الرياض المستطابة في فضائل الصحابة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فمنَ المَعْلُـومً أَنَّ لأَصْحَابً رَسُولً الله صلى الله عليه وسلم مَنْزًلَةً رَفًيعَةً عًنْدَ اللهً عز وجل وعندَ رَسُولًهً صل الله عليه وسلم وعندَ المؤمًنًينَ، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ عليهم في مُحْكَمً كًتَابًهً وأخبرَ عَنْ رًضَاهُ عَنْهُم، وَرًضَاهُمْ عَنْهُ فمن ذلـك قولـه تعالى: - وَالسَّابًقُونَ الأَوَّلُونَ مًنَ المُهَاجًرًينَ وَالأَنْصَارً وَالَّذًينَ اتَّبَعُوهُمْ بًإًحْسَان رَضًيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرًي مًنْ تَحْتًهَا الأَنْهَارُ خَالًدًينَ فًيهَا أَبَـداً ذَلًكَ الفَوْزُ العَظًيمُ- ومعلوم أنَّ رًضوانَ الله غايةُ المَطَالبً التي لا تُنالُ إلاَّ بأفضَلً الأعمال.

وقال سبحانه: - لَقَدْ رَضًيَ اللهُ عَنً المُؤْمًنًينَ إًذْ يُبَايًعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةً فَعَلًمَ مَا في قُلُوبًهًمْ فَأَنْزَلَ السَّكًينَةَ عَلَيْهًمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرًيباً - فَكُلُّ مَنْ رَضًيَ الله عنهُ فَإًنَّهُ مًنْ أَهلً الجَنَّةً. وقَدْ جَاءَ في «صَحًيح البُخَارًيًّ» عن البَرَاءً بن عَازًبي رضي الله عنه أَنَّهم كانوا أكثرَ مًنْ أَلْف وأربَعًمائة. وقد قال صلى الله عليه وسلم فيهم: «لا يدخلُ النَّارَ مًنْ أَصْحَابً الشَّجَرَةً أَحَدُ الذينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا» [رواه مسلم]. وأخبر أنه تاب عليهم فقال سبحانه: - لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبًيًّ وَالمُهَاجًرًينَ وَالأَنْصَارً الَّذًينَ اتَّبَعُوهُ في سَاعَــةً العُسْــرَةً -. وقال: - وَكَذَلًكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّـةً وَسَطاً لًتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاسً ويَكُونَ الرَّسُولُ علَيْكُمْ شَهًيداً - وهذا الخًطابُ لجميع الأمة الإسلاميَّةً مًن أوَّلها إلى قيام الساعة، فَيَدْخُل فيه الصحابة قبلَ بقًيَّةً الأُمة. وقوله تعالى: -وَسَطاً- أي: عُدُولاً خًيَاراً، وخيرُ الأمور أوسَطُها، فَهُمْ خيرُ الأُمَمً وأعـدلُها في أقوالهم وأعمالهم وإراداتهم ونًيَّاتًهم، وبهذا استَحقّوا أن يكونوا شُهدَاء للرُّسلً على أُمَمهم يومَ القيامةً، والله يقبلُ شادتهم عليهم، فهم شُهَداؤُهُ، ولهذا نَوَّهَ بهم ورَفعَ ذًكرَهم وأثنى عليهم» لأنَّهُ -تعالى- لَمَّا اتخَذَهم شُهداء أعلمَ خلقه من الملائكة وغيرهم بًحالً هؤلاء الشُّهَدَاء، وأَمَرَ الملائكةَ أنْ تُصَلًّي عليهم وتدْعو لهم وتستغفر لهم، والشاهدُ المقبول عندَ الله هو الذي يَشْهَدُ بًعًلْم وصًدْق فَيُخْبًرُ بالحَقًّ مُسْتَنًداً إلى عًلمهً به كما قال تعالى: -إًلاَّ مَنْ شَهًدَ بالحَقًّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ-. وقال فيهم: (الذينَ اسْتَجَابوا للهً والرَّسُولً مًنْ بعدً مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ للَّذًينَ أَحْسَنُوا مًنْهُم واَّتَّقَوْا أَجْر عَظًيم * الذينَ قالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادهم إًيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ ونًعْمَ الوكيلُ) - اشتَمَلَتْ هذه الآية على مَدْح عظًيم للصحابة: بًقُــوَّةً الإيمان، والصَّبْرً على البَلاءً، وتَفْويضً الأُمُــورً إلى الله مَعَ الشَّجَاعَةً. وامْتَنَّ الله على نبيًّه صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الأتقياء فقال: -هوَ الَّذًي أيَّدَكَ بًنَصْرًهً وبالمُؤْمًنين-. وقال الله عزوجل: (يُبَشًّرُهُمْ رَبُّهُمْ بًرَحْمَةي مًنْهُ ورًضْوَاني وَجَنَّاتي لهُمْ فيها نَعيـم مُقـيم * خَالًــدًينَ فًيهَا أَبَداً إنَّ اللهَ عًنْـدَهُ أجْــر عَظًيم)- وهذه كُلّها وُعُود مًن الله لهم: -ومَنْ أصْدَقُ مًنَ الله قًيلاً-. والآياتُ في الثَّنَاءً عليهم كثيرة جداً، في وصْفًهًم بالإيمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعدالة، وتَفْضًيلًهًم على سائر الأمم...، ويَكْفًي لمن يُـؤمًـنُ بالله واليوم الآخًرً آيةي مًمَّا ذَكَرْنَا. وفضائلهم كثيرة، ومناقًبُهم غزيرة، ومآثرهم شهيرة، وهي كالشمس في رابعة النهار، وأَمَّا ما وردَ مًنَ الأحاديثً فأَكْثَرُ مًنْ أنْ تُحصر، وأشْهَرُ من أن تُذكرَ في أفرادهم وفي عُمومًهم. پ فمًن ذلك: ما جاء في الحديث المُتَّفـقً على صًحَّتًهً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ النَّاسً قَرْني، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ». وقال صلى الله عليه وسلم: «النُّجُومُ أَمَنَة لًلسَّماءً، فَإًذَا ذَهَبَتً النُّجُومُ أَتَى السَّماءَ مَا تُوعَدُ... وأَصْحابي أَمَنَة لأُمَّتي - أي: أماني لها - فإذا ذَهَبَ أَصْحَابي أَتَى أُمَّتي مَا يُوعَدُونَ» [رواه مسلم]. وفي حديث واثًلةَ -رَفَعَهُ-: «لاَ تَزَالُــونَ بًخَيْر مَا دَامَ فًيكُمْ مَنْ رَآني وصَاحَبَني، واللهً لاَ تَزَالُونَ بًخَيْر مَا دَامَ فيكم مَنْ رَأَى مَنْ رَآني وصاحَبَ مَنْ صَاحَبَني». وعن أُبيَّ بنً كَعْب رضي الله عنه قال: رسُــولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَـوْلاَ الهًجْرَةُ لَكُنْتُ امْرًءاً مًنَ الأنصارً». [رواه البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم في الأنصار: «لا يُحًــًبُّهُمْ إًلاَّ مــؤْمًن، ولا يُبْغًضُهُمْ إًلاَّ مُنافًق، مَنْ أَحبَّهُمْ فَأَحَبَّهُ اللهُ، ومَنْ أَبْغَـضَهُمْ فَأَبْغَـضَهُ اللهُ» مُتَّفقي عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ الإيمانً حُـبُّ الأَنْصَارً، وآيَةُ النًّفاقً بُغْضُ الأَنْصَار» [رواه البُخَارًيُّ]. وعن أَنَسً رضي الله عنه أَنَّ النَّبًيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الأَنْصَارً - لَمَّا رآهُــمْ مُقْبًلًينَ مًنْ عُـرْسي -: «اللَّهُمَّ ! أنتُم مًنْ أحَبًّ النَّاسً إًلَـيَّ. اللَّهُمَّ ! أَنْتُمْ مًنْ أَحَبًّ الناسً إلـيَّ»[متَّفقي عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ! اغْفًرْ للأَنْصَارً، ولأَبْنَاءً الأنصارً، وأَبْنَاءً أَبْنَاءً الأَنْصَارً».

 فَإًذَا كانَ هذا في الأَنصَار فكيفَ بالمُهاجرين وهم أفضَلُ درجةً مًنَ الأَنْصَار بالإجماع كما سيأتي بيانه. هذا» وقد دَعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمهاجرين والأنصار بالمغفرة. فعن أنسي (قال: كانت الأنصارُ يومَ الخَنْدَقً تَقُولُ: نَحْنُ الَّذينَ بايَعُوا مُحَمَّدَا على الجًهَادً مَا حَيًينَا أَبَدَا فأَجَابَهُمْ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إًلاَّ عيشُ الآخًــرَة * فاغْفًـرْ للأَنْصَارً والمُهَاجًـرَة» [رواه البخاري]. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ! أَذَقْتَ أَوَّلَ قُرَيْش نَكَالاً فَأَذًقْ آخًرَهُمْ نَوَالاً». وقد أذاقَ الله قُريشاً من العذاب بالقتل والقهر يوم بدر والأحزاب، ثم حصلَ لأبنائهم -بعد الإيمان والدخول في الإسلام- الإنعام والعطاء فقد كانت لهم العزة والملك والخلافة والإمارة ما لا يُحيط بوصفه البيان. ودَعا على مَنْ أرادَ هوان المهاجرين فقال: «مَنْ يُرًدْ هَوانَ قُريش أَهَانَهُ اللهُ».

وهَلْ عَامَّةُ المهاجرينَ إًلاَّ مًنْ قريش؟ مَنً الذًي هاجَرَ مَعه، ومن الذي ناصَرَهُ، ومَنً الذي قاتل مَعَهُ، ومَن الذي دافَعَ عَنْهُ، ومَن الذي آمَنَ بًهً حَينَ كَفَرَ به النَّاسُ، ومَـن الــذي بَذَلَ نَفْسَـهُ وولـدَهُ ومَالـَهُ دُونَ رَسُولً الله صلى الله عليه وسلم أليسَ هُـمْ أَصحَابُهُ؟ مَـنً الذي نَشَرَ الإسلامَ في بقاع الأرض، ومن الذي حمى حًمَى الدًّينً، ومن الذي أَنَارَ الأَرْضَ بعدَ ظلامًها أليسَ هو أبو بكر، وعُمَرُ، وعثمان، وعَلًيّ، ومُعَاوًيَةَ بن أبي سفيان، أليسَ هو سعدُ بن أبي وقاص، وسعيدُ بن زَيْد، وخالدُ بنُ الوليدً، وأبو هريـرةَ، والمًقْدَادُ، وأُسَيْدُ بن حُضَيْري...؟ مَنْ هُـمْ أصحاب بـدْر، وأُحد، ومَن هُـمْ أَهْلُ الخَنْدَقً والحُدَيْبًية، ومن هم أهل فتْحً مَكَّةَ، ومن الذينَ خَرَجُوا معه في القَيْظً والحرًّ الشديد، والجَهْد والتعب من المدينة النبوية إلى تبوك، ومن أهل مُؤْتَةَ الذينَ واجَهُوا الرُّوم وهم ثلاثةُ آلاف والكفار مًئَتَيْ ألف! مَنْ أَصْحَابُ القادًسًيَّة واليرموك أَلَيْسُــوا أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم؟! مَن الذي كَسَـرَ كًسرى، وهزمَ قيصر، وقاتل الهنـد والسًّـند أليسوا أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم. أَلَيْسُـوا هُـمُ الَّذًينَ قالوا لَـهُ بًصَـوْتً رَجُـــليي وَاحًــدي في المعركة: «يا رسولَ الله! صًلْ حَبْلَ مَنْ شًئتَ، واقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شًئْتَ، وخُذْ مًنْ أمْوالًنا ما شًئتَ، وأعطنا مَا شًئْتَ، ومَا أَخَذْتَ مًنَّا كان أَحَبَّ إلينا مًمَّا تركتَ، وَمَا أَمَرْتَ فيهً مًنْ أَمْر فَأَمْرُنا تَبَع لأَمْرًكَ، فَوَاللهً لئًنْ سًرْتَ حتَّى تَبْلُغَ البَرْكَ مًنْ غَمدان -موضع باليمن- لَنَسًيرَنَّ مَـعَـكَ، ووالله لَـئًن اسْتَعْرَضتَ بًنا هذا البحرَ لَخُضْنَاهُ معكَ»! وقالوا له -أيضاً-: «لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قالَ قَوْمُ مُوسَى لموسى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فقاتًلا إنَّا ههُنَا قَاعًدُونَ، ولكنَّا نُقاتًلُ عن يَمًينًكَ، وعن شًمالكَ، ومًنْ بينً يديكَ ومًنْ خلفًكَ». وفي بيعة «الرضوان» بايعوه تحت الشجرة لَمَّا دَعَاهُمْ إليها، عـلى مـاذا؟! بايعـوه على أَلاَّ يَفًرُّوا، وعلى المـوت!!. كاللَّـيثً لا يَثْنًـيـهً عن إقدَامًـهً خَـوْفُ الرَّدَى وقَعَاقًعُ الإيعَادً بل إًنَّ سَلَمَةَ بن الأَكْوَع رضي الله عنه بايَعَهُ ثلاث مرَّات، في أول الناسً، وأوسطهم، وآخًرًهًم!! لهُ هًمَـم لا مُنْـتَـهَى لًكًـبـَارًهَـا وَهًمَّتُهُ الصُّغْرَى أَجَلُّ مًنَ الدَّهرً ولذلك استحقوا رًضَا الله عنهم لأنهم أرخَصُوا أنفُسهم له، فأَذَلَّ الله مَن عاداهُمْ، وقَمَعَ مَنْ ناوَأَهُمْ، أو واحًداً منهم. پ إنَّ أصحابَ رسولً الله صلى الله عليه وسلم كانوا شُمُوساً طَلَـعَتْ في سماءً الإنسانية مرَّةً، ولا تَطْمَــعُ الإنسانيَّةُ بَأَنْ تَطْلُــعَ في سماءًهَا شموس مًن طَرَازًهًمْ مَرَّةً أُخرَى، إًلاَّ إذا عَزَمَ المسلمونَ على أن يرجًعُـوا إلى فًطْرةً الإسلام، وإلى الدًّينً الأَوَّل كما قال الإمام مَالًكُ بن أنسي (ت: 179-): «لن يُصْلًحَ آخرَ هذهً الأُمَّةً إًلاَّ مَا أَصْلَحَ أوَّلَهَا».

إنَّ كُلَّ خير فيهً المُسْلًمونَ إلى يومً القيامة مًن الأيمانً، والإسلامً، والقُرآنً، والعًلمً، والمعارفً، والعباداتً، وعلوًّ كلمةً الله فإنما هو ببركةً مَا فعلهُ الصَّحابةُ الذينَ بَلَّغوا الدًّينَ، وجاهدوا في سبيلً الله، وكلُّ مؤمني آمنَ بالله فللصَّحابةً رضي الله عنهم الفضلُ عليه إلى يومً القًيامة. لقد كانوا هم رأس العلماء الربانيين، وهم الراسخون في العلم، وهم الوسائط بين الرسـول وأُمَّتـه في نقل العلم، فهم خُلفاؤُهُ وأولياؤهُ وحًزْبهُ وخاصَّتهُ وحَمَلةُ دًينه، هُمْ سادَاتُ الأُمَّةً، وقُدْوة الأئًمَّةً، وهم المضمونُ لهم أنَّهُمْ لا يَزالونَ على الحقًّ لا يَضُرُّهم مَن خَذَلَهُمْ ولا مَن خَالَفَهُمْ حتى يأتي أمرُ الله وهم على ذَلًكَ. إنَّ هذا الجيـل هو مَضْرًبُ المَثَلً في الصًّفاتً الحَسَنَةً والخًلاَل الجَمًيلَةً، وقد حازوا منها قَصْباتً السَّبقً، واستَوْلوا على معالي الأمور في العَـدْلً والدًّين، والأخلاقً والخير، وطَهَارَةً القُلوبً والصًّدق، والتَّسامُحً والعَفْو والطًّيبَةً، والحًكمةً والعقل وحُسْنً التَّدْبًير، والرأي الثاقب، والبصيرة النَّافًذَةً، والقريحـة الباهرة، والمُــرُوءَةً والكَرَمً، والشَّجاعَةً والإيثار، والفَضْـلً والمعـروف، والفَصَاحَةً والنُبْلي وغير ذلك من الصفات الحسنة. على قَدْرً أهلً العَزْمً تَأْتي العَزَائًمُ وتأْتي على قَدْرً الكريـمً المَكَـارًمُ ويَكْبُرُ في عينً الصغير صَغيرهَا وتَصْغُرُ في عينً العظيم العَظَائًـمُ ولا يَمْتَري في ذلك من كان ذا قَلْب سَلًيم، وعَقْل مُسْتَقيم. وفضائلهم ومناقبهم لا تَخْفَى على أحد مًمَّن لهُ أَدْنَى مَسْكة مًن عَقْل ودًين. وَلَوْ لَمْ يَرًدْ مًنَ الله عز وجل ورسولهً صلى الله عليه وسلم فيهم شيء مما ذَكَرْنَاهُ لأوجَبَتً الحالُ التي كانوا عليها من الهًجْرَةً، والجًهَادً والنُّصْرَةً، وبَذْلً المُهَجً والأَمْوَالً، وَقَتْلً الآباءً والأولادً، والمنَاصَحَةً في الدين، وقُوّةً الإيمانً واليقين، القَطْعُ على عدالتهم، والاعتقادُ بنـزَاهَتًهًمْ وأنهم أفضلُ مًنْ جـَمًيعً المعَدَّليْن الـمُزَكَّيْن الذين يجيؤُونَ مًنْ بَعْدًهم أَبَدَ الآبًدًين .

لهذا نُحًبُّ الصحابة تقدَّم في المقال السابق «الرياض المستطابة» بيان فضل الصحابة ومكانتهم، وهنا نذكر وجوبُ محبَّةً الصحابة وذلك لًفَضْلًهًمْ ولًسَابًقَتًهًم» ولأَنَّ اللهَ أَمَرَنَا أَنْ نُحًبَّ وأن نوالي أولياءَهُ، فإذا لم يَكُنْ هؤلاءً هُـمْ رأس الأولياء، وصَفْوُةُ الأتقياءً، فليسَ للهً أولياء، ولاَ أتقياء، ولاَ بررة، ولا أصفياء. وَأَمَرَنا - سبحانه وتعالى ـ أَنْ نَقْتَدًي بالصَّحَابَةً، وبأيًّهـم اقتدينا اهتدينا، والنبيُّ (كانَ يحلًفُ بالله ويُشْهًدُ اللهَ على حُبًّهم، والأحاديث التي تَدُلُّ على ذَلًكَ مَضَى ذًكرُ شيء مًنْهَا قريباً، فكيف لا نُحًبُّ من أحبَّهُ رسول الله)؟! وهذا الأمر - أعني محبة الصحابة ـ هو الذي يَلْهَجُ بًذًكْرًهً أَئًمَّـةُ السُّنـة » قال الإمـام أبو جعفـر الطَّحَـاوي (ت: 321) في«عقيدته»: «ونُحًـبُّ أَصْحَابَ رَسُــولً الله، ولا نُفَرًّطُ في حُــبًّ أَحَدي مًنْهُم، ولا نَتَبَرَّأُ مًنْ أَحَدي مًنهُم، ونُبْغًضُ مَنْ يُبْغًضُهُمْ، وبًغَيْرً الخَيْرً يَذْكُرُهُمْ، ولا نذْكُرُهُمْ إًلاَّ بالخَيْرً. وحُـبُّهُـمْ دين وإًيـمَـان وإًحْسَان، وبُغْضُهُمْ كُفْر ونًفَاق وطُغْيَان»ا.هـ. بَلْ كَانُوا يُرَبُّونَ أبناءَهُم على هذه العقيدة قال الإمام مالك (ت: 179): «كان السَّلَفُ يُعلًّمونَ أولادَهُــمْ حُـبَّ أبي بكر وعمر كَمَا يُعلًّمونهم السُّورةَ مًنَ القُرآن». وقيل للحسن البصري (ت: 110): حبُّ أبي بكر وعمر سُنَّة ؟ قال: «لا. فَرًيضَة». وقال طاووس (ت: 106): «حُبُّ أبي بكر وعُمَرَ ومَعْرًفَةُ فَضْلًهًمَا مًنَ السُّنَّةً». وكيف لا نُحًـبُّ من بَشَّرَهُ رسول الله بالجنة؟! فعن سعيد بن زيدي أَنَّ رَسُــولَ الله قال: «عَشَرَة في الجنةً: أبو بكر في الجَنَّةً، وعُمَرُ في الجنةً، وعُثْمَانُ، وَعَلي، والزُّبَيْرُ، وطَلْحَةُ، وعَبْدُ الرَّحْمَنً، وأبو عُبَيْدَةَ، وسَعْدُ بن أبي وَقَّاص». قال: فَعَدَّ هؤُلاءً التًّسْعَةَ وَسَكَتَ عَنً العَاشًرً، فقال القَوْمُ: نَنْشُدُكَ الله يَا أبا الأعْوَرً - وهي كُنيَةُ سعيدً بن زَيْد - مَنً العَاشًرُ؟ قال: نَشَدْتُموني بًاللهً » أبو الأعْوَرً في الجنَّةً». وليسَ المقصُودُ بالعَشَرَةً أَنَّهُ للحَصر» بَلْ لأَنَّهُــم وَرَدَ ذًكْرُهُم في حديث وَاحًد، وإًلاَّ فَإًنَّ أَهْلَ بدر في الجنة، وأهل بيعة الرضوان في الجنة - وكانوا أكثرَ مًن أَلْف وأَرْبَعًمائة ـ، وبعض الصحابة شَهًدَ لهم النَّبًيُّ بأعيانهم أَنَّهُــم في الجنة: كثابت بن قيس بن شماس، وبلال ـ مُــؤَذًّن رسول الله ـ، وعبدً الله بن سَلاَم، وعُكَّاشَة بن مًحْصَن، وسعدً بن مُعَـاذ، والحَسَنً والحُسَيْنً، وأزواجً النبيًّ أُمَّهَات المؤمنين وغيرهم. وكيف لا نُحًبُّ مَن صَلَّى مَعَ رَسولً الله، وشَهًدَ المشاهًدَ معه؟! وكيف لا نُحًبُّ مَنْ فَرًحَ الرَّسُول لًفَرَحهً، وحَزن لحُزْنًـهً. وكيف لا نُحًبُّ مَن بَكَى الرسول على فَقْدًهً وفُرَاقهً؟! وكيف لا نُحًبُّ مَن سَافَرَ مَع الرسول فَجَاعَ لجُوعًهً، وَظَمًأَ لًظَمَئًهً، وتَعًبَ لًتَعَبًهً. وكيف لا نُحًب من قال له الرسول: «إًنَّ أَمَنَّ الناسً عليَّ في صُحبَتًهً ومَالًهً أبو بكر، ولَوْ كُنْتُ مُتَّخًذاً خَلًيلاً غير رَبًّي لاتَّخَذْتُ أبا بكر، ولكن أُخُوَّةُ الإسلامً ومَوَدَّتُهُ» رواه البخاري.

وكيف لا نُحًبُّ مَن كان رسولُ الله يقول فيه: «ذَهَبتُ أَنَا وأَبُو بكر وعُمَرُ، ودَخَلتُ أَنَا وأَبُو بكــر وعُمَـرُ، وخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بكر وعُمَرُ» رواه البخاري. ومَنْ قال له: «والذي نَفْسًي بًيَدًهً مَا لَقًيَكَ الشَّيطَانُ سَالًكاً فَجّاً إًلاَّ سَلَكَ فَجّاً غَيْرَ فَجًّكَ». قاله للفاروق عمر بن الخطَّاب. وقد رواه البخاري (3294). وكيف لا نُحًبُّ مَن كان النبي (يستحي منه لجَلالًهً وعًظَمً مَكَانًهً عًنْدَهُ. وهو عثمان بن عفان). وقد رواه البخاري (3695). وكيف لا نُحًبُّ رَجُلاً يُحًبُّهُ الله (ورسوله). علي بن أبي طالب. كما في البخاري (3702). وكيف لا نُحًبُّ مَـن قال له الرسول: «واللهً إًنًّي لأُحًبُّكَ». وهو معاذ بن جبل. رواه أبو داود (1522) وصححه الألباني . ومن قال فيه: «وإًنْ كانَ لَمًنْ أَحَبًّ الناسً إليَّ». وهو زيد بن حارثة. رواه البخاري (3730). وكان يجمع الحسن بن علي وأُسامة بن زيد ويقول: «اللهمُ أَحًبَّهُما فَإًنًّي أُحًبُّهُما». وكيف لا نُحًبُّ من قال فيه النبي: «هذا مًنًّي وأَنَا مًنْهُ، هذا منًّي وأَنَا مًنْهُ». رواه مسلم (2472) وقد قاله في جُلَيْبيب. وكيف لا نُحًب من جَمَعَ له الرسول أَبَوَيْهً فقال له: «فًدَاكَ أَبي وأُمًّي»! [وهو الزبير بن العوام كما في البخاري (3720). وقاله لسعد بن أبي وقاص كما في البخاري (3725). وكيف لا نُحًبُّ من شُلَّـت يَدُهُ في غَزوة أُحُـد لَمَّا وَقَى بها النبيَّ من المشركين!. وهو طلحة بن عبيد الله كما في البخاري (3724). ومن قال فيه إًنه «رَجُل صَالًح». وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. رواه البخاري (3740). ومَن شَهًدَ له بأنَّهُ أَمينُ هذه الأُمَّة. وهو أبو عبيدة عامر بن الجراح. رواه البخاري (3744)، ومن قال إنه ريحانته في الدُّنيا وهما الحسن والحسين رضي الله عنهما. رواه البخاري (3753). ومن سَمًعَ دَفَّ نَعْلَيْهً في الجنَّةً. وهو بلال بن رباح رواه البخاري (1149). ومَنْ سماه النبي «سَيْفُ الله». وهو خالد بن الوليد. رواه البخاري (3757) . ومن بَكَى النبي لموته وأخبرَ أنَّ عرشَ الرحمن اهتزَّ له!. وهو سعد بن معاذ. رواه البخاري (3803). ومَن قال «مَا حَجَبَني رَسُــولُ اللهً (مُنْذُ أسْلَمْتُ. ولاَ رَآني إلاَّ ضَحًكَ». رواه مسلم (2475) عن جرير بن عبد الله البجلي). ومن دَعَا لهُ النَّبًيُّ (بكثرةً المالً والوَلَدً وطُـول العُمر والمباركة فيما أعطاه الله. وهو أنس بن مالك). رواه مسلم (2480). ومن قال فيه: «اللهم! أَيًّدْهُ بًرُوحً القُدُسً». وهو حسان بن ثابت رواه مسلم (2485) ومَن قال فيه «اللَّهُمَّ! عَلًّمْ مُعاوًيَةَ ابن أبي سفيان الكًتابَ، والحًسابَ، وقًهً العَذَابَ». رواه أحمد في «المسند» (382/28رقم 17152). ومنهم مَن أَمَرَ اللهُ نبيَّهُ أنْ يَقـرَأَ عليه آيـاتي مًن القُرآن. وهو أُبيُّ بن كعب رواه البخاري (4960). ومنهم من استَمَعَ النبي لقراءتهً للقُرآن وبكى حينها، وأمرَ الناس بأخذ القرآن عنه. وهو عبد الله بن مسعود انظر: البخاري (4582)، و«المسند» (469/15 رقم 9754). ومن أرسله ليُعلًّم الناس الدًّين، ومَنْ صَلَّى النبي في بيتهً، ومن ائتمنه النبي على الأذان، ومن أكلَ النبي عنده، ومَن تزوَّجَ النبي ابنته أو أخته، أو زوَّجَهُ النَّبي ابنَتَهُ. ومنهم من ائتمنه على كتابةً الوَحْي الشَّريف، وكتابة الكتب للملوك، ومنهم من أَمَّره على المدينة إذا خرج للسفر منها، أو أمَّره على سرية أو جيش، ومنهم من كان النبي يَعُــودُهُ إذا مَرًضَ، ومنهم من أجرى الله على يديه الكرامات العظام بسبب إتباعه للنبي، ومنهم من أردفهُ النبي على ناقته أو حماره، ومنهم من أظلتهُ الملائكة ودَنَتْ منهُ لتستمع لًقراءته، ومنهم من غسَّلته الملائكة عند استشهاده، ومنهم خُدَّامه يسعون في قضاء حاجته فهذا صاحب بغلته وراحلته، وذاك صاحب نَعْلًهً وسًواكه. ومنهم شعـراؤه الذين يذُبُّـون عن الإسـلام وعنـه، وفي المعارك يقاتلون معه ودونه، ثم بعد هذا كُلًّه تراه ـ لمَحَبَّتهً لهم ـ يتفقّدهم، ويـزورهم، ويَـدْعُو لهم، ويُلاعًـبُ أبنـاءهم، ويُسمّيهم، ويُقَبًّلُهُم، ويجعلهم في حًجْره الشريف، بل حَتَّى في المعارك يتفقّدهم فيقول: «أين فلان»، و«ما فعل فلان»، وغيرها كثير وكثير: - ومَنْ لَمْ يَجْعَلً اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لهُ مًنْ نُوري -. قال الخليفة الراشد شهيدُ الدار عثمان بن عفان: «إًنَّا والله قد صَحًبنا رَسُولَ الله في السَّفَرً والحَضَرً، فكانَ يَعُودُ مَرْضَانا، ويَتْبَعُ جَنَائًزَنَا، ويَغْزُو مَعَنَا، ويُواسًينا بالقَليلً والكثير». رواه أحمد في «المسند»(532/1 رقم 504) . أو ليسوا صلّوا خلفَ النبي فقالَ: «سَمًعَ اللهُ لًمَنْ حَمًدَهُ» فقالوا جميعاً: «ربَّنا لَكَ الحَمْدُ»؟! أولم يكن النبي يدعوا فيؤمًّنون على دعائه وهو مستجاب الدعوة؟ قيلَ للإمام عبد الله بن المبارك (ت: 181): يا أبا عبد الرحمن ! أيُّهما أفضل معاويةُ أو عمرُ بن عبد العزيز؟ فقال: «تُـراب دَخَـلَ في أنفً مُعاويــةَ في بعضً مَشَاهدً النبيًّ أفضَلُ مًنْ عُمَـرَ بنً عبد العزيزً»؟! وقال: «صَلَّى مُعاويـةُ خلفَ رسولً الله فقالَ رسُول الله: «سَمًعَ اللهُ لًمَنْ حَمًدَهُ» فقال مُعاوًيةُ: «رَبَّنا ولَكَ الحَمْدُ» فَمَا بَعْدَ هذا الشَّرفً الأعظمً»؟! وليكن شعارُنا كما قال الإمام سفيان بن عيينة: «والله إًنْ كُنَّا لَسْنَا بًصَالًحًين، إنَّا لنُحًبُّ الصالحينَ». والمرءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ القيامة، كَمَا قال النبي للرَّجُلً لَمـَّا سَأَلَهُ فقال: متى الساعة؟ فقال: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَها»؟ قال: لا شيء. إلاَّ أَنًّي أُحًبُّ اللهَ ورسولهُ. فقال: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قال أنس بن مالك: «فَمَا فَرًحْنَا بشيءي فَرَحَنَا بقول النبي أنتَ مع من أحببتَ، فأنا أُحًبُّ النبي، وأبا بكر، وعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بًحُبًّي إًيَّاهُمْ، وإًنْ لَمْ أعْمَل بًأَعْمَالًهًمْ» متَّفق عليهً. اللهم أرزقنا حُبَّــكَ، وحُــبَّ نبيًّكَ، وحُــبَّ أصحابهً، واحشرنا في زمرتهم يا ربَّ العالمين.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply