بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن لوسائل الدعوة إلى الله تعالى وأساليبها ضوابط حتى لا تنحرف عن قواعد الشرع، ولا تخرج عن الأهداف التي وضعت من أجل نجاح الدعوة الإسلامية.
الضابط الأول:
الانضباط بأحكام الشرع: أي يشترط أن تكون الوسائل والأساليب الدعوية مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة، أو أن تكون مستنبطة عن طريق المصادر الشرعية الأخرى مثل: الاجتهاد، القياس، الاستحسان، المصالح المرسلة، ومعنى ذلك ألا يستخدم الداعية الوسائل والأساليب المحرمة والممنوعة، أي التي جاء النهي عنها في الكتاب مثل:المزمار.
الضابط الثاني:
ألا يؤدي استعمالها من أجل مصلحة إلى الوقوع في مفسدة أعظم: أي بحيث لا تترتب مفسدة على استخدام الوسيلة أكثر من المصلحة التي كان يجب أن تحققها، لأنه قد تكون الوسيلة ممتازة، ولها شروط جيدة، ولكن استخدامها يترتب عليه مفسدة، قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}(الأنعام: من الآية108)
يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في هذه الآية الكريمة: ففي هذه الآية الكريمة دليل للقاعدة الشرعية وهي: أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها.
الضابط الثالث:
مراعاة الأولويات:
إنه يجب على الداعي أن يراعي الأولويات في استخدامه الوسيلة والأسلوب، ومراتب الوسائل والأساليب تابعة لمراتب مصالحها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل، ثم تترتب الوسائل بترتب المصالح والمفاسد، فمن وفَّقه الله للوقوف على ترتيب المصالح عرف فاضلها من مفضولها ومقدمها ومؤخرها.
الضابط الرابع:
التدرج في استخدام الوسائل والأساليب: وهو التقدم شيئاً، والصعود درجة درجة، ومعناه: أن يتدرج الداعي بدعوته شيئاً فشيئاً، كما قال تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً}(الإسراء:106) .
وقد استخدم رسول الله r في الوسائل والأساليب الدعوية "التدرج فمن البيان العام للدعوة، إلى الهجرة، إلى السرايا، إلى الغزوات، إلى الكتب، والرسل، إلى الوفود، إلى البعوث، إلى انطلاق الجهاد في ربوع الدنيا".
الضابط الخامس:
ألاَّ تكون الوسيلة أو الأسلوب شعار الكفار، مثل البوق والناقوس لليهود والنصارى، وذلك لنهي رسول الله r : ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى – الحديث" .
وقال r : "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" .
وهذا الضابط في الوسائل والأساليب الدعوية لنا فيه أسوة بالنبي r في قصة بداية الأذان حيث إنه وسيلة لإظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد والإعلام بدخول وقت الصلاة ومكانها، والدعوة إلى الجماعة.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلوات، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أَوَلا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول اللهr : "يا بلال، قم فنادي بالصلاة".
فالرسول r لم يأخذ بوسيلة من شعار الكفار للإعلام بشعيرة من أعظم شعائر الإسلام وهي الصلاة، لأن في ذلك تشبهاً بهم، والإسلام جاء ليتميز عن الأديان الأخرى في العقائد والعبادات.
فعلى الداعية أن يتجنب في دعوته أي وسيلة تعد شعاراً من خصائص الكفار مهما كان نوعها، هذا في الأمور العقدية، أما ما يخصُّ الشئون الدنيوية فما وافق الشرع أخذ به، وما خالفه تركه، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها.
والخلاصة:
أن الوسائل والأساليب الدعوية ليست توقيفية بالكلية، ولا اجتهادية على الإطلاق، وإنما فيها ما هو توقيفي وهو المنصوص في الكتاب والسنة، ومنها ما هو اجتهادي، ولكنه مضبوط بضوابط الشرع.
وبهذا لعلي أكون قد أضفت شيئاً جديداً في مجال الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.
وأخيراً أسأل الله تعالى العون والتوفيق ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الله، وأن ينفع به، إنه نعم الولي ونعم النصير.
ا.هـ. من كتاب وسائل الدعوة إلى الله تعالى وأساليبها بين التوقيف والاجتهاد
ركائز الدعوة إلى الله تعالى في ضوء النصوص وسيرة الصالحين:
ذكر الشيخ الأستاذ الدكتور فضل إلهي في كتابه ركائز الدعوة إلى الله هذه الخلاصة الماتعة أرفقها في كتابنا هذا لعلها تجد صدىً ونفعاً.
الحمد لله الذي منّ على العبد المذنب الضعيف بإعداد هذه الوريقات المتواضعة حول موضوع عظيم. فله الحمد عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. وأسأله ذا الجلال والإكرام قبولها بمنه وكرمه، وينفع بها كاتبها ومن قرأها إنه سميع مجيب.
نتائج البحث:
وقد تجلت في هذا البحث بفضل الله تعالى عدة أمور. ومنها ما يلي:
أ- من يقوم بالدعوة؟
1. دلّت نصوص كثيرة على أن الدعوة إلى الله تعالى مسؤولية كل مسلم.
2. ورد الحث على جميع أفراد الأمة بالقيام بها في آيات وأحاديث كثيرة.
3. بدأ سلف الأمة في القيام بها إثر دخولهم الإسلام.
4. قام عامة المسلمين بها عبر القرون، وقد شهد بذلك الأعداء.
5. صرّح العلماء المتقدمون والمتأخرون بأن الدعوة إلى الله تعالى مسؤولية كل مسلم.
تنبيهات:
1. يقوم عامة الناس بالدعوة الخاصة دون غيرها.
2. يجب على عامة الناس حصر دعوتهم في نطاق الأمور الواضحة.
3. دلّت نصوص كثيرة على ضرورة بقاء الداعي وغيره في دائرة علمه، ويخشى في حالة الخروج منها أن يتقول على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم.
ب- إلى أي شيء ندعو؟
ندعو إلى الإسلام الشامل الكامل المحيط بجميع شؤون الحياة من عقيدة وعبادة وأخلاق و معاملات.
ومن أدلة ذلك ما يلي:
1. أمر الله جل جلاله بالتمسك بجميع شرائع الإسلام.
2. توبيخه سبحانه وتعالى اليهود على الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه.
3. بيان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الإيمان بضع وستون شعبة.
4. تعليمه صلى الله عليه وسلم الأمة كل ما يحتاجون إليه لصلاح دنياهم وآخرتهم
تنبيهات:
1. إنَّ الدعوة إلى التوحيد أساس الدعوة .
2. ضرورة الدعوة إلى الإقرار بالرسالة الخاتمة مع الدعوة إلى التوحيد .
3. ضرورة مراعاة أحوال المخاطَبين في اختيار الموضوعات بعد دعوتهم إلى الشهادتين.
4. ضرورة كون الدعوة إلى الكتاب والسنة لا إلى غيرهما.
ت- من ندعوه؟
يُدْعَى كل من وُجد في الكون بعد بعثه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى اعتناق الإسلام والتزامه. وذلك لما يلي :
1. بُعِث النبي الكريم r إلى الناس كافة، وخُتِم به النبيون عليهم السلام.
2. أنزل جل جلاله عليه القرآن الكريم ذكراً للعالمين، وخاطب القرآن الكريم الناس أجمعين.
3. فرض الله تعالى على كل من وُجد بعد بعثته صلى الله عليه وسلم أن يؤمن به، وقرَّر أنه من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
4. دعا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم جميع أصناف الناس من المشركين، واليهود، والنصارى، والمنافقين، والمجوس، والأقارب، والنساء، والشباب، والأطفال، والمرضى، والمنكوبين، والتجار، والفقراء، والأعراب وغيرهم.
5. وقد أكد العلماء كذلك عمومَ دائرة مخاطبي الدعوة الإسلامية.
ث- كيف نقوم بالدعوة؟
ندعو بكل وسيلة مشروعية. وقد استخدم الصالحون من الأنبياء السابقين ونبينا الكريم عليه وعليهم الصلاة والسلام وغيرهم طرقاً كثيراً للدعوة إلى الله تعالى. ومنها ما يلي:
1. الدعوة القولية بالترغيب والترهيب، وبسوق القصص، وبضرب الأمثال.
2. الدعوة القولية المقرونة بالعمل، وبالإشارة، وبالرسم والشكل.
3. الدعوة بالعمل وحدها، وبالإشارة وحدها كذلك.
4. الدعوة بالمجادلة بالتي هي أحسن.
5. الدعوة بإرسال الرسل والكتب.
6. الدعوة بالمال.
تنبيهات :
1. لا يُرَغَّب ولا يُرهَّب بالأحاديث الضعيفة .
2. ضرورة اجتناب الأحاديث الموضوعة في الترغيب والترهيب .
3. ليس المقصود بسوق القصص استقصاء الوقائع والحوادث .
4. ضرورة اجتناب تصوير ذوات الأرواح عند الدعوة مع الرسم والشكل .
5. ضرورة كون المجادلة بالتي هي أحسن إلا مع الذين ظلموا.
ج- أين ندعو؟
ليست الدعوة محصورة في مكان محدد، بل إنها في كل مكان ملائم. لقد قام الصالحون من الأنبياء السابقين والنبي الكريم عليه وعليهم الصلاة والسلام وغيرهم بالدعوة في أماكن كثيرة. ومنها ما يلي:
1. في السجن.
2. في البلاط الملكي.
3. في كنيسة اليهود.
4. في منازل الناس.
5. في السوق، وفي الطريق، وفي السفر.
6. في المقبرة، وعند المرور بالقبو .
تنبيـــه:
لا تتَّخذ القبور مكاناً مستقلاً للوعظ والتعليم.
ح- متى ندع؟
ليس للدعوة وقت محدد، لا يُدْعَى في غيره. إنَّها في كل وقت ملائم. لقد قام عباد الرحمن من الرسل والرسول الكريم صلى الله عليه وعليهم وبارك وسلم وغيرهم في كل وقت وجدوا فرصة للقيام بها. ومن الأوقات التي قاموا بها ما يلي:
1. بعد صلاة العشاء، وبعد ثلث الليل، وعند بلوغ نصف الليل، وبعد ذهاب ثلثي الليل، وعند الاستيقاظ من النوم.
2. بعد صلاة الفجر، وعند نصف النهار، وبعد الظهر، وبعد العصر.
3. في خطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والكسوف.
4. عند موت الأحبة.
5. قبل القتا .
6. عند حضور موت الداعي نفسه.
التوصيات:
وأغتنم هذه الفرصة فأوصى بما يلي :
1. أوصى القائمين على الجامعات الإسلامية والمعاهد الدينية في أرجاء المعمورة بإقرار مادة (مفاهيم دعوية).
2. أوصي أهل العلم والفضل وطلبة العلم بتصحيح الأخطاء التي انتشرت بين الناس حول مفاهيم الدعوة وتجلية حقائقها.
3. أناشد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حكاماً وشعوباً، علماء وعامة، رجالاً ونساءً، أن يقوم كل واحدٍ منهم بالدعوة إلى الله تعالى، كل على قدر علمه وعلى قدر استطاعته، عسى الله تعالى أن يدخلنا فيمن وعدهم بقوله : {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}(الحج:40ـ41).
وأسأل ربي الحي القيوم الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام أن يوفقني وجميع المسلمين بالقيام بالدعوة إليه، ويخرجنا مما نحن فيه من ذل وهوان وإنه سميع مجيب وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وبارك وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
ا.هـ. من كتاب ركائز الدعوة إلى الله تعالى
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد