في خضم حملة المقاطعة : هل تجوز مقولة (إننا نحترم الأديان السماوية) ؟!


  

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الحملة الشعبية الناجحة - ولله الحمد - لمقاطعة منتجات من استهزؤا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أصبحت تتردد في المقالات والمقابلات بعضُ الألفاظ عند المطالبة بوضع حدٍ, لمثل هذه الأفعال المشينة الحاقدة التي وقعتº كلفظة احترام الأديان أو احترام الرموز الدينية أو ماشابههاº ولذا فقد أحببتُ التنبيه إلى حكمهاº لكي لا يقع مسلم في محذور.

 

إننا نحترم جميع الأديان السماوية:

قال الشيخ عبد العزيز بن باز  - رحمه الله -  في تعقيبه على أحد الكتاب: "أما قول الكاتب: (وإننا نحترم جميع الأديان السماوية) فهذا حق، ولكن ينبغي أن يعلم القارئ أن الأديان السماوية قد دخلها من التحريف والتغيير ما لا يحصيه إلا الله - سبحانه -، ما عدا دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه وخليله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد حماه الله وحفظه من التغيير والتبديل، وذلك بحفظه لكتابه العزيز وسنة رسوله الأمين عليه من ربه عليه أفضل الصلاة والتسليمº حيث قال الله - عز وجل -: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). فقد حفظ الله الدين وصانه من مكايد الأعداء بجهابذة نقاد أمناء ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وكذب المفترين، وتأويل الجاهلين. فلا يقدم أحد على تغيير أو تبديل إلا فضحه الله وأبطل كيده. أما الأديان الأخرى فلم يضمن حفظها - سبحانه -، بل استحفظ عليها بعض عباده، فلم يستطيعوا حفظهاº فدخلها من التغيير والتحريف ما الله به عليم..." (مجموع فتاواه، 2/183-184).

قلتُ: فليتنبه المسلم إن تلفظ بهذا اللفظ أو طالب به أن تكون نيته احترام الأديان السماوية المنزلة من الله على أنبيائه، لا احترام تحريف أتباعها. وأنها رغم احترامها قد نُسخت بدين الإسلام. ولا يستهين بأمر النيةº لأنها الفارق بين الحق والباطلº وإن تشابه القول أو الفعل أحيانًا. أما الأديان البشرية كالبوذية والهندوكية وأمثالها فلا كرامة لها، ولا يجوز لمسلم احترامها أبدًا، ولا يعني هذا سبها أو التعرض لها أمام أتباعها إن كان يُخشى من مفسدة أكبرº كما قال - تعالى -: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم).

 

الأديان السماوية ـ وصف غير الإسلام بهذا الوصف ـ:

قال الــدكتور أحــمد القــاضي في رسالته " دعوة التقريب بين الأديان " (1/31): "وصـــف تلــك الأديــان ـ سـوى الإسلام ـ بـ"السماوية" باطلº لما يحمله من دلالة باطلة من كونها نزلت من السماء. والواقع أنها تحريف لما نزل من السماء ". قلتُ: لكن إن نوى احترام ما أنزله الله فكما قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -، بالضوابط السابقة.

 

الإسلام يُكرم الإنجيل:

قال الدكتور أحمد القاضي في رسالته السابقة (2/586-587): "الإسلام يكرم الإنجيل من حيث هو كتاب الله، ويجعل الإيمان به وسائر كتب الله أحد أركان الإيمان الستة. أما الأناجيل المزعومة وأعمال الرسل ورسائل بولس وغيره التي يضمها ما يسمونه "العهد الجديد" فقد دخلها التحريف والكفر والشرك، فليست محل تكريم، بل محل ذم".

 

الأديان الثلاثة (يوصف بها الإسلام مع اليهودية والنصرانية):

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : "قد يُسمع ما بين حين وآخر كلمة "الأديان الثلاثة"، حتى يظن السامع أنه لا فرق بين هذه الأديان الثلاثةº كما أنه لا فرق بين المذاهب الأربعة! ولكن هذا خطأ عظيم، إنه لا يمكن أن يحاول التقارب بين اليهود والنصارى والمسلمين إلا كمن يحاول أن يجمع بين الماء والنار". (خطبة يوم الجمعة، 15/1/1420هـ. نقلاً عن رسالة "دعوة التقريب بين الأديان" 1/32).

 

 الأديان:

لما قال طلعت حرب في كتابه "تربية المرأة والحجاب"، ص17: "إن الأديان جميعاً تنفي مساواة المرأة بالرجل مساواة كاملة "عقب عليه الشيخ محمد بن إسماعيل بقوله: "اعلم ـ رحمك الله ـ أنه لا يصح إطلاق كلمة "الأديان"! هكذا مجموعة في سياق التقرير والاحتجاج بهاº لأن الدين واحد هو الإسلام الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه. قال - تعالى -: (إن الدين عند الله الإسلام)، والشرائع هي التي تختلف من نبي لآخر، قال-تعالى -: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا). والله أعلم ".

وقد ذهب إلى هذا: محمود شاكر - رحمه الله - في كتابه "أباطيل وأسمار" (2/550 ـ551).

فقال الدكتور أحمد القاضي تعقيباً على هذا المنع: "ما قاله حق لا مرية فيه بالنظر إلى المدلول الشرعي لكلمة دين، وهو ما بعث الله به أنبياءه ورسله، فهو واحد لا يتعددº وهو "الإسلام". ولكن بالنظر إلى المعنى اللغوي الدال على العادة والشأن ومطلق الطاعة فإن الأمر واسع، فيتناول الدين الحق الذي هو الإسلام، وسائر البدع والضلالات والأحوال والتقاليد التي يسير عليها بعض الناس. ولهذا قيد الله - تعالى -لفظ "الدين" في مواضع من كتابه فقال: (أفغير دين الله يبغون)، ووصفه بما يُخصصه فقال: (دين الحق)، و (الدين القيم)، و(دين القيمة)، و (دينًا قيما). كما أضاف - سبحانه - لفظ "الدين" إلى غيره، فقال: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) وسمى ما عليه المنحرفون من أهل الكتاب والكفار دينًا فقال: (لكم دينكم ولي ديني)، وعن فرعون وقومه: (إني أخاف أن يبدل دينكم)، وعن اليهود (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون)، وذمَّ (الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا)، وعن أهل الكتاب: (ولا يدينون دين الحق)، وإنما تديَّنوا بسواه. بل سمى - سبحانه - ما أحدثه المحرفون من اللعب واللهو ديناً فقال: (وذر الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا)، وقال: (الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا).

فتبين بذلك جواز إطلاق لفظ "الدين" و"الأديان" على ما سوى الإسلام، باعتبار تدينهم بها، كما جاز إطلاق لفظ "الآلهة" على ما يُعبد من دون الله، مع أنه "الإله" الواحد الحق، باعتبار تأليههم لها ". " دعوة التقريب، 1/29-30".

 

احترام الرسل والأنبياء - عليهم السلام -:

والإيمان بهم - عليهم السلام - ركنٌ من أركان الإيمان - كما هو معلوم -، مما يستلزم احترامهم. ومن فرّق بينهم أو تنقص واحدًا منهم فقد خرج من دين الإسلام. قال - تعالى -: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا. والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما). ولهذا ينبغي التركيز أثناء المطالبات التي تتخلل حملة المقاطعة أن يؤكد المسلمون على سن قانون " دولي " تخضع له جميع الدول، يُعاقب كل من يستهزئ أو يتعرض لأحد من رسل الله - عليهم السلام -.

 

احترام الرموز الدينية:

الرموز الدينية منها ما هو حقٌ ومنها ما هو باطل، لهذا فالواجب تجنب هذه العبارة، والاكتفاء بعبارة " احترام الرسل والأنبياء "، أو " احترام الأديان السماوية " بالضوابط السابقة.

أسأل الله أن ينتقم ممن عادى رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن يوفق المسلمين لالتزام سنته، ومتابعته، وطاعته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply