حكم التجويد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

حكم التجويد الحكم على التجويد يختلف تبعًا لأقسام التجويد، وهما قسمان:

القسم النظري المعرفي -وهو المدوَّن في كتب الفن-: وحكمه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم والحرج عن الجميع.

القسم العملي التطبيقي: وحكمه فرض عين على كل قارئ -حسب استطاعته- سواء قرأ من القرآن قليلًا أو كثيرًا، وهذا الوجوب ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة.

قال تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) [المزمل:4]، وجه الدلالة أنه أمْر، والأمر للوجوب ما لم تصرفه قرينة، وليس ثمة قرينة صارفة، وقد أكد الأمر بالمصدر (تَرْتِيلًا)؛ اهتمامًا به وتعظيمًا له.

وقال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [البقرة:۱۲۱]، روى ابن جرير الطبري بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (والذي نفسي بيده إن حقَّ تلاوته أن يُحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله). تفسير ابن جرير 1/489.

وقال : (ليس منا من لم يتغين بالقرآن). رواه البخاري برقم (7089).

 

والتجويد العملي هو ما كان متعارف عليه بين الصحابة رضوان الله عليهم، وعنهم أخذه من بعدهم. فعن أنس رضي الله عنه حين سئل عن قراءة النبي قال: (كان يمُد مَدًا) رواه البخاري برقم 4045، أي: يقرأ بتؤدة، ويُخرج الحروف من مخارجها، ويمد ما يستحق المد.

ولما سئل علي رضي الله عنه عن الترتيل قال: (هو تجوید الحروف ومعرفة الوقوف). النشر 1/225، وشرح طيبة النشر لابن الناظم 35-36.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن رسول الله يأمركم أن تقرؤوا کما عُلِّمتم). أخرجه عبدالله في زوائد المسند برقم 832، وابن جرير في مقدمة تفسيره 1/23.

ولما قرأ رجل أمام ابن مسعود رضي الله عنه (لِلْفُقَرَاءِ) [التوبة:60] مرسلة قال له: ما هكذا أقرأنيها رسول الله ، قال: وكيف أقرأكها يا أبا عبدالرحمن، قال: أقرأنيها (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)، فمدَّها. رواه سعید بن منصور في سننه برقم: ۱۰۲۳، والطبراني في المعجم الكبير برقم: ۸۹۷۷ وفيه: «فمددها». وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/155: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وهو الذي أخذ سبعين سورة من فَي النبي ، وقال فيه النبي : (من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا کما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد). رواه ابن حبان في صحيحه برقم 7067.

وقد تلقت الأمة قراءة القرآن بهذه الكيفية عن النبي جيلًا بعد جيل، مع ما تكفَّل الله بحفظه بقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، فكيفية القراءة سنة مُتبعة، والعدول عن هذه الكيفية يفتقر إلى الدليل.

قال ابن الجزري -رحمه الله- في مقدمته:

والأخذُ بالتجويد حتمٌ لازمُ                     من لم يُجود بالقرآنِ آثمُ

لأنه به الإله أنزلا                              وهكذا منه إلينا وصلا

 

وقال –مبينًا معنى هذين البيتين-:

(ولا شك أن الأمة كما هم متعبّدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية، التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها، والناس في ذلك بين محسن مأجور، ومسيء آثم، أو معذور.

فمن قَدَر على تصحیح کلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النَّبطي القبيح؛ استغناء بنفسه واستبدادًا برأيه وحدسه، واتكالًا على ما ألف من حفظه، واستكبارًا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحیح لفظه، فإنه مقصِّرٌ بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاشٌ بلا مرية، فقد قال رسول الله : (الدين النصيحة: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم). رواه مسلم برقم 95. أما من كان لا يطاوعه لسانه أو كان لا يجد من يهديه إلى الصواب بیانه، فإن الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها). النشر في القراءات العشر: 1/210-211.

من كتاب التجويد الميسر الصادر عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply