بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من طرائف وغرائب وحِيَل بائعي الكتب ومقتنيها، ما ذكره صاحب مكتبة المثنى ببغداد قاسم محمد الرجب في مذكراته:
١. كان أكبر زبون للسوق وللكتاب هو عباس العزاوي المحامي، فكان يتردد إلى السوق أربع مرات أو أكثر في كل يوم فلا يفوته كتاب مطبوع أم مخطوط. وإذا ما وقع كتاب خطي ولم يشتره العزاوي، فإنه يبقى سنوات دون أن يباع. ص٥٠
٢. كان محمد سعيد الجركجي يرتدي الجِزِّية أو اليشماغ أحياناً مع الصاية والعباءة، وهو مداوم لا ينقطع، يطالع كتب الحديث والفقة وتراجم الرجال في الجرح والتعديل ومصطلح الحديث وكتب الخلاف والجدل وغير ذلك؛ وبالرغم من كثرة ما يطالعه وما يقتنيه من كتب لا أظنه قد جنى شيئًا من مطالعاته، بل لم يحسّن قراءة سطر واحد على الوجه الصحيح ! ص٥٠
٣. كان رضا الأعرج كما يعرف بيننا، لا يدع كتابًا إلا اقتناه، لاسيما الكتب الحديثة، ومن شدة اهتمامه بالكتب وحرصه على اقتنائها فإنه يمر يوميًا بالمكتبات كافة كبيرها وصغيرها، وحتى باعة الصحف في الأكشاك.
وإذا بلغه أن إرسالية ستصل إلى واحد منهم فإنه لا يذهب في ذلك اليوم إلى بيته بل يبقى ملازمًا له ولو إلى نصف الليل، فيفتح الصناديق بنفسه ويحملها كلها وينظمها فيساعدنا جميعًا لكي يخرج بكتاب من تلك الكتب يشتريه بتخفيض بسيط، ويذهب به مسروراً، وأنا واثق بل أجزم بأنه لم يفتح كتابًا من كتبه أو طالعه منذ عرفناه. ص٥١
٤. كان العلامة أمجد الزهاوي عندما يختار الكتب ويريد شراءها فإنه لا يساوم على أثمانها على الرغم من أن أصحاب المكتبات لا يَقرّ لأسعارهم قرار.
وعند تمام موافقته على شراء صفقة الكتب فإنه لا يدفع ثمنها حتى يُلَقِّن البائع صيغة البيع الشرعية، كأن يقول له (إنني اشتريت منك كذا وكذا وكذا بمبلغ قدره كذا فهل وافقت؟) فيقول البائع (وافقت ُ) فيدفع إليه الثمن.
وإذا أراد الشيخ أمجد الدخول إلى المكتبة، فإنه لا يدخلها قبل أن يخلع نعليه ويضعهما تحت أبطه، وهو بهذا يتحاشى أن يدوس ورقة، إذ ربما كان في تلك الورقة لفظ الجلالة. ص٥٢
٥. ومن الطرائف أن أحد الكتبية المسنين وهو عبدالحميد التركي، كان يبيع المجلات والكتب القديمة والتركية خاصة، وكان غريبًا بأطواره، فمثلاً إذا أعجبك عنده كتاب وساومته، وغادرتَ مكتبته ولو لمسافة خطوة واحدة ثم عُدتَ إليه، فسوف يقول لك:
إن هذا الكتاب قد بِيِع ! فلا يُظهره إلا بعد سنوات. ولم يكن هذا الرجل يغالي بالثمن، ولم يتعسف، وإذا اشترى كتابين مثلاً أحدهما في الجبر والآخر في الجغرافية، وجاءه مشترٍ يريد أحدهما، فإنه لا يرضى ببيعه بمفرده ما لم يقتنِ منه الاثنين معًا، ويقول للمشتري إنه ما دام اشترى الكتابين صفقة واحدة فهو لا يبيع أحدهما دون الآخر ! ص٥٣
٦. أما الكردي فلا يشتري كتابًا ما لم يكن ورقه أصفر من النوع النباتي، فإذا قُدِّم له كتاب طُبع على ورق أبيض فقد يتحرَّج ويتلكأ في شرائه، فإذا لم تتوفر الكتب المطبوعة على الورق النباتي فإنه يعمد إلى شراء شيء من الزعفران يصبغ به صفحات الكتاب كافة. والنَّاس أذواق. ص٦٣
٧. كنتُ قد استوردتُ كثيرًا من الكتب النفيسة النادرة، ولكنني عجزت عن بيعها وتصريفها، فبَارَت عندي وتكدست في مكتبتي ومخزني وحِرت فيما أفعل بها لأتخلص منها فقد تضايقت نفسيًّا منها، وأصابني ضيق مادي من جراء ما تجمع لديَّ منها، فأخذتُ أُسجِّل أسماءها، وعرضت مشكلتي على أحد أصدقاء المكتبة وقلت له: ما رأيك لو كتبنا عن المكتبة العامة وانتقدناها لخلوها من هذه الكتب؟
فاستحسن هذه الفكرة ورحّب بها، وكانت له علاقة وثيقة بإحدى الجرائد، وطلبتُ إلى صديقنا أن يلوم وزارة المعارف على إهمالها المكتبة العامة وعدم تزويدها بما تحتاج إليه مما يَجِدُّ من الكتب المهمة والصادرة حديثًا، وذكرنا عناوين تلك الكتب، فصدرت الجريدة ذات صباح، وإذا بمدير المكتبة العامة يأتي إلى مكتبتي المتواضعة، ووقع نظره على معظم الكتب التي نشرت الجريدة أسماءها حسبما ذكرت، فقال: إنني أُريد شراء هذه الكتب جميعًا، وفعلا اشتراها، فرزمتها ودفع لي ثمنها كاملاً. ص٩٨
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
جزء ثان
-ابراهيم
14:57:05 2017-09-10