بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أهمية قراءة مقدمة الكتاب في معرفة مقصود المؤلف:
بعض طلاب العلم إذا اقتنى كتابا يقفز قراءة مقدمته، يظن أنها مجرد توطئة روتينية للكتاب، وما علم أن بعض مقدمات الكتب تحتوي على رموز يفك بها أسرار الكتاب، وبعضها تحتوي على بيان أهمية المسألة التي تحدث عنها المؤلف، أو سبب تأليف الكتاب.... إلخ من مقاصد المؤلفين في مقدماتهم.
ولذاك لن تستطيع أخي الكريم فهم مقصد ابن مفلح في رموزه التي ملأ بها كتابه الفروع، أو مقصد المرداوي في مصطلحاته التي ملأ بها كتابه إلا بقراءة مقدمات كتبهما، فهي كشاف يفك رموز أسرار الكتابين.
ومن الأمثلة كذلك: مقدمة القاموس المحيط للفيروزابادي رحمه الله
فمما اشتملت عليه مقدمته الضافية: بعض اختصاراته في الكتاب
فذكر مثلا:
١_ أنه إذا ذكر الفعل الماضي ولم يذكر مضارعه وليس من الأفعال الجامدة ولم يذكر كيف يضبط هذا الفعل بالشكل فإنه يكون على وزن (كتَب يكتُب) أي أن ماضيه مفتوح كله، ومضارعه مضموم العين.
٢_ وإذا ذكر الفعل المضارع ولم يضبطه بالشكل أو يذكر وزنه فإنه يكون على وزن (ضرَب يضرِب) يعني أن ماضيه مفتوح كله ومضارعه مكسور العين.
٣_ والأصل أن كل كلمة لم يضبطها بالشكل فهي بالفتح إلا ما اشتهر بخلافه اشتهارا بينا.
ومن الرموز التي، يستعملها
(ع) ويعني بها (موضع)
(د) أي: بلد
(ة) أي: قرية
(ج) أي: الجمع
(م) أي: معروف، وأكثر رحمه الله منها حتى في أشياء تغمض علينا في هذا العصر ولكنها معروفة في زمنه رحمه الله.
(وقد ذكر في مقدمته ثمانية أمور اصطلح عليها في كتابه لخصها الزبيدي في شرحه له (تاج العروس ٨٧/١) وذكر بعدها تسع أمور اصطلح عليها المؤلف تُعْلَم بممارسة الكتاب ومعاناته واستقرائه. (يحسن مراجعتها)
فهذه خذها معك في الألفاظ التي تقرؤها في القاموس
فمثلا عند لفظة (فرش) قال (فرش فرشا وفراشا: بسطه) فحيث لم يذكر مضارعه فإن فعل (فرش) يكون على وزن (كتب) فيكون ماضيه مفتوحا كله ومضارعه مضموم العين (أي حرف الراء فيه مضمومة).
وعند لفظة : (عفت) أي لوى وكسر
قال (عفته يعفته: لواه وكسره) فلما ذكر ماضيه ومضارعه ولم يذكر وزنه حملناه على وزن (ضرب) فيكون ماضيه مفتوحا كله ومضارعه مكسور العين (أي حرف الفاء من الكلمة: يعفِته).
وهذه قاعدة سار عليها المؤلف ما لم يكن هناك مانع وذكر الزبيدي في مقدمته لتاج العروس شرح القاموس بعض هذه الموانع.
ولذلك إذا خلا من الموانع وكانت قاعدة المؤلف في ضبطها خلاف المشهور فإن الزبيدي يستدرك عليه
فمثلا لما جاء لكلمة (عمد) قال الفيروزابادي: (وعمده: أقامه بعماد، كأعمده فانعمد، وللشيء: قصده)
فلما ذكر الماضي هنا ولم يذكر مضارعه فقاعدته أنها على وزن (كتب) فيكون ضبطها (عمَد يعمُد)
ولكن استدرك عليه الزبيدي قائلا (وعمد للشيء وعمد إليه وعمده يعمده مِن حد (ضرب) كما صرح به أصحاب الأفعال، ولا عبرة بإطلاق المصنف على ما اصطلحه..) (٤١٤/٨)
فخذ هذه القاعدة معك في ضبط ألفاظ القاموس التي لم يضبطها المؤلف بالوزن والنظير، وانتبه لمصطلحاته الأخرى التي ذكرها في مقدمته والتي نبه عليها الزبيدي في التاج لئلا تنسب للفيروزابادي ما لم يقله من حيث الضبط بالشكل،وإذا راجعت القاموس فلا تُغْفِل مراجعة شرحه (تاج العروس) فإنه شرح كلام المؤلف ووضحه وكمله واستدل له وانتقده.
(تنبيه أخير): كتاب الفيروزابادي (القاموس المحيط) وجاء في بعض النسخ في مقدمة الفيروزابادي لكتابه ذكر اسمه الكامل (القاموس المحيط والقابوس الوسيط فيما ذهب من لغة العرب شماطيط) وقال الزبيدي في شرحه إن التسمية الكاملة للكتاب لم ترد في النسخ الصحيحة (تاج العروس ٧٢/١).
ومن بديع اقتباسات الشيخ الفقيه البليغ بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله : ذكره أن من أوصاف المتعالِمين (أي الذين يدّعون العلم وهم منه براء): الانحلال اللغوي من كرائم لغة العرب إلى لوثة العجمة، من كل متعالم قاموسه غير محيط، وقابوسه غير وسيط، ونصيبه من اللغة شماطيط) اهـ قال في الحاشية (لا يغيب عن بالك ما قيل إن اسم كتاب الفيروزآبادي هو (القاموس المحيط والقابوس الوسيط فيما ذهب من لغة العرب شماطيط) اهـ. (التعالم المطبوع ضمن المجموعة العلمية ص٨٢)
والله تعالى أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد