حول كتاب مذكرات شاهد للقرن


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

1- قبل البدء كان "مالك بن نبي" اسما يعبر أمامي  كمثله من الأسماء التي تعبر بي كقارئ بسيط قد يجذبني لأقرأ له وقد لا.

2- الحديث عن كتاب من 450 ص هو بمحاولة اختصار وابل المطر في قطره وحصر الطبيعة الخلابة في غصن ولكن نحلق من بعيد على خارطة الجزائر ونشير إلى رجل هناك يسمى. الصدّيق لا كما تقول ديباجة الكتاب وهذا شائع في بعض البلدان العربية الاسم واللقب.

3- العام 1905 م في الجزائز ولد مالك في اعقاب بل في أتون الاستعمار إذ ما زال يجثم على قلب كل جزائري وطأة هذا السلب الفكري والمادي لكل شبر في ارض عربية وسيستمر هذا الحدث طيلة 130 سنة أي في عام 1962 م

4- يترعرع الطفل في وسط عائلة بسيطة ووسط حكايات جدته التي تروي لها فضائع فرنسا نقلا عن امها التي عاصرت بداية قصة الاحتلال الفرنسي للجزائر.

5- وبين قصص الجدات وحنان جدته لأنه يعيش مالك وقد تدفقت إلى وجدانه بشاعات المستعمر

6- ما بين استيقاظ في الصباح الباكر لدروس القرآن ومن ثم التوجه للمدرسة الفرنسية وبين نظام شرقي ونظام غربي يتشكل وعي الطفل.

7- بعد لأي وجهد يتم قبول مالك في مدرسة داخلية تابعة للمستعمر حتى يبدأ مشواره في التعلم النظامي الذي كان له وقع كبير وهنا يتحسس الشاب مالك أول أنياب الذئب في ثنايا أنظمه يفوح منها عفن التفرقة بين الفرنسي والجزائري في امتيازات لا تحق له ويسرها في نفسه فلا مناص من الطاعة تحت تلك الظروف.

8- في المقاهي وسيستمر مع مالك هذا المشهد ستعقد أهم منابر الحراك السياسي في الوطن بل وحتى في الجزائر بين طبقة مسحوقة تتطلع لما يعيد لها كرامتها ويوجه صفعة لخد المحتل وهكذا ستعقد كثير من المشاريع بمعية مالك.

9- تنتهي مرحلة الدراسة ويواجه قساوة المستعمر برفض طلب ابتعاثة لفرنسا وخلف ذلك الكثير من أكاذيب النظام الاستعماري.

10- يقرر وهو ابن السادسة عشرة الرحيل مع صديقة لفرنسا عبر البحر ويصدم بقساوة العمل الذي حصلا عليه بين حمال أكياس اسمنت وحمال فوارغ المشروبات الزجاجية وفي معيشة كان الجوع هو سيد المشهد وعودة إلى الجزائر.

11- سيجد مالك نفسه وسط أحزاب سياسية بدأت تتشكل بين إصلاح ينحو منحى إسلامي وبين مقاومة يصبغها المد اليساري العلماني والذي يختبئ خلفه المستعمر وهكذا راح ينخرط في سجالات ومحاولات لتلمس المشهد ووضع القدم في مكانها المناسب فهناك فكر لا يرى الخروج من عنق الزجاجة إلا عن طريق تتبع المنهج التقليدي الإسلامي تابع لابن باديس وتشتم فيه رائح العروبة والمواطنة وحزب يسفه هذه النظرة ويعدها رجعية وتقهقر لا طائل من ورائها ولا بأس في التصالح المؤقت مع المستعمر ومحاولة الالتفاف عليه حين تقوى شوكته

12- بعد سنوات دون طائل في عدة اعمال ادارية في سلك القضاء وتنقل بين البوادي الجزائرية التي تمتد في جنوب الجزائر يقرر ذات صباح أنه ليس المكان المناسب له مهما كان ليل الصحراء تتلألأ نجومه وكرم البداوة يغري بالبقاء والعودة إلى باريس كرة أخرى.

13- بحماس من تتوق روحه للترقي في سلم العلم والعودة بسلاح يفتك بعدو عملاق يتربص بكل نسمة للحرية يغذ صاحبنا خطاه نحو معهد الدراسات الشرقية وكله ثقة بالقبول لم لا وهو الذي قرأ أضعاف أضعاف ما يمكن لشاب غير في سنة في الأدب والفلسفة والاجتماع والسياسة ومتتبع جيد لأصداء الحراك السياسي للقوى المتصارعة ابان الحرب العالمية الأولى فيواجه طلبه بالرفض ويال هول تلك الصدمة التي تلقاها ومني بخيبة لما تخطر له ببال ولكن المستعمر يتقن العب جيدا ويدرك مالك أن خلف الأكمة ما وراءها وأن الأيام حبلى بالمفاجئات.

14- ليكن ذلك وليدفع هذا الموقف صاحبنا لبدء معركة تعري وجه المستعمر الفرنسي وتتخذ شكل جمعية من الشبان الجزائرين لهتك استار المخطط الاستعماري الدي يحنو على الجزائر كبقرة تدر له الحليب وتزيد من مقدراته وتحت ساطور ما إن تحاول أن تهرب من بال المزرعة حتى تكون عبرة لغيرها.

15- مالك من الأشخاص الأفذاذ الذين منحهم الله ملكة الفكر وكجراح يعرف مكمن الخلل ويعرف ماهية علاجه شرع في كل ما من شأنه أن يخدم نهضة أمته بشتى السبل محاضرا وخطيبا ومحررا وثائرا في وجه المستعمر وفي وجه الطابور الخامس الذي يشعل الثقاب دون أن يدري أنه يحرق وطنا فلم يسكت مالك ولم يستكن رغم ما حاق بأهله من طرد والده من وظيفته ورغم التصدي لكل محاولات إكمال دارسته ولكن ماكان لمالك أن تضعضع ولا أن يستكين فلا مساومة على الجزائر تحت أي مبرر أو دافع شخصي تمليه عليه منفعة على حساب وطن.

16- خديجة الفرنسية وهكذا دون أي إيضاح تصبح قرينة مالك رغم فرنسيتها إلا أنها اعتنقت الاسلام ويال تلك الصدفة العجيبة التي جمعت بين قلبين فخديجة الزوجة التي دانت بكل مالديها لكي يحقق مالك كل ما يصبوا إليه فهي المدبرة وهي الخياطة وهي التي تعنى بأدق تفاصيلة والتي أتقنت كل ما يجلب البهجة لقلب مالك فما من ملمح جزائري إلا أتقنته خديجة وكأنها منحت كل مافيها لمالك وهو بالمثل كانت عينيه وقلبه ويديه في المهجر والبلد وتحت أقسى الظروف عاشا معا جسدا وروحا والمنى جزائر بلا استعمار  وكيف يجعل الحب من العدو حبيبا فهذا ما لا يمكن تفسيره في حالة خديجة ومالك وتظل الأسئلة حائرة على عتبة الحب.

17- لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة وكرة أخرى يأبى مالك أن يكون بمنأى عن العلم ويحقق الله له هذا الحلم وفي أي مجال في تخصص علمي تطبيقي وهو الهندسة الكهربائية رغم ما وضع في طريقه من أشواك إلا أن دون الحلم لابد من وثبات يزول معها كل الآلام لحظة الظفر وهاهي خديجة لا تفتر يدها تغزل وتبتاع لأجل أن ينعم زوجها بسويعات للدرس والمذاكرة

18- مرسول من الجزائر يهوي كنصل وتموت أم مالك تلك التي كانت الدنيا بأسرها ولا داع لأن أصف ما حدث من باريس إلى قسنطينه ولم يعد هناك يد ترش ماء العودة على قدم طفلها وهي عادة أو تقليد في الجزائر على أن يعود الغائب .

19- الجو  في الجزائر تتخاطفه يد خائنة ويد خائفة ويد ماكرة ويد تدق على جميع هذه الأيادي لأنها تحت علم فرنسا تقتات وتتوالى خيبات تلو أخرى ولما ضاق به الكون عاد مالك ليكمل دراسته وليتخرج منها ليبدأ العدو في سد كل باب يطرقه مالك بشتى الصور هنا وهناك في المهجر وتحت ظله في الجزائر

20- لم يستسلم أيضا ووقف كشوكة في حلوق الفرنسيين وأذيالهم في كل سانحة ومد جسور التوعية والنظال بشرف فهاهو يقف ببسالة في وجه المستعمر خطيبا ومؤسسا للتحالفات والتيارات ناصبا أمام عينيه أن لا مجد للعرب والمسلمين إلا بتطبيق شروط الحضارة والتي حللها وأتقن تفكيك بنيتها بعقل فلسفي وروح تثق في إسلامها ودون ذلك فلن يتحقق لها شئ مما تصبوا إليه.

وقبل أن أختم وادع مالك في باخرته التي سترحل به من على ضفاف الأبيض المتوسط  وهو مملوء سخطا على ما آلت إليه الجزائر قبيل أن يحقق الله لها الفرج وتثور في وجه فرنسا مع عام 1962 م ويتحقق النصر..

سأقول أني كنت طيلة الصفحات في سعادة غامرة ونهم لقراءة كل كلمة خطها يراع مالك بن نبي رحمه الله وغفر له ، من أجمل كتب السير الذاتية العربية لغة ومصداقية وشفافية وبوح لا تملك إلا أن تقرأه وملؤك الإعجاب والشغف لتلك السيرة البهية وفي ظني أن القارئ بعد الكتاب سيكون ليس وكما كان قبله مع أيقونة الجزائر.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply