أفي الله شك 7


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

اتقوا اللهَ عباد اللهِ حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوثقى، واعلموا أنَّ الموتَ يعمُّنا، والقبُورُ تضمُّنا، وأرضُ القيامةِ تجمَعُنا، واللهُ جلَّ جلالهُ يحكمُ بيننا، وهو خيرُ الحاكمين، {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون}..

معاشِر المؤمنينَ الكرام: هذهِ هيَ الحلقةُ السابِعةُ والأخيرةُ من سِلسِلَةِ حلقاتِ الرَّدِّ على الملحدين.. وأودُّ ابتداءً أنْ أُذَكِّرَ بالمغالطاتِ التي بَني عليها الملحدون عقيدَتهم الإلحادية، فالملحدون حينَ جحدوا وجودَ الخالقِ جلَّ وعلا استبدلوهُ بالصُدفةِ والطبيعةِ، ثمَّ زعموا أنَّ الكونَ أزليٌ قديمٌ لا بِدايةَ لهُ ولا نهاية، ثمَّ فسَّروا نشأةَ الحياةِ ووجودَ الكائناتِ الحيَّةِ بنظريةِ النُّشوءِ والارتقاء، والتي تُسمى نظريةَ داروين، وملخصُها أنَّ جميعَ الكائناتِ الحيَّةِ نشأت في بداياتِها من أصلٍ واحدٍ، وهو كائنٌ بدائيٌ دقيقٌ, يُسمَّى وحيدَ الخليةِ, ظهر هذ الكائنُ البدائيُ فجأةً من العدمِ, وتكوَّنَ بزعمِهِم في المستنقعاتِ، ثم أخذ يتغيرُ ويتطورُ ويترقي, عبرَ ملايين السنين، حتى وصل إلى كلِّ أشكالِ وأنواعِ الحياةِ الموجودةِ الآن، بما فيها الانسانُ وسائرُ الحيوانِ.. وتزعُم هذه النظريةُ الخياليةُ أنَّ صفاتِ وأعضاءِ الكائناتِ الحيَّةِ تتغيرُ باستمرار، وأنها تتطورُ وترتقِي مع مرورِ الزمنِ, مكوِّنةً طفراتٍ جديدةٍ، تُمكِنُ الكائنَ الحيَّ من التكيَّفِ مع بيئتهِ, والحياةَ بشكلٍ أفضلَ، وبالطبعِ فكلُّ هذهِ الطفراتِ والتغيراتِ تحدثُ صُدفةً، وبدونِ أي ترتيبٍ سابقٍ.. ثمَّ إنَّ هذه الطفراتِ الناشِئةِ، منها المفيدُ ومنها غيرُ المفيدِ، فإن كانت مُفيدةً استمرَ توريثُها في الأجيالِ القادمةِ، وإن كانت غيرَ مُفيدةٍ فإنها تنقرِضُ وتفنى.. هكذا يا عباد اللهِ: استبدلَ الملحدُونَ الجاحِدونَ وجودَ الخالقِ تباركَ وتعالى بهذه النظرياتِ الخرافية.. وحيثُ أنَّنا سبقَ وأن أثبتنا أنَّ الكونَ ليس بأزليٍ ولا قديمٍ, وأنَّ لهُ بدايةً ولهُ نهاية، ودلَّلنا على وجودِ الخالقِ جلَّ وعلا بشتى أنواعِ الأدلةِ، ورددَّنا على شُبهِ الملحدينَ الكاذبةِ، وبينَّا مُغالطاتِهم الزائِفةِ، وتدلِيسِهم الباطِل، ولم يتبقى إلا مِحورٌ أخيرٌ لتكتمِلَ أدلةُ الحقِّ الدامغةِ، وتنقطِعَ حُججُهم الباطِلِة من كلِّ وجهٍ.. وهو محورُ الأسئلةِ التي يعجرُ الملحدون أن يُجيبوا عليها، وتُبيِّنُ في نفسِ الوقتِ تهافتَ مذهبِهم، وبُطلان مُعتقدِهم.. وحيثُ أنَّ هناك أسئلةً كثيرةً جدًا، فقد انتقيتُ منها عشرةَ أسئلةٍ فقط، وحرصتُ أن تكونَ أسئلةً واضحةً مُباشرةً، ليس فيها تدليسٌ ولا مُغالطة.. ومع ذلك فلن يستطيع أيٌّ مُلحدٍ أن يجيبَ عليها ما لم يؤمن بوجودِ الخالقِ جلَّ وعلا..

نسأل اللهَ العظيمَ أن يرُدَّ كلَّ ضالٍ إلى جادةِ الحقِّ والصواب..

السؤالُ الأول: يزعمُ الملحدونَ أنَّ الطبيعةَ وعبرَ ملايينِ السنين, هيَ التي خلقت كلَّ الموجوداتِ بكل هذا الدِقةِ والاتقانٍ، وهي التي تسيِّرُ كلَّ شيءٍ بانضباطٍ وثباتٍ عجيب، فلماذا لا تتواصلُ الطبيعةُ مع مخلوقاتِها, لمَ لا تبينُ لهم مُرادَها وغايتها من كل ذلك.. السؤالُ بطريقةٍ أُخرى: كيفَ تستطيعُ الكائناتُ التي خلقتها الطبيعة بزعمِهم أن تفعلَ ما لا تفعلهُ الطبيعةُ الخالِقة، كيفَ تستطيعُ الكائناتُ المخلوقةُ أن تتواصلَ مع بعضِها، وأن تعرِفَ أهدافَها وحِكمةَ ما تقومُ به من أعمالٍ وانجازاتٍ، بينما تظلُ الطبيعةُ الخالِقةُ كما يزعمون, بدون أيةِ تواصُلٍ مع مخلوقاتها.. {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}..

سؤالٌ ثاني: يزعمُ الملحدُون أنَّ الصُدفةَ هي من أوجدَ كلَّ الكائناتِ الحيةِ, وأنَّ الطفراتِ والتغيُّراتِ النَّاشِئة, هي التي جعلتها تتطورُ وترتقي، وأنَّ هذه الطفراتِ تحدثُ كثيرًا وباستمرار.. والسؤال هنا: لماذا توقفت هذه الصُدفةُ تمامًا عن أيجادِ كائناتٍ جديدةٍ.. والعلمُ الحديثُ رغم تقدمِ وسائلهِ وامكانياتهِ لم يستطع أن يُسجِلَ حالةَ نُشوءِ كائنٍ جديدٍ بطريقةٍ جديدةٍ.. ونضرب لذلك مثلًا: لماذا لم يستمر تطورُ الانسانِ إلى مخلوقٍ آخرَ ارقى وأفضلَ مِنهُ، رغمَ مُضيِّ وقتٍ طويلٍ، ورغمَ أنَّهُ يملكُ الآنَ من الوسائلِ المساعدةِ، والعلومِ المتقدِمةِ ما لم يَكن يملكهُ وقتَ تطورهِ الأولِ كما يزعمون، بل لماذا لم يتمكن العلمُ بُكلِّ وسائلهِ من رصدِ تكوِّنِ أيِّ طفرةٍ أو تغيُّرٍ حديثٍ لأيِّ كائنٍ حيٍّ، سواءً كانت طفرةً مُفيدةً أو غيرَ مُفيدةٍ، في الطبيعةِ أو حتى في المُختبر..

سؤالٌ ثالِث: يزعمُ الملحدون أنَّ الحيـاةَ على الأرض بدأت بظهور كائنٍ بدائيٍ دقيقٍ يُسمى وحيدُ الخلية.. نشأ كما يزعمونَ في المستنقعات في ظلِّ ظروفٍ مناخيةٍ وبيئةٍ كيميائيةٍ مُناسبة.. والسؤالُ المحير هو: لماذا لمُ يستطع العُلماءُ رغم كل ما وصلوا إليه من تقدمٍ علميٍ كبيرٍ، ووسائلَ تقنيةٍ مُذهلةٍ.. أن يُنشئوا خليةً حيَّةً جديدةً من العدم، السؤالُ بصورة أبسط: لماذا لم يتمكن العُلماء بالرغم من سعِيهم الدؤوبُ وحرصِهم الكبير, أن يُهيئوا بيئةً وظروفًا مناسِبةً تصلحُ كما زعموا لنشوءِ الخلية من العدم مرةً أُخرى.. سواءً في الطبيعة أو في المختبر.. والجواب من القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}..

سؤالٌ رابِع: من المعروفِ علميًا أنَّهُ لا يزالُ هناكَ أنواعٌ كثيرةٌ من الخلايا البدائيةِ المسماةِ بوحيدةِ الخلية، لا تزالُ كما هي, لم تتغير منذُ ملايين السنين ! فلماذا لم تتطور، أو تنقرض ؟..

سؤالٌ خامِس: يزعمُ الملحدون والمصدقونَ بنظرية النشوءِ والارتقاءِ، أنَّ الانسانَ تطورَ من سُلالِة قردٍ، والسؤالُ المحير: لمَ لا يوجدُ قابليةٌ لأن يتزاوجَ آخرُ القرودِ تطورًا مع الانسان.. لماذا لا يوجدُ قابليةٌ لأن يتزاوج رجلٌ بقردة, أو قردٌ بإمراءة.. كما يحدث بين الخيول والحمير، وبين الأسود والنمور، وبين الكلاب والذئاب.. لأنها من فصيلةٍ واحدةٍ..

سؤالٌ سادِس: هناك أكثرُ من ثلاثةِ الآلافِ نوعٍ من القرودِ المختلفة، كلُّ نوعٍ منها لهُ شكلُهُ, ولهُ تركيبهُ ولهُ أنسجتهُ المختلِفة، فلماذا بقيت هذه القرودُ قرودًا ولم تتطور كما تطورَ الانسان، رغمَ وجودِ الامكانِيةِ كما يزعمون.. وفي المقابل فإنَّ جميعَ سُلالاتِ البشر القديمةِ والحديثةِ لها نفسُ الشكلِ والتركيبِ، وجيناتُها وأنسجتها كُلها مُتطابقةٌ تمام التطابق.. مما يُعارضُ بصورةٍ صارخةٍ عملية التطور المزعومة
..

سؤالُ سابِع: بحسبِ نظريةِ الارتقاء، فإن هناكَ فارقٌ هائلٌ، هناك قفزةٌ تطوريةٌ ضخمةٌ بين تكوينِ الانسانِ وتكوينِ أرقى القرودِ، وبالتالي فلا بدَّ للملحدِين أن يُسلِّموا بوجود كائنٍ آخرَ بينهما، كائنٌ مميز، يكونُ أرقى من القرود, وأدنى من الأنسان، ليسدُّ هذا الفارقُ الهائلَ بينهما.. وهذا الكائن المميز يُفترضُ أنهُ ظهرَ قبلَ الانسان، وأنَّهُ كان في وقتهِ هو الأفضلُ والأقوى والأذكى والأكثرُ تواجُدًا، لأنهُ حسبَ زعمِهم سيرتقي ويتطورُ ليُصبحَ انسانًا..
والسؤالُ القاصِمُ للظهر: أين هو هذا الكائنُ المميزُ، لمَ لا يُوجدُ لهُ أيُ أثرٍ ماديٍّ، وعلى فَرضِ أنهُ أنقرضَ لسببٍ ما، فأين هي بقاياهُ وآثارهُ ؟  كيف استطاعَ العلمُ الحديثُ أن يجدَ بقايا حيواناتٍ مُنقرضةِ أقدمَ مِنهُ زمنًا, وأقلَ تطورًا, كالدينوصورات والماموث، ولم يجدَ لذلك الكائنِ المميزِ أيُّ أثرٍ.. السؤالُ بطريقةٍ أُخرى: إذا كانَ الانسانُ قد تطورَ من سُلالةِ قردٍ كما يزعمون، فلماذا لا توجدُ قرودٌ قريبةُ الشبهِ بالإنسان ولو جُزئيًا، مثلًا: لمَ لا تُوجدُ قرودٌ تعيشُ واقفةً على قدميها كالإنسان.. لمَ لا تُوجدُ قرودٌ تستطيعُ الكلامَ ولو بشكلٍ بِدائي.. لمَ لا تُوجدُ قرودٌ ببشرةٍ وجلدٍ يشبهُ جِلدَ الانسانِ.. وغيرها من التساؤلات المشابهة
..

سؤالٌ ثامِن: يزعمُ الملحدون أنَّ وسيلةَ التطورِ في المخلوقاتِ هي حُدوثُ الطفراتِ الجديدةِ، ويزعمونَ كذلك أنَّ ممَّا يُساهِمُ في ظهورِ وبقاءِ هذهِ الطفراتِ, حاجةُ الكائنِ الحيِّ لهذا التغيُّرِ.. والسؤالُ: لمَ لا يُولدُ أطفالٌ مختنونَ مع أنَّ اليهودَ والمسلمين يُختنونَ أبناءهم منذُ الافِ السنين، ولمَ لا يزالُ شعرُ الأبطينِ ينبُتُ بنفسِ الطريقةِ، رغمَ أنَّ أكثرَ الناسِ يُزيلونهُ باستمرار.. ولماذا لا تزالُ الزائدةُ الدوديةُ موجودةٌ عند جميعِ البشرِ بالرغم من أنها كما يزعمون عضوٌ زائدٌ لا فائدةَ مِنهُ..

سؤالٌ تاسِع: من المعروفِ علميًا أنَّ الحيواناتِ لا تُميزُ بين الألوانِ، ولا تعرفُ معنى الجمالِ، فلماذا تختارُ بعضُ الحيواناتِ ألوانًا وأشكالًا جميلةً جدًا تتزينُ بها كالطاووس وبعضُ الطيورِ الأخرى.. علمًا بأنَّ هذه الصفاتِ ليست ضروريةً لبقائِها
..

السؤالُ العاشِر: أغلب أجهزةِ الكائنِ الحيِّ مركبةٌ من عدةِ أعضاء، كالجهاز الهضمي والتنفسي والتناسلي، وهي تعملُ بنظامِ الوحدةِ المتكامِلةِ، فإمَّا أنها ظهرت بكاملِ أعضائِها دُفعةً واحدةً، وإمَّا أنَّ تَطورها كان يسيرُ بخطةٍ معلومةٍ مُحددة, وكلاهما ينافي التَّطورَ العشوائيَ المزعوم.. تلك عشرةُ أسئلةٍ كامِلة، فيا أيها الملحدون: هاتوا بُرهانَكُم إنْ كُنتم صادقين، وهاكُم بُرهانُنَا فإنَّا صادِقون.. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}..

بارك الله لي ولكم...

اتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين, ومن {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}..

معاشر المؤمنين الكرام: ينطلقُ المؤمنُ في حياتهِ من فطرةٍ سويةٍ، وعقيدةٍ نقيةٍ، تغمرُ قلبهُ بالطُمأنينةِ، وتملأ نفسِهُ بالسكينةِ، وتمنحُ روحَهُ الرَّوحَ والرَّاحةَ، وتنيرُ عقلهُ بصرًا وبصيرةً، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.. والمؤمنُ يُوقنُ أنَّ في القلبِ شعثًا لا يلمّهُ إلا الإقبالُ على الله، وفيهِ وحشةٌ لا يُزِيلُها إلا الأُنسَ بطاعتهِ، وفيهِ حُزنٌ لا يُذهِبهُ إلا السُرور بمعرفته وصِدقِ مُعاملتهِ، وفيهِ قلقٌ لا يُسكِّنهُ إلا إدامةُ ذِكرهِ.. وفيهِ نيرانُ حسراتٍ لا يُطفِئُها إلا الرِّضا بقضائهِ وقدرهِ، وفيهِ فاقةٌ لا يسُدُّها إلا محبتهُ والإنابةَ إليهِ، وصدق الله.. {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}..

بكَ أستجيرُ فمن يُجيرُ سِواكـا.. فأجِر ضعيفًا يحتمي بحِماكـا

يا مُدركَ الأبصارِ والأبصارُ لا.. تـدري لـهُ ولكنهِـهِ إدراكـا

إن لم تكُن عينيِ تراكَ فإنَّنـي.. في كلِّ شيءٍ أستبيـنُ عُلاكـا

يا مُنبتَ الأزهارِ عاطِرةَ الشذا.. هذا الشذا الفواحُ نَفحُ شذاكـا

يا غافرَ الذنـبِ العظيـمِ وقابـلًا.. للتـَّوبِ قلـبٌ تائـبٌ ناجـاكـا

ياربِّ عُدت إلـى رحابـك تائبـًا.. مُستسلمـًا مُستمسِكـًا بُعـراكـا

إني أويتُ لكلِّ مأوىً فـي الحيـاةِ.. فمـا رأيـتُ أعـزَّ مـنْ مأواكـا

وبحثتُ عن سِرِّ السَّعـادةِ جاهِـدًا.. فوجدتُ هذا السِّـرَ فـي تقواكـا

أدعـوكَ يا ربـي لتغفـرَ زلتـي.. وتُعينـَنـي وتُمـدَنـي بهـُداكـا

فاقبل دُعائي واستجِب لرجاوتـي.. ما خابَ يومًا من دعـا ورجاكـا

يا ربِّ هذا العصـرُ ألحـدَ عندمـا.. سخَّـرتَ يا ربـي لـهُ دُنيـاكـا

أوما درى الإنسانُ أنَّ جميعَ مـا.. وصَلت إليهِ يـداهُ مـنْ نعماكـا

قُل للطبيبِ تخطفتهُ يَـدُ الـرَّدى.. يا شافيَ الأمراضِ منْ أرداكـا ؟

قُل للمريض نجا وعوفي بعدمـا.. عجِزت فنون الطب، منْ عافاكا ؟

قُل للصحيحِ يموتُ لا مـن علـةٍ.. منْ بالمنايا يا صحيـحُ دهاكـا ؟

وإذا ترى الثعبانَ ينفـثُ سُمَّـهُ.. فاسألهُ منْ ذا بالسموم حشاكـا؟

واسألهُ كيفَ تعيشُ يا ثعبـانُ أو.. تحيا وهذا السُـمُّ يمـلأُ فاكـا؟

واسألْ بطونَ النَّحلِ كيفَ تقاطرت.. شهدًا وقُلْ للشهدِ مـنْ حلاكـا؟

بل سائِلِ اللبنَ المصفَّى كانَ بينَ.. دمٍ وفرثٍ مـْن الـذي صفَّاكـا؟

وإذا رأيتَ الحيَّ يخرجُ منْ ثنايـا.. ميـتٍ فاسألـهُ مـنْ أحيـاكـا؟

قُل للهواءِ تَحُسُّهُ الأيدِي ويخفـى.. عن عُيونِ النَّاسِ مـنْ أخفاكـا؟

وإذا رأيتَ البدرَ يَسـري ناشِـرًا.. أنوارَهُ فاسألـهُ مـنْ أسراكـا؟

وإذا رأيتَ النَّخلَ مشقوقَ النَّـوى.. فاسألهُ منْ يا نخلُ شقَّ نواكـا؟

وإذا رأيتَ النَّـارَ شَـبَّ لهيبُهـا.. فاسأل لهيبَ النَّارِ مـنْ أوراكـا؟

وإذا ترى الجبلَ الأشمَّ مُناطِحـًا.. قِممَ السَّحابِ فسلهُ منْ أرساكـا؟

وإذا ترى صخرًا تفجَّـرَ بالميـاهِ.. فسلهُ منْ بالماء شـقَّ صفاكـا؟

هذي العجائِبُ طالما أخـذت بهـا.. عينـاكَ وانفتحَـت بهـا أُذناكـا

واللهُ في كـُلِّ العجائـبِ مُبـدِعٌ.. إنْ لم تكُن لِتـراهُ فهـو يراكـا

يا أيُها الإنسـانُ مهـلًا ما الـذي.. باللهِ جـلَّ جـلالـهُ أغـراكـا؟

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

                                                        وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply