بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
التوازي التركيبي في القرآن الكريم رسالة تقدم بها عبد الله خليف خضير عبيد الحيَّاني إلى مجلس كلية التربية في جامعة الموصل، وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير في اللغة العربية بأشراف الأستاذ الدكتور هاني صبري علي آل يونس عام 1425ه
مقدمة :
كان نزول القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم بلغته الصافية وتراكيبه الباهرة مورداً لكثير من الدراسات ، نظرتْ في القرآن الكريم نظرات استنطقتْ فناءاته اللغوية والنحوية والأدبية والبلاغية، ومنهلاً لروّاد سعوا إلى خدمة لغته المباركة وحاولوا استكناه بيان ألفاظه وتوسلوا مقاصده ومعانيه وشرحوا غريب صوره وألفاظه، من هنا سعى الباحث نحو التوازي بوصفه واحداً من الظواهر القرآنية المبرزة.
وإن التوازي معنى جامع لعلوم لغوية وأدائية شتى إذ تنسجم أساليب وسياقات نحوية مرتسمة على شكل متواليات لغوية تنظم إلى بعضها على هيئة أنماط سياقية فنية متسقة يبرزها النظم شكلاً وإيقاعاً، و لأن هذه الأنماط لا ينتظمها في بنائها التركيبي سوى هيكل نحوي محدد يحاول أن يرتسم العلاقة بين النحو والأداء من جهة وبين النظم والممارسة الإيقاعية المتسلسلة المتوالية من جهة أخرى. وقد رأى الباحث أن التوازي التركيبي يشكل مدخلاً يكاد يكون حديثاً يجدد تلك العلاقة المستديمة المتحدة في تشكيلة النسق القرآني.
ذلك أن التوازي منهج بحثي علمي قرآني شائع في نظمه وفي إيقاعه وهو معنى جامع يسهم في بناء وحدة النص ضمن سياق إيقاعي معين يشكل اعتداله وهبوطه وربّما تصاعده بوساطة دالات لغوية معينة تتضافر مع الإيقاع لإبراز التوازي بوصفه ظاهرة لغوية دلالية تدرس متواليات اللغة وفق مديات إيقاعية معينة هي نفسها تكون جرساً صادحاً للغة القرآن في تناسق آياته وتناسبها وانسجامها على هذا النحو الخاص، وهو ما فرض علينا توزيعاً قسم فصوله على ثلاثة فصول، سبقها تمهيد، وأتممناها بخاتمة، أما التمهيد فتضمن مدخلاً نظرياً للتوازي ومفهومه في اللغة والاصطلاح، كما عنينا بتأصيل مفهوم التوازي لدى القدماء العرب، وتطور هذا المفهوم لدى المحدثين، ومن ثم تحديد مصطلح التوازي التركيبي، إذ تم تقسيم الدراسة التوازي التركيبي إلى نوعين تمثل الأول في توازي البنى المتشابهة، وجاء الثاني في توازي البنى المتغايرة، كما ذكرت دالات على وفقها يظهر وينتظم التوازي التركيبي.
* الفصل الأول تناول تطبيقات وتحليلات توازي الجملة الاسمية ومقيداتها موزعاً على مبحثين كان توازي الجملة الاسمية من نصيب المبحث الأول، وتناول المبحث الثاني توازي مقيدات الجملة الاسمية.
و *الفصل الثاني فتناول توازي الجملة الفعلية ومقيداتها موزعاً على مبحثين أيضاً كان الحديث عن توازي الجملة الفعلية من نصيب المبحث الأول، وتناول المبحث الثاني توازي مقيدات الجملة الفعلية.
أما* الفصل الثالث فقد تضمن توازي الضمائم الإفصاحية وهي أساليب يراد بها التعبير عن كوامن النفس بتقانات وأداءات أسلوبية متميزة ، واقر باني أهملت بعض الضمائم التي وردت في بنى الفصلين السابقين، نحو أسلوب النفي الذي ذكرت بعض أدواته في مقيدات الجملة الاسمية وذكر البعض الأخر في مقيدات الجملة الفعلية، ومثل ذلك أسلوب التمني وأسلوب الترجي وأسلوب النهي وغيرها من الأساليب ،ووقف البحث في الخاتمة على أهم النتائج التي توصل إليها الباحث.
النتائج:
توصلت الدراسة إلى النتائج التالية :
(1) ـ عرف القدماء العرب التوازي ولكن مفهومه كان متداخلاً مع مفاهيم أخرى كالمساواة والمماثلة والتساوي ، والتعادل ، وجعله قسم من القدماء نوعاً من أنواع السجع فضلاً عن ذلك استعمله بعضهم بمعناه اللغوي وهو (المواجهة والمقابلة).
(2) ـ تطور مفهوم التوازي لدى المحدثين واتسع لتكون القافية والسجع جزءاً منه، وشمل مستويات عدة منها الصوتي والنحوي والبلاغي والمعجمي، واتخذه بعضهم طريقةً لتحليل النصوص.
(3) ـ قسمت الدراسة التوازي التركيبي على نوعين:
الأول: توازي البنى المتشابهة، ويتم فيه التوازي وفق الصورة النحوية نفسها. ويتسم بوجود التماثل بين متوالياته وتعادلها .
الثاني: توازي البنى المتغايرة، ويقوم هذا النوع على تغاير بين المتواليات المتوازية، ولكن هذا التغاير يسمح بوجود علاقات ترابط بين المتواليات.
(4) ـ أظهرت الدراسة أنه يمكن أن يجتمع في النص الواحد أكثر من نوع للتوازي فقد ينظر إلى النص من جوانب كثيرة، إذ يمكن أن يضم توازي البنى المتشابهة توازيات داخلية تنتمي إلى توازي البنى المتغايرة، كما يمكن أن يضم توازي البنى المتغايرة توازيات داخلية تنتمي إلى توازي البنى المتشابهة. فالتغاير والتماثل يحددان طبيعة وتأثير التوازي في النص .
(5) ـ اتسم التوازي التركيبي بوجود التماثل بين المتواليات إلا أن هذا التماثل يكون غير تام وقد يكون هذا التماثل محصوراً في الوظيفة النحوية لمتوالياته، وربما كان التماثل في المعنى الذي تؤديه متواليته.
(6) ـ وضّح التوازي التركيبي ما تحمله الأشكال النحوية من دلالة، وبيّن علاقة هذه الأشكال النحوية ببعضها، وتأثيرها على البنية الإيقاعية للنص القرآني.
(7) ـ أظهرت الدراسة انه يمكن عد التوازي منهجاً لتحليل النصوص ويمكن الاعتماد على اتجاهات عدة في اختيار المتواليات وتحليلها تحليلاً نحوياً وهذه الاتجاهات:
(أ) ـ الاتجاه الأول: هو التحليل إلى المؤلفات المباشرة وتدخل في نظرية العامل وأركانها من عامل ومعمول ورتب وتقسيمات جملية واستبدالات مختلفة، وهي ما وجدناه ماثلاً في الفصلين الأول والثاني إذ وقع التوازي التركيبي في الجملة الاسمية ومقيداتها ووقع في الجملة الفعلية ومقيداتها، وكان القاسم المشترك الذي يجمع كل مبحث هو العمل النحوي .
(ب) ـ الاتجاه الثاني: المعنى النحوي بدلالة القرائن أو ما اصطلح على تسميته بقرائن التعليق، ويمكن أن تكون هذه القرائن المقامية والمقالية أساس التماثل في التوازي التركيبي وهو ما وجدناه في الفصل الثالث ـ الضمائم الإفصاحية ـ فكان أساس التماثل والتداخل للبنى المتوازية هو المعنى النحوي.
(ج) ـ الاتجاه الثالث: الوظيفة الإفهامية ويمكن عدّها أساساً للتماثل في توازي البنى المتغايرة حيث تتماثل بعض الضمائم الإفصاحية في الوظيفة الإفهامية التي تؤديها لدى المتلقي وهذا ما وجدناه ماثلاً في التوازي الحاصل بين أسلوبي النداء والأمر مع تغايرهما في البناء النحوي وفي المعنى النحوي فلكل أسلوب معناه الخاص إلا أن التوازي قد حصل فيهما نتيجةً للوظيفة الإفهامية التي يؤديانها .
(8) ـ للتوازي النحوي دالات رئيسة ومركزية يكون البعض منها دالات لغوية وأخرى نحوية وربما كانت بلاغية وقد تتداخل هذه الدالات بنيوياً لتشكل ملامح بارزة تدل على معنى التوازي .وهذه الدالات على ثلاثة أنواع هي: دالة الترادف ، ودالة التضاد، ودالة التأليف (التركيب).
(9) ـ للتوازي النحوي إيقاع خاص تظهره مجموعة من التشكيلات الأسلوبية، هذه التشكيلات تتضافر بنية ونحواً من اجل إكساب المركب القرآني إيقاعاً خاصاً يختلف عن أي إيقاع آخر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد