كامل كيلاني وأعماله القصصية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

كامل كيلاني وأعماله القصصية - محمد عباس محمد عرابي

قصص (من حياة الرسول ) -أنموذجًا

 

 يعد نقيب الأدباء كامل كيلاني (1897- 1957م) رحمه الله رائد أدب الأطفال بلا منازع، فلقد كتب للطفل في وقت لم يكن هناك اهتمام، أو حتى إلمام بهذا الفرع من الأدب، فضلًا أن يتخصص فيه أديب، فهو بحق رائد أدب الطفل.

ولقد أمضى هذا الرائد العربي لأدب الأطفال أكثر من ثلث عمره يكتب للأطفال مؤلِّفًا ومترجِمًا ومقتبِسًا ومقوِّمًا ومفصحًا، في رِيادة عالمية النزعة، إنسانية الروح، وهو في ذلك عميق النظر، بعيد الأُفُق، يجعل من التسلية في العرض القصصي سبيلا إلى الأمان والتأثير، فجاذبية القصة عنده وسيلة لا غاية.

فلقد أوقف هذا الرائد ثقافته وقلمه وعبقريته من أجل مشروع تثقيفي متكامل، يجعل من تثقيف الطفل عملية تنموية تُحِيط بأبعاد العقيدة والسلوك والفكر واللغة، وتمثِّل لديه جسرًا آمِنًا ينطلق فيه من واقعه إلى تراثه، ومن ماضيه إلى مستقبله، وجعَل كيلاني من هذه القضية قضيةَ وجودٍ وخلودٍ في آنٍ معًا، حتى آخِر نفَس في حياته رحمه الله.

 

كان كامل كيلاني ابن عصره، وكان ينحني بقامته السامقة ليخاطب البراعم ويحاكيها، ويغرس في جوانبها منظومة قيمية تربوية تحمل معالم الحضارة الراقية، وقِيَم الإنسانية القويمة التي تحيط بالمبادئ والأصول، وتستوعب العصر وحركة الحياة، والتي بها علونا قمة الحضارة.

 فلكامل الكيلاني خط أدبي متميز من أهم معالمه: الحرص على إفادة الطفل،تنوع وسعة ثقافة كامل الكيلاني التي انعكست على نتاجه الأدبي، ومن أهم المصادر التي استمد منها كامل الكيلاني الاحترام هو في دفاعه عن اللغة العربية، وغزارة الإنتاج مابين شعر وقصص ومقالات،لقد هدف  كامل الكيلاني من قصصه الارتقاء بلغة الطفل العربية وتربية الطفل على الفضائل، وتقريب العلوم له، والترفيه عنه.

ويحاول هذا المقال إلقاء الضوء على سيرة كامل كيلاني الذاتية ،ومسيرته العلمية ،وأعماله القصصية ،وخاصة سلسلة قصص (من حياة الرسول) ().

 

كامل الكيلاني سيرته الذاتية، ومسيرته العلمية:

ولد كامل كيلاني إبراهيم الكيلاني في حي القلعة بالقاهرة،وتوفي فيها، وبين الولادة، والوفاة زار عددًا من الأقطار العربية منها:سورية , لبنان , فلسطين.

وكان مولده في العشرين من شهر أكتوبر سنة(1897م)" وتوفي عام (1957م)

أتم حفظ القرآن الكريم في الكتّاب، ثم التحق بمدرسة أم عباس الابتدائية(1907م)، ثم بمدرسة القاهرة الثانوية ونال فيها شهادة البكالوريا، وكان خلال هذه المدة يعكف على دراسة الأدب الانجليزي،وتعلم اللغة الفرنسية ومبادئ اللغة الإيطالية، ثم انتسب إلى الجامعة المصرية (1917م)،كما حضر دروسًا في الأزهر في النحو والصرف والمنطق.

 

عمل  كامل كيلاني معلمًا للانجليزية والترجمة في عدد من المدارس: المدرسة التحضيرية -مدرسة الأقباط الثانوية بمدينة دمنهور (1920 م)،ثم موظفًا بوزارة الأوقاف (1922 م- 1954م)، وكان آخر وظائفه سكرتير مجلس الأوقاف الأعلى، وعمل بالصحافة والفن فكان رئيسًا لنادي التمثيل الحديث (1918م)، ورئيسًا لتحرير جريدة الرجاء (1922م) ورئيسًا لرابطة الأدب العربي (1929 م- 1932م).

و كان عضو مجلس إدارة جماعة أبولو في أول مجلس لها، وعمل على إنشاء دار للنشر تهدف لنشر كتب الأطفال.

"أطلقت محافظة القاهرة اسمه على مدرسة ابتدائية,كما أُطلق اسمه على أحد الشوارع.ومنحته العراق لقب (نقيب الأدباء)" فكان أول نقيب للأدباء تم انتخابه عام 1934م.

وقد أقامت ليبيا مركزا خصيصا لكُتب وقصص كامل الكيلاني تقديرًا لأعماله"،كما خصص المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية المصرية جائزة باسمه لأدب الأطفال، وقدمت الإذاعة المصرية مسلسلاً إذاعيًا عنه (في ثلاثين حلقة)." الذي كتبه أديب الأطفال عبد التواب يوسف (رحمه الله) حول كامل كيلاني في 30 حلقة، حيث جمع هذا المسلسل أوثق وأدق المعلومات حول الرائد العربي لأدب الأطفال كامل كيلاني، والذي قدَّمته الإذاعة المصرية عام 1997 بمناسبة الذكرى المئوية لكامل كيلاني.

وقد قُررت بعض قصصه على طلاب المرحلة الابتدائية ومنها قصة (شجرة الحياة)، (الأمير المسحور)، (بساط الريح)، (مغامرات لولو).وكان آخرها قصة (علاء الدين) والتي  قررت من 1991م وحتى 1996م لطلاب المرحلة الابتدائية، وقصة "حبيب الشعب" تم تدريسها لمدة 12 سنة."

 

أعمال كامل الكيلاني القصصية:

عندما مر الكيلاني على مكتبات الفجالة، وجد أن أصحاب المكتبات لا يعرفون شيئًا  اسمه قصص أطفال، وإنما يعرفون شيئًا اسمه كتاب مدرسي فعرض فكرة كتابة قصص للأطفال على إلياس انطوني الذي اقتنع بالفكرة وأخرج للكيلاني أربعة قصص: "الدجاجة الحمراء" "أم الشعر الذهبي"، "بدر البدور" و"العلبة المسحورة "،و كل مجلد يشتمل على عدد من القصص التي تتراوح ما بين سبعة أو عشرة قصص بالصور الملونة، بذل فيها جهدًا خارقًا.

"و قصة (الدجاجة الحمراء) هي أول قصة للكيلاني أصدرها له إلياس انطوني، صاحب (القاموس العصري)"

و شملت قصص كامل الكيلاني للطفل جميع المراحل العمرية لطفل، وهي قد تدرجت به من مرحلة رياض الأطفال  إلى المراهقة، قسم الكيلاني قصصه إلى أربع مراحل عمرية وهي: مرحلة رياض الأطفال, الطفولة المتوسطة, الطفولة المتأخرة.المرحلة الثانوية، وكما صنف الكيلاني بنفسه في الصفحات الأخيرة من كل قصة، فقد قسمها إلى سبعة عشر مجموعة قصصية، والواضح من تواريخ الطبع أنها طبعت متسلسلة وهي:

1-سلسلة: "رياض الأطفال".

2-سلسلة "حكايات الأطفال".

3-سلسلة "الفكاهة".

4-سلسة "من ألف ليلة وليلة".

5-سلسلة "قالت شهرزاد"

6-سلسلة "جحا".

7-السلسلة "هندية".

8-السلسلة "عملي"

9-السلسلة "تمثيلية".

10-سلسلة "شكسبير".

11-السلسلة "العربية"

12-السلسلة "مختارة".

13-سلسلة "أساطير العالم"

14-سلسلة "عجائب القصص".

15-سلسلة "جغرافية".

16 –سلسلة "من حياة الرسول".

17- سلسلة "الجيب".

 

جمع كامل كيلاني عناصر الكتابة الراشدة للأطفال من حيث الشكل والمحتوى، والطباعة والتصوير والإخراج، فيقول: "قصص أجمع على تأييدها وزراء المعارف، وزعماء التعلُّم، وقادة الرأي في الشرق، وكبار المستشرقين وأعلام التربية في الغرب، وهي أول مكتبة عربية عُنِيت بتنشئة الطفل على أحدث أسس التربية الصحيحة، توالت طباعاتها العربية، فتثقَّف بها الجيل الجيد في بلاد العروبة، ولم يخلُ منها بيت عربي، وتُرجِمت إلى أكثر اللغات الشرقية، وبعض اللغات الغربية، وهي مدرسة حرَّة، إذا عرفها التلميذ سعى إليها بلا ترغيب ولا ترهيب، وكانت أكبر أمنية للآباء، وهي اليوم أشهى غذاء ثقافي للأبناء.

ويبين الرائد كامل كيلاني هدفه التثقيفي الواضح الذي يكمُن وراء هذا الإعداد والاستعداد المنهجي والإبداعي، فيخاطب الطفل، وهو قارئه المستهدَف قائلاً: "لقد سايَرتك -مشيت معك على قدر خطوتك- في قصص "رياض الأطفال" منذ أول عهدك بالكتاب، وكررت لك العبارات لأيسِّر عليك القراءة، وأبسِّطها لك تبسيطًا، وما زلت بك حتى أقرأتك أجزاءها كلها في يُسْرٍ وسهولة.

 

 ثم تدرَّجت بك إلى الحكايات، فالقصص الفكاهية، فقصص ألف ليلة وليلة، ثم ارتقيت بك إلى القصص الهندية، و"قالت شهرزاد"، فقصص "شكسبير" و"جحا" فقصة "جلفر" بأجزائها الأربعة، ثم رأيتك تُقبِل على أساطير العالم، والقصص العلمية والجغرافية، ومكتبة الجيب، وتناقشني فيها مناقشة دقيقة، دلَّت على حسن فهمك، وموفور ذكائك، كما دلَّت على نجاح هذه الخطة التي انتهجتها لك نجاحًا تجاوَز أمنية النفس.

"ثم يُوجِز ذلك المنهاج التثقيفي للطفل فيقول: "بدأت البرنامج "الدستور الجامع لثقافتك" بتسليتك، ثم تدرَّجت بعد خطوات فمزجت لك التسلية بالفائدة، وما زلت بك حتى أصبحت ترى في المعارف وحدها متعة وتسلية، لا يعدلها -لا يساويها- شيء من ضروب المُتَع، وأفانين التسلية".

 

قصص من حياة الرسول ():

تُعَدُّ هذه السلسلة أكبر سلاسل كامل كيلاني القصصية التي كتبها للأطفال، وقد صدرت بعد وفاته (9/1/1959) وكان قد بدأ كتابتها للأطفال كسلسلة بمجلة "منبر الشرق" عام 1952، وتم إعدادها للنشر بشكل نهائي في حياته رحمة الله عليه.

لقد عرض كامل الكيلاني السيرة النبوية في كتابه (من حياة الرسول) () في 37 جزء.

تعرض فيها لحياة الرسول () من مولده() حتى البعثة،ومن البعثة حتى الهجرة ثم العهد المدني حتى وفاة النبي ()، وصاغها من خلال حوار بين ثلاثة أصدقاء, وهذه السيرة اثنى عليها الكثيرون.

يقول عبد التواب يوسف: "فلقد حاول كامل كيلاني بأدبه أن يغرِس القِيَم الدينية في نفوس القُرَّاء الناشئين، وسلسلة كتبه "من حياة الرسول" أو محاولة لكتابة السيرة للصغار."

منهج كتابة السيرة النبوية: لكتابة السيرة النبوية منهج تقيد به من تصدى لهذا الأمر،ومع تنوع المناهج بين منهج المحدثين, ومنهج المؤرخين ومنهج أصحاب العقل, فإن كامل الكيلاني لم يلتزم بأي من مناهج كتابة السيرة النبوية، بل أخذ بمنهج (تأديب التاريخ) أي كتابة التاريخ وصبه في قالب أدبي.

 

ولقد عرض الباحث محمود محمد محمود خليل في رسالته للدكتوراه دور قصص كامل كيلاني في تنمية القيم الثقافية للأطفال من سن (12- 15) سنة (دراسة تطبيقية)، لموسوعة كامل كيلاني "من حياة الرسول" () انتهى إلى تقويم موضوعي كانت أهم نتائجه:

لم يلتزم الكاتب كامل كيلاني التسلسل الزمني في كتابته للسيرة النبوية للأطفال، رغم حاجة الأطفال إلى الربط الذهني بين الأحداث والمواقف، وربما أحدث ذلك تشويشًا لديهم وتداخلًا بين هذه المواقف وتلك الأحداث.

 

كما يُذكَر للكاتب كامل كيلاني في الموسوعة القصصية للسيرة النبوية ما يأتي:

1-نجاحه إلى حدٍّ بعيد في تأديب التاريخ، وإن كانت السيرة ليست تاريخًا, ولكن إن صح ذلك في التاريخ مع التحفظ،فإنه لا يصح مع سيرة الرسول ()؛ لأن السيرة النبوية دين وعقيدة ومنهج ووحي، ولكنه تفنَّن في توظيف ما أطلق عليه (وجازات)، لغرضين:

أ- ليستطيع النجاة من بحار المعلومات التي تتضمَّنها السيرة النبوية فيقتطف منها ما يراه أقرب وأنسب لسياقه القصصي الموجَّه للأطفال.

ب- ليملك حرية الحركة في عرض المعلومات والانتقال بين المشاهد والمواقف، جامعًا بين المادة التاريخية والتشويق الضروري في أدب الأطفال، حين سرَد صفحات خالدات من حياة الرسول وصحابته، متَّخذًا من تأديب التاريخ سبيلًا إلى ذلك.

 في تلاحم بين الأدب والتاريخ، فكان أقرب إلى الفنان من المؤرخ، وكان أحرص على الأبعاد التربوية والأخلاقية والتهذيبية أكثر من حرصه على التزام الخط التاريخي، أو التسلسل الزمني.

 

2-لقد اختار الحوار حتى يتمكَّن من تحليل الأحداث، وفلسفة المواقف ليبين أبعادها، ويكشف عن مكنونها، وليحقق بذلك عدَّة أهداف ذهنية وانفعالية، واجتماعية وحسية، وحركية ولغوية، تحقِّق التربية السلوكية الأخلاقية للأولاد في ضوء تقريب وتهذيب روائع التراث وعلى رأسها سيرة سيد الخلق ()

 

3-حقَّق الكيلاني الريادة بكتابة السيرة النبوية للأطفال لأول مرَّة في العصر الحديث، بهذه الطريقة الفنية الجديدة، ولئن كان (توفيق الحكيم) قد سبَقَه بكتابه الشهير "محمد الرسول البشر" مُشِيرًا في المقدمة إلا أنه قد فكَّر فيه قبل وضعه عام 1936م، فإن توفيق الحكيم يجيب بنفسه قائلًا: "كلُّ ما صنعت هو الصبُّ والصياغة".

كما أن توفيق الحكيم قدَّم السيرة النبوية في صورة حوارية للكبار وليس للأطفال، وهذا هو الفارق الكبير بين الحكيم والكيلاني.

فكامل كيلاني قد حقَّق ريادته بكتابة السيرة النبوية (فنيًّا) للأطفال لأول مرَّة في أدب الطفل المعاصر، وجدير بالذكر أنه قد بدأ نشر هذه المحاوَرَات القصصية لأوَّل مرَّة كمقالات أسبوعية بمجلة "منبر الشرق" أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وهي المجلة التي كان يصدرها الشيخ علي الغاياتي (1885- 1956).

 

4-لجأ كامل كيلاني في هذه السلسة الطويلة إلى شرح الألفاظ الصعبة في ثنايا الحوار بين الأصدقاء كجزء من الحوار نفسه، وفي هذا تفنُّن أدبي في إيصال رسالته اللغوية، على اعتبار أن اللغة هي أداة الأديب في الأدب، وهي الجسر الذي تعبر عليه الثقافات من الأجيال الماضية إلى الأجيال الحاضرة، ثم إلى الأجيال المستقبلية.

واللغة عنده ليست مجرَّد ألفاظ، بل هي ألفاظ لها دلالاتها ومعانيها، فإن اللغة عنده والفكرة والحوار تمثِّل ضفيرة تثقيفية واحدة.

 

5-حفلت هذه المعالجة الكيلانية للسيرة النبوية بالحِكَم والمأثورات والطرائف شأن كتاباته كلها بصورة يصعب حصرها؛ مما يجعل منها واحة معرفية يلتقي عليها أفراد الأسرة خاصة الأطفال فيجدون التراث واللغة والأدب العربي، والمثل والحكمة، إلى جانب المتعة والمعرفة، متمثِّلًا في ذلك بقوله: "الدقَّة شرط عام في كل حركة فكرية، ولا بُدَّ منها لكلِّ ناقد يحترم نفسه ويحترم قُرَّاءه ويحترم الحقيقة، وماذا يجديك إذا اخترت أصحَّ الموازين، ثم أخطأت الدقَّة في تسجيل أحكام هذه الموازين!.

 

مآخذ على سلسلة قصص (من حياة الرسول) ():

لقد أُخذ على كامل الكيلاني في كتابته للسيرة النبوية مآخذ منها:

عدم وجود أي توثيق للأحداث ولا حتى للآيات القرآنية، عدم تجلي الصنعة الكيلانية في السيرة فالمقاطع نقلت نقلاً من كتب السيرة،كثرة لأبيات الشعرية والأمثال مما زاحم السرد الأساسي لمسار الأحداث، لم يراع كامل الكيلاني التسلسل الطبعي لأحداث السيرة النبوية مع أن العناوين توحي بذلك (من المولد حتى البعثة)، و(من البعثة حتى الهجرة)، فقد تحدث في الجزء الأول من السيرة (أضواء من المولد السعيد) عن حياة النبي ،ثم عاد في الجزء (السابع) إلى الحديث عن ميلاد النبي ، بشيء من التفصيل (من المولد إلى الهجرة).

وفي ذلك خطورة بالغة على البناء التشريعي للسيرة النبوية المطهرة؛ لأنه من المعروف أن لكل مرحلة من مراحل السيرة أحكامها وفقهها وتدرُّجها التشريعي، وإذا كان الفن القصصي قد اقتضى الكاتب إلى هذا الصنيع، فإن السيرة النبوية لها فقهها المقاصدي الخاص الذي يجب أن يكون إطارًا حاكمًا لهذا التناول الأدبي، لا سيَّما والكاتب من أوائل مَن ينادون بضرورة التدرُّج التثقيفي للطفل من مرحلة  إلى مرحلة.

وجود أساطير وخرافات لا علاقة لها بالمنطق فضلا عن أن تكون لها علاقة بسيرة الرسول

كقصة الملك ميداس التي أوردها الكيلاني في معرض الحديث عن سيرة الصحابي الجليل (سلمان الفارسي) في الجزء 28 "عابد الذهب" الذي يُواصِل فيه مسيرته مع قصة إسلام سلمان الفارسي أَوْرَد الكاتب "قصة الملك ميداس" الذي كان مفتونًا بجمع الذهب وتكديسه، وبقضاء حياته مستمتِعًا ببريقه تحت ضوء الشمس، إلى أن دخل عليه (جني) فحقَّق له أمنية في تحويل كل شيء يلمسه إلى ذهب، وهكذا تحوَّلت حياة (ميداس) إلى جحيم؛ إذ أصبح كل شيء يلمسه ذهبًا... فتحوَّل فراشه ذهبًا، فلا يستطيع أن ينام عليه، وماؤه ذهبًا فلا يستطيع شربه، وهكذا، فاستولى عليه الحزن حتى مات، فليس الذهب كل شيء في الحياة.

ورغم طرافة الأسطورة لكن ليس مجالها هنا على الإطلاق؛ لأن الاستشهاد بها جاء على طريق بحث سيدنا سلمان عن الحق والحقيقة، فيكون التركيز على الجانب العَقَدي أشدَّ وألزم، وفي قصص القرآن الكريم والسيرة النبوية المشرَّفة عشراتُ القصص التي تحقِّق الهدف نفسه الذي يرمي إليه الكاتب، بعيدًا عن الأساطير والخرافات في ظلِّ السيرة النبوية العَطِرة، مهما كان التوظيف الديني لهذه الأساطير وتلك الخرافات.

 

وختاماً: رحم الله كامل كيلاني رائد أدب الأطفال الحديث جزاء ما قدم من أعمال قصصية للأطفال، وعلى الرغم من أنه قدَّم نماذج شتَّى في هذا المجال، منها المقتَبَس والمترجَم والمعرَّب، وقد بلغت ما يربو على مائتي قصة، فقد كان في قمة ما قدَّم قصصه "من حياة الرسول"؛ "إذ أفاض فيها بأسلوب سلس ميسور الفهم، عمَّا اتَّصفت به سيرته () من أعمال وخُلُق وسلوك، تُعتَبَر المثل الأعلى للكبار والصغار في أيِّ زمان ومكان وليس أنسب ولا أقرب من قصص السيرة النبوية للأطفال، لتكون معينًا يستقون منه هذه النظم والقِيَم الأخلاقية للتزكية والتربية والتعليم والهداية، بحيث تمثل لهم شفاء وغناء وصلاحًا وإصلاحًا، لبنائهم النفسي والعَقَدي والسلوكي حيث يجب المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها وصقلها، وتنمية جوانب الخير فيها بالثقافة الإسلامية، من خلال صور الخير والرحمة التي تزخَر بها السيرة النبوية، والتدرُّج في هذه العملية، حتى تستوفى هذه المواهب كمالها، بناءً على المبادئ الست؛

وهي: الأصالة، والإيجابية، والشمولية، والتكامل، والتوازن، والأخلاق.

 

المراجع :

بشارة يوسف، المعالم العقدية لأدب الطفل نماذج من قصص كامل الكيلاني، بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي والنقد الأدبي، جامعة المدينة العالمية، كلية اللغات،2013

كامل الكيلاني، (من حياة الرسول) القاهرة: دار المعارف.

محمود محمد محمود خليل، دور قصص كامل كيلاني في تنمية القيم الثقافية للأطفال من سن (12- 15)سنة (دراسة تطبيقية)، رسالة دكتوراه قسم الإعلام وثقافة الأطفال، معهد الدراسات العليا للطفولة، جامعة عين شمس،2008

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply