بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
"ابن شهيد الأندلسي ناقدًا "رسالة تقدم بها الباحث زيد طارق الجنابي إلى الجامعة الإسلامية بغداد – كلية اللغة العربية وعلوم القرآن وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها.
تناولت الدراسة، دراسة شخصية مهمة من شخصيات الأندلس هو (ابن شُهيد) وحاولت إضاءة الطريق في إبرازه علمًا من أعلام النقد في الأندلس، وقد كانت أمام الباحث مهمتان تمثلت الاولى في جمع اللفتات النقدية من الكتب الأندلسية، لتشكل كل واحدة منها قضية نقدية لها أصلها وكيانها المستقل، والأخرى هي ضم هذه اللفتات بعضها إلى بعض ليتسنى لنا معرفة طريقة تفكيره ومسايرته لمناهج النقاد من الذين سبقوه أو عاصروه ومن أبرز القضايا النقدية التي دارت حولها الدراسة (الطبع والصنعة- اللفظ والمعنى- السرقات الأدبية- القدماء والمحدثون- الغريب في الشعر- الشاعر والمتلقي- المعارضات الشعرية -منهج ابن شُهيد النقدي - مكانته العلمية والأدبية عند النقاد).
نتائج الدراسة
أهم نتائج الدراسة التي توصل إليها الباحث:
1-في موضوع الطبع والصنعة أتضح لنا أن لابن شهيد الأندلسي فلسفة خاصة به، إذ يراهما قسيمين في إنتاج البيان، وإن هذا الأخير يعتمد بالدرجة الأولى على الموهبة المتعلقة بالطبع الصحيح. والسليم وهو هبة من الله تعالى لعباده وإن الحفظ الآلي لأنماط البديع والغريب لا ينتج بيانًا صحيحًا وقد ربط الطبع الصحيح بالروح، وعلاقتها في إنتاج البيان وإن هذه العلاقة متزواجة بين الروح والجسد وأن الروحانية أذا غلبت على الجسدية طلعت صور الكلام والمعاني في أجمل هيئاتها وإذا حدث العكس كان ما يطلع من صور البيان ناقصًا.أما الصنعة فقد أكدها ولكن بشرط أن تصاحبها الموهبة والطبع السليم في العمل الأدبي.
2-نظر ابن شهيد إلى اللفظ والمعنى نظرة متوازنة فلم يفرق بينهما في الصياغة الشعرية، وقد حاول إطلاق بعض النعوت النقدية التي يمكن وصفها بأنها جديدة في عالم النقد كـ(مليح اللفظ) و (مليح النحو)، وعد بعض النقاد هذين الوصفين من الأمور التي أنفرد بها ابن شُهيد عن غيره من النقاد، كما تنبه إلى الدور الذي تلعبه اللفظة الواحدة وبتناسق مع جاراتها من الألفاظ، في الوصول إلى المعنى المطلوب بحيث يحصل في اجتماعهما البيان، وحدد إطارًا لهذه اللفظة لا يمكن الخروج عليه، بوضعها الموضع النحوي الصحيح، وهذا ما دفعنا إلى الاستنتاج بأن كان له فضل زرع البذرة الأولى لنظرية النظم، لكن أفكاره هذه لم تترجم في كتاب، كما نصح الشاعر بالبحث عن المعاني الكريمة التي تبقي ذكر الشاعر بعد موته.
3-السرقات الأدبية: من الأمور اللافتة للنظر في هذه القضية ان ابن شُهيد قد استعاض عن مصطلح السرقة هذا، بمصطلح مرادف له وهو (الأخذ)، وهذا الأخذ يكون من المعنى الأول للشاعر السابق بشرط الزيادة والإحسان فيه،فأن الشاعر إذا أخذ معنى غيره ولم يحسنه جلب على نفسه الإساءة، واستخدم منهج الموازنة بين الشعراء .وتطرق إلى المعاني التي يصعب على الشاعر تناولها والتي تسمى بالمعاني العقم وبين كيفية تخطي هذه المعضلة بتغيير عروض الأبيات وحركة رويها، إلا أن هذه الفكرة كما وضحنا لم تكن من ابتكاره فقد سبقه إلى ذلك ابن طباطبا العلوي في كتابه عيار الشعر.
4-القدماء والمحدثون: لقد اتصفت نظرة ابن شُهيد إلى هذه المسألة بالوسطية والاعتدال، فلم يصدر عنه تعصب لقديم أو لحديث إنما أعتمد ميزانا آخر، وهو الجودة والكفاءة دون اعتبار لعامل الزمن، فقد جعل القديم الأساس الذي يستند إليه، ومنبعًا يستقي منه ثقافته، ولكنه لم يقيد نفسه وقد ترجم ذلك بوصفه منشئا في أشعاره، التي نهج فيها نهج القدماء مرة، ومرة أخرى نهج المحدثين ونظر الى الأدب بوصفه ناقدًا على هدى هذه الفكرة.
5-الغريب في الشعر: لقد تعامل ابن شُهيد مع غريب اللغة ولم ينفر منه، مقسمًا إياه إلى غريب فصيح وغريب قبيح، وعده مصدرًا مهمًا من مصادر اللغة، ووضع قاعدة في استخدامه، أطلق عليها (حُسن الوضع)، ونصح الشعراء في تناوله لأنه يعده طريقًا في البيان وإنتاجه.
6-الشاعر والمتلقي: لقد تنبه أبن شُهيد إلى تطور الأدب عبر العصور, وأن لكل عصر ذوقًا عامًا حاكمًا،وإن لكل طائفة من الأمم نوعًا من الخطابة وضربًا من البلاغة، وأن أساليب مخاطبة الناس تختلف كل حسب وعيه وثقافته، فللعامة لسانهم وللخاصة بيانهم،كما تنبه إلى الدور الذي تلعبه الكلمة الفصيحة والأسلوب البياني العالي في تحريك نفوس البخلاء، وحثهم على البذل والسخاء،وأن البلاغة ضرب من السياسة النفسية، وبهذا فأنه يضع الطريق أمام الباحثين في الولوج إلى نفوس الأشخاص واللعب بمشاعرهم عن طريق هذا الأدب.
7-المعارضات الشعرية: استخدم ابن شُهيد مبدأ المعارضة معيارًا نقديًا لتفضيل شاعر على آخر، وحاول تفعيل هذا المبدأ وإبرازه، لأنه العنصر الذي تظهر فيه قدرة الشاعر على تقليد القدماء والمحدثين، وإبراز تفوقه على غيره من الشعراء، مقدمًا بعض شعراء عصره على غيرهم استنادا إلى هذا المبدأ محاولًا إثبات قدرته الشعرية والأدبية في معارضة كثير من الشعراء المشرقيين، والنسج على منوالهم، كمعارضته لامرئ القيس والمتنبي.
8-منهج ابن شُهيد: لقد سلك أبو عامر طريقين في تقويمه للأعمال الأدبية، الأول كان منهجًا فنيًا معتمدًا على الموازنة والمقارنة والتعليل والتحليل وإبداء الرأي في نظم الشعراء، وكان الآخر منهجًا انطباعيا تأثريًا قائمًا على التذوق والإحساس بمواطن الجمال، معتمدًا على ثقافته وذوقه اللذين كانا سبيله في الاهتداء إلى مواطن الجمال والقبح.
9-مكانته العلمية والأدبية عند النقاد: أجمع النقاد القدماء من مشرقيين وأندلسيين؛ على قدرته الأدبية والنقدية، وأنه كان علمًا بارزًا من أعلام البلاغة والبيان، وقد قرنوه بالجاحظ وسهل بن هارون، و لا شك في أن هذه الآراء كانت حقيقة صادقة معبرة عما كان يتمتع به أبن شُهيد من مكانة علمية وأدبية بين أقرانه ومعاصريه، ولم تكن من باب النفاق الفارغ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد