مازالت أصداء إساءة بعض الصحف الدانمركية والنرويجية لرسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - تتوالى، وأخذت الأمة تفوق من سباتها رويداً رويداً لتواجه هذه الحملة الظالمة التي استهدفت الإساءة لسيد ولد آدم وأفضل خلق الله، خاتم الأنبياء وإمام المرسلين -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وذلك من خلال بيانات الشجب والإدانة، ومسيرات التنديد والاستهجان - المطالبة بقطع العلاقات مع كل من الدانمارك والنرويج والتي عمت بلاد المسلمين من ماليزيا شرقا إلى موريتانيا غربا.
في هذه السطور نستضيف د. محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر والأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية ليجيب عن عدة أسئلة حول هذه القضية.
*ما تعليق فضيلتكم على الإساءة التي تعرّض لها نبينا الكريم في وسائل الإعلام الدانمركية والنرويجية؟
الإساءة التي تعرّض لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - تمس كرامة وشرف كل مؤمن يعتز بصلته بالرسول. ولا شك أنها إساءة بالغة، وهي دليل على العجز والقهر الذي أصاب أعداء الإسلام من ثبات قدمه وقوة حجته وشموخ رايته.
إن ما نسمعه اليوم ثابت في القرآن الكريم في مثل قوله - تعالى -مؤكّداً باللام والنون: (لَتُبلَوُنَّ فِي أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ) [آل عمران: 186]. فما نسمعه اليوم من إساءات وتطاول على رموز الخلود والشرف للإنسانية كلها إنما هو تفسير واقعي لهذه الآية الشريفة وغيرها من الآيات الذي تؤكد هذا المضمون، وهذا المعنى الواقعي المؤسف.
والآية الشريفة تدل على أن مواجهة الإساءة تكون بالصبر والالتزام وتنمية روح الإيمان ومجاهدة النفس لاقتفاء الأثر الخالد لمن تحمّل البلاء قبل أن يودّع الدنيا.
وجدير بالأوفياء أن يستشعروا المسؤولية في مواجهة هذه الجرائم بما يثبت صدق الارتباط بخاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يكون الرد بمثل ما قالوا، ونحن نستشعر مثل قوله - تعالى -: (...قُل مُوتُوا بِغَيظِكُم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ)[آل عمران: من الآية119].والأمل المرجو أن يكون ما نسمعه من بذاءات وإساءات أجراس الإيقاظ لخير أمة أُخرجت للناس، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولمواجهة مثل هذه الإساءات فلابد أن يكون هناك إعلام نظيف يعرف من خلاله الناس من هو الرسول، وما هي رسالته، وما دوره وكيف أنقذ الأمة.
مقالة شيخ الأزهر
*ما رأيكم فيما قاله شيخ الأزهر لسفير الدانمارك دفاعاً عن الرسول الكريم من أننا لا يجب أن نهين الأموات؟
بالنسبة لشيخ الأزهر فإن المشاعر الخامدة لا تُكلّف فوق طاقتها، الدفاع غير موفق بالمرة، ولا يصح أن يكون على هذه الصورة المريضة الباهتة التي تفتقد إلى الروح والغيرة والحماسة. وهل ماتت الأمة الإسلامية حتى نقول: إن الرسول لا يستطيع الدفاع عن نفسه لأنه ميت؟ ثم إن رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - حي في حياتنا بصورة لم تحدث في أي أمة غيرنا. إن هذا النبي الأمي هو الرحمة المهداة للإنسانية جمعاء، وهو حاضر بهديه الكريم وسنته الشريفة، وبأنه النموذج الأخلاقي الذي يحتذيه المسلمون في كل كبيرة وصغيرة في حياتهم.
حملة صليبية غاشمة
*ما هو تفسيركم لتكرار هذه الحملات الغربية المستمرة ضد الإسلام والمسلمين؟
الأمر هو محصلة صراع سياسي وديني كبير بدءًا بالفتوحات الإسلامية لكثير من الدول التي كانت خاضعة للبيزنطيين المسيحيين، وبلغ الحقد المسيحي غايته بفتح المسلمين للقسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وكذلك فتح الأندلس.
وحاول الغرب التنفيس عن حقده عبر الحروب الصليبية التي استمرت قروناً، ثم في الكشوف الجغرافية للالتفاف حول العالم الإسلامي وخنقه واحتلاله فيما بعد.
وآخر جولات الصراع هي زرع إسرائيل في قلب العالم العربي، ومساعدتها بكل الوسائل كي تتوسع وتوقف نمو وتقدم الدول العربية.
لكن و على الرغم من هذا فإن هناك شهادات عظيمة صدرت، ولا تزال تصدر عن منصفين من عقلاء الغرب على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم بحق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
يقول (كلود كاهن): "يبدو للمؤرخ المنصف أن محمداً (- صلى الله عليه وسلم -) كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت بكثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقياً وفكرياً".
ويقول الأمير (تشارلز): "يمكن للإسلام أن يعلمنا اليوم طريقة للفهم والعيش في عالم كانت فيه المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته، ذلك أننا نجد في جوهر الإسلام محافظته على نظرة متكاملة إلى الكون، فهو يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، وبين الدين والعلوم، وبين العقل والمادة".
هل تفاجأتم بما أقدمت عليه بعض الصحف في الدانمرك والنرويج من التطاول على شخص الرسول الكريم؟
* إن ما حدث ليس بمستبعد من قوم حرّفوا كتابهم وسبوا رسلهم وأنبياءهمº فهم قد اتهموا رسلهم بالزنا وحب الخراب والعنف. ولكن الأمر الآن صار كله على كاهل المسلمين، فعليهم أن يظهروا لهؤلاء ما يردعهم ويردهم على أدبارهم، حتى يعلموا أن هناك من يغضب لرسول الله. وعلى المسلمين أن يعلموا أن من أجلِّ الأعمال ومن أزكى الدرجات وأعلى القربات إلى الله مزيد المحبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومضاعفة المحبة له - صلى الله عليه وسلم -، ومواجهة كل من أراد بمقامه الشريف نقصاً أو انتقاصاًº فالانتصار للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو دلالة الإيمان وبرهان الإحسان، وهو دليل الإسلامº إذ لا إسلام ولا وإيمان لعبد لا يتغير حنقاً وغضباً يوم أن يُسبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن ناحية أخرى فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نبي من عند الله، ومن سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يستهزئ بمن أرسله.
إن هذا الذي رأيناه وسمعنا به يدخل ضمن الحملة الصليبية العالمية على الإسلام والمسلمين.
مقاطعة المتطاولين على النبي
* هل المقاطعة الاقتصادية للدول التي تنتمي إليها تلك الصحف وسيلة عملية؟
الواجب على كل مسلم في أي مكان أن يقوم بما في وسعه للدفاع والذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنسب الوسائل وأكثرها تأثيراً هي المقاطعة، والمقصود بالمقاطعة أن تكون على كل الأصعدة والأوجه، سياسياً أو اقتصادياً، وكلُّ بما يملك، بالإضافة إلى ذلك واجب الدفاع بالقلمº فعلى كل مسلم يستطيع أن يهاجم هذه الدولة ويفضح أفعالها هذه أن يفعل، بالإضافة إلى فضح هؤلاء الذين يراهنون، أو يصوتون على سبّ رسول الله ممن يدّعون الإسلام بألسنتهم، ثم يعدّون أن سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الممكن أن يدخل تحت حرية الرأي من أي وجه من الوجوه.
*ما هو المطلوب من الحكومات الإسلامية للدفاع عن مقدساتنا ومقام النبوة الكريم؟
الصمت وابتلاع الإهانة أمر مرفوض، فالتطاول على مقام خاتم الأنبياء والمرسلين، ليس مسألة يمكن الإغضاء عنها، ولا التساهل فيها.. ذلك أنها قضية عقدية مبدئية كبرى تنتظم منظومة من القضايا التي تُعد كل واحدة منها: أسبقية فكرية وثقافية ودبلوماسية وحضارية.
فعدم وجود ردع فكري ودبلوماسي وإعلامي يشجع على ارتكاب المزيد من السفاهات ضد نبي الإسلام وضد الإسلام نفسه.
والمتطاولون لن يتوقفوا، بل سيزيدون ما لم يحصل هذا الردع الذي نتحدث عنه، وعندما يشعر السفهاء ودولهم أنهم يدفعون ثمناً باهظاً بسبب هذا التطاول فإنهم سوف يتوقفون، وصدق الله العظيم الذي يقول: (... وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ, لَفَسَدَتِ الأَرضُ... ). [البقرة: من الآية251].
كما أنه من حق الشعوب المسلمة أن يحمي حكامها وقادتها عقائدها ومقدساتها ومقام نبيها الكريم - صلى الله عليه وسلم - بـالطرق السلمية المستطاعة، أي بالردع الإعلامي وبالحركة الدبلوماسية الجادة النشطة، بما في ذلك: الاتصالات المكثفة، والاحتجاج بالبيانات الواضحة الحازمة عن طريق السفراء، أو وزراء الخارجية، وبالتحرك الجماعي أو الفردي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد