بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أوصِيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ، فقد تعرَّفَ إليكم ربُكم بأسمائه وصفاتهِ وأفعالهِ، فاعرِفوه حقَّ معرفتهِ، واقْدُروهُ حقَّ قدْرِه، واشْكُروهُ حقَّ شُكرِه، اصطفى لكم خيرَ رُسلهِ وصفْوةَ خلْقهِ، {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، وأنزلَ لكم خيرَ كتبهِ وأفضلَ شرائعهِ، كِتَابٌ مُبَارَكٌ، {فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، ورغبكم في الجنَّة وشوقَكم إليها، فسابقوا فيها وسارعوا إليها، وخوفَكم النَّارَ وحذَّركم منها، فاتقوا النَّارَ ولو بشق تمرةٍ، وأعلَمكم أن عداوةَ الشيطانِ لكم شديدةٌ، {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، وكتبَ الموتَ على كلِّ حيٍّ فاستعدوا له.. {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}..
معاشر المؤمنين الكرام: المتأمِّل في القرآن الكريم، يجدُ أنَّه لم يتطرق للحديث عن وجودِ اللهِ جلَّ وعلا كثيرًا؛ وما ذاك (والعلم عند الله) إلا لأن الفطرةَ السليمةَ التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها لم تُشكِك في وجود الخالقِ جلَّ وعلا، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وفي صحيح مسلم يقول ربنا تبارك وتعالى: “إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ”..
إلا أنَّ من المصائب الكبرى التي تفاقمت في هذه الأيام، وأزداد انتشارها، ظاهرةُ الإلحادِ وإنكارِ وجودِ الخالقِ جلّ وعلا.. حيث نلاحظُ ازديادَ الجُرأةِ على التصريح بالمعتقدات والأفكار الشاذة التي تحمل معاني الإلحادِ والكفرِ والزندقةِ، والتشكيك في الثوابت والمقدسات..
ولا شكَّ يا عباد الله أنَّ الملحِدَ أشدُّ جُرمًا من المشركِ وعابدِ الصنم؛ لأنَّ عابدَ الصَنمِ مُقرٌ بوجود اللهِ جل وعلا، وبأنَّه خالقٌ كلِّ شيء، بل ويتوجهُ إليه بكثيرٍ من العبادات، وإنما خلَّدهُ في نارِ جهنمَ شِركُهُ، فهو يعبدُ مع اللهِ غيرُهُ، قال تعالى: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.. فأين هذا ممن يجحدُ وجودَ اللهِ تباركَ وتعالى بالكليةِ.. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}..
إخواني في الله: لقد قرَّرتُ بعد تردُّدٍ طويل أن أطرح هذا الموضوع الشائكّ على مِنبَرِ الجمُعةِ، لأن أولَ خُطوةٍ من خُطواتِ عِلاجِ أيِّ مُشكلةٍ، هي الاعترافُ بوجودِها أولًا، ولأن الرد على المنكرين منهج قُرآني واضح، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}، وقال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ}.. ولأنّهُ قد تبينَ أنَّ استمرارَ تجاهُلِ هذه الظاهرةِ قد ساهمَ في استِفحالِها، فلا بدَّ والحالُ كذلك من مُجابهتها.. قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.. ولأن درهم وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاج.. ولأن صفاءَ العقيدةِ من أعظم ما منَّ الله به على أبناء هذه البلادِ المباركة، وهذا يُحتمُ على كلِّ غيورٍ أن يبذلَ كلَّ ما في وسعه حفاظًا عليها، وحمايةً لأجيالنا الغالية من هذه اللوثات الضالة، التي تُبعثِرُ تماسك المجتمع، وتُفسِدُ لُحمَتهُ، وتزرعُ الشِقاقَ والخِلافَ بين أبنائه..
معاشر المؤمنين الكرام: لئن كنّا نعترفُ بازديادِ ظاهرةِ الالحادِ، فإن لذلك أسبابًا كثيرةً:
أولُها: ضعفُ الحصانةِ العلمية والشرعية، لكثيرٍ من أبناء المسلمين، فإذا صاحبَ ذلك فضولٌ قاتل، وجُرأةٌ على الخوض في أمورٍ أكبرَ من طاقة العقلِ العادي، فقد أودى الانسان بنفسه إلى التهلُكة، وضلَّ ضلالًا مبينًا.. ولا نقول أن الخوضَ في هذه الأمور ممنوعٌ مطلقًا، بل نقول إنهُ لا بدَّ من استعدادٍ علميٍ قويٍ قبل ذلك، وعلى يَدِ شخصٍ خبير، كمن يُريد أن يغوصَ في أعماق البحار، فلا بد أن يتجهز بأجهزةٍ خاصة، ولا بد أن يتدرَّب جيدًا، وأن يتدرج في ذلك تحت إشراف مدربٍ خبير، ولا فما أسهلَ أن يغرقَ ويهلك..
ثاني الأسباب: ميلُ البعض نحو الانفلات من القيود الدينية.. والاستعدادُ لأن يضحي عمدًا بتدينه ليتمكن من تلبية شهواتهِ المحرمة بلا أيِّ قيودٍ أو تأنيبِ نفس.. يعني أن يقتل الانسان ضميره، ونفسه اللوامة، حتى لا يبقى في نفسه من ينازعه في المعصية..
ثالثها: انفتاح القنوات الفضائية وغيرها من وسائل التواصل والإعلام على نشر مثل هذا الفكر الضال، وفتح المجال لأربابه، وتمكينهم من طرح شُبهاتهم، وتشكيك الناس في عقائدهم وأصول دينهم..
رابعها: التقليد الأعمى والانبهار بالأقوى: فكثيرًا ما تنتشر بعضُ الأفكار الخاطئة بين الشباب لا عن قناعة بها، ولكن تقليدًا لغيرهم من الشخصيات المشهورة، أو تأثرًا بالأصدقاء الذين انزلقوا في هذه الهاوية..
خامسها: اعتقادُ البعض أن تنحية الغرب للدين هو السبب الأكبر لتقدمهم، فإذا أردنا أن نصل إلى ما وصلوا، فلا بد أن نتخلى عن الدين كما تخلوا، وهذا خلاف العقل والمنطق، فالعاقل يُحسنُ إذا أحسنَ الناس، وإن اساءوا تجنت اساءتهم..
سادسها: معاناة البعض من اضطراباتٍ نفسيةٍ عصيبة، نتيجة تعرضهم لظروفٍ قاسية، ومشاكل اجتماعية معقدة، تجعلهم يعيشون صراعًا فكريًا مشوشًا، يفقدون به توازنهم وقدرتهم على التفكير الصحيح، فيكونون بذلك أكثر استجابة للأفكار الإلحادية من غيرهم..
سابعها: عدم مواكبة الكثير من المشايخ والعلماء للمستجدات المتسارعة.. والتأخر في الرد على الشبهات.. وترك الشباب فريسة لها، خصوصًا مع إحجام الكثير من الشباب عن مناقشة هذه الأفكار خوفًا من أن يتعرض للأحراج أو التصنيف أو العقوبة..
معاشر المؤمنين الكرام: الإلحادُ فكرٌ ضالٌ مُدمِّر، له آثارٌ ونتائج دنيويةٍ سيئةٌ جدًا، خلافًا لما ينتظرُ الملحِدَ من جزاءٍ أخروي مُروع، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}.. فمن أسوءِ نتائجِ الإلحادِ الدنيوية: أن يقعَ الملحِد فريسةً سهلةً للقلق والصراع النفسي.. لأن الالحاد عقيدةٌ فارغةٌ، قائمةٌ على نفي الإله، فهو خَواءٌ روحيٌ وعقليٌ لا يقدمُ حلولًا مقنعة.. وحيث أنَّ هناك تساؤلاتٍ كثيرة، تظلُ تعتلجُ في نفس الملحدِ وعقلهِ، تجعلهُ يعيشُ صِراعًا نفسيًا رهيبًا.. هل أنا على صوابٍ أم على خطأ؟ ما هي الغاية من وجودي؟ ما هو مصيري بعد الموت؟.. سلسلةٌ طويلةٌ من التساؤلات التي يزدادُ تأجُّجها مع تعرضِ الملحدِ لما يذكرهُ بالموت، كالأمراض وفقدانِ الأحبةِ.. ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.. {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}..
ومن نتائج الالحاد السيئة: الأنانية والأثرة: فليس في عقيدة الملحدِ بذلٌ للمعروفِ ولا تقديمٌ للإحسانِ.. فهو لا يفكرُ إلا في نفسه فقط، وأنَّ هذه الدنيا هي جنتهُ وفرصته، فإن لم يستغلها فاتته، ولأنهُ لا يؤمنُ بالآخرة، فهو لا يرجو ثوابًا ولا يخافُ عقابًا.. ولذلك فلا يُنتظرُ منه برٌ بوالدٍ، ولا صلةٌ لقريبٍ، ولا وفاءٌ لصديقٍ، ولا إحسانٌ لجارٍ، فضلًا عن أن يقوم بمساعدة محتاجٍ أو إغاثةِ ملهوفٍ.. إلا بقدر ما يعودُ عليه بالفائدة، فمصالحه الخاصة هي التي تشكِّل أخلاقهُ وتصرفاتهِ..
ومن نتائجِ الالحاد السيئة: الجنوحُ للجريمة والانحراف: فالإلحادُ لا يربي ضميرًا، ولا يبني مُراقبةً ذاتية، ولا يُزكي أخلاقًا، ولا يضبِطُ سُلوكًا، بل العكس هو الصحيح.. فالملحد محرومٌ من التوجيه السليم، فاقدٌ لما يردعهُ عن الممنوعِ والحرامِ، سِوى نفسهُ وهواهُ وما يشتهيه.. كسائر الحيوانات همُّهُ أن يملأ بطنه، وأن يقضي وطرهُ بأيِّ طريقة كانت..
ورابعُ النتائج السيئة: انهيارُ أنظمةِ المجتمع التكافلية، فالأسرة وغيرها من أنظمة المجتمع، إنما تقومُ على التعاون والتكافُل، وعلى الإحسان والتراحم، وعلى البذل والتضحية ابتغاءَ مرضاة اللهِ والدارِ الآخرة، وكلُّ هذا ليس في عقيدة الملحدِ ولا من أخلاقه..
وخامس النتائج وأسواها: تمزقُ المجتمع وتفرقهُ، وتحولهِ إلى شيعٍ وأحزابٍ مُتصارعةٍ متناحرة، قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} …
بارك الله..
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واتباعه واخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هدى الله، وأولئك هم أولو الألباب..
معاشر المؤمنين الكرام: الالحاد فكرٌ غريبٌ، وعقيدة فارغة، مصادمٌ للعقل والمنطق، لا يَسنِدُهُ علمٌ ولا دليل.. دليلهُ ردُّ الدليل وجحده.. قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ..}.. والجحود هو ردُّ الحقِّ بعد معرفته، قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} … والملحِدُ حين جَحدَ وجودَ الِله تبارك وتعالى، فقد استبدلهُ بإلهِ آخر.. فهو يؤمن بأن الكونَ والطبيعةَ أزليةٌ قديمةٌ، ليس لها بداية، وليس لها نهاية، وأنها قد أوجدت نفسها بنفسها عن طريق العشوائية والصدفة.. ولكي نردَّ على هذا الزعم ردًا علميًا ومنطقيًا ! نحتاجُ لأن نعرِّفَ الصُدفةَ تعريفًا دقِيقًا يُقيدها ويضبطها.. ثم نثبتُ له ولغيره أنَّ الكونَ لهُ بدايةٌ، وله نهاية، وأنه ليس بأزليٍ ولا قديم..
الصدفةُ أو العشوائيةُ أو طبيعةُ الأشياءِ كما يحلو لهم أن يسموها كذبًا.. تعني عندهم أن يتلاقى عُنصرين أو أكثرَ بلا تنسيقٍ، وبلا علمٍ مسبقٍ لأيٍّ منها، فتتداخل هذه العناصرُ بطريقةٍ عشوائيةٍ غير مُنسقةٍ، وبلا مُرجِحٍ لاحتمالٍ على آخر، فيتكونُ من ذلك التداخُل مخلوقٌ أكثرَ تطورًا من العناصرِ التي دخلت في تكوينه، ثم يظلُ هذا المخلوقُ المتطورُ يتقابلُ ويتداخَلُ مع عناصِرَ أخرى، أيضًا عن طريقِ الصدفةِ والعشوائيةِ وبلا تخطيطٍ ولا مُرجحٍ.. وهكذا يظلُ هذا المخلوقُ عبرَ ملايينِ السنينِ ينتقلُ من تطورٍ إلى آخرَ حتى يصلَ إلى الصورةِ الحاليةِ، حيوانًا كانَ أو نباتًا أو أيَّ شيءٍ آخر..
وكما هو واضحٌ من شرحِ التعريفِ فأبرزُ صفاتِ الصدفةِ أنها عمياءُ، بكماءُ، صمّاءُ، خرقاء.. تخبط خبط عشواء، بلا عقلٍ وبلا تفكير، وبلا حكمةٍ وبلا تدبير..
والملحد حين يعتقدُ أن العالم أزليٌ قديم، ليس له بداية، وليس له نهاية، فهو اعتقادٌ باطلٌ، تظافرت الأدلةُ العقليةُ والعلميةُ الموثقةُ على بُطلانِه، وعلى اثبات أن الكونَ لهُ بدايةٌ وله نهايةٌ، وأنهُ ليس بأزليٍ ولا قديم..
فلو كان الكونُ أزليًا قديمًا وبلا خالقٍ كما يزعمون، فلا بدَّ أن يكونَ الكونُ هو من خلقَ نفسهُ، والعقلُ والمنطقُ يرفضُ هذا تمامًا.. لأنَّ خالقُ الشيءِ لا بدَّ أن يكونَ موجودًا قبل عملية الخلق، أي لا بُدَّ من وجودِ الصانعِ قبلَ الصنعة.. هذا من الناحية العقلية المنطقية، أما من الناحية العلمية فهناك عدة أدلة:
أولها: أن هناك حقيقةٌ علميةٌ ثابتة، توصل لها الفلكي المشهور هابل.. وهي أنَّ المجراتِ والأفلاكَ عمومًا في تباعُدٍ مستمرٍ عن بعضها، وبسرعاتٍ هائلة، وقد نسفَ هذا الاكتشافُ خُرافةَ أزليةِ الكونِ من جذورها.. فلو كان الكون يتمدَّدُ مُنذُ الأزل، لكانت النجومُ والأفلاكُ قد تبعثرت وتشتت.. ولكان من المفترض ألا نرى أي جُرمٍ في السماء، لأنها ستكونُ قد تباعدت عن بعضها بمسافات لا نهائية..
ولو كان الكونُ أزليًا لتساوت درجاتُ حرارتهِ.. فمعلومٌ أن الحرارةَ تنتقلُ من الاجسامِ الحارةِ إلى الاجسامِ الباردةِ حتى تتساوى تمامًا.. فلو كانَ الكونُ قديمًا أزليًا لفقدت كلٌ النجومِ حرارَتها تمامًا، ولتساوت مع غيرها، وهذا ما لم يحدث، فالكون إذن ليس أزليًا..
وكذلك فقد أكتشف العلماء أن هناك نجومًا تنفجِرُ وتموتُ، وأنَّ هناكَ نجومًا تولدُ وتنشأُ من جديدٍ، ولو كانَ الكونُ أزليًا لاستقرت حالةُ الكونِ وسكنت على حالةٍ واحدة.. أمَا والوضعُ لا يزالُ يتغيرُ ويتبدلُ، فإن هذا لا يدُلُ على الأزليةِ … إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة..
وطالما أننا بدأنا هذا الموضوعَ الشائكَ، فلا بُدَّ من استِيفَاءِ الحديثِ عنهُ، ولذا فسيكونُ لنا معَ الإلحادِ وقفةٌ طويلةٌ، قد تمتدُ لعِدَّةِ خُطبٍ قادمة بإذن الله، نبسط فيها الكلامَ عنه، ونقدم الأدلة المتنوعة التي تثبت وجود الخالق جلَّ وعلا، ونردُّ على جميعِ شُبهِ الملحِدين ردًا علميًا ومنطقيًا مُقنعًا وشافيًا بإذن الله، بل وسنطرحُ عليهم أسئلةً كثيرةً عن الإلحادِ نتحداهم أن يجيبوا على أيِّ سؤالٍ منها..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا * وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد