بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن لصوم شهر رمضان المبارك أحكامًا تتعلق به، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف الصوم:
الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وجِمَاعِ النِّسَاءِ، وسَائِرِ الـمُفَطِّرَاتِ مِنْ طُلُوعِ الفجر إلى غُروب الشمس، بِنِيَّة التعبد لله تَعَالى .
(الفقه على المذاهب الأربعة ـ عبد الرحمن الجزيري ـ جـ1 ـ صـ453)
ثبوت دخول شهر رمضان وخروجه:
يثبتُ دخول شهر رمضان برؤية الهلال، ولو مِن عَدْلٍ واحدٍ، سليم البصر، أو إكمال عِدة شهر شعبان ثلاثين يومًا، ولا يثبت هلال شوال إلا برؤية عَدْلين. (المغني ـ لابن قدامة ـ صـ416)
على من يجب صوم شهر رمضان؟
يجب صوم شهر رمضان على كُلِّ مسلمٍ، بالغٍ،عاقلٍ، مقيمٍ، قادرٍ على الصوم، ويجب أن تكون المرأة طاهرة مِن الحيضِ والنفاسِ .
(بداية المجتهد ـ لابن رشد ـ جـ1 ـ صـ422 )
صيام المسلم الذي لا يصلي:
يجبُ على كل مسلمٍ، بالغٍ، عاقلٍ، أن يُؤدي جميع الفرائض التي فرضها الله عليه حتى يَصِلَ إلى تمام الرضا مِن الله تبارك وتعالى، فمَن صام ولم يصلِّ، سَقَطَ عنه فَرْضُ الصوم وبقي عليه إثْم تَرْكِ الصلاة ، ويحاسبه اللهُ تعالى عليها يوم القيامة. فليحذر الذين يتهاونون في الصلاة مِن عذاب الله تعالى يوم الدِّين، وربما يُؤدي تَرْك الصلاة إلى حُبُوط الأعمال ، وعدم قبولها جميعًا .
(فتاوى دار الإفتاء المصرية ـ جـ 5 ـ رقم 753 ـ صـ 1726)
نية صيام شهر رمضان:
يجبُ على المسلم أن ينوي صيام رمضان أو أي صوم واجب قبل الفجر،وتكفي نية واحدة مِن أول رمضان، ولكن لو قَطَعَ الصوم في أثناء الشهر بسَفر أو مَرَضٍ، وَجَبَ عليه أن ينوي مِن جديد.
وأما بالنسبة لصيام التطوع فلا يُشترط فيه أن تكون النية قبل طلوع الفجر، وتجوز أن تكون نية الصوم نهارًا، إذا لم يتناول شيئًا مِن المفَطِّرَات.( فقه العبادات ـ صلاح نـجيب الدق ـ صـ335 )
تناول المرأة دواء لمنع الحيض لتصوم مع الناس:
يجوز للمرأة أن تتناول الأدوية التي تمنع نزول دم الحيض لتصوم مع النَّاس ، بشرط أن يقرر الأطباء الثقات أن هذه الأدوية لا تضرها، ولكن الأفضل لها أن تتركَ ذلكَ لأن الحيضَ كتبه اللهُ تعالى على النِّسَاء وجعله لهنَّ رخصة في الفطر مع وجوب القضاء بَعْدَ ذلكَ .
(فتاوى إسلامية ـ شيخ الأزهرـ الشيخ/ جاد الحق ـ صـ596)
حكْم من أصبح جنبًا:
إذا جَامَعَ الرَّجُلُ زوجته، أو أصابته الجنابة، قبل الفجر، فليتم صومه، وإن لم يغتسل، ولا شيء عليه.
روى الشيخانِ عن عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. (البخاري ـ حديث 1926/مسلم ـ حديث 1109 )
سنن و آداب الصيام:
للصيام سُنَنٌ وآدابٌ نُوجزها في الأمور التالية:
(1) تناول طعام السَّحُور. ومِن السُّنَّة تأخير تناول السَّحُور.
(2) تعجيل الإفطار.
(3) الإفطار على رطبات أو تمرات أو شربة ماء.
(4) الدعاء أثناء الصيام وعند الإفطار.
(5) الإكثار مِن تلاوة القرآن والصدقات.
(6) حفظ اللسان و الجوارح عن جميع المعاصي. ( فقه العبادات ـ صلاح نـجيب الدق ـ صـ340:338 )
أمور مباحة أثناء الصيام:
سوف نَذْكُرُ الأمورَ المباحة أثناء الصوم.
(1) المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة.
(2) الحجامة والتبرع بالدم بشرط ألا يُؤدي ذلك إلى ضعف الجسم.
(3)وضع الطيب، واستخدام السواك، وقطرة العين، ووضع الكحل في العين، وقطرة الأُذُن، وتذوق الطعام، ومعجون الأسنان، بشرط ألا يدخل شيء إلى جوف الصائم .
(4) الاغتسال.
(5) القُبلة ومباشرة الزوجة لمن يتحكم في نفْسه.
(6) ابتلاع النخامة والريق وغبار الطريق.
(7) القيء غير المتعمد. ( فقه العبادات ـ صلاح نـجيب الدق ـ صـ343:341 )
وسائل العلاج الحديثة:
توجد بعض الوسائل الحديثة المستخدمة في علاج المرضى، ولكنها لا تُفَطِّر الصائم، وهي في الأمور التالية:
(1) الأقراص العلاجية التي يضعها المريض تحت لسانه لعلاج الذبحة الصدرية ولعلاج بعض الأزمات القلبية، بشرط أن يتجنب ابتلاع شيئًا منها.
(2) إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما في رَحِمِ المرأة.
(3) كُلُّ ما يدخل مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى، مِن أنبوب دقيق، أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.
(4) غاز الأوكسجين، وبخاخ مرض الربو.
(5) غازات التخدير (البنج) ما لم يُعْطَ المريض سوائل (محاليل) مُغذية.
(6) إدخال أنبوب دقيق في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب، أو الأعضاء.
(7) إدخال منظار مِن خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية
(8) أخْذُ عينات مِن الكبد أو غيره مِن الأعضاء، ما لم تَكُن مصحوبة بمحاليل.
(9) إدخال منظار إلى المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى.
(10) دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ـ علي السالوس ـ صـ581:580)
مبطلات الصيام:
تنقسمُ مُبطلات الصيام إلى قسمين:
أولًا: مبطلات توجب القضاء فقط وهي:
(1) الأكل والشرب عَمْدَاً (2) القيء عَمْدَاً (3) الحيض والنفاس بالنسبة للنِّسَاء (4) الاستمناء (5) نية الإفطار (6) الردة عن الإسلام
ثانيًا: مبطلات توجب القضاء والكفارة معًا وهي الجماع فقط.
إذا جَامعَ الرجلُ زوجته عَمْدَاً وهي راضية في نهار رمضان وكانا صائمين، فَسَدَ صومهما ، ووجبَ على كل منهما قضاء ذلك
اليوم مع الكفارة وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطيعا، فعلى كل منهما صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيعا فعلى كل منهما إطعام ستين
مسكينًا، فإن لم يستطيعا بقيت الكفارة في ذمتيهما لحين مَيْسَرَةٍ . وأما إن كانت الزوجة مُكْرَهَة على ذلك فيجب أولًا أن تجتهد في دَفْعِ زوجها عنها، فإن جامعها بعد ذلك فلا كفارة عليها،ولكن وَجَبَ عليها قضاء ذلك اليوم فقط. وإذا جامع الرَّجُل زوجته أكثر مِن مَرَّةٍ في نهارٍ ٍواحدٍ، وجبَ عليه القضاء وكفارة واحدة فقط. (فقه العبادات ـ صلاح نـجيب الدق ـ صـ347:345)
أحكام المفطرين في رمضان:
(1) المرأة الحائض والنُّفَسَاء يجب عليهم الفطر وقضاء ما أفطرتا مِن الأيام.
(2) المسافر والمريض الذي يُرجى شفاؤه مِن هذا المرض يجب عليهم القضاء فقط.
(3) الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يُرجَى شفاؤه يجب عليهم إطعام مسكين عن كل يوم.
(4) إذا كان إفطار الرجل متعمدًا بجماع زوجته، فعليه القضاء والكفارة مع التوبة إلى الله تعالى، والكفارة هي على الترتيب: عتقُ رقبة مُؤمنة، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، وعلى المرأة مثل ذلك إذا كانت راضية.
(5) إن كان الإفطار عمدًا بأكل أو شرب ونحوهما، فعلى المفْطِر القضاء والتوبة، ولا كفارة عليه .
(6) المرأة الحامل التي تخاف ضررًا على نفسها أو جنينها مِن صوم رمضان، وكذلك المرأة المرضعة التي تخشى ضررًا على نفسها، أو رضيعها، يجب عليهما فقط قضاء ما أفطرتا مِن الأيام،كالمريض الذي لا يقوى على الصوم أو يخشى منه على نفسه مضرة.
(فقه العبادات ـ صلاح نـجيب الدق ـ صـ349:348)
قضاء صيام رمضان:
قضاءُ رمضان لا يُشترط فيه أن يكون عقب رمضان مباشرة،وإنما هو على التراخي.
روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت:كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ.
(البخاري ـ حديث 1950/مسلم ـ حديث 1146)
لا شك أن أمَّ المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كانت تصوم أيامًا تطوعًا أثناء العام، وكان هذا بعِلْمِ نبينا ﷺ وإقراره .
يُستحبُ المبادرة بقضاء شهر رمضان، لأن الإنسان لا يدري متى يصيبه المرض، أو متى ينتهي أجَله .
قضاء صيام رمضان متتابعًا أو متفرقًا:
قال البخاريُّ: َقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (عن قضاء رمضان): لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)
(البخاري ـ كتاب الصوم ـ بَاب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ)
روى ابنُ أبي شَيبة عن أنسِ بنِ مالك، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَاقْضِ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا، وَإِنْ شِئْتَ مُتَفَرِّقًا.
( إسناده صحيح ) ( مصنف ابن أبي شيبة ـ جـ 4 ـ صـ 50 ـ رقم 9206 )
موت المسلم وعليه قضاء رمضان:
إذا مَاتَ المسلمُ وعليه قضاء أيام مِن رمضان، ولم يتمكن مِن القضاء، إما لضيق الوقت أو لعذر شرعي كمرض أو سفر، فهذا لا شيء عليه. وأما مَن كان في قدرته قضاء هذه الأيام، ولكنه فرَّطَ في قضائها، وجَبَ على ورثته أن يُطْعِمُوا عنه مسكينًا لكل يوم.
تأخير قضاء رمضان بغير عذر حتى دخول رمضان التالي:
إذا قَامَ المسلمُ بتأجيل قضاءَ أيامِ رمضان بغير عذر حتى رمضان التالي، وجبت عليه الكفارة وهي، إطعام مسكين عن كل يوم، سواء كان ذلك لجماعة مرة واحدة، أم لواحد عِدة مرات، ولا يُجزئ دفع النقود عن الإطعام .
(فقه العبادات ـ صلاح نـجيب الدق ـ صـ351)
صيام التطوع
معنى التطوع:
صيام التَّطَوُّعِ: هو كُلُّ مَا زادَ على الصيام الواجب .
والأيام التي يُستحبُ التطوع بالصيام فيها هي:
(1) صيام الاثنين و الخميس.
(2) صيام ستة أيام مِن شهر شوال.
(3) الإكثار من الصيام في شهر المحرم خاصة يوم عاشوراء.
(4) صيام يوم عرفة لغير الحاج.
(5) الإكثار من الصيام في شهر شعبان.
(6) صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر هجري، وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
(7) صيام الأيام التسع الأول من شهر ذي الحجة.
(8) صيام يوم وفطر يوم.
(فقه العبادات ـ صلاح نـجيب الدق ـ صـ359:357)
الأيام المنهي عن صيامها:
لقد نهانا نبينا محمد، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن صيام أيام محددة، وهي:
(1) صيام يومي العيدين.
(2) صيام أيام التشريق الثلاثة.
(3) صيام يوم الشك:وهو يوم الثلاثين من شهر شعبان.
(4) صيام النصف الثاني من شهر شعبان لمن لم تكن له عادة.
(5) صيام يوم الجمعة منفردًا.
(6) صيام يوم السبت منفردًا.
(فقه العبادات ـ صلاح نـجيب الدق ـ صـ363:361)
أحكام الاعتكاف
معنى الاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، ومِن السُّنَّة أن يعتكفَ المسلمُ العشر الأواخر مَن رمضان، ولا شك أن الذي اعتكف هذه الأيام ابتغاء وجه الله تعالى سوف يدرك فضل ليلة القدر.
روى البخاريُّ عن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
(البخاري ـ حديث 2026)
* قال الإمامُ ابنُ رجب الحنبلي (رحمهُ اللهُ): الاعتكاف: قَطْعُ العَلائِقِ عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال. (لطائف المعارف ـ لابن رجب الحنبلي ـ صـ349)
الحكمة من الاعتكاف:
قال الإمامُ ابن القيم (رحمهُ اللهُ): لَمّا كَانَ صَلَاحُ الْقَلْبِ وَاسْتِقَامَتُهُ عَلَى طَرِيقِ سَيْرِهِ إلَى اللّهِ تَعَالَى ، مُتَوَقّفًا عَلَى جَمْعِيّتِهِ عَلَى اللّهِ
وَلَمّ شَعَثِهِ بِإِقْبَالِهِ بِالْكُلّيّةِ عَلَى اللّهِ تَعَالَى، فَإِنّ شَعَثَ الْقَلْبِ لَا يَلُمّهُ إلّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللّهِ تَعَالَى، وَكَانَ فُضُولُ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَفُضُولُ مُخَالَطَةِ الْأَنَامِ وَفُضُولُ الْكَلَامِ وَفُضُولُ الْمَنَامِ مِمّا يَزِيدُهُ شَعَثًا، وَيُشَتّتُهُ فِي كُلّ وَادٍ وَيَقْطَعُهُ عَنْ سَيْرِهِ إلَى اللّهِ تَعَالَى، أَوْ يُضْعِفُهُ أَوْ يَعُوقُهُ وَيُوقِفُهُ اقْتَضَتْ رَحْمَةُ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ بِعِبَادِهِ أَنْ شَرَعَ لَهُمْ مِنْ الصّوْمِ مَا يُذْهِبُ فُضُولَ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَيَسْتَفْرِغُ مِنْ الْقَلْبِ أَخْلَاطَ الشّهَوَاتِ الْمَعُوقَةِ لَهُ عَنْ سَيْرِهِ إلَى اللّهِ تَعَالَى، وَشَرْعِهِ بِقَدْرِ الْمَصْلَحَةِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بَهْ الْعَبْدُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ وَلَا يَضُرّهُ وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ مَصَالِحِهِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ وَشَرَعَ لَهُمْ الِاعْتِكَافَ الّذِي مَقْصُودُهُ وَرُوحُهُ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى اللّهِ تَعَالَى، وَجَمْعِيّتُهُ عَلَيْهِ وَالْخَلْوَةُ بِهِ وَالِانْقِطَاعُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذِكْرُهُ وَحُبّهُ وَالْإِقْبَالُ بَدَلَهَا ، وَيَصِيرُ الْهَمّ كُلّهُ بِهِ وَالْخَطَرَاتُ كُلّهَا بِذِكْرِهِ وَالتّفَكّرِ فِي تَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ وَمَا يُقَرّبُ مِنْهُ فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاَللّهِ بَدَلًا عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ فَيَعُدّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ فِي الْقُبُورِ حِينَ لَا أَنِيسَ لَهُ وَلَا مَا يَفْرَحُ بِهِ سِوَاهُ فَهَذَا مَقْصُودُ الِاعْتِكَافِ الْأَعْظَمِ. (زاد المعاد ـ لابن القيم ـ جـ 2 ـ صـ 86:87)
شروط الاعتكاف:
يُشترطُ في الشخص الذي يريد أن يعتكِفَ ثلاثة شروط وهي:
(1) الإسلام. (2) العقل. (3) الطهارة مِن الحدث الأكبر.
مكان الاعتكـاف:
لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد تُقامُ فيه صلاة الجماعة (الفروض الخمسة)، ولا يُشترط أن تُقامَ فيه صلاة الجمعة.
وذلك لعموم قوله تعالى:(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) (البقرة:187)
ويُستحبُ أن يكونَ الاعتكاف في مسجدٍ تُقامُ فيه صلاة الجمعة، حَتَّى لَا يضْطَرّ المسلمُ المعْتَكِفُ للخروج لأدائها.
* وبالنسبة للمرأة فيجوز لها أن تعتكف في كل مسجد، ولا يُشترط إقامة صلاة الجماعة فيه، لأنها غير واجبة عليها، ولا يجوز للمرأة أن تعتكف في بيتها، وذلك لأن أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد، فأذِنَ لهنَّ، ولو لم يكن المسجد موضع اعتكافهن، لما أذِنَ لهنَّ ، ولو كان الاعتكاف في البيت أفضل مِن المسجد بالنسبة للنساء لَدَلَّـهُنَّ عليه نبينا محمدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(المغني ـ لابن قدامة جـ4 صـ464:463)
وقت بداية الاعتكاف ونهايته في العشر الأواخر من رمضان
يبدأ الاعتكاف في العشر الأواخر مِن رمضان قبل غروب شمس يوم العشرين مِن رمضان (أي ليلة الحادي والعشرين)، وينتهي الاعتكاف بغروب شمس آخر يوم مِن رمضان. (المجموع للنووي ـ جـ6 صـ491 ) (المغنى ـ لابن قدامة ـ جـ4 ـ صـ489: 491)
آداب الاعتكـاف:
(1) يُستَحبُ للمعتكِف أن يشغل نفسه بالإكثار مِن صلاة التطوع وقيام الليل، وتلاوة القرآن مع الحرص على ختمه بتَدَبْرٍ أكثر مِن مرة.
(2) الإكثار مِنْ ذِكْرِ الله تعالى، والاستغفار والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مِن خلال الأذكار الشرعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) ينبغي على المعتكف أن يتجنب ما لا يعينه مِن الأقوال والأفعال.
(4) عدم الإكثار مِن الكلام، فيما يفيد.
(5) ينبغي على المعتكف أن يتجنبَ الجدال.
(6) ينبغي على المعتكف أن يمد يد المساعدة لجميع المعتكفين.
(7) الالتزام بالهدوء، ومحاسن الأخلاق، وعدم إزعاج باقي المعتكفين برفع الصوت مما يسبب لهم عدم النوم، والخشوع في الصلاة.
(8) ينبغي على المعتكف أن لا يَعتَبِر الاعتكاف فرصةٌ للاجتماعِ و السَّمَرِ مع بعض أصدقائه أو من يقوم بزيارته و ذلك بتبادل أطراف الحديث معهم، لفترة طويلة من الوقت، لأن هذا كله مخالف للحكمة التي مِن أجلها شُرِعَ الاعتكاف.
(المغنى ـ لابن قدامة ـ جـ4 ـ صـ479:480 )
أمور مباحة في الاعتكاف:
(1) اتخاذ خِباء داخل المسجد، يخلو فيه المسلمُ للعبادة.
(2) الخروج مِن المسجد عند الحاجة،كالخروج لإحضار الطعام والشراب أو الخروج لقضاء الحاجة أو الوضوء، أو الاغتسال، بشرط ألا يتوفر ذلك داخل المسجد .
(3) يجوزُ للمُعْتَكِفِ أن يستقبلَ زوجته، وكذلك استقبال مَن يأتي لزيارته، بشرط ألا يترتب على ذلك فِتنة.
(4) يجوزُ للمعتكف الخِطبة، وعَقْد زواجه، أو شهود عَقْدٍ الزواج داخل المسجد،وذلك لأن الاعتكاف عبادة ، لا تحرم الطيبات.
(5) يُباحُ للمُعْتَكِفِ أن ينظف نفسه، ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، ويُرَجِّل شَعره، ويُقلِّم أظافره.
(6) يجوزُ للمُعْتَكِف عَقْد حَلَقَة لتعليم تلاوة القرآن أو شهودها ، وكذلك القراءة في كُتُب العِلْم، وحضور مجالس العلماء، ومناظرتهم، ونحو ذلك، مما يتعدى نفعه للآخرين.
(7) يجوزُ للمُعْتَكِف الصعود إلى سطح المسجد لأنه تَابِعٌ له.
( المغنى ـ لابن قدامة ـ جـ4 ـ صـ484:480 ) ( شرح السنة ـ للبغوي ـ جـ6 ـ صـ398 )
مبطلات الاعتكاف:
(1) الخروج مِن المسجد بغير ضرورة.
(2) زوال العقل،لأن وجود العقل شرط للاعتكاف.
(3) الجنَابة وذلك لزوال شرط الطهارة الكبرى. ( المغني ـ لابن قدامة ـ جـ4 ـ صـ487 )
أسألُ اللهَ تَعَالى بأسمائه الحسْنَى وصِفَاتِهِ العُلى أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وينفع به طلاب العِلْم، وأن يجعله ذُخْرَاً لي عنده يوم القيامة.
(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
وآخرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد