بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عساكم من عُوَّادِه
مضى شهرُ الصِّيامِ ، فما أقولُ =
فوا حزني ، وقد أزف الرحيلُ
وأشجاني النَّوى من بعدِ وصلٍ =
به الرحماتُ تترى والقبولُ
فقلبي قد تثنَّى فوقَ شجوٍ =
وعيني باتَ يغشاها الذبولُ
يغادرُ شهرُنا الغالي ربانا =
فتأسى بعدَ بهجتِها الحقولُ
فأنَّتْ أنفُسٌ ، وبكتْ عيونٌ =
أنيسُ هزيعِها الأغلى جميلُ
وهامتْ بعدَ فرحتِها قلوبٌ =
طويلُ وجيبِها الهمُّ الثَّقيلُ
وكانَ لها بشهرِ الصَّومِ عزمٌ =
عن التَّقوى ــ وربِّك ــ لايحولُ
تعانقُ مصحفَ الرحمنِ حبًّـا =
فليس لغيرِه أبدًا ميولُ
وتخضلُّ الجفونُ بدمعِ شوقٍ =
مع الأنوارِ مابرحتْ تسيلُ
ويُرجَى فيه للغفرانِ ربٌّ =
رحيمٌ غافرُ بَـرٌّ جليلُ
يقومُ بليله الأبهى رجالٌ =
على ذكرٍ وتسبيحٍ يطولُ
ففي رمضان قد طابتْ أيادٍ =
بها الإيثارُ والجودُ الجزيلُ
وماست جنَّةُ الفردوسِ فيه =
فليس لفضلِه الأسمى قُفولُ
وأشرق نورُه في كلِّ قلبٍ =
دعاهُ لنهجِ سُنَّتِه الرسولُ
*** ***
وربِّك إنَّه شهرُ التَّسامي =
فليس له بأشهرِنا مثيلُ
ففيه تنزَّلَ القرآنُ بشرى =
وفي آياتِه اتَّصحَ السَّبيلُ
ومكَّةُ أشرقتْ فيه بفتحٍ =
وزالَ الكفرُ ساعدُه كليلُ
فإمَّا كان للمجدِ ابتهاجٌ =
ففي رمضانَ تبتهجُ الفصولُ
وفي ميدانِه القدسيِّ نحدو =
ففي عزٍّ وفي فخرٍ نصولُ
وللتاريخِ أيَّامٌ ، ولكنْ =
لشهرِ الصومِ أيَّامٌ عُدولُ
فبينَ العدوتين بيوم بدرٍ =
ملائكةٌ لنصرتِنا تجولُ
وفي حطين للصلبانِ ذلٌّ =
بشهرِ الصَّومِ صاحبُها ذليلُ
وفي جالوت قد هُزمَ الأعادي =
بشهرِ الصَّبرِ إذْ ثار الذُّحولُ
وطارقُ ، والصيامُ له عتادٌ =
وكان به لأندلسٍ دخولُ
يقيني أنَّ في رمضانَ فتحًا =
لو استهدتْ بمطلعِه العقولُ
سلوا قومًا كرامًا حيثُ كانت= ===
مراشفُهم لها الذكرُ الجميلُ
فبالقرآنِ ليلُ المرءِ يحلو =
وبالتسبيحِ يحضنُه المَقيلُ
عوى ( تيريهُمُ ) وعوت كلابٌ =
بدنيانا وجاستْها عجولُ
وكم ( تيري ) رأينا ليس يخفَى =
وليس لشرِّهم أبدا أُفولُ ( 1)
هجرْنا ــ ويح أمتنا ــ جهادًا =
ولمَّـا يأتِ للهيجا الفحولُ
فأغراهم تخاذلُنا علينا =
وحضَّهُمُ التَّرهُلُ والخمولُ
سحابةُ يومِنا لهوٌ وغيٌّ =
فلم يُطرف مسامعنا الصَّهيلُ (2)
وأيدينا من الإفلاسِ عُطلٌ =
فلا السَّيفُ الصَّقيلُ ولا النُّصولُ
بشهرِ الصَّومِ قد نلنا الأماني =
وإنَّ اللهَ بارئنا كفيلُ
سيُهزمُ جمعُهم مهما تمادوا =
فجندُ الظلمِ ــ إن عُدُّوا ــ قليلُ
وفي رمضان للفرسانِ ذكرى =
وظلٌّ في مدارجِه ظليلُ
يصومُ المتَّقون على أُصولٍ =
ولا يُرضَى إذا غابتْ أصولُ
ويرجون القبولَ فليس فيهم =
إذا ناداهُمُ رجلٌ مَلولُ
فحظُّ المقبلين عليه ثـرٌّ =
وحظُّ النائمين به قليلُ
*** ***
فأين ؟ وتحرقُ الآهاتُ نفسي =
محيَّاهُ المقدَّسُ والسَّبيلُ ؟
أضيَّعه العبادُ بزيفِ بلهوٍ =
وغرَّهُمُ التشاغُلُ والميولُ ؟
نسائمُ من رحابِ الغيبِ هلَّتْ =
على الدنيا وجافاها قفولُ !!
أيا رمضانُ قدرُك عند قومٍ =
بلا قدْرٍ لأنفسِهم ضئيلُ
وأنتَ حبيبُ أفئدةٍ تسامتْ =
وأنتَ لكلِّ مشتاقٍ خليلُ
وأنت لنا سحائبُ من رشادٍ =
إذا استسقتْكَ للبشرى فصولُ
فأنتَ لأُمَّتي عنوانُ جودٍ=
> تأخَّرَ عن مناهله الكليلُ
لياليهم مع القنواتِ ثملى =
فبئسَ الليلُ ليلُهُمُ البديلُ !!
فعندَ مسلسلِ الإثمِ الموشَّى =
بحُمَّى الفسقِ لهفتُهم تطولُ
وموسيقا ترنُّ بكلِّ أُذنٍ =
برأسٍ داؤُه داءٌ وبيلُ
وفيها من فوازير المخازي =
وممَّـا أفرزَ الطرفُ الكحيلُ
تسوِّقُها الحداثةُ في فنونٍ =
لها فيهم لخستها ذيولُ
وجئتَ وأمتي في عصر حقدٍ =
على نهجِ الشريعةِ لايزولُ
وهذي القدسُ تجأرُ ملءَ فيها =
وسامعُ صوتِها العالي قليلُ !!
تنادي أُمَّةَ القرآنِ لكنْ =
يجيبُ نداءَها بالهزلِ جيلُ
تربَّى في المقاهي والملاهي =
وغذَّتْهُ الملاعبُ والطبولُ
فنهجُ الحقِّ في يده قبيحٌ =
وزورُ الباطلِ الأدنى جميلُ
ويلقى الفاسقُ الغاوي قبولا =
ووجهُ الخيرِ ليس له قبولُ
حنانك شهرنا الغالي أتمضي =
أرابَك أنَّ أمَّتَنا ثَكولُ(3)
وأنَّ المؤمنَ الأتقى يُجازَى =
بشرٍّ لايحولُ ولا يزولُ
وإنْ نادى فتخنقه قيودٌ =
لها في الحقدِ والإرهابِ طولُ
أتسمعُ صوتَ مكلومٍ بليلٍ =
يرددُه الأسيرُ أو القتيلُ ؟!
*** ***
مضى شهرُ الصيامِ فما أنبنا =
وقولٌ ــ ليس تألفُه ــ فضولُ
ولكنَّا نرى رمضانَ فخرًا =
يجافيه المعاندُ والكسولُ
ويكرهُ وجهَه الميمونَ غاوٍ =
ويرضى طمسَ غُرَّتِه العميلُ
فينشئُ للمذلةِ كلَّ فنٍّ =
تلقفَه شبابٌ أو كهولُ
ومَن أغراهُ بالشَّهواتِ فنٌّ =
وعافَ فخارَه فهو الذليلُ
لقد نزلتْ بأمتنا خطوبٌ =
وعاثَ بعزَِّها هذا الخمولُ
فهلاَّ أيقظتْ كفَّاكَ روحًا =
لتخضرَّ المرابعُ والسهولُ
وينبتُ في حمى الإسلامِ جيلٌ =
له من نورِ مصحفِه دليلُ
فيومئذٍ يعودُ الصَّومُ يؤتي =
ثمارَ سُمُوِّه ، ولنا يُنيلُ
فهل للمسلمين حِجى ادِّكارٍ =
ليُكشفَ عنهُمُ الليلُ الثَّقيلُ !!
فبالإسلامِ عزُّهُمُ يُرجَّى =
ونصرُهُمُ المرجَّى والقبولُ
وإنْ راموا بغيرِ الدين فتحًــا =
فذلك مستحيلٌ ... مستحيلُ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
هوامش:
(1) تيري : القس الأمريكي الخبيث الذي أراد أن يحرق نسخا من القرآن الكريم
(2) يُطـرف : يُهدي ، يُتحف
(3) ثكول : المرأة فقدت أولادها ، وهنا المراد : فقْـد الأمة لفرسانها الأوفياء