بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تحصين المجتمع واجب شرعي ووطني الأصل أن الإنسان يولد على الفطرة السمحة: (فطرةَ الله التي فطرَ الناسَ عليها) [الروم: 30]، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِن مَوْلُودٍ إلاَّ يُولَدُ على الفطرةِ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدانِهِ أو يُنَصِّرانِهِ أو يُمَجِّسانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهيمَةً جَمْعَاءَ، هلْ تُحِسُّونَ فيها من جَدْعَاءَ؟». [ رواه البخاري (8/123 رقم 6599)، ومسلم (4/2047 رقم 2658)]. والذي يُوَجِّه الفطرة وينميها الوسائط التربوية المختلفة وفي مقدمتها المنزل.
من هنا فتأثيره أعمق من غيره، مهما طال الزمن، وتغيرت الأحوال، ولا يعني ذلك أنه لا يمحى، بل المقصود أنه نافذ العمق، قوي النفوذ. ومن هنا يمكن القول: إن ما يحكم المنزل، يشكل الأمة، وما يوجهه، يوجه المستقبل، ومن يسيطر على تقاليده، يسيطر على مقاليد المجتمع. والتربية الإسلامية- النشطة الواعية، العميقة المتأصلة- ينبغي أن تستمر: بطول الحياة، في جميع مراحل العمر، وبعرض الحياة، في جميع نظم المجتمع، وبعمق الحياة، في جميع جوانب الشخصية، وبذلك نعد أجيالا: تلتزم الكتاب والسنة دستوراً وشرعة، وتقتدي بالسلف الصالح ولاء وانتماء، وتخدم مجتمعها إنتاجاً وجهداً، وتحافظ على مواردها صيانة وحماية، وتحمي أرضها عرقاً ودماً، وتجدد مستقبلها عِلْماً وفَناً، وتصون قيمها أخلاقاً وعِفَّةً. [«وسائل مقاومة الغزو الفكري» للدكتور حسان محمد حسان (156- 161) باختصار].
إن من أسس تحصين المجتمع غرس الوعي الديني والثقافي، فالثقافة الإسلامية بما فيها من مبادئ وقيم ونظم لم تنبع من هذه الأمة، إنما استمدت من تعاليم القرآن والسنة، الموحى بهما من الله عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، والمبلغة إلى الناس كلهم في كل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فهي ثقافة عالمية، وهي أصلح لكل الأمم من ثقافاتها الخاصة. يقول الشيخ عبد العزيز الرشيد -رحمه الله- (ت: 1356-): «يجب علينا أن نعتني بالعلوم الدِّينية الإسلامية من فقه وحديث وتفسير وعقائد اهتماماً عظيماً قبل كل شيء، وأن نجعلها في الدرجة الأولى بالنسبة إلى بقيَّة العلوم التي يحتِّم علينا الوقت معرفتها اليوم كما قلنا، بل أرى أن من النقص الفاضح الذي لا يشعر به جمهور المسلمين في هذا العصر أن نشيح بوجوهنا عن تلك العلوم الدينية الإسلامية في الوقت الذي نصرف فيه جميع قوانا إلى غيرها من الفنون، ونبذل لها الأموال الطائلة ما نبذل كأن الله لم يكلفنا إلى بها دون تلك، حالة مؤسفة محزنة تدع الحكيم في حيرة واضطراب من الجهل والتأخر الذي وصل إليه المسلمون». [ «مجلة الكويت» (1348-) (2/174) ].
إن في الاهتمام بتحصين عقول الشباب ضد ذلك الغزو الموجه، لما يتوفر للأمة به -بتوفيق الله- جيل صالح، يعين على تخطي العقبات، وينشط معه البناء والتعمير في عقول الشباب: حصانة وتعليماً، للوقوف أمام تيارات الأفكار الموجهة. والأمم تحرص على الاهتمام والعناية بالشباب، وتبذل في سبيل رعايتهم وتعليمهم، الشيء الكثير من جهدها ومالها ونشاطها...، لأنها ترى من الضرورة المحافظة على صيانة وسلامة تلك الدرة الثمينة، في فترة التفتح، وإبان النظارة ؛ لأنهم مناط الأمل، وركيزة التصدي -بعد توفيق الله- لكل ما فيه دفاع عن دين الله، ورد للشبهات التي تثار بين حين وآخر.
لكن هل حققت كثير من الأمم ما تريده من الأماني، وما ترجوه من ثمرة، وخاصة في المجتمعات الإسلامية، التي يصارع أبناؤها تيارات فكرية عديدة وغزو تغريبي، موجه نحو شبابها، ومقصود من وراء ذلك تصيد عقولهم بالشبهات، في محاولة لطمس معالم الإسلام، ونكران أثر حضارته على البشرية، وخاصة أثر هذه الحضارة المشرقة على الغرب؟! ومن ثم تحصل الآثار السيئة في المجتمع، وهذا ما يهدف إليه الأعداء.
ذلك ما نرجوه للأمة الإسلامية، بأن تكون قد أخذت بالأسباب، في تنشيط عقول الشباب، حتى يتصدوا للغزو الفكري، الموجه لهذه العقول بطرق شتى، وبأساليب عديدة، وحتى لا يتأثر الشاب بما يقصده الأعداء للصغير قبل الكبير، ولدين الإسلام قبل كل شيء، رغبة في أن تخف مكانته تدريجياً من النفوس ؛ لأن الأعداء يدركون أن قوة المُسْلِم في دينه، وحصانة الشَّاب في قوة إيمانه وتمكنه، وإدراكه ما تعنيه تعاليم دينه. وإذا كانت الوقاية الصحية، تقتضي التنبه لما وراء تلك المقاصد، ثم الاهتمام بتنفيذ ما يحصن المجتمع بفئاته، عن كل خلل يطرأ، والمبادرة في كل وقت، قبل بروز الظاهرة، حتى يتهيأ -بإذن الله- للعقول حصانة، ضد الأوبئة الفكرية، التي يخشى منها انتشارا في المجتمع، حتى تقوى لديها المناعة، ثم القدرة على المواجهة للشبهات، بالأعمال والأجوبة المفيدة المقنعة. فإن هذا العلاج يحتاج إلى تهيؤ نفسي، ورصد مادي.. مع المتابعة بالجهود والدراسة والتخطيط. ونحن المسلمين مع التحديات الموجهة، والجهود المبذولة من أعدائنا في هذا الوقت بالذات ؛ لطمس معالم ديننا، يجب أن نتسلح برعاية الشباب، وتهيئتهم للمواجهة، وإدراك مكامن الخطر. فإذا كان مثل هذا لازماً ومحسوساً، في الوقاية من الآفات المرضية، سواء للإنسان أو الحيوان أو البيئة.. وبذل الجهود والأموال، ومتابعة الإرشادات، والاهتمام بالتوجيهات المتخصصة لكل نوع. كل هذا من أجل حماية المجتمع، والمحافظة على سلامة أجسام أبنائه من الأمراض، والحامي والحافظ هو الله سبحانه. ولكن هذا العمل من الأسباب التي أمر الله بها». [«تحصين الشباب من الغزو الفكري» د. محمد بن سعد الشويعر «مجلة البحوث الإسلامية» (71/197-198، 203-204) ]
ومن تحصين المجتمع أن يقوم ولاة أمور المسلمين بواجبهم: فعلى رقابة المطبوعات: منع ما كان داعية للتغريب والإباحية والفجور من الصحف والكتب والنشرات وغيرها. وعلى التجارة: منع استيراد ما يضر بالمسلمين في دينهم وأخلاقهم. وعلى التُّجَّار: الامتناع من الممارسة والتسويق، والحذر من تكثير بضاعة التغريب وتسهيل وصولها إلى المسلمين، أو حتى تأجير المحلات على دعاته، والرد من من يعترض عليه من العلمانيين وغيرهم ممن يزعم أن هذا من الوصاية على المجتمع.. فكما أن المجتمع يُحْمى من الأوبة والأمراض، ويجعل المريض في مكان معزول كما هو الحال الآن في مريض «الانفلونزا» لأنه قد يُعدِي الناس مما قد يسبب هلاكهم، فمريض الشهوة والشبهة من باب أولى حماية للأديان من هذه الأمراض. ولمَّا كان المجتمع الخليجي مُحَصَّناً قبل نحو من قرن عادت قوافل التنصير بالخيبة والخزي فلم يُعرَف أن مُسْلِماً عربياً خليجياً تَنَصَّر علـى أيديهم مع كونهم كانوا يبذلون الغالي والنفيس لأجل تنصير المسلمين حينها وجلسوا سنوات طوال لأجل تحقيق هذا الغرض. بقي أمر أخير أرى أنه لزاماً علي أن أشير إليه ألا وهو تحصين المجتمع من مواقع الإنترنت الإباحية. لقد جاء في بعض الدراسات أن الدول التي تفرض قوانين صارمة في منع المواد الإباحية تنخفض فيها نسبة الجرائم، لقد قامت الاستخبارات الأمريكية بمقابلة واستجواب عدد من المجرمين في السجون كلهم قد اغتصب أو قتل عدداً كبيراً من الناس، فوجدوا أن (%81) منهم كان يشاهد المواد الإباحية بكثرة ثم يقوم بتطبيق ما رآه على الآخرين، بل إنَّ سبب انتشار الأمراض الجنسية الفتاكة هو الإباحية، ولقد صرَّح كثير من الباحثين أن أكثر من (%80) من حالات الإيدز مصدرها الإباحية. [«الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية» للدكتور عبد الرحمن السند (435)]،
هذا وأكثر من (%70) من رواد مقاهي الإنترنت من الشباب، وهم يأتون للتسلية المحرمة من مثل الاتصالات مع أجنبيات، والدخول على مواقع الفحش والرذيلة وغير ذلك. [ «عاجل إلى مستخدم الإنترنت» إعداد دار القاسم (5)].
وعليه فينبغي حجب مواقع الرذيلة والعقائد الضالة حماية للمجتمع من هذا الطوفان الجارف، ولذلك قامت أكثر الدول الخليجية بحجب المواقع الإباحية، وقد صدرت بذلك قرارات وزارية في كل من السعودية والكويت وقطر وعمان وغيرها، وأكدوا وجود رقابة على مقاهي الأنترنت، وعدم السماح لمن تقل أعمارهم عن (18) عاماً ؛ لأنهم الجهة المـتأثرة بتلك المواد الإباحية. ومنعت الكويت عمل النساء في تلك المقاهي ؛ لأنها قد استغلت من قِبَل أصحاب القلوب المريضة لأغراض مشبوهة في الدعارة وغيرها، واستقطاب تلك النساء الوافدات -وأكثرهم من بلاد آسيوية- للشباب الصغار. لكن ينبغي أن تكون هناك جدية وأمانة في تطبيق مثل هذه القرارات، ومحاسبة كل مقصر في هذا الباب، لأننا في سفينة واحدة إن غرقت غرق معها الجميع المحسن والمسيء سواء بسواء، فحتى لا تغرق السفينة لا بد من تحصين المجتمع وحماية أفراده من كل شر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد