

الوزير العراقي أدهش العالم جميعا الأسبوع الماضي عندما تبرع للدفاع عن جرائم انتهاك الكرامة في سجن أبو غريب وقال بأن ردود الفعل حول هذه الأحداث مبالغ بها، وهذا ما لم يجرؤ أي مسؤول سياسي أميركي حتى رامسفيلد وولفوفتز على قوله، فتبرع وزير خارجية المواطنين الذين انتهكت كرامتهم ليقول بأن الغضب على هذه التصرفات كان مبالغا به.

 

ولم يكتف الوزير بذلك، بل أتحفنا في البحر الميت بمزيد من هذه التصريحات التي يمكن أن نتفهمها من وزير الدفاع الأميركي لا من وزير الخارجية العراقي. فهو في البداية يعلق على جريمة قتل رئيس مجلس الحكم العراقي الحالي، وهي جريمة بشعة بكل المقاييس بقوله أنها أثبتت أن مجلس الحكم له أهمية لا كما يستخف به البعض بدليل أن قياداته مستهدفة بالعمليات الإرهابية! وهذا تصريح عجيب وكأنه يقول بأن أهمية هذا المجلس لا يمكن إثباتها إلا عن طريق قتل بعض أعضائه لا غير.

 

ويقول الوزير بأن القوات الأميركية يجب ألا تنسحب من العراق بعد الثلاثين من حزيران بل عليها أن تبقى حتى يتمكن العراقيون من إدارة شؤونهم بأنفسهم محذرا من حرب أهلية تجعل مما حدث في لبنان »نزهة« مقارنة بما سيحدث في العراق لو إنسحب الأميركيون. إذن فوزير الخارجية لا يثق بشعبه ولا بطوائفه ولا بأحزابه ولا بمجلس الحكم فهو يؤكد بأن انسحاب الاحتلال معناه أن يأكل العراقيون بعضهم فورا وهذا قول بغيض فيه الكثير من الاستخفاف بالشعب العراقي كما فيه تبرير لا يمكن قبوله لبقاء الاحتلال. كما أن السيد الوزير لم يخبرنا كم من الوقت يحتاج الشعب العراقي حتى يدير أموره بنفسه وينتهي الاحتلال، فهل يعني ذلك 20 سنة من الاحتلال أو أكثر؟

 

ويعود الوزير للحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في سجن أبو غريب، ويؤكد مرة أخرى بأن ذلك لم يكن عملا منهجيا بل عمل معزول قامت به مجموعة ضئيلة من الجنود الأميركيين ربما بدافع الإحباط! ولكن، يمكن وصف الجنود الأميركيين المبتسمين والسعيدين بتعذيب المساجين العراقيين بأي وصف إلا الأحباء، فهؤلاء لم يكونوا محبطين بل مجموعة من الأوغاد والمجرمين الذين حصلوا على موافقات ودعم رسمي من قياداتهم لممارسة هذا الشذود وهذه السادية ضد المعتقلين العراقيين، ولكن وزير الخارجية العراقي مهتم بحالة الإحباط عند الجنود الأميركيين أكثر من معاناة وانتهاك كرامة مواطنيه!

 

ولكن مهلا، فالوزير العراقي لا يتفق تماما مع السياسات الأميركية بل يؤكد أن "قوات التحالف" أخطأت مرتين في سياستها في العراق، وقبل أن تحبسوا أنفاسكم من هول هذه الجرأة يجب أن نعلم بأن الوزير يعتبر أن أخطاء الاحتلال تتمثل في عدم تسليم الحكم مباشرة لأحزاب المعارضة العراقية، ومنها المؤتمر الوطني العراقي وكذلك في طلبها من الأمم المتحدة أن تلعب دورا في صياغة مستقبل النظام السياسي في العراق، مما »أظهر« الولايات المتحدة كقوة احتلال في العراق وجعل من الصعب على مجلس الحكم تفسير ذلك الأمر للشعب العراقي! أي أن الوزير ينتقد مباشرة الشيئين الوحيدين اللذين تعاملت معهما الولايات المتحدة بنوع من الذكاء في العراق وهما عدم تسليم الحكم لعصابة مرتزقة البنتاجون وإدماج الأمم المتحدة في العملية.

 

مجلس الحكم العراقي يفقد يوميا كل ما تبقى له من مبرر، ومع وجود وزير خارجية كهذا فإن سقوط مجلس الحكم إلى الهاوية يبدو أسرع من أي وقت مضى!

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply