بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأدلة من القران الكريم :
1- قال تعالى : " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " [البقرة :221[
المقصود بالمشركة هنا الوثنية التي لم ينزل عليها كتاب من الكتب السماوية مثل الهندوسية أو البوذية أو الشيوعية وغير ذلك من الأديان الغير سماوية .
أقوال أهل العلم في تفسير هذه الآية :
روى الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله - في تفسيره (4/363) بإسناد حسن عن قتادة أنه قال في قوله تعالى: "وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ": يعني مشركات العرب اللاتي ليس فيهن كتاب يقرأنه .
وقد استثنى الله من هؤلاء المشركات اللاتي ليس لهن دين سماوي نساء أهل الكتاب قال تعالى: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" [المائدة :5[
قال ابن جرير - رحمه الله – بعد ذكر الأقوال في مسألة نكاح المشركة (4/365): وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية ما قاله قتادة من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله: "وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ" من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات وأن الآية عام على ظاهرها خاص باطنها، لم ينسخ منها شيء وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها. وذلك أن الله تعالى ذكره أحل بقوله: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" للمؤمنين من نكاح محصناتهن، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات .ا.هـ.
وقال ابن كثير في تفسيره (1/474): هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات من عبدة الأوثان ثم إن كان عومها مراداً وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية فقد خُص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ "
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ" استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب. وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول والحسن والضحاك وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وغيرهم. وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان ولم يُرد أهل الكتاب بالكلية والمعنى قريب من الأول والله أعلم .ا.هـ.
2- قال تعالى: "وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ"
قال ابن كثير في تفسيره (8/94): تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات، والاستمرار معهن .ا.هـ.
عن المسور ومروان بن الحكم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاء نساء من المؤمنات، فأنزل الله عز وجل: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ" إلى قوله: "وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ" فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين، تزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية. رواه البخاري (2731، 2732( .
فهذه الأقوال في حق المشركة التي ليس لها دين سماوي .
أما الكتابية من يهودية أو نصرانية فقد جاء القرآن بتخصيص الكتابيات من عموم المشركين والكفار، فيجوز التزوج بهن ولكن بشرط أن تكون عفيفة .
قال تعالى: "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ" [المائدة : 5[
والشاهد من هذه الآية قوله تعالى: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" فنساء أهل الكتاب حلال لنا .
والمراد بالإحصان العفة من الزنا .
قال ابن كثير في تفسيره (3/55): وهو قول الجمهور هاهنا، وهو الأشبه، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: "حشفا وسوء كيلة" والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا .ا.هـ.
وقد تزوج بعض الصحابة من الكتابيات :
عن شقيق بن سلمة قال: تزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر: خلِّ سبيلها. فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن. رواه ابن جرير في تفسيره (4223)، وقال عنه ابن كثير في تفسيره (3/475): إسناد صحيح .
وعن عامر بن عبدالله بن نسطاس: أن طلحة بن عبيد الله نكح بنت عظيم اليهود، قال: فعزم عليه عمر إلا ما طلقها. رواه عبدالرزاق في المصنف (10059( .
قال ابن جرير تعليقا على ما أمر به عمر طلحة وحذيفة (4/366): وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم - ورضي عنهم - نكاح اليهودية والنصرانية، حذارا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك، فيزهدوا في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني فأمرهما بتخليتهما .ا.هـ.
فالحاصل من هذا البحث ما يلي :
1- أن لا يجوز التزوج من المشركة التي ليس لها دين سماوي .
2- جواز التزوج من الكتابية سواء كانت يهودية أو نصرانية بنص كتاب الله المخصص من عموم المشركات .
3- أن تكون الكتابية المراد التزوج بها عفيفة من الزنا كما هو رأي الجمهور .
4- ثبوت تزوج بعض الصحابة من الكتابيات دليل على أنه أمر جائز، واعتراض عمر ليس الزواج من الكتابيات وإنما خشية أن يزهد الناس في المسلمات .
والله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد