بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كلام النَّاس، أكان إيجابيًا أم سلبيًّا، عن الشخص، لا شك له أهميَّته وتأثيره عليه وعلى حياة الإنسان، من طفولته حتى مماته، وذلك بقدر ما يؤمن به ويأخذه على محمل الجديَّة، وهو بذلك يُشكل جزءًا مهمًا من عمليَّة تطور تصورات الإنسان عن نفسه وعن من حوله، ويساهم في بناء أو هدم هرم الثقة بالشخصيَّة الذاتيَّة داخل النفس البشريَّة. فهذه حقيقة حياتيَّة يجب فهمها جيدًا وإدراكها، وتجاهلها كليًّا لن يُساعد الإنسان في تحسين حياته الفرديَّة، فالإنسان يظل اجتماعيًّا بطبعه، ولم يعيش إلا في وسط من النَّاس.
لكن، يجب في المقابل التَّنبُّه إلى أنَّه في أحيان كثيرة رأي الأشخاص الآخرين فيك، مهما كان دقيقاً بطبيعتهم، أو كونهم أصاحب رؤى ثاقبة وكاشفة، ليس مصيريًا بحدِّ ذاته، لأنَّ هؤلاء الأشخاص كلهم بلا استثناء قد تميل بهم عواطفهم البشريَّة نحوك أو ضدك، فيتحول رأيهم وينعطف، وتتحول رؤاهم واستشرافاتهم من قراءةٍ وتلمسٍ للواقع ومن ثم انتقالاً إلى اكتشاف المستقبل، إلى قراءةٍ متأثرةٍ برغباتِ الذات المحبوسة في عواطفها وميولاتها المعلنة أو المستترة، فيتحول رأيهم من قراءة مطلوب منها كشف الحقائق بناءً على معطيات حقيقيَّة تحتف بك وتؤثر فيك، إلى قراءة رغبيَّة توقع منك ما تتمناه وترجوه، فتسقطه عليك في أرض الواقع، فينتهي بهم وبك المطاف إلى قراءةٍ مخادعةٍ، دون أن يقصدون أو يتعمدون ذلك، بل هم أنفسهم كانوا ضحيَّة عواطفهم ورغباتهم وميولهم التي لم يستطيعوا أن يقاوموها.
إذن أين يكمن الطريق الحقيقي الذي يجب أن يسلكه الإنسان؟
يكمن في الشخص نفسه ورغبته الحقيقيَّة في أن يتغير للأفضل، وفي توكله واعتماده على الله وثقته التامة به، وعزمه الجاد والجازم على أن يتحول للأفضل، ومن ثم يختار أن يسلك طريق الأسباب الإيمانية والطبيعية التي تحمله على تغيير نفسه، ومن ثم تغيير واقعه إلى ما هو أفضل له ولمن حوله.
ومهما قال لك من يحبك أو يكرهك عن قدراتك وحقيقتك، يظل كلامهم تقييمًا لتصوراتهم الخاصة بهم عنك، وليست بالضرورة تمثل حقيقتك أنت، ولهذا ربما يتوقع أشد النَّاس خصومة وكرهًا لك مستقبلاً فادحًا وفاشلاً وسيئًا لك، ثم تفشل كل قراءاتهم التي تنبؤا فيها بفشلك، إذ شاء الله أن تكون إنسانًا متميزًا في عملك ومُبهرًا في إنجازاتك وناجحًا في حياتك. وكذلك يتوقع أكثر النَّاس محبة لك ورغبة فيك وميلاً إليك، بل يتمنى أن تحقق مستقبلًا باهرًا ومبهرًا ومشرفًا ومشرقًا، ثم يأتي محك الواقع فتفشل جميع قراءاتهم الرغبيَّة وأمنياتهم التفاؤليَّة، التي ضللهم فيها حبهم ومودتهم لك، ولسوف تصدمهم وتُصدَم بنفسك حين تفشل فشلاً ذريعًا وتخفق إخفاقًا لا مثيل له.
ولذلك يجب أن تدرك أنَّ تقييمات وتنبؤات وآراء الآخرين، مهما كانت، هي مجرد توقعات تمليها عليهم ظنونهم أو رغباتهم وأمنياتهم، أما أنت! فأنت بعد توفيق الله والتوكل عليه والثقة به والأخذ بالأسباب هو من سيصنع له مستقبلاً متميزًا وعلاقات طيبة مع الآخرين، وسمعة مشرفة، بالثقة بالله وبالجد في العمل، والسكينة التي يجدها في روحه بإيمانه بالقضاء والقدر، فالعمل الذي ستبذله وهو وسيلة مهمة -بعد توفيق الله- هو الذي سيصنع ويحقق الأمنيات حقيقة واقعية متجسدة في حياتك، والإيمان الذي تحمله داخل صدرك هو الدرع الذي سيحميك من كلام النَّاس المبالغ فيه، السلبي والإيجابي، وسيمحيك بمشيئة من آثار الإخفاقات والعثرات التي ستواجهك في هذه الحياة، فالإنسان بالإيمان واليقين من جهة وبالعمل الجاد من جهة أخرى، سوف يصل للحقائق التي يريدها أن تتحقَّق في هذه الحياة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد