الصور المسيئة : تطاول الغرب .. وإحياء الإرادة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لست مع هؤلاء المذعورين ولا المشدوهين ولا المستغربين في ردود أفعالهم وكلماتهم عندما أعاد الغرب نشر الصور المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم يبدون وكأنهم قد نسوا سنن الله في كونه من صراعات الحق والباطل حتى تقوم الساعة، أو كأنهم قد ظنوا أن الفكر الغربي تجاه الإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - قد تغير في ليلة وضحاها!!

ولست أيضا مع هؤلاء الذين يُقصِرون ردود أفعالهم على الصراخ والغضب، وتبدو مقالاتهم وكلماتهم وتعليقاتهم كأنها خطب رثاء أو كأنها بكاء على ماض قد رحل..

لقد علّمنا ديننا كيف نتعامل مع المواقف، وعلمنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - كيف نستقبل الحوادث والملمات ثم كيف نحولها إلى انتصار وكسب، وكيف نستغلها في بناء إرادتنا وإحياء ثورتنا الإصلاحية الراقية..

دعوني أذكركم ههنا بيوم حمراء الأسد، وبينما كان المسلمون يلملمون جراحاتهم من " أحد " عائدين، يملؤهم الحزن لما حل بهم من أذى وجراح، ولما حدث من بعضهم من مخالفة أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما كان على إثر ذلك من انكشاف خطوطهم وإمعان الجراح فيهم..

لقد حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - هنا أن يربي نفوس أصحابه في مواقف الألم سواء كان الأذى الذي يتلقونه إعلاميا أو حربيا.

وبعد أن وقف أبو سفيان قائلا " أعل هبل " فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يردوا عليهم " الله أعلى وأجل " ولما قال المشركون: " يوم بيوم" أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يردوا عليهم فيقولوا " لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار "، ثم أرسل إليهم قادة قريش والقبائل معها أنهم عائدون ليستأصلوا شأفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال " حسبنا الله ونعم الوكيل "، ثم أمر أصحابه بجراحاتهم أن يقوموا فيخرجوا إلى حمراء الأسد وألا يخرج معه إلا من قد شهد المواجهة، فخرجوا وتحاملوا على أنفسهم، حتى أرو عدوهم منهم قوة وثباتا، وعلم عدوهم أنهم لا يزالون بخير وأن القضاء عليهم بعيد المنال..

لقد حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - هنا أن يربي نفوس أصحابه في مواقف الألم سواء كان الأذى الذي يتلقونه إعلاميا أو حربيا، فعلمهم- كما في حمراء الأسد ثلاثة أمور:

الأولى: الثبات وتحمل الجراح، والثانية: إظهار القوة والقدرة على الفعل ورد الفعل، والثالثة: البحث في كيفية الاستفادة من الموقف في تربية النفوس وتعديل الأخطاء وبناء قاعدة الإنجاز الجديد.

كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن تتآلف مع المحن والمزلات، وأن تستسيغ الهزيمة والاستهزاء، فعلمها أن تحول الألم إلى دافعية للصحة وأن تغير المحنة إلى انتصار وفخار..

إن التآلف مع المذلات فعل الرقيق الضعفاء، وقد خلقنا الله أحرارا ثم زادنا الإسلام حرية على حرية وخرجنا لنخرج العباد من عبادة المادة والمخلوقات إلى عبودية طاهرة نقية تملؤها الحرية وترفرف عليها العزة والفخار..

لقد سرنا في طريق بدأه الأنبياء.. فأي عزة هي عزتنا بديننا؟ وأي فخار هو فخارنا بنبينا؟ إننا نرفع شعاره مؤذنين كل يوم على أعلى القمم.. فيا أيها العالم الأسير لقد بنى لنا محمد - صلى الله عليه وسلم - صرح الحرية الحقيقية في صدورنا وعلمنا بناء المجد التليد على الثرى من حولنا.. فمهما بنيتم من صروح لن تبلغوا شأن رفعة كوخ صلى فيه ذاك الرسول - صلى الله عليه وسلم -

 

 

أي حرقة تنتابنا.. أي ذلة تخيم علينا؟! أي انكسار ذاك الذي جنيناه أن يسخر من مقدساتنا ورموزنا ونحن نسمع ونشاهد.. نلملم أطراف الخيبة ونمسح دموعنا كفعل النساء؟!!...

كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن تتآلف مع المحن والمزلات، وأن تستسيغ الهزيمة والاستهزاء، فعلمها أن تحول الألم إلى دافعية للصحة وأن تغير المحنة إلى انتصار وفخار

إن حرقتنا تتنزل على صدور أعدائنا بردا وسعادة، وشعورنا بذلتنا يرونه انتصارا ورفعة، فأخفوا الألم وأبدوا القوة وابحثوا في الإنجاز فإن ذلك يا شباب أمتنا هو طريقنا نحو رد الفعل المؤثر..

هانحن نخبئ رؤوسنا من أبنائنا مخافة أن يسألوننا ماذا فعلتم نصرة لأعلى قيمة وأرفع مبدأ؟.. وددنا لو سترنا وجوهنا وغيرنا ملامحنا وتبرأنا من أسمائنا وعناويننا.. فيا أيها العالم اشهد أننا بغير مبادئنا وقيمنا وشعائرنا ومقدساتنا فقراء كالجمادات، ضعفاء كأطفال رضع، ذاهلون كالعاجز عند غرغرة الموت.

لو أنصف القلم لسال منه الدم لا الحبر. ولنطلق كل حرف صرخة ترتطم في الجنبات، لو أنصفت يا قلم لانكسرت ولو أحسست يا ورق لاحترقت، لأن الكلمة إن لم تقترن بالفعل فقد ولدت سفاحا. !! ونصرة العاجزين هي النواح، فمن منا يجرؤ علي الادعاء بأن الدموع تجزي عن الثأر؟ وأي خداع للنفس أن نلتمس البراءة بالبكاء...

إننا ندعو إلى مواجهة حكيمة واعية مؤثرة لتلك الحادثات المتتاليات تجاه ديننا ورسولنا على المستوى الداخلي والخارجي، ولتكن أولى الخطوات أن نسبق دوما برؤية شاملة للأحداث وألا تصير أفعالنا دوما ردود أفعال لحوادث الإهانة والضرر، وقد نادينا بذلك كثيرا في المرة الأولى لنشر تلك الرسوم، ثم هانحن نعود نشكو مما شكونا منه وهو الاعتماد على رد الفعل المؤقت وعلى الصراخ حتى تبح منا الأصوات والبكاء حتى تجف الدموع، ثم نكتب مقالات في تمجيد ديننا لا يقرؤها إلا نحن لأنفسنا، ونحاول بكلماتنا استثارة حماستنا بغير توجيه منسق، وبغير اتجاه نحو هدف، سوى الاستنكار.. !!

ولست ههنا أقلل من قيمة دمعة سقطت حبا لمقام الرسول الأكرم ولا حسرة على ضعف الأمة الرسالية المجيدة.. ولكنني أتحدث عن منظومة شاملة إيجابية في مواجهة الفعل السلبي العالمي تجاهنا.

لقد تبين لنا من تلك المواقف ومثيلاتها كم نحن بحاجة إلى هيئة عالمية لأهل السنة تمثل مرجعية لهم وتدافع عن حقوقهم، ويكون لها عمقها وأثرها في توجيه البوصلة نحو هدف متقن مؤثر في دفع تلك الانتهاكات لمقدساتنا وقيمنا ولاشك أن هناك بعض المحاولات لتكوين هيئات لأهل السنة إلا أننا نشهد جميعا ضعف أثرها وقلة حيلتها وعدم استطاعتها الوصول إلى التأثير ولا حتى إلى أخذ المواقف الجادة والقرارات القوية بل ولا البيانات المطلوبة.. وأرى أن ذلك دور يجب أن يتحد فيه قادة الرأي في العالم الإسلامي من خلال من يضع على كاهله القيام بدور الوساطة والتنسيق بين قادة الرأي في العالم الإسلامي على مختلف توجهاتهم المعتبرة.

كما تبين لنا كم هو فشل وسوء طوية ذاك الذي يقوم به البعض من تزكية للخلافات بين المسلمين بعضهم بعضا، وبث روح الفرقة بسبب خلاف قليل محدود، قد يكون دافعه شخصي في أحيان كثيرة، وقد ينسى الكثيرون في غمرة الخلاف مصلحة أمتهم بل قد ينسون أثناءه كثيرا من قواعد دينهم وآدابه

أي حرقة تنتابنا.. أي ذلة تخيم علينا؟! أي انكسار ذاك الذي جنيناه أن يسخر من مقدساتنا ورموزنا ونحن نسمع ونشاهد.. نلملم أطراف الخيبة ونمسح دموعنا كفعل النساء؟!!

ونحن ولاشك بحاجة ماسة إلى تصحيح المسار التربوي والتكويني لأبنائنا فيما يخص ارتباطنا بديننا وانتماءنا له وغيرتنا على ثوابته ومبادئه وقيمه، وأن يكون تصحيح هذا المسار على مستويات أساسية أهمها: بيان الأسس التي تنبني عليها عزة المسلم بدينه وبمقدساته، وكيفية السعي وراء تقوية البناء المجتمعي الداخلي للأمة، والتربية على التخلص من تبعية الآخر وتقليده.

وتقفز إلى الواجهة الحاجة الملحة إلى تفعيل دور الإعلام الإسلامي في مقابل هذا الإعلام المضاد والذي يشوه الإسلام في كل يوم ويبتكر ويخترع في ذلك السبيل.. نحن بحاجة إلى إعلام خبير راشد يكون على مستوى الحدث، وهنا يلزم احتضان الكوادر الموهوبة والقدرات الخبيرة وتجييشها في هذا المجال عبر منهجية واضحة وخطوات مترابطة.

لقد علمتنا التجارب السابقات أن علينا أن نوصل الصورة المشرقة الحقيقية للإسلام في بلاد غير المسلمين، وأن ندعم القائمين بتحسين تلك الصورة وإظهارها على حقيقتها الناصعة المزهرة، كي نستطيع كسب المؤيدين لهذه الرسالة وصد هجمات الفكر الاستئصالي لأعداء أمتنا والحاقدين على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply