عذرا رسول الله فقد بطل حديث الغزاة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

قاطعوا المنتجات الدانماركية، اطردوا السفراء الدانماركيين، اضربوا مصالحهم الاقتصادية، اللعنة والويل لكل من سب رسول الله، إلا رسول الله، بالروح بالدم نفديك يا نبينا، وغيرها من الشعارات القوية الرنانة التى أطلقها الملايين الذين خرجوا في مظاهرات عارمة وحاشدة في جميع أنحاء العالم، والتي توعد فيها المسلمون بالانتقام لإهانة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - بأشد الانتقام، والذي كان يرى حجم الانتفاضة الشعبية للمسلمين وقتها يظن أن الروح قد دبت في أوصال جسد الأمة المنكوبة وشبح اليأس قد أخذ في الابتعاد عنها وفارق قلوب أبنائها وأن هذه النازلة قد وحدت بين طوائف الأمة، وبشائر الخير أقبلت والمحن ألقت بالمنح، والمؤتمرات الشعبية واللقاءات المفتوحة والخطب والدروس كلها توجهت لتوعية الأمة بحق النبي - صلى الله عليه وسلم - وكيفية نصرته، وأطلقت الكثير من المواقع الإسلامية على شبكة النت من أجل مخاطبة العالم كله بقدر ومكانة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن خلال هذا الزخم الضخم وردود الأفعال القوية للمسلمين ظلت الحكومة الدانماركية صامدة ورافضة لتقديم أي اعتذار [وإن كان حتى الاعتذار لا يكفي] عما بدر من صحفها، وظلت أيضا الدول الأوروبية توالى نشر الصور المسيئة للنبي في تحد واضح ومقصود لمشاعر أمة المليار وربع، وكأن شيئاً عجيباً يدفعهم لهذا الثبات والعناد، وكأن علماً راسخاً عندهم بأن انتفاضة المسلمين ما هي إلا سحابة صيف سرعان ما ستنقشع، وزوبعة في فنجان لا تجاوز حافته، فهل صدق علينا ظنهم؟

الواقع المرير الذي لا مفر منه أن الظن قد أصبح يقيناً، فقد انفضت المظاهرات ووقفت المؤتمرات، وانحلت اللجنات، وسكتت للأصوات، واختفت المقالات، وتبخرت وعود المقاطعات، و انشق صف الدعاة بين من يريد محاربة الغرب والتقرب منهم ومهادنتهم وبين من يريد بقاء المقاطعة، وحتى صف من يريد المقاطعة أخذ في التنازل والاستثناء لبعض الشركات والمنتجات وذلك بحجة تقديم الاعتذارات، و بالجملة بطل حديث النصرة.

وهذا الواقع المرير يذكرنا بما سطره من قبل العلامة الكبير المؤرخ ابن الأثير في كتابة النفيس الكامل في التاريخ وهو يصف واقعاً شديد الشبه بحال الأمة الإسلامية الآن إذ يقول في أحداث سنة 361 هجرية وكانت الخلافة العباسية وقتها قد بلغت حالة شديدة من الضعف والتردي بسبب ضعف مركز الخلافة وتسلط الدولة البويهية الشيعية على العراق حتى أن السلطان البويهى كان هو الحاكم الفعلي والحقيقي للخلافة، والخليفة مجرد صورة ومنصب شرفي ورمز ديني لا أمر له ولا نهي، وهذه الحالة البالغة السوء شجعت أعداء الإسلام في الهجوم على بلاد الإسلام واسمع ما قاله ابن الأثير: ـ

[في هذه السنة 'يقصد 361 هجرية' أغار ملك الروم على 'الرها' ونواحيها وسار في ديار الجزيرة حتى بلغوا نصيبين في ' سوريا الآن'، فغنموا وسبوا وأحرقوا وضربوا البلاد وفعل مثل ذلك بديار بكر ولم يكن من أبي تغلب بن حمدان 'والي الموصل' في ذلك حركة ولا سعى في دفعة ولكنه دفع إليه مالاً عظيماً ليرده، فسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين وقاموا في الجوامع والمشاهد واستنفروا المسلمين وذكروا ما فعله الروم من النهب والقتل والأسر والسبي فاستعظمه الناس، وخوفهم أهل الجزيرة من انفتاح الطريق وطمع الروم، فهاجت العامة وقصدوا دار الخليفة وأغلقت الأسواق وكان [بختيار السلطان البويهى] وقتها يتنزه بنواحي الكوفة ويصطاد هناك، فخرج إليه علماء بغداد ووجوهها منكرين عليه اشتغاله بالصيد وقتال 'عمران بن شاهين' أمير البطائح وهو مسلم، وترك جهاد الروم ومنعهم عن ديار الإسلام حتى توغلوها، فوعدهم التجهز للغزاة وأرسل لقائد جيشه يأمره بالتجهيز للغزو واستنفار الناس، ففعل القائد ذلك واجتمع من المسلمين عدد كثير لا يحصون كثرة، وكتب 'بختيار'إلى 'أبي تغلب الحمداني' يأمره بإعداد المسيرة والعلوفات اللازمة، ثم أرسل 'بختيار' إلى الخليفة 'المطيع لله' يطلب منه مالا يخرجه في الغزوة، فقال 'المطيع': [إن الغزاة والنفقة عليها وغيرها من مصالح المسلمين تلزمني إذا كانت الدنيا في يدي وتجبى إلى الأموال، وأما إذا كانت حالي هذه فلا يلزمني شيء من ذلك وإنما يلزم من البلاد في يده وليس لي إلا الخطبة فإن شئتم أن أعتزل فعلت] وترددت الرسائل بينهما حتى بلغوا إلى التهديد، فبذل 'المطيع لله' أربعمائة ألف درهم فاحتاج إلى بيع ثيابه وأنقاض منزله وغير ذلك وشاع في الناس حتى خراسان أن الخليفة قد صودر ماله فلما قبض 'بختيار' المال صرفه في مصالحه، ثم يعلق ابن الأثير على الحادثة بأبلغ عبارة فقال: [وبطل حديث الغزاة].

ونحن نعلق على الأحداث التي أعقبت الانتفاضات والمظاهرات العارمة وحالة الهدوء والخفوت والسكون التي عاد إليها المسلمون فنقول: [عذراً رسول الله فقد بطل حديث الغزاة] .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply