مبررات القراءة.. لماذا نقرأ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

السؤال عن لماذا دائما ما يبحث عن المبررات التي تحفزنا لخلق عادة القراءة وبناء علاقة حميمية مع الكتاب ..

ويتصدر تلك المبررات الأمر الرباني بإقرأ، وعلى نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب، وذاك كفيل بأن يجعلنا موقنين بأهمية القراءة، وأنها قادرة على أن تجعلنا في مصاف الأمم المتقدمة، بل وتجعلنا نحقق الريادة والشهودية التي أرادها الله للأمة ..

ثم أن الدراسات تثبت أن 65% من قراء الغرب يقرؤون ﻷجل التسلية، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي، كون القراءة في بعض الكتب المحببة والمسلية بإمكانها أن تضيف لنا المتعة وتزجية وقت الفراغ فيما يضفي على أرواحنا أجواء ماتعة ومسلية ..

ثم يحضرني قول العقاد حين قال: أنا أحب الكتب ليس ﻷني زاهد في الحياة، بل ﻷن لي حياة واحدة وحياة واحدة لا تكفيني، وهذا يعني أن القراءة والعيش مع الكتب بإمكانها أن تضيف إلى حياتنا حيوات أخرى، سواء في حال بقائنا على هذه الأرض، أو حتى بعد رحلينا، حينما يخلف المرء من بعده علم ينتفع به ويذكر به بعد موته ..

كذلك يحضرني كتاب نفيس للدكتور فهد عرابي الحارثي (المعرفة قوة)، وهذا قانون لا يجادل فيه اثنان، كون المعرفة قوة على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة، ونحن مطالبون بنص كلام ربنا بالإعداد وأخذ زمام المبادرة في كل شيء، وهذا لا يكون إلا إذا كنا أقوياء حقا، وليس القوة فقط على مستوى البنية الجسدية، بل قبل ذلك القوة الروحية، والقوة العقلية، والقوة الفكرية، فالصراع حقا اليوم وأمس وغدا هو صراع أفكار وقيم ومبادئ، ومن لا يملك سلاح المعرفة، باستطاعة تلك الأفكار أن تموج به ذات اليمين وذات الشمال دون قرار أو اختيار منه، وقوة المعرفة هي من تملكنا زمام المبادرة، هي من تملكنا صنع القرار، هي من تملكنا عمق التأثير، بل وهي من تملكنا الحرية حقا ..

كذلك لو أردنا أن نوجه ﻷنفسنا سؤالا؛ بماذا يمكن أن نسم عصرنا اليوم؟ فلا شك أننا سنتفق بأنه عصر العلم، عصر المعرفة، عصر الثورة المعلوماتية، عصر الانفجار المعرفي، عصر الانفتاح العولمي؛ ومن غير اللائق ولا الممكن في عصر كهذا أن نكون بمنأى عن حب المعرفة والارتباط بالكتاب ..

وما أجمل ما قاله ابن القيم في مفتاح السعادة حين وصف الجهل بقوله: الجهل شجرة تنبت منها كل الشرور، والقراءة ثم القراءة ثم القراءة كفيلة أن تخرجنا من حيز الجهل إلى سعة العلم ونوره وهداه، وأعظم ما ينتجه الجهل أن يجهل الإنسان حقيقة ذاته ووجوده وغايته وأهدافه وطموحاته والعالم من حوله، وهذه نتيجة حتمية حينما يجعل المرء بينه وبين القراءة والمعرفة سردابا لا يفتحه ..

مرة سألوا عديد القراء الجيدين (لماذا تقرؤون؟)، فكانت إجاباتهم تتركز في عديد المبررات المختلفة والمسددة، فقال أحدهم: أقرأ ﻷضحك،

وقال آخر: أقرأ ﻷهرب من واقعي،

وقال ثالث: أقرأ ﻷعيش مع أناس لم ألحق بهم، وأختصر تجاربهم في الحياة،

وقال رابع: أقرأ ﻷستمتع بأماكن لم أبلغها،

وقال خامس: أقرأ ﻷرى الأوجه المغايرة لسؤال ما،

وقال سادس: أقرأ ﻷعثر على حقائق تدعم وجهة نظري ..

وهذا يعني أن دوافع القراء تختلف من شخص لآخر، لكن الأهم من هذا كله أن نقرأ ثم نقرأ ونقرأ حتى نكتسب هذه العادة الحسنة والقيمة الكبرى، وبعدها ستتنمى دوافعنا لما يحقق لنا أهدافنا الكبرى التي نرجوها من ذواتنا ..

وربما البعض بعد هذا يخلد لذهنه سؤال: وهل القراءة بإمكانها أن تحقق لنا كل هذا؟ بل بإمكانها أن تحقق كل هذا وأكثر، فهي قادرة حقا على الارتقاء بمستوى تفكيرنا ولغتنا وسلوكنا وأهدافنا وطموحاتنا ونظرتنا ﻷنفسنا وللحياة من حولنا، لكن متى كل هذا؟ متى ما استمرينا في الترقي مع تلك العادة (عادة القراءة)، وليس من أول كتاب أو ثانيه ..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

ندى

00:29:12 2020-03-22

نقرأ حتى تتغير وجهة نظرنا للحياة وناقش عقول وافكار من خلا تلك الكتب التي تترك فينا أثر