بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
• في كل ليلة:
لله في رمضان كلَّ ليلة عُتقاءُ مِن النار، أَلِحَّ عليه كثيرًا بطلَب العِتق والنجاة؛ لعلَّك تكون أحدهم.
روى الإمام أحمد في المسند، وابنُ ماجه في سننه، والطَّبرانيُّ في الكبير عن أبي أُمامة وجابر رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ لله عند كلِّ فِطر عتقاء؛ وذلك في كلِّ ليلة))؛ قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدتِ الشياطينُ ومرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفتِّحتْ أبواب الجنَّة فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبِل، ويا باغي الشرِّ أقصِرْ، ولله عُتقاءُ مِن النار، وذلك كل ليلة))؛ رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني.
• لملم:
في كلِّ ليلة مِن رمضان اجتَهِدْ أن تُلملِمَ كلَّ ما بعثرتَه في حقِّ نفسك وحقِّ العباد؛ فقد لا يأتيك رمضانُ القادم.
• حقوق العباد مع العباد:
فإنَّ المرء يُحاسَب عليها، إلَّا أن يتوب منها ويتنازل عنها صاحبُ الحقِّ، قال صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون مَن المفلِس؟))، قالوا: المفلِسُ فينا مَن لا درهم له ولا مَتاع، قال: ((إنَّ المفلس من أمَّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شَتَم هذا، وضرَب هذا، وأكَل مالَ هذا، وسَفَك دمَ هذا، فيأخذُ هذا مِن حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فنيَتْ حسناتُه قبل أن يوفي الذي عليه، أُخذ مِن سيِّئات صاحبه ثم طُرِحتْ عليه ثم طُرح في النار))؛ رواه الترمذي، قال حسن صحيح.
• حق النفس:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].
أعظم حقٍّ على نفسك أن تقيَها عذابَ النار.
• فرصة:
صَومك رمضان إيمانًا واحتسابًا يمحو ذنوبَك، فلا تضيِّع الفرصةَ، واعقد النيَّةَ، وجدِّدْها؛ فالفرصة الثَّمينة كنزٌ كبير قد لا يتكرَّر.
♦ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ (رواه البخاري ومسلم).
وهل هناك فضائل في الصوم أفضلُ من مغفرة الذنوب وتكفير السيئات؟!
♦ وعنه أيضًا رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلوات الخَمس، والجمعةُ إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضان: مكفِّرات لِما بينهنَّ إذا اجتُنبتِ الكبائر)).
• أحلامك:
اقترِبْ كلَّ ليلة في رمضان مِن أحلامك، وثِق أنه ليس بعيدًا على ربك أن يحقِّقها لك قبلَ أن تقوم مِن مقامك وقبل أن ينقضي شهرُك، واعلم أنَّ حُسن ظنِّك بربك نَعيمٌ ليس كمثله نعيم، وسَكينةٌ ليس كمثلها سَكينة؛ بل إنَّ حُسْن الظنِّ بالله هو أنشودة كلِّ سعيد.
• سُلَّم صعود وحافَة هاوية:
كُن في رمضان سُلَّم صعود نحو كلِّ شيء إيجابي في شخصيَّتك، نَمِّه وزِدْه جمالًا ورُقيًّا، وكذلك كن حافَةَ هاوية عَميقة تُسقط فيها كلَّ خُلق سلبيٍّ فيك، احصُرْ عيوبَك جيدًا، وتخلَّص منها، واحصر إيجابيَّاتك جيدًا، وارعها وطوِّرْها.
• بلا بصمات:
في رمضان تُفتح أبوابُ السماء بدون بصمات، بدون واسِطات، ولا أرقام مشفَّرة سرِّية، وبدون وقت معيَّن، في رمضان أنت البَصمة وأنت الرقم السريُّ وأنت الشفرة وأنت نقطة البداية لكلِّ خير، المهم ألَّا تَبرح الأبوابَ واطْرُقها في كلِّ الأوقات، اطرقها عند السحور وارفع لله يدَيك، عند الفطور وارفع لله يديك، عند الأذان وارفع لله يديك.
• فتِّش وارتقِ:
في رمضان تأكَّد كلَّ يوم أنك فعلًا في رمضان، وأن هناك فرقًا واضحًا وأنك لستَ في أيام عادية، فتِّش جيدًا عن نفسك فيه، وارتقِ إلى ربِّك، وعانِقْ مصحفك... لو وجدتَ نفسك في رمضان بحالٍ مثل نفس حالِ الأيام السابقة له، فماذا استفدت إذًا؟!
• مفاتيح القُرب:
مفاتيح القُرب من الله في رمضان كثيرةٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى، سدِّدْ وقارب، وعدِّد وكرِّر، ولا تترك مفتاحًا يَضيع منك، واسأل ربَّك العونَ والتوفيقَ على الطاعة، والقبولَ، فما خاب مَن كان الله مُعِينَه في رمضان وغير رمضان.
• إذا استقام معك الخير:
إذا استقام معك طريقُ الخير في رمضان، فاعلم أنَّك موفَّق مِن الله، المهم أن تستمرَّ في الخير، ولا تنقُض غَزْلَك بعد انقضائه، ولا تكن كتلك التي نقَضَتْ غَزْلَها من بعد قوَّة أنكاثًا.
• عقيدتك في رمضان:
فتِّش عن عقيدتك في رمضان وصحِّحْها مِن كلِّ خَلَل، فلربَّما يكون فيها شيء مِن تشويش أو خطأ دون أن تدري؛ فمثلًا يجب أن تؤمن إيمانًا يقينًا وتعتقد اعتقادًا جازمًا أنَّ الله هو الذي قدَّر كلَّ شيء بقَدر، وأنَّه وحده مَن جعل الرِّزقَ بيده، وأنَّه وحده مَن يملك مفاتيحَ الفرَج، ومَن كتَب لك السَّعادةَ أو قدَّر لك غيرها، وأنه لا يوجد أحدٌ بيده سعادتك ولا صحَّتُك ولا عافيتك، ولا حياتك ولا مماتك، إلَّا الله وحده لا شريك له.
• استعِنْ بربِّك وتحصَّن من السارقين:
استَعِن بالله في رمضان على كلِّ ما يلهيك؛ فالوقتُ فيه قَصير، والفرصة الغالية قد لا تتكرَّر ولا تُعوَّض.
إن لم يزدَدْ حِسُّك الإيمانيُّ ولم تَسْمُ روحك في رمضان عمقًا وفهمًا وأداءً، إن لم تَصْفُ نفسك عما كانت عليه قَبْل وتَغْدُ أسرع استجابةً لأحكام دينك وتصحيح اعوجاجك، وأشد نفورًا مِن دواعي الخلَل والانحراف - إن لم تكن هكذا في رمضان، فمتى ستكون؟!
قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
حين تصوم بمفهومِ وتصوُّرِ الإيمان والاحتساب - ((إيمانًا واحتسابًا)) - ثِقْ أنَّك ستتذوَّق بالفعل حلاوةَ التقوى؛ فالشَّهر الكريم مدرسةٌ للصَّبر، والتزوُّدِ مِن خشية الله، والمنافسة في الخيرات.
اجعل رمضانَ مركزَ انطلاق نحو مراجعة نفسك، وتصويب سلوكِك، وترويحِ قلبك، وتقويم العوج الذي طالك.
• تعرَّف على الله:
تعرَّف على الله بحقٍّ في رمضان هذا العامَ، وعرِّض نفسك لنَفحاته كلَّ وقت؛ فالنَّفحات سرعان ما تنقضي وتزول، والموفَّق الملهَم مَن يتعرَّض للنَّفحة في وقتها، ولا يؤجِّلها أو يفرِّط فيها.
• تعرَّف على عيوبك:
تعرَّف على عيوبك في رمضان، وعاهِدْ نفسَك على التخلُّص منها، وكُن شُجاعًا في ذلك؛ فأنت المستفيد أولًا، وأنت الأكثر رِبحًا بخَلاصك منها.
• استغفار وتوبة:
تُبْ إلى الله في رمضان، واندَمْ على تَفريطك في حقِّ الله وحقِّ نفسك وحقِّ العباد، واجبر خاطِرَ مَن كسرتَه، وتأسَّفْ واعتذر لِمن جرحتَه أو أهَنْتَه، وتأسَّفْ لنفسك، واجبر خاطرها؛ فهي أحق بجَبْرك وإحسانك لها وبها.
• اجمع الشّتات:
اجمع شتاتَ قلبك في رمضان، ولَمْلِم ما بعثرتَه مِن قلوب الغير، وتأكَّد أنَّ جبرك لقلبٍ كسَرْتَه أو أهملتَه هو مِن أهم أعمال القُرب إلى الله.
• الارتقاء الحق:
إن لم تَرتقِ في رمضان بالقرآن ومع القرآن، فمتى يكون الارتقاء؟!
عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((يُقالُ لصاحِب القُرآنِ: اقرأ وارقَ ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا؛ فإن مَنزِلتك عند آخرِ آيةٍ تقرؤها))؛ رواه أحمد.
وروى الطَّبراني في المعجم الكبير عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((القرآنُ شافِعٌ مُشفَّعٌ، وماحِلٌ مُصدَّق، مَن جعلهُ أمامَه قاده إلى الجنَّة، ومَن جعله خلفه ساقَه إلى النَّارِ)).
الماحِلُ: المجادِلُ لصاحبه لما يتبع ما فيه.
• ازرع وامسح:
رمضان لونه أبيض أنصَع مِن البياض نفسه، ازرَعْ كلَّ مساحات قلبك البيضاء في رمضان، وامسَحْ كلَّ أرض بور ما زالت توجد في داخله؛ فرمضان ساحاته كلُّها بيضاء!
• أفسد كلَّ محاولة:
أفسِد كلَّ محاولة تحاول أن تفسِد عليك رمضانَ أو تسرقه منك، أهِّل نفسَك لذلك، واستعِنْ بربِّك تَنجُ وتَفُز بالشَّهر الكريم، حصِّن نفسَك من اللُّصوص، وأنت بهم أدرى وأعلم!
• باقات الزهور:
ضَعْ باقات زهور على عَتبات باب قلبك وباب روحك وباب فِكرك وباب صفحاتك في أوَّل يوم من رمضان، وأضف عليها كلَّ يوم باقاتٍ جَديدة، وهنيئًا لك البستان الكبير الجميل في نهاية الشَّهر!
• أخيرًا:
قدِّر لرمضان حقَّ قدره، واغتنم أيامَه ولياليَه؛ عسى أن يكرمك الله برضوانٍ، عسى أن يَغفر لك وييسِّر أمرَك، عسى أن يَكتبك مِن السُّعداء في الدنيا والآخرة.
جعَلَنا اللهُ وإياكم ممَّن يقومون بحقِّ رمضان خيرَ قيام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد