منذ أن خلق الله - تعالى - المخلوقات ميَّز كل منها بميزات تخالف الآخر، ولكنها تتفق في أنها جميعاً مخلوقة لله - تعالى -وحده، لا لخالق لها سواه - سبحانه -، وفي أنها واجب عليها عبادته وحده لا شريك له، وأنها ستعود إليه - سبحانه - بعد مماتها لمحاسبتها وجزائها على جميع أعمالها. ومن هذه المخلوقات من جعل الله - تعالى -ولحكمة عظيمة العداوة بينها على يوم القيامة، وهم شياطين الجن مع الأنس والمسلمون مع غيرهم من أصحاب الأهواء والديانات، وهذا الأمر مطرد منذ خلق آدم - عليه السلام - في الجنة ومحاولة إبليس ـ لعنه الله ـ الحط من قدره وهو قدر رفعه بدون أن يعلم، فالملائكة لما اعترضت على خلق آدم - عليه السلام - أذعنت فوراً لما أخبرها العليم الخبير - سبحانه -: " إِنِّي أَعلَمُ مَا لاَ تَعلَمُونَ" فقالوا كما أخبرنا - تعالى -: " سُبحَانَكَ لاَ عِلمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمتَنَا إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ" وكتب الله لها التزكية الدائمة بفضله - سبحانه -: " لَا يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ". أما إبليس فرغم علمه بهذا إلا أنه أبي واستكبر، ورد على الخالق - سبحانه - بأسلوب الاعتراض مع التهديد لآدم - عليه السلام - وذريته، مما أوجب عليه غضب الخالق العظيم - سبحانه -، يقول - تعالى -: "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قَالَ أَنَا خَيرٌ مِّنهُ خَلَقتَنِي مِن نَّارٍ, وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ, * قَالَ فَاهبِط مِنهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخرُج إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرنِي إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغوَيتَنِي لأَقعُدَنَّ لَهُم صِرَاطَكَ المُستَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَآئِلِهِم وَلاَ تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ" (الأعراف/ 12ـ17).
واستمرت هذه العداوة بين إبليس وذريته من شياطين الإنس والجن وبين مؤمني ذرية آدم تترى وستبقى إلى قيام الساعة.
وقد استهزيء بالأنبياء والرسل - عليهم السلام - جميعهم، والقرآن ذكر لنا ذلك منذ صالح - عليه السلام - لما اتهموه بأنه ساحر إلى رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -..
وما حدث من تطاول على النبي - صلى الله عليه وسلم - يستدعي من المسلمين الوقفات التالية:
1ـ سنن الله في الكون:
إن العداء بين الحق والباطل لن يقف أبداً إلا بدخول أهل الحق المحض للجنة برحمة الله من الله ودخول أهل الباطل المحض إلى النار، وسيظل أعداء الرسل في كل وقت يقذفون بحمم حقدهم في كل اتجاه في تعاون شيطاني أخبرنا عنه الله - تعالى -لما قال - سبحانه -: "وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ, عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ, زُخرُفَ القَولِ غُرُورًا وَلَو شَاء رَبٌّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهُم وَمَا يَفتَرُونَ * وَلِتَصغَى إِلَيهِ أَفئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرضَوهُ وَلِيَقتَرِفُوا مَا هُم مٌّقتَرِفُونَ" (الأنعام/112ـ113).وتنطبق هاتين الآيتين على كل من يسيء للإسلام ورسله - عليهم السلام -، وما نجده من تكالب الكفار وتعاونهم في سبيل ذلك وقناعة كما وصفهم خالقهم وهو ما حدث في هذا الوقت من تطاول على نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - من شخص واحد تعاونت معه الصحيفة ثم أصغت الحكومتان النرويجية والدنماركية بل ورضيت، واقترفوا كل منقصة في سبيل تبرير ذلك كحرية رأيهم المزعومة، وسيجدون نتيجة افتراءاتهم في الدنيا والآخرة، يقول الشيخ السعدي ـ - رحمه الله - ـ في تفسيره: "يقول - تعالى -لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -: وكما جعلنا لك أعداء يردون دعوتك ويحاربونك ويحسدونك فهذه سنتنا أن نجعل لكل نبي نرسله إلى الخلق أعداء من شياطين الإنس والجن يقومون بضد ما جاءت به الرسل: "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً" أي يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة ليغتر به السفهاء وينقاد له الأغبياء الذين لا يفهمون الحقائق ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلاً والباطل حقاً، ولهذا قال - تعالى -: "ولتصغى إليه" أي ولتميل إلى ذلكم الكلام المزخرف "أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة" لأنَّ عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة يحملهم على ذلك "وليرضوه" بعد أن يصفوه إليه فيصفون إليه أولاً فإذا مالوا إليه ورأوا تلك العبارات المستحسنة رضوه وزين في قلوبهم وصار عقيدة راسخة وصفة لازمة، ثم ينتج من ذلك أن يقترفوا من الأعمال والأقوال ما هم مقترفون، أي يأتون من الكذب بالقول والفعل ما هو من لوازم تلك العقائد القبيحة، فهذه حال المغتربين بشياطين الإنس والجن المستجيبين لدعوتهم، وأما أهل الإيمان بالآخرة وأولو العقول الوافية والألباب الرزينة فإنهم لا يغترون بتلك العبارات ولا تخلبهم تلك التمويهات، بل همتهم مصروفة إلى معرفة الحقائق، وهل هي حق فيقبلونها.
ومن حكمة الله - تعالى -في جعله للأنبياء أعداء وللباطل أنصاراً قائمين بالدعوة إليه أن يحصل لعباده الابتلاء والامتحان ليتميز الصادق من الكاذب والعاقل من الجاهل والبصير من الأعمى، ومن حكمته أن في ذلك بياناً للحق وتوضيحاً له، فإن الحقّ يستنير ويتضح إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه فإنه حينئذ يتبين من أدلة الحق وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته، ومن فساد الباطل وبطلانه ما هو أكبر المطالب التي يتنافس فيه المتنافسون" وفي ظلال القرآن يقول سيد قطب ـ - رحمه الله - ـ: "المؤمن الذي يعلم أن ربه هو الذي يقدر وهو الذي يأذن خليق أن يستهين بأعدائه من الشياطين مهما تبلغ قوتهم الظاهرة وسلطانهم المدعي، ومن هنا هذا التوجيه العلوي للرسول - صلى الله عليه وسلم -: "فذرهم وما يفترون" أي دعهم وافترائهم فالله من ورائهم قادر على أخذهم مدخر لهم جزاءهم.
والمشهد الذي يوضحه لنا القرآن الكريم للمعركة التي بين شياطين الإنس والجن من ناحية وكل نبي وأتباعه من ناحية أخرى ومشيئة الله المهيمنة وقدره النافذ من ناحية ثالثة، هذا المشهد جدير بأن نقف أمامه وقفة قصيرة: إنها معركة تتجمع فيها قوى الشر في هذا الكون لإمضاء خطة مقررة هي عداء الحق المتمثل في رسالات الأنبياء وحربه ووسائل الحرب "يوحي بعضهم على بعض زخرف القول غروراً" فالشياطين يتعاونون فيما بينهم ويعين بعضهم بعضاً على الضلال أيضاً، ولكن هذا الكيد كله ليس طليقاً، فهم لا يضرون أولياء الله بشيء إلا بما أراده الله في حدود الابتلاء، وهذا من شأنه أن يملأ قلوب أصحاب الحق بالثقة والطمأنينة ويعلق قلوبهم بقدرة الله - تعالى -القاهرة، فيمضون في طريقهم".
وصدق الله العظيم لما بين لنا سبب وقوفهم في وجه كل نبي وأتباعه، فقال - تعالى -: "ما لهم لا يرجون لله وقاراً" والتوقير: العظمة والكافرون الذين اقترفوا وما زالوا الاستهزاء بحبيبنا ما فعلوا ذلك إلا من جهة عدم تعظيمهم لله خالقهم ومرسل عيسى - عليه السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم -.
2ـ محنة تقود للتطبيق الصحيح:
نحن المسلمون في واقع حياتنا أين نحن من التطبيق الصحيح القائم على الإخلاص والإتباع للسنة، فنريد نصرة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وغثاء أمتنا يعلن بفخر المخالفة الصريحة لسنته ولدينه في واقع مخزي!!
فكل ما حولنا صور مخزية للمجاهرة بالمعاصي والخجل من إظهار الإسلام الصحيح سواء من وسائل الإعلام وما تقدمه من عفن ومجون جهري مما تئن منه الأرض والسموات، ومن مظاهر حياتنا الاجتماعية سواء حفلاتنا وأزيائنا ومنازلنا.. والاقتصادية من ارتكاب المعاصي كالربا بأنواعه والرشوة والغش وبيع ما حرَّم الله من الأزياء والحجاب.. وغير ذلك مما هو معلوم بالضرورة، فما حدث فرصة لكي نقيم برامج شاملة في مواقع التعليم والإعلام ومراكز الأحياء وغير ذلك لإحياء الفرائض والسنن الصحيحة وبطريقة صحيحة شرعية وترافقها شروح صحيحة للسيرة والشمائل المحمدية، وذكرت اشتراطات الصحة لترتفع بتوحيدنا وعقولنا عن أباطيل الموالد والبدع، ونكون نحن أهل السنة والجماعة، من يقدم الدواء الكافي لمن سأل عن العلاج الشافي، وها هي الفرصة أمامنا فلا نتركها لأرباب البدع يستغلونها لنشر فسادهم العقدي بين المسلمين الذين يندفعون الآن بقوة العاطفة الدينية المتمثلة في محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
المحنة كشفت لنا الكثير من العيوب التي نعانيها في مجتمعاتنا الإسلامية وتحتاج منا إلى إصلاح فوري لنستحق نصر الله.
ونشر السنة له طرق عدة منها:
أـ إحياء فريضة وسنة نبوية كل شهر بين أهل الحي الواحد ومدارسهم ودكاكينهم ونواديهم وغير ذلك، وتستخدم لكل وسيلة إعلامية تعين على ذلك مثل: النظافة وقيام الليل والسواك والتبسم والحجاب الصحيح وترك الغيبة.
ب ـ دروس علمية ميسرة للجميع في كيفية الصلاة الصحيحة والسيرة وحفظ القرآن مع تفسيره والسنة مع شرحها وسير الصحابة.
3ـ (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).
إذا كانت الحروب الاقتصادية التي شنتها رؤوس البغي والكفر قد أضرت بعدد من الدول الإسلامية فلنستخدمها بقوة لا تعرف التوقف حتى يذعنوا وهم صاغرين، لذا أين نحن من المقاطعة المستمرة لكل من أساء لديننا، سواء الدنمرك والنرويج وفرنسا وأمريكا وغيرها من الدول التي تحاربنا علانية؟
وهناك فرق بين تحريم الشراء من أهل الكتاب، وبين ترك الشراء منهم ردعاً وتأديباً لهم ووسيلة لنصرة ديننا وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم -، فهؤلاء قوم يعبدون الدرهم والدينار، ويقيمون الحروب المدمرة وباسم دينهم المحرَّف أحياناً من أجل السيطرة الاقتصادية على منابع الثروات الاقتصادية والبشرية، ليظل تفوقهم وبالتالي سيطرتهم على الآخرين المستضعفين، لذا تؤثر فيهم الحروب الاقتصادية وتؤلمهم وهم الذين جعلوها العصا التي يلوحون ويخربون بها كل من يجرؤ على مخالفتهم كما نشاهد في واقعنا المعاصر، فاستخدام حرب المقاطعة خير سلاح بتار يقصف بنيانهم ويزلزل أركانهم ويجعلهم يعيدون التفكير في حربهم ضدنا. وعلى كل مسلم أن لا ينسى في وسط الزخم الإعلامي المنصب على الدنمرك والنرويج، الدول الكافرة الأخرى التي مارست وما زالت حربها ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والدين الصحيح الذي أرسله الله - تعالى -به كفرنسا التي ما زالت تمنع الحجاب وتبعتها بلجيكا وأمريكا التي عرضت فيلماً إباحياً بعنوان (الحياة الجنسية للنبي محمد) ـ لعنهم الله في الدارين ـ.
ورغم الاحتجاجات التي تلقتها دار السينما من مسلمي ولاية تكساس التي عُرض فيها الفيلم، إلا أن دار السينما رفضت إيقاف عرض الفيلم، واستعانت بالشرطة لصدّ المتظاهرين، فهل ستستمرون في مقاطعة كل هذه الدول؟
فعلينا كمسلمين أن نتخذ جميع الأسباب المشروعة لرفع قدر نبينا - صلى الله عليه وسلم - وديننا وقرآننا، فكلما أن من السماء ملائكة ينزلون ففي الأرض جند الله يقومون، وكل رد عادل منضبط عليهم يعني حياة الأمة وفلاحها، يقول - تعالى -: " فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النٌّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ" (الأعراف/157). وإن لم نكن هؤلاء فسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه. يقول - تعالى -: "يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَومٍ, يُحِبٌّهُم وَيُحِبٌّونَهُ أَذِلَّةٍ, عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ, عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ," (المائدة/54) ويقول - تعالى -: "إلا تنصروه فقد نصره الله" (التوبة/40).
4ـ غضب وفرصة ذهبية:
علينا أن نستثمر هذا الغضب المحمود في أعمال تفيد الأمة ولا تكون مجرد انفعالات تذهب بذهاب أسبابها، بل يجب أن يكون غضباً يثمر فرصاً ذهبية، وذلك ببذل الجهد المتواصل لنشر ديننا على كل المستويات وبكل الوسائل المتاحة، وهذه دعوة لقناة المجد بإنشاء قناة خاصة لدعوة غير المسلمين للإسلام، وستجد دعماً ونصرة في ظل الأحداث الراهنة، كما تقيم دروساً في السيرة النبوية على مستوى الأطفال والناشئة والكبار من المتعلمين وغيرهم، كل بما يناسبه كذلك في القناة العلمية وفي حلقات الدروس والدورات العلمية، أتمنى شرح كتاب (الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم -) لابن تيمية، الذي كتبه وعمره 32 سنة وأربعة أشهر تقريباً، لما وقعت حادثة سبّ عساف النصراني للنبي - صلى الله عليه وسلم - وضُرب على أثرها شيخ الإسلام ابن تيمية وسجن من قبل نائب الأمير، فصنف في هذه الواقعة كتابه هذا وفيه تفصيل لكيفية النصرة في حال قوة المسلمين وضعفهم وشرح مبسط لآراء الأئمة.
وهي دعوة أيضاً لكبار رجال الأعمال الذين يحبون الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - للمساهمة في شراء ساعات في عدد من القنوات الفضائية ذات الجمهور العريض في عدة دول لشرح حقيقة الإسلام وصفات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخلاقه وسيرته، وهم لا يتحركون إلا بالمادة، فإن دفعت لهم تركوا لنا المجال.. كذلك الكتابة بلغاتهم في كل وسيلة متاحة، فعندنا وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يتميز بالسهولة، أنزله الله للعالمين جميعاً، نخاطب به الأمي والمتعلم والصغير والكبير.
ـ الدعوة للإسلام بكل الوسائل المتاحة من كل فرد مسلم، خاصة في دولهم، وإن التطبيق الصحيح للإسلام لهو أكبر وسيلة دعوية.
ـ فتح معاهد خاصة في جامعاتنا لتعليم الدين الإسلامي ببيان حقيقته وحقيقة رسولنا العظيم - صلى الله عليه وسلم -، وعلى الأقل دورات خاصة لذلك تفتح للوافدين غير المسلمين في الدول الإسلامية، تتعاون مع مكاتب دعوة وتوعية الجاليات، ودعم هذه المكاتب ودعاتها لنجعل من هؤلاء وسائل إعلامية لديننا، بل وفي كل دولة كافرة نتمنى زيادة الدعم لكل مؤسسة إسلامية لتواصل نشر المفاهيم الصحيحة عن ديننا، والمجال يتسع ليفكر كل المسلمين كيف ينشرون دينهم وينصرون نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.
5ـ متى نعيش من عمل أيدينا؟
هذه الحوادث تعطينا فرصة لمراجعة حياتنا الاقتصادية، وذلك بأن نعتمد على أنفسنا في احتياجاتنا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يخصف نعله ويرقع ثوبه، وأرشد الصحابة لوجوب العمل الشريف وعدم التسول وانتظار الصدقات، وهذا عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - ما إن وصل المدينة فاراً بدينه، غريباً عن طبيعة المجتمع المدني، إلا أنه قال قولته الخالدة: "دلوني على السوق".. ونحن كدولة إسلامية لدينا كل مقومات النهضة في جميع المجالات، فلنجعل هذه الأحداث دافعاً قوياً لنضع أيدينا في أيدي بعضنا دولاً وجماعات لنعيش مما نصنع، وهل مهاتما غاندي الوثني أفضل منا لما استنهض همة بلاده ليعيشوا من عمل أيديهم ـ مع ملاحظة أنه أيقظ همة الهندوس فقط، لذا لما جاءه فقيران يطلبان المساعدة أحدهما هندوسي والثاني هندي مسلم، أعطى المسلم فقط، فلما سئل لماذا قال: "حتى يذهب الهندوسي ليعمل ويبقى المسلم معتاداً على التسول فيعتمد على غيره"! لا والله بل نحن أقوى، فمتى نتحرك؟
6ـ اليقين بنصر الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
يقول - تعالى -: "إنَّا كفيناك المستهزئين" (الحجر/95) و"إنَّ شانئك هو الأبتر" و "ولله يعصمك من الناس" و "أليس الله بكافِ عبده" و"الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم" (التوبة/61) و"إنَّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً".
إنَّ الله - تعالى -ينتقم لنبيه ويكفيه أذى من يناله لأنَّ من آذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد آذى الله، ومن آذى الله - تعالى -أهلكه وأذله وانتقم منه في الدنيا قبل الآخرة.
فالله - تعالى -يغار على دينه وعلى نبيه المجتبى، ولنا في الأحاديث الصحيحة في السيرة النبوية ما يؤيد ذلك، ففي صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رجلاً نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله، فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمَّد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه خارج القبر، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعملوا أنه ليس من الناس فألقوه، وفي لفظ آخر عند مسلم (فتركوه منبوذاً).
وكسرى فارس لما مزق كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قُتل على يدي ابن أخيه، ومزق الله - تعالى -ملك فارس إلى الأبد، فلم تقم لهم دولة، كذلك ما ذكرته لنا كتب السيرة من مقتل النفر الذين آذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولن أذكر القصة حتى يرجع القارىء للسيرة يتصفحها كلها لنبدأ من الآن هذه الخطوة الجادة.
7ـ الخوف من انتشار الإسلام:
يلاحظ كل متابع للأحداث أن أعداء الإسلام كلما وجدوا أعداد المسلمين تتزايد في دولهم ويدخله أبناءهم، أربكهم الخوف والحقد والحسد، فيعملون كل ما بوسعهم لتشويه الإسلام وصرف الناس عنه وشغل المسلمين بذلك، ولكن كل مؤامراتهم تعود عليهم، إذ هذه المحن تزيد من شعبية الإسلام وبحث الناس عن حقيقته: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" يقول - تعالى -واصفاً لنا حقيقتهم: "ودًّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء" و"قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر" و"ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" (البقرة/109).
وقد ذكرت مجلة الكوثر عدد شهر ذي القعدة: "إن الاستخبارات الدنمركية تدعو مواطنيها إلى مراقبة الشبان المسلمين لجنوحهم نحو التطرف، وقد أدلى مسؤول أمني بصحيفة "بولاند بروست" بتصريحات قال فيها: إنَّ مشاركة المجتمع يجب أن تكون مبكرة وقبل تفاقم الأمر، وعلينا مواجهة الحقيقة المرة، وهو أنه لا زالت هناك مجموعة خارجة على القانون لم يتم تحديدها بعد، ليس في المجتمع الدنمركي فحسب، بل في جميع المجتمعات العالمية".. كما وردت مقالة في صحيفة "المدينة المنورة" العدد (156519) يوم الجمعة 27/12/1426هـ بعنوان (15 فبراير يوم الإساءة العلنية): وفي المقالة: سيوجد سيناريو مختلف يوم 15 فبراير حيث سيتم جمع الكتاب المعروفين بمواقفهم المتشددة ضد الإسلام والمسلمين في ندوة عن الإسلام وعلاقة المسلمين بأبناء الديانتين النصرانية واليهودية، وستعقد الندوة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك ستكون الإساءة علنية.
8ـ يقول - تعالى -: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردٌّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً" (النساء/83) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - ونحن في كل محنة تمر بها أمتنا نجده على طوائف عدة في نشر الأخبار والإشاعات:
فطائفة تثبت وتسأل أولي العلم الصحيح والرأي السديد لتقف على المصلحة الراجحة من النشر وعدمه.
وطائفة تلجأ لعاطفتها بلا ضابط فتتعجل وتسرع في نشر الأخبار بكل وسيلة، فترسل رسائل الجوال وتدير الأحاديث التي تصل إلى الإضرار بأعراض المؤمنين باتهامهم بالخيانة والكذب، ومن هنا ينفذ أعداؤنا للصيد في الماء العكر بقذف العديد من الأكاذيب والإشاعات المرجفة التي تضر بساحتنا وتكون فرصة لإظهارنا بمظهر السذج قليلي الفهم والتدبير.
وطائفة تقفل بابها تماماً فلا تسمع وتتحقق وتقف ضد الإشاعات، بل تعيش حياتها وكأنَّ الأمر لا يعنيها، وتعيش في برج عاجي.
وعلينا كمسلمين لدينا بفضل الله علماء وأولي رأي سديد أن نلجأ إليهم ونقرأ لهم، يقول الشيخ السعدي ـ - رحمه الله - ـ في تفسيره للآية: "هذا تأديب من الله - تعالى -لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة وما يتعلق بالأمن وسور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة، عليهم أن يثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلى أولي الأمر منهم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون مصالحها وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين وسروراً لهم وتحرزاً من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه، ولهذا قال: "لعلمه الذي يستبطنونه منهم" أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. وفي هذا دليل لقاعدة أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله ولا يُتقدم من بين أيديهم فإنه أقرب إلى الصواب، وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه هل فيه مصلحة فيقدم عليه الإنسان أم لا، فيحجم عنه، ثم قال - تعالى -: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته" أي في توفيقكم وتأديبكم وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون: "لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً"، لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل فلا تأمروه نفسه إلا بالشر، فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك لطف به ربه ووفقه لكل خير وعصمه من الشيطان الرجيم".
وأخيراً علينا أن نفرق بين من يحاربنا وبين من يقف معنا من غير المسلمين، فنستفيد من المتعاطفين لدعم مواقفنا ونعطي كل فريق ما يستحقه، ثم أكرر: لنكن نحن خير الصور التي تُظهر الإسلام في جميع حياتنا، فكيف ننصر إسلاماً لا نطبق منه إلا ما يوافق أهواءنا؟!.
وأبشركم بأنه كلما تجرأ أحد على حبيبنا - صلى الله عليه وسلم -، إلا وكان علامة على نصر قادم للإسلام كما أخبرنا شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - في كتابه (الصارم المسلول) عن ما يحدث أثناء حصار المسلمين لحصون بني الأصفر لأكثر من شهر وهو ممتنع عليهم، حتى يكاد اليأس منهم، فإذا تعرَّض أهله لسبّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعجلوا وتباشروا فتحه، ويتم ذلك بعد يوم أو يومين.
لذا فسنظل في جهاد لا يقف مع مناويء الإسلام، وهذا شرف لأمة محمد - عليه السلام -، وأقصد أمة الإجابة، فهي أمة لا تركن للهوان والذل، ورزقها الله حلماً وعلماً تواجه به كلّ ما يستجد في حياتها، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد