الطريق آداب وأخلاق


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عباد الله، لقد فاق الإسلام بآدابه وتشريعاته كل التشريعات السابقة، خاصة ما يخص الطريق والمرافق العامة، بل وفتح المجال لاحتواء نظم وأنظمة جديدة متطورة، مع تطور الطرق وتعدد أنواعها واختلاف أساليب الاستفادة منها.

والآداب الشرعية لمستخدمي الطريق مهمة جدا لأنها تتعلق بكمال الإيمان وصلاح الإنسان وهي متعددة متنوعة وردت في الكتاب والسنة وتتناول جوانب كثيرة ومنها:

التواضع أثناء المشي في الطريق وسلوكه ذلك لأن الطريق مجمع للبشر، وملتقى للناس، فلا يتكبر على الآخرين ويزدريهم، ظنًا منه أنه خير منهم لمنصبه أو لزينته، أو لسيارته الفارهة.

وقد وصف الله عباده المؤمنين بقوله: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) يمشون بسكينة ووقار وتواضع، فلا كبر ولا خيلاء، ولا تعالي ولا افتخار.

وفي وصايا القرآن قوله: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) ومشي المرح يدل على الكبر والتعالي والخيلاء.

ومن أدب الطريق أن يعرض الإنسان المسلم عما قد يعترضه فيه من جهل بعض الجهلة أو حُمق بعض الحمقى، كما قال سبحانه: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا).

وبما أن الطريق مرفق مشترك بين الجميع فإن أهم الآداب جاءت في الحديث الجامع لمعظم آداب الطريق فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات. قالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بدٌ نتحدث فيها. فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله. قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

وكف الأذى عن الطريق من شعب الإيمان ومن أبواب الصدقات، قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان) وقال: " إماطة الأذى عن الطريق صدقة". وأخرج مسلم أن أبا برزة قال: قلت يا نبي الله علمني شيئًا انتفع به قال: (اعزل الأذى عن طريق المسلمين).

فعلى المسلم أن يجعل الأخلاق الفاضلة نصب عينيه في كل أحواله، ولاسيما في الطرقات والمرافق التي يحتاجها الناس أجمعون، وذلك بإعطائها حقها، وبها يعرف نُبل المرء وكريم طبعه وحسن أدبه.

لقد نهى الإسلام عن الجلوس في الطرقات؛ لأنّه يُسبّب ضيقاً للمارين، فالطريق للجميع ويشمل ذلك الأرصفة، وأبواب الدكاكين، والمنازل، والمساجد، وأماكن اصطفاف السيارات، وإن كان الجلوس لهدفٍ لا بدّ من الالتزام بالشروط التي وضعها الإسلام.

ومن حق كلّ إنسان أن يستخدم الطريق دون أن يتعرض للخطر أو المضايقة، خاصةً الفتيات والنساء فمن حقهنّ السير في الطريق دون أن يتعرضنّ للأذى والمعاكسات من قبل بعض الشباب البعيدين عن الأخلاق الحسنة، والذين يزعجون الساكنين المطمئنين في بيوتهم، وفيهم المريض والكبير والنائم والسارح في هدوئه، ويجدون من طائشي الطرقات العناء الشديد، لاسيما في هدأة الليل، بالتفحيط والسرعة المفرطة، والأصوات العالية للغناء والموسيقى التي يتباهى بها من لا يبالون براحات الناس في بيوتهم ومساكنهم.

أخي الشاب استشعر أن الساكنين في بيوتهم والمارين بطرقهم هم أهلك وإخوانك وأخواتك، فكما تحب ألا يُزعج هؤلاء بصوت نشاز أو أذى لمكانتهم عنده، فغيرك كذلك، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

والمسلم ذو خلق حسن مع الناس فيوسع لهم الطريق ولا يضايق أحداً، ويعرف أن حق غيره في الطريق كحقه هو، على حد سواء، ولا يستأثر بالمواقف المعدة للمعاقين وكبار السن.

والمسلم الواعي يحترم النظم المرورية التي أعدت لصالحه، كالإشارات الضوئية، والنُّصُب الجانبية، ويقدر الشرطة والمرور التي تحمي الجميع وتحافظ على النظام.

فكل ذلك وغيره من أخلاق الإسلام وآدابه التي يؤجر المرء عليها، وإن هو فرط فيها واختار لنفسه الجانب السيئ من الأخلاق؛ فإنه يكون سيئ السمعة، وعرضة للعقوبات التعزيرية التي وضعها ولي الأمر لردع الطائش والمتهور.

إن هؤلاء المراهقين لابد من معالجتهم وتقويم سلوكهم، ومراقبة الأحياء والمجمعات السكنية التي تشهد مثل هذا الإزعاج والتهور، والإبلاغ عنهم إن اقتضى الأمر، لردعهم، وفي ذلك مساهمة مجتمعية تحقق راحة الساكنين، وتهذيب الطائشين.

بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ والسنة ونفعني وإيّاكم بما فيهِما منَ الآيات والذكر والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أنه لابد من تربية ونصيحة، وموعظة وذكرى، في التعامل مع هؤلاء الذين لا يعطون الطريق حقه؛ فإن ذلك رحمة بهم لعلهم يرعوون ويصلحون إذا ما حاسبوا أنفسهم، مع صلاح الرفيق والجليس، كما قال لبيد:

ما عاتب الحرَّ الكريمَ كنفسه...والمرء يُصلحه الجليسُ الصالحُ
                                                             وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply