حينما يسب الأقزام السحاب


  

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا إن كتبت الآن لا أكتب عن هؤلاء الصحافيين الدانمركيين أو السويديين الذين سبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وسخروا منه فهؤلاء لا دين لهم ولا مبدأ وقلوبهم تطفح بالحقد و البغضاء.. ولا أكتب لهؤلاء الساسة الغربيين الذين هم يرفعون شعارا فوق دساتيرهم " كل شيء مباح إلا الإسلام! "

 

ولست كذلك أكتب للعلمانيين في أوطاننا المسلمة الذين قد خططوا منهاج حياتهم تبعا للمصلحة الشخصية ونسيانا لحق ربهم وسعيا وراء الزخارف غافلين عن يوم قريب يستوي فيه الجميع في " ثوب الكفن "... إنما أكتب حسرة على صنفين من المسلمين..

الأول هم العلماء الذين ارتضوا بكسرة خبز وراتب شهري مقابل أن يخرسوا عن رفع قيم الإسلام ورسالته..

والثاني هم أولئك المسلمون الذين انشغلوا بمعاشهم وشئونهم الخاصة عن نصرة دين الله وهو ينتهك.. ونصرة رسوله وهو يسب ويستهزأ به....

 

أي حرقة تنتابنا.. أي ذلة تخيم علينا؟! أي انكسار ذاك الذي جنيناه أن يسخر من مقدساتنا ورموزنا ونحن نسمع ونشاهد.. نلملم أطراف الخيبة ونمسح دموعنا كفعل النساء؟!!...

 هانحن نخبئ رؤوسنا من أبنائنا مخافة أن يسألوننا ماذا فعلتم نصرة لأعلى قيمة وأرفع مبدأ؟.. وددنا لو سترنا وجوهنا وغيرنا ملامحنا وتبرأنا من أسمائنا وعناويننا.. فيا أيها العالم اشهد أننا بغير مبادئنا وقيمنا وشعائرنا ومقدساتنا فقراء كالجمادات، ضعفاء كأطفال رضع، ذاهلون كالعاجز عند غرغرة الموت.

 

 المتآلفون مع المذلات!

إن التآلف مع المذلات فعل الرقيق الأذلاء، وقد خلقنا الله أحرارا ثم زادنا الإسلام حرية على حرية وخرجنا لنخرج العباد من عبادة المادة والمخلوقات إلى عبودية طاهرة نقية تملؤها الحرية وترفرف عليها العزة والفخار..

 

لقد سرنا في طريق بدأه الأنبياء.. فأي عزة هي عزتنا بديننا؟ وأي فخار هو فخارنا بنبينا؟ إننا نرفع شعاره مؤذنين كل يوم على أعلى القمم.. فيا أيها العالم الأسير لقد بنى لنا محمد - صلى الله عليه وسلم - صرح الحرية الحقيقية في صدورنا وعلمنا بناء المجد التليد على الثرى من حولنا.. فمهما بنيتم صروح العمارة لن تبلغوا شأو رفعة كوخ صلى فيه ذاك الرسول..

 

أتسبون السحاب يا أقزام؟!

لو أنصف القلم لسال منه الدم لا الحبر. ولا نطلق كل حرف صرخة ترتطم في الجنبات..

 كلما حاولت الكتابة تدافعت المشاعر والكلمات والدموع حتى تفيض، ويغص الحلق، وتغرورق العينان فلا أجد متنفسا.. لينكسر سن القلم في صدري ولا أحتاج إلى قلم حبر لأكتب بل أتوسل قلما من رصاص!

 لو أنصفت يا قلم لانكسرت ولو أحسست يا ورق لاحترقت، لأن الكلمة إن لم تقترن بالفعل فقد ولدت سفاحا. !! ونصرة العاجزين هي النواح، فمن منا يجرؤ علي الادعاء بأن الدموع تجزي عن الثأر؟ وأي خداع للنفس أن نلتمس البراءة بالبكاء...

لقد تكاثرت علينا المواقف فلم نعد ندري إلى أيها نوجه الإنكار.. فرئيس دولة عظمى يعلنها حربا صليبية، وعساكر وضباط يتبولون على المصحف، ورسامون يسخرون من النبي الكريم، وصحفيون يشتمون الإسلام ويصفونه بدين الحيوانات!.... كل ذلك في ذات الوقت الذي يحرقون فيه أبناءنا في الفلوجة بالكيماوي وفي فلسطين بالقنابل العنقودية.. ويكسرون جماجم الصغار في أفغانستان..

 

ونحن ههنا نتوقف عند عدة نقاط هامة:

أولاً: تبين تلك المواقف ومثيلاتها كم نحن بحاجة إلى هيئة عالمية لأهل السنة تمثل مرجعية لهم وتدافع عن حقوقهم، ويكون لها عمقها وأثرها في تسيير الشارع المسلم والضغط به على الحكومات لاتخاذ المواقف المطلوبة، ولاشك أن هناك بعض المحاولات لتكوين هيئات لأهل السنة إلا أننا نشهد جميعا ضعف أثرها وقلة حيلتها وعدم استطاعتها الوصول إلى التأثير ولا حتى إلى أخذ المواقف الجادة والقرارات القوية بل ولا البيانات المطلوبة.. وأرى أن ذلك دور يجب أن يتحد فيه قادة الرأي في العالم الإسلامي من خلال مجموعة تضع على كاهلها القيام بدور الوساطة والتنسيق بين قادة الرأي في العالم الإسلامي على مختلف توجهاتهم المعتبرة.

 

ثانيًا: هذه المواقف المتكررة ضد الإسلام ومقدساته لتبين لنا كم هو فشل وتهريج ذاك الذي تقوم به بعض التكتلات الإسلامية في الهجوم على جماعات أو اتجاهات أو غيره بسبب خلافها معها في شأن من الشئون.. بل تبين مدى غياب الحكمة والعلم عند قادة هذه الجماعات وتلك التكتلات.. إذ إنهم لا ينظرون إلا إلى مواقف خاصة غير مبالين بمصلحة الأمة في العموم.. فيا أيها المسلمون اجتمعوا على قلب رجل واحد وانبذوا الخلافات من قبل أن تأخذكم فتنة عامة لن ينجو منها إلا من شاء الله..

 

ثالثًا: نحن بحاجة ماسة إلى تصحيح المسار التربوي والتكويني لأبنائنا فيما يخص ارتباطنا به وانتمائنا له وغيرتنا على ثوابته ومبادئه وقيمه، ولذلك فيجب وضع مناهج تربوية وتعليمية لتلافي ذلك الخلل الكبير، كما يجب ألا تتعلق تلك المناهج بالسياسات أو الحكومات ولا تنتظر مباركتها.. فمعظم حكوماتنا وسياساتنا لديها أولوياتها الخاصة والتي لا تضع ما يخص هذا الشأن في أولوياتها..

 

رابعًا: نحن بحاجة إذن إلى تفعيل دور الإعلام الإسلامي في مقابل هذا الإعلام المضاد والذي يشوه الإسلام في كل يوم ويبتكر ويخترع في ذلك السبيل.. وفي هذا الشأن يجب تغيير لغة الخطاب الإعلامي الأحمق الذي نراه كثيرا من بعض المتعالمين الذين يستغلون المنابر الإعلامية لغليظ الألفاظ وثقيل الشتائم من أجل نصرة فكرة قد تكون مختلف فيها بالأصالة!! نحن بحاجة إلى إعلام خبير راشد يكون على مستوى الحدث، وهنا يلزم احتضان الكوادر الموهوبة والقدرات الخبيرة وتجييشها في هذا المجال عبر منهجية واضحة وخطوات مترابطة.

 

خامسًا: ينبغي إذن أن نجلي نظرتنا بوضوح لقناعات الدول الغربية تجاه هذا الإسلام.. ونوقن بأن لهم سبيلا استئصاليًا، ونظرة تحقيرية، ومواقف مشهودة من ذلك الدين خلفيتها عقيدية صليبية أو يهودية أو إلحادية فيجب التعامل معهم على هذا الأساس، كما يلزم إفاقة هؤلاء الذين يتحدثون عن حرية المبادئ الغربية وعدالتها وغير ذلك.. فجميعهم يتفقون على الرغبة في إزالة الإسلام واستئصال شأفة المسلمين.

 

سادسًا: لسنا بحاجة لأية مراهنة على دور علماء الحكومات ولا علماء المؤسسات التي تتقاضى رواتبها من السلطات فتحرص على إرضائهم قبل إرضاء الحق ولا أي عالم له مصالح شخصية أو تطلعات خاصة، ولا تزال صفعات شيخ الأزهر تجاه الانتصار للإسلام ومقدساته يتلقاها المسلمون في كل مكان حتى سقطت هيبة المؤسسة الدينية العريقة في أنظار مسلمي العالم وغير مسلميه.. نقول ذلك وحلوقنا تغص بتذكر مواقف متتابعة للشيخ الكبير.. فمواقفه الغير منسية تستدعي نفسها في أذهاننا جميعا، والأمة الإسلامية بحاجة إلى تفسيرات لتلك المواقف التي بدأها بالبحث عن الأعذار لعدم تطبيق الشريعة ثم بالمضي بمخالفيه من العلماء الأزاهرة إلى المحاكم والسجون ثم بتأييد مؤتمر بكين المشبوه للمرأة ثم بتأييد إحالة أصحاب الاتجاهات الإسلامية إلى المحاكم العسكرية ثم فتاوى تحليل الربا وصناديق التوفير ثم مباركته لقرار الحكومة الفرنسية بمنع الحجاب ثم مباركته لمؤتمرات التقارب بين الأديان وإلغاء مواد الدين من التعليم ثم قراره حل جبهة علماء الأزهر ثم تكرار لقاءاته بالحاخامات اليهود وسفراء الكيان الصهيوني ثم يختتمها بمواقف في غاية الضعف والانكسار تجاه تدنيس المصحف والسخرية من الرسول!!..

 

سابعًا: في مثل تلك الأحوال نملك الآن كمسلمين منتشرين في أرجاء الأرض أن نخرج بمظاهرات مليونية تنطلق من المساجد وتجتمع في الساحات الكبرى مطالبين بأخذ حق النبي - صلى الله عليه وسلم - والدفاع عنه.. ولنقدم الدعوة لكل مسئول شريف للمشاركة فيها على ألا تتوقف تلك المظاهرات إلا بعد تلبية مطالبنا بوضوح والمتمثلة في إيقاف مسلسل انتهاك الإسلام وقيمه مقدساته ورموزه والاعتذار العلني والصريح عن كل صغيرة وكبيرة ارتكبت في حقه ومحاكمة كل متورط في هذا محاكمة علنية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply