دماء في بيت النبوة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لاشك أن مقتل الحسين - رضى الله عنه - كان فاجعة عظيم و طامة من الطامات الكبرى التى مُنيت بها أُمة الإسلام في سبط نبيها صلى الله عليه وسلم وريحانته.

قال ابن العربى: يا أسفا على المصائب مرة، ويا أسفا على مصيبة الحسين ألف مرة. بوله يجري على صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودمه يراق على البوغاء لا يحقن، يا لله ويا للمسلمين.(العواصم (ص/235))

 قال إبراهيم النخعي: لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم أدخلت الجنّة لاستحييت أن انظر إلى وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. (الإصابة(2/71))

 إنه الإمام الحُسين الذي ترجم له الإمام الذهبي في سِيَره فقال:  الحسين الإمام الشهيد أبو عبد الله بن على بن أبي طالب، الإمام الشريف الكامل ريحانة النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو عبد الله الحسين - ابن أمير المؤمنين.  (سير الأعلام (3/280))

وقد ولد - رضى الله عنه - فى السنة الرابعة من هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم - ومناقبه وفضائله كثيرة، نذكر منها:

 

 1- ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟  ، قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا  " (رواه البخاري(3753))   والمعنى: أنهما مما أكرمني الله وحباني به، لأن الأولاد يُشمُّون ويقبلون، فكأنهم من جملة الرياحين، وقوله: " من الدنيا " أي: نصيبي من الريحان الدنيوي، والذي يظهر أن ابن عمر لم يقصد ذلك الرجل بعينه أنه أعان على قتل الحسين رضى الله عنه, بل أراد التنبيه على جفاء أهل العراق، وغلبة الجهل عليهم بالنسبة لأهل الحجاز.  فتح الباري لابن حجر. (17/ 126)

 

2- وعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ-رضى الله عنه- قَال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ» (أخرجه الترمذى (3775) وحسَّنه)،،

 

3- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضى الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ» (أخرجه أحمد (10999) والترمذى (3768)، وقال: هذا حديث حسن صحيح)

 

4-وعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ - رضى الله عنه- رَبِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ، وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا".، أخرجه أحمد(26508)، وصححه الألباني. وعن عبدالرحمن بن سابط قال:" كنت مع جابر، فدخل حسين بن علي - رضي الله عنهما - فقال جابر:  «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ»، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ  " أخرجه أبو يعلى (1874)، وسنده صحيح، وانظر بغية الطلب في تاريخ حلب (6/2583)

روى الإمام أحمد (7876) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي) يَعْنِي حَسَنًا وَحُسَيْنًا.

وصححه الألباني في "الصحيحة" (2895).تأتي محنة الحسين - رضى الله عنه - في قضية خروجه في زمن يزيد بن معاوية، وهذ الخروج كان له أسباب وله مقدمات قد أدت بلا شك إلى هذه المحنة التى كانت في صدر الإسلام.

من المعلوم أن معاوية - رضى الله عنه - كاتب وحى النبي - صلى الله عليه وسلم – قد الناس دعى في خلافته إلى أن يُبايعوا ابنه - يزيد.

فمن الصحابة كابن عباس وابن عمر من رأى أنه لا يصح شرعًا أن يُبايع إمامًا في حياة في وجود إمام آخر؛ فامتنعوا عن مبايعة يزيد في حياة معاوية، فلما تُوفى معاوية بايع ابن عمر وابن عباس –رضى الله عنهما- يزيد بن معاوية.

وامتنع عدد من الصحابة –رضى الله عنهم- عن مبايعة يزيد ، وكان ممن امتنع عن البيعة:  عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر والحسين بن على - رضى الله عنهم.

 

فإن قيل: وما الأسباب التى جعلت الحسين –رضى الله عنه-يمتنع عن أن مبايعة يزيد؟؟ والجواب:  أن ذلك راجع إلى عدة أمور:

1- أن الحسين –رضى الله عنه- قد رأى أن الأمر لابد أن يكون على مشورة بين المسلمين، كما حدث يوم السقيفة،وليس مبينًا على الوراثة.

2 – قد رأى الحسين –رضى الله عنه- أن هذه الأمة لابد أن يتولى أمرها الأصلح. فلم يكن الحسين –رضى الله عنه- يسعى لأن يتولى منصبًا، ولم يكن راغبًا فى دنيا يصيبها وما شابه ذلك، وإنما كان يسعى إلى المصلحة العامة التى تكون نفعًا لأُمة الإسلام.

3- كان الحسين –رضى الله عنه- يرى أن معاوية –رضى الله عنه- قد تخلى عن الشرط الذي كان في الصلح الذي كان بينه وبين الحسن –رضى الله عنه-في العام الأربعين "عامة الجماعة ".

وبيان ذلك أن الحسن –رضى الله عنه- لما تنزل عن الخلافة لمعاوية –رضى الله عنه- مصداقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن:  " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَعَسَى اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ " (رواه البخاري(2557))"

وكان من شروط هذا الصلح كما ذكر ذلك ابن حجر: أن يكون الأمر بعد خلافة معاوية –رضى الله عنه-مبنيًا على الشورى بين المسلمين.

فرأى الحسين –رضى الله عنه-أن مافعله معاوية كان مخالفًا لما اتفقوا عليه في عام الجماعة.

فهذا كان أيضًا أحد الأسباب التى دعت الحسين –رضى الله عنه-إلى أن لا يبايع يزيد بن معاوية.

لذا فقد خرج الحسين –رضى الله عنه-من المدينة متوجهًا إلى مكة وذلك في العام الستين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم،  ومكث في مكة بضعة أشهر، وقد كان يراسل أهل العراق ويعرف أخبارهم، فقدم على الحسين –رضى الله عنه- وفود من العراق ليست بالقليلة وجاءته رسائل من العراق قالوا: أنها تزيد على ثلاثة وخمسين صحيفة. وكان ذلك فى العاشر من رمضان.،وكان مفاد هذه المراسلات تقوم على أن أهل الكوفة يدعون الحسين –رضى الله عنه- لأن يأتي إليهم ليكونوا نصرةً له ويلتزمون بحمايته حتى يعود الأمر إلى نصابه. وكتبوا إليه أنهم ليس لهم إمام، وإنه إن قدم عليهم بايعوه وقاتلوا معه. وأنهم لا يحضرون الجمعة مع الوالي. (البداية والنهاية(11/522))

فرأى الحسين –رضى الله عنه- أن الأمر مهيىء لأن يذهب إلى العراق، حيث شيعته وأنصاره الذين وعدوه بالنصرة والتأييد وغير ذلك.

ولكن قبل أن يذهب الحسين–رضى الله عنه- إلى العراق كان قد أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل حتى ينقل له صورة عامة عمَّا يحدث في أرض العراق، ويتبين حقيقة الأمر.

 وبالفعل خرج مسلم بن عقيل متوجهًا إلى الكوفة فلما علم أهل الكوفة بمقدم مسلم بن عقيل أقبلوا عليه وبايعه اثنا عشر ألفًا على النصرة والتأييد.

  فلما تقين مسلم بن عقيل من رغبة أهل الكوفة في نُصرة الحسين ورغبتهم في قدوم الحسين –رضى الله عنه-إليهم كتب رسالة إلى الحُسين –رضى الله عنه- يخبره أن أهل الكوفة ينتظرونه.

وأن أهل الكوفة قد بايعوه على الموت، فخرج الحسين –رضى الله عنه- عقب موسم الحج بريد الكوفة.

فلما علم يزيد بن معاوية بذلك أرسل إلى والى البصرة عبيد الله بن زياد يأمره بالتوجه إلى الكوفة ليتنبين من حقيقة الأمر.

 وبالفعل توجه عبيد الله بن زياد من البصرة إلى الكوفة.

ثم بعث إلى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر، فأمر كلّ واحد منهم أن يشرف على عشيرته فيردّهم، فكلّموهم فجعلوا يتسللون وينصرف عن مسلم بن عقيل، فأمسى مسلم وليس معه إلا عدد قليل منهم. (الإصابة فى تمييز الصحابة(2/70)

وماغابت الشمس إلا وقد وجد مسلم بن عقيل نفسه وحيدًا، فتم القبض عليه وأمر عبيد الله بن زياد بقتله، وهو أول رسول مبعوث يقتل في الإسلام.

 وكان مسلم بن عقيل قد بعث برسالة إلى الحسين، كان قد كتب فيها:  " ارجع بأهلك، ولايغرنك أهل الكوفة؛ فإن أهل الكوفة كذبوك وكذبوني، ولست بكاذب لك في ذلك " ، ولكنَّ هذه رسالة لم تصل إلى الحسين -رضى الله عنه -، ولم يعرف بمقتل ابن عمه.

عودٌ إلى الحسين –رضى الله عنه- الذى قرر الخروج إلى الكوفة؛ وذلك بناءً على رسالة مسلم الأولى.

 * وهنا لابد أن نبين موقف صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، فهم نصحوا الحسين –رضى الله عنه-أن لا يخرج وهذه أقوالهم بأسانيد صحاح كالشمس في رابعة النهار.

يقول ابن عباس –رضى الله عنه- للحسين على أهل الكوفة: احذر إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن ينقلبوا عليك.

 وأما ابن عمر–رضى الله عنه- فقد لحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة فشدد عليه ألا يخرج إلى العراق، فقال الحسين: هذه كتبهم وبيعتهم. فلما أصر الحسين على الخروج اعتنقه ابن عمر وقال: استودعك الله من قتيل.

ويقول أبو سعيد الخدري رضى الله عنه: غلبني الحسين بالخروج وقد قلت له: اتق الله في نفسك وازم بيتك ولاتخرج على إمامك.

 وقال له عبد الله بن جعفر –رضى الله عنه- يقول:  إني مشفق عليك من هذا الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك، واستأصال أهل بيتك.

وقال له ابن الزبير رضى الله عنهما: أين تذهب؟! إلى قوم قاتلوا أباك وطعنوا أخاك.(ويُرجع فى ذلك إلى البداية والنهاية ج8 ص/161)، وتاريخ الطبري(218:6.)

حتى الفرزدق الشاعر لقيه بعد ماخرج إلى أرض الكوفة: فسأله الحسين: من أين؟ فقال الفرزدق: من أهل العراق، فقال الحسين: وكيف أهل العراق؟؟ فقال الفرزدق: قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء.(البداية والنهاية(8/166))

•        ولما تقدم الحسين –رضى الله عنه- إلى الكوفة علم بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل فهَمَّ الحسين –رضى الله عنه- أن يرجع لكنَّ أقارب مسلم بن عقيل أبوا الرجوع حتى يأخذوا بثأر مسلم بن عقيل، وكانوا ثمانين رجلًا.

وفى رواية الطبري(ج4ص292) أن الحسين –رضى الله عنه- لما تيقن من خذلان أهل العراق له، قال لمن معه من غير أسرته، ولمن انضم إليه في طريقه: لقد خذلتنا شيعتنا!! فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف. فتفرَّق أكثر الناس، ولم يبق معه إلا أبناؤه وأقربائه وبعض المخلصين من وأوليائه، ولمن يكن يزيد مجموعهم على المئة.

 فلما وصلوا إلى أرض: فقال الحسين–رضى الله عنه- : أي أرض هذه؟ فقالوا: هذه أرض كربلاء: فقال: أرض كرب وبلاء.

وفي أرض كربلاء صادف الحسين –رضى الله عنه- جيشًا لعبيد الله بن زياد على رأسه عمر بن سعد بن أبى وقاص يصل عدده إلى أربعة ألاف، فأدرك الحسين –رضى الله عنه- خطورة الموقف.

 

فعرض على جيش عمر بن سعد ثلاثة أمور ليختاروا واحدًا منها:

1-الأول: أن يتركوه يرجع من حيث أتى هو ومن معه.

2-أن يتركوه يذهب إلى الشام ليقابل يزيد بن معاوية.

3-أن يتركوه يذهب لثغر من ثغور المسلمين للجهاد فى سبيل الله.

فكتب عمر إلى عبيد الله بذلك، فقال: نعم، قد قبلت. فقام شِمر بن ذي الجوشن - وكان معروفًا بشدة عدائه وسخيمته على أهل البيت- فقال: لا والله، حتى ينزل على حكمك هو وأصحابه، وإلا فمر عمر بن سعد أن يقاتلهم. فقال له ابن زياد: فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ.

•        وفى الرواية الأخرى:  أن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما، وإن هم أبوا فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن هو أبى فقاتلهم، فأنت أمير الناس، وثب عليه فاضرب عنقه، وابعث إلي برأسه. (تاريخ ارسل والملوك(5/415))  وهنا رفض الحسين رضى الله عنه، و أبى أن ينزل أسيرًا عند هؤلاء القوم الذين تعنتوا معه.

•        يوم المحنة:  وفي العاشر من شهر الله المحرم، وفي العام الواحد والستين من هجرة النبى صلى الله عليه وسلم، دارت هذه المعركة التى لم يكن فيها نوع التكافؤ بحال، بين الحسين –رضى الله عنه- ومعه ثمانون رجلًا فى مقابل أربعة آلاف من جيش عبيد الله بن زياد، والحسين يشكو أمره إلى الله - عز وجل - ويقول: اللهم إن أهل العراق غروني وخدعوني وصنعوا بأخي ماصنعوا، اللهم شتت عليهم أمرهم وأحصهم عددًا.

وبدأت المعركة والتى أظهر فيها الحسين –رضى الله عنه-مقاومة وثباتًا لانظير له، قُتل من معه جميعًا، قُتل جميع أصحابه، وكثير من أهل بيته - رضى الله عن الجميع، فأصبح الحسين –رضى الله عنه- وحيدًا يقاتل بشجاعة.

 ويقول الذهبي  وهو يحكي هذا الموقف: وقتل أصحاب الحسين حوله، وكانوا خمسين رجلًا، وتحول إليه من أولئك عشرون-أى من جيش زياد - وبقي عامة نهاره لا يقدم عليه أحد، وأحاطت به الرجَّالة، وكان يشد عليهم، فيهزمهم، وهم يكرهون الإقدام عليه، فصرخ بهم شِمر: ثكلتكم أمهاتكم، ماذا تنتظرون؟!   اقتلوه، فحملوا عليه من كل جانب، فضرب زرعة بن شريك التميمي على كفه اليسرى، وعلى عاتقه، ثم انصرفوا عنه وهو يقوم ويكبو، وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح في الترقوة، ثم طعنه في صدره فوقع، وقال لخولي بن يزيد الأصبحي: احتز رأسه، فأراد أن يفعل فضعف وأرعد، فقال له سنان، فت الله عضدك! ونزل إليه فذبحه، واحتز رأسه.

  قال الزّبير بن بكّار: قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وكذا قال الجمهور، وشذّ من قال غير ذلك.

.(سير أعلام النبلاء (3/299) والكامل في التاريخ(3/183))والإصابة فى تمييز الصحابة (2/72)

وقُتل في هذا اليوم مايقرب من عشرين رجلًا من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم، منهم : الحسين وجعفر والعباس وأبو بكر ومحمد وعثمان وقُتل من أولاد الحسين –رضى الله عنه-: على وعبد الله وقُتل من أبناء الحسن–رضى الله عنه-: عبد الله والقاسم وأبوبكر

وقُتل من أبناء عقيل: جعفر وعبد الله وعبد الرحمن ومسلم بن عقيل.

حتى قال الذهبي:  لم يفلت من آل بيت الحسين –رضى الله عنه-سوى ابنه عبد الله، كان مريضًا يوم المعركة، فلم يشارك معهم فيها.

ومن عجيب أمر الروافض أنهم حين يذكرون من قُتل واستشهد مع الحسين من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لايذكرون من كان اسمه أبوبكر أو عمر؛ وذلك لشدة بغضهم لأبي بكر وعمر –رضى الله عنهم.

•        وبعد أن قُتل الحسين - رضى الله عنه - حُملت رأسه إلى عبيد الله بن زياد والى الكوفة، وكان ذلك في العاشر من شهر الله المحرم في يوم عاشوراء.

روي البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا، أى: يجعل القضيب في عيني الرأس وأنفه، ويقول:" ما رأيت مثل هذا حُسنًا "، فَقَالَ أَنَسٌ: «كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالوَسْمَةِ»

* سؤال وجواب: هل كان يزيد بن معاوية راضيًا بقتل الحسين رضى الله عنه؟؟

 الجواب:  لما وصل خبر مقتل الحسين - رضى الله عنه - إلى يزيد بن معاوية بكى وقال : " كنت أرضى من طاعتكم يا أهل العراق دون أن تقتلوا الحسين،  ثم قال: لعن الله ابن مرجانة " يقصد عبيد الله بن زياد " لأنه رضى بقتل الحسين–رضى الله عنه. أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة إلا أعطيتها إياه، ولدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت، ولو بذلت بعض ولدي، ولكن الله قضى ما رأيت.وانظر (تاريخ الإسلام(5/15)).وقيد الشريد من أخبار يزيد (ص/38)

وفى رواية: أنه لما بلغ الخبر إلى يزيد بن معاوية بكى وقال: كنت أرضى من طاعتهم أي أهل العراق بدون قتل الحسين.. لعن الله ابن مرجانة لقد وجده بعيد الرحم منه، أما و الله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين.. رواها البلاذري في أنساب الأشراف (3/219، 220) بسند حسن.  لذا قال أبوالعباس ابن تيمية: ويزيد لم يظهر الرضى بقتل الحسين، وأنه أظهر الألم لقتله، والله أعلم بسريرته، وقد علم أنه لم يأمر بقتله ابتداء، لكنه مع ذلك ما انتقم من قاتليه، ولا عاقبهم على ما فعلوا، إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه. (وانظر " رأس الحسين " (ص/207))         

-و قال رحمه الله في الوصية الكبرى (ص 45): ولم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله. و‏قال ابن كثير: " وليس كل ذلك الجيش كان راضيًا بما وقع من قتله – أي قتل الحسين – بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك، والله أعلم ولا كرهه، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه، كما أوصاه أبوه، وكما صرح هو به مخبرًا عن نفسه بذلك، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو "ا.هـ.

-وقال ابن الصلاح: " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي الحسين رضي الله عنه -، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله – إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك " ، و أما سب يزيد و لعنه فليس ذلك من شأن المؤمنين -(ذكره حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة نقلًا عن ابن الصلاح(2/639))

  قال ابن الحداد:  نكل سريرة يزيد إلى الله تعالى، وقد روى عنه أنه لما رأى رأس الحسين رضوان الله عليه قال: لقد قتلك من كانت الرحم بينك وبينه قاطعة. (اجتماع الجيوش الإسلامية(2/175))

 * ثم يقال: ولو سلّمنا أنه قتل الحسين، أو أمر بقتله وأنه سُرَّ بقتله، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه، لكن بتأويل باطل، وذلك فسق لا محالة وليس كفرًا، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين رضى الله عنه، ولم يثبت سروره بقتله من وجه صحيح، بل حُكِي عنه خلاف ذلك.

  * وأما يزيد فلا يُسب ولا يُحب: من أهل السنة من غالى فى أمر يزيد، و صنَّف المصنفات في لعنه والتبريء منه، فقد صنف القاضي أبو يعلى كتابًا بيّن فيه من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد بن معاوية، وألف ابن الجوزي كتابًا سمّاه " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد "

-والذى عليه جمهور أهل السنة هو ما سطَّره أبو العباس ابن تيمية بقوله: الذي عليه معتقد أهل السنة وأئمة الأمة‏:‏ أنه لا يُسب ولا يُحب‏. ‏قال صالح ابن أحمد بن حنبل‏:‏ قلت لأبي‏:‏إن قومًا يقولون‏:‏ إنهم يحبون يزيد‏.‏ قال‏:‏ يا بني، وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر‏؟‏ فقلت‏:‏ يا أبت، فلماذا لا تلعنه‏؟‏  قال‏:‏ يا بني، ومتى رأيت أباك يلعن أحدًا‏؟ (رأس الحسين (ص/205))

 ‏ قال الغزالي: " فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلًا، فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت، فضلًا عن اللعنة، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق. (إحياء علوم الدين(ص/123))"

 

*الحاصل هنا أمور :

  1- الأول:  أن أهل السنة على عدم سب يزيد بن معاوية،، لا سيما أن له حسنات عظيمة‏.‏  فقد روى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ (‏أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له‏)‏ (رواه البخاري (2924).     وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية. وقد أجمع المؤرخون على أن يزيد بن معاوية قد حج بالناس بعد غزو القسطنطينية، فكان إمام الحج عامها. (قيد الشريد من أخبار يزيد(ص/34))

 

 2- الثاني:  أن له سيئات، ومن أعظمها ما وقع فى عهده من واقعة الحرة، في سنة ثلاث وستين هجرية، يوم أن خرج عليه أهل المدينة، ونقضوا بيعته.فقد ثبت أنه قاتل أهل المدينة، وقد سأل مهنّا الإمام أحمد عن يزيد، فقال: "هو فعل بالمدينة ما فعل. قلت: وما فعل؟  قال: قتل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفعل. قلت: وما فعل؟ قال: نهبها" ("السنة"للخلال (3 / 520)؛ وإسنادها صحيح).

 ومقتل سبط النبى صلى الله عليه وسلم، وخاصة أن الوقائع مرت بردًا وسلامًا على فاعليها. فلا ينبغي الترحم عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة، لهذه الأمور العظام.

قال أبو العباس ابن تيمية:              وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا.(مجموع الفتاوي(4/487))

 

 3- الثالث: أن الوعد بالمغفرة لأول جيش يغزو مدينة قيصر، لا يلزم منه وقوع المغفرة لكل فرد فرد من جملة هذا الجيش؛ بل هو وعد عام، وبيان أن هذا سبب للمغفرة.

لكن السبب قد يمنع منه مانع أقوى، فيتخلف عن مسببه.

وليس هذا بموجب الجزم بعقابه، أو بعذابه عند الله تعالى. بل يقال فى يزيد أنه ممن خلط عملًا صالحًا، فجاهد وغزا، وآخر سيئًا بفسقه، وقتل جنوده لسبط النبي - صلى الله عليه وسلم- ولأهل لمدينة، دون أدنى محاسبة منه لهم على ذلك؛ وذلك لأنه رآهم عونًا على توطيد ملكه. 

 

  4- الرابع:  أن سيرة يزيد بن معاوية لا تخلو من قدر لا بأس به من أكاذيب الروافض ومبالغتهم فى الافتراء عليه، والتى منها: 

1- الزعم بأنه قد مثَّل برأس الحسين رضى الله عنه

قال أبو العباس ابن تيمية:    "ورأس الحسين إنما حُمَّل إلى ابن زياد، وهو الذي ضربه بالقضيب كما ثبت في الصحيح ".(منهاج السنة(8/141))

 وقال رحمه الله: فمن نقل أنه – أى يزيد - نكث بالقضيب فهو كاذب قطعًا، كذبًا معلومًا بالنقل المتواتر. (رأس الحسين (ص/199))

 * نقول:  بل الثابت على خلاف ذلك:  يقول حصين بن عبد الرحمن السلمي: حدثني مولى ليزيد بن معاوية قال: لما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد رأيته يبكي ويقول: "ويلي على ابن مرجانة فعل الله به، أما والله لو كانت بينه وبينه رحم ما فعل هذا".

 وفى رواية: قال القاسم بن عبدالرحمن مولى يزيد بن معاوية: لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد -رأس الحسين وأصحابه- قال: نفلق هامًا من رجال أعزة علينا، وهم كانوا أعق وأظلما،أما والله يا حسين لو كنت صاحبك لما قتلتك ".

وهذه الروايات ذكرها البلاذري؛ والطبري، والجوزقاني بأسانيد حسنة.

 

2- الزعم بأن يزيد بن معاوية قد قام بسبي أهل بيت الحسين - رضى الله عنه- بعد استشهاده، وحملهم على الجمال بلا أقتاب، بل الثابت أنه أمر بتجهيزهم بما يصلحهم، فسيَّرهم إلى المدينة، ثم أمر بالنسوة أن ينزلنَّ في دار على حدة، معهنَّ ما يصلحهنَّ، وأخوهنَّ معهنَّ علي بن الحسين. (تاريخ الرسل والملوك (2/462)ومنهاج السنة (4/472)..

 

3- الزعم أنه قد استباح المدينة ثلاثًا لجنده يعبثون بها، يقتلون الرجال ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح، فلا يوجد في كتب السنة أو في تلك الكتب التي أُلِّفت في الفتن خاصّة، كالفتن لنعيم بن حمّاد أو الفتن لأبي عمرو الداني أي إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض.

وكذلك لا يوجد في أهم مصدرين تاريخيين عن تلك الفترة (الطبري والبلاذرى) أي إشارة لوقوع شيء من ذلك، والله أعلم.

 ولا يُنكر وقوع طرف من ذلك الظلم البيِّن بأهل المدينة فى عهد يزيد، وإنما الأمر على ما افتراه الروافض من مبالغات فى هذا الباب.                      

 * والجزاء من جنس العمل: ولم تنقض أربع سنوات على حادثة كربلاء إلا وقد قتل المختار بن أبي عبيد الثقفي كل من شارك في قتل الحسين –رضى الله عنه- وأهل بيته، ومن بينهم شِمر بن ذي الجوشن، حيث هرب من الكوفة بعد أن أعلن تمرده على المختار الثقفي وفر منه، ولكنَّ أحد قادة جيش المختار الثقفي عثر علي شمر في الطريق، فقتله وقطع رأسه وأرسلها إلى المختار الثقفي.

  عن عمارة بن عمير، قال: " لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه، فإذا حية قد جاءت تخلل الرءوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة، ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت) «أخرجه الترمذى (3780)، وقال: هذا حديث حسن صحيح»

 * وممن قتلهم المختار بن أبى عبيد ثأرًا للحسين رضى الله عنه: " مالك بن بشر وعبدالله بن أسيد الجهنى وخولى بن يزيد الأصبحى وعمر بن سعد بن أبى وقاص أمير الذين قتلوا الحسين ".

•        كيف تعامل الناس مع قضية مقتل الحسين رضى الله عنه؟

 انقسم الناس إلى قسمين: مابين غلو وجفو و إفراط وبين تفريط:

١- النواصب:    الكارهون للحسين –رضى الله عنه- وآل بيته، والذين الذين نصبوا العداء لآل البيت واتخذوا من يوم عاشوراء عيدًا لهم وأظهروا فيه الفرح والسرور لمقتل آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم. بل ووضعوا فيه الأحاديث الموضوعة والمكذوبة فى التوسعة والاحتفال بيوم عاشوراء.

(٢) الروافض:

الكارهون للصحابة - رضى الله عنهم - والمدَّعون عليهم من هم منه برآء، وهم الذين يكفِّرون أبا بكر وعمر وعثمان وجمهور المهاجرين والأنصار،وهؤلاء من أجهل خلق الله -تعالى- وأضلهم وأعظمهم كذبًا على الله -عز وجل – وعلى ورسوله – صلى الله عليه وسلم-والصحابة رضى الله عنهم.

 فكم بنى الشيعة الروافض على قصة مقتل الحسين -رضى الله عنه- أخبارًا منكرة كاذبة، تضاهى فى ضعفها بيت العنكبوت.

 لذا ترى ابن كثير لما شرع فى بيان قصة مقتل الحسين –رضى الله عنه - قال: وهذه صفة مقتله، رضي الله عنه، مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن، لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب الصريح والبهتان. (البداية والنهاية (11/521))             * نقول:   فمما تزعمه الروافض:  1- أن معاوية –رضى الله عنه- قد سمَّ الحسن رضى الله عنه، وهذا مما لم يثبت ببينة شرعية، ولا إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به.

" قال ابن خلدون: وما نقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، حاشا لمعاوية من ذلك ".

انتهى من " العبر وديوان المبتدأ والخبر" (2/187) وأنكر ذلك أيضًا أبو ابن تيمية فى "منهاج السنة" (4/ 469)..

2- تراهم يدينون ببغض الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، حتى ترى أحدهم إذا أراد أن يغلِّظ فى الدعاء على أحد يبغضه، قال : " اللهم احشره مع أبى بكر وعمر" !! .وتراهم يقيمون فى يوم عاشوراء المآتم والأحزان، ويلطمون الخدود ويشقون الجيوب، وتسيل دمائهم بزعم الحزن على مقتل الحسين رضى الله عنه.

وهذا كله مما حرَّمه الله عزوجل، و تبرأ منه النبي - صلى الله عليه وسلم، فقد بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ (متفق عليه)

وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» (رواه مسلم (1294)

والغريب أن هؤلاء المنافقين والمغرضين من أهل الكوفة هم الذين دعوا الحسين –رضى الله عنه - لتوليته، ثم هم الذين خذلوه وتخلوا عن نصر ته، وتسببوا بقتله ثم خرجوا يبكون عليه.

 قال علي بن الحسين:يا أهل الكوفة! إنكم تبكون علينا، فمن قتلنا غيركم؟! (بلاغات النساء (ص/28)  فحق أن يقال فيهم: " يقتلون الحسين، ويسيرون فى جنازته "" ،

 كما قال الشاعر: "" لا ألفينّك بعد الموت تندبني؛؛ وفي حياتي ما زودتني زادي""

  * وعليه يقال: أن ما يفعله الشيعة اليوم من إقامة حسينيات مآتم أولطم ونياحة وبكاء هى فى حقيقتها بدع لا تمت لمنهج أهل البيت ولا لعقيدة الإسلام بأي صلة، وإذا كان الشيعة يرددون عبارة (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة) ، فأين هذه العبارة من التطبيق حين يجعلون أمورًا من الجاهلية التي نهى النبى - عليه الصلاة والسلام - عنها شعائرًا لدين الإسلام ولأهل البيت؟!!

 * والطامة الكبرى:  أن تجد كثيرًا من مشايخ الشيعة بل من مراجعهم الكبار يستدلون بقوله تعالى {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} على ما يُفعل في عاشوراء من نياحة ولطم وسب وشتم لخلق الله ولصحابة رسول الله ويعتبرون هذا من شعائر الله التي ينبغي أن تُعظم ومن شعائر الله التي تزداد بها التقوى!!!

* والطامة الكبرى: أن يستغل الروافض مثل ذلك الحدث لإشعال نيران الحقد والبضغاء، وإيقاد نيران الفِتن والثورات ضد أهل السنة الذين يُسمّونهم " النواصِب "! وتتنادى الرافضة: يا لِثَارَات الحسين! وكأننا نحن الذين قتلنا الحسين رضي الله عنه!        " فكانوا كما يقال: "رمتني بدائها وانسلت؛؛؛

•        أما أهل السنة فيحبون آل البيت، ويترضون عنهم، وعن الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم، وحفيدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل بيت النبوة، ومن الصحابة الكرام الأطهار، نتقرب إلى الله تعالى بمحبتهما وموالاتهما - دون مغالاة، كما يفعل أهل البدع - ونبرأ إلى الله ممن يبغضهما ولا يحبهما.

ويحبون الصحابة-رضى الله عنهم- ويترضون عنهم، ويعرفون سبقهم وبذلهم في سبيل الله عزوجل، وتزكية الله لهم فى أيات تقرأ إلى قيام الساعة.

 ويحفظون فيهم وصية النبي –صلى الله عليه وسلم- الذى أمر بالاقتداء بهم والتأدب معهم.

من المسائل: التي تتعلق بهذه القضية : أين دُفن الحسين؟

وأما الجسد فقد دفن حيث قُتل فى كربلاء بالعراق، وهذا ما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية فى رسالته (رأس الحسين).    وإنما اختلفت الروايات والآراء اختلافًا بيّنًا بشأن رأس الحسين رضي الله عنه.

فبعد أن حُملت رأس الحسين –رضى الله عنه-إلى ابن زياد، تم نقلها بعد ذلك إلى يزيد فى دمشق بالشام، وقد ثبت هذا بأسانيد حسنة فى رواية الطبري والجوزقاني.

قال ابن كثير: وقد اختلف العلماء في رأس الحسين هل سيّره ابن زياد إلى الشام أم لا، على قولين: الأظهر منها أنه سيّره إليه، فقد ورد في ذلك أثار كثيرة والله أعلم". البداية والنهاية(8/192) وهو ما قال به الذهبي.

* وأما عن مكان دفنها: وقد نقل أبو الخطاب بن دحية في كتابه " العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور "، ذكر أن الذين صنفوا في مقتل الحسين أجمعوا على أن الرأس لم يغترب، ونقل الإجماع على كذب وجود الرأس بعسقلان أو بمصر، ونقل الإجماع أيضًا على كذب المشهد الحسيني الموجود في القاهرة، وذكر أنه من وضع العبيديين، وأنه وضع لأغراض فاسدة.  (رأس الحسين (ص/197)

وقد أنكر وجود الرأس في مصر كل من: ابن دقيق العيد، وأبو محمد بن خلف الدمياطي، وأبو محمد بن القسطلاني، وأبو عبد الله القرطبي وغيرهم.

   وقال ابن كثير: "وادعت الطائفة المسماة بالفاطميين الذين ملكوا مصر قبل سنة أربعمائة إلى سنة ستين وخمسمائة أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية، ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور بمصر، الذي يقال له تاج الحسين، بعد سنة خمسمائة.

يقول القرطبي:  وما ذكر أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فشئ باطل، لا يصح ولا يثبت. (التذكرة (2 / 668)

•        والراجح -والله أعلم – أن الرأس الشريف دفنت بالبقيع.

 1-يقول القرطبي: لما ذهب بالرأس إلى يزيد بعث به إلى المدينة إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو إذ ذاك عامله على المدينة، ثم أمر عمرو بن سعيد بن العاص برأس الحسين - عليه السلام - فكفن ودفن با لبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها الصلاة والسلام. التذكرة (2 / 668)

 2-وقد أيَّد ذلك ابن كثير فقال: روى محمد بن سعد أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة، فدفنه عند أمه بالبقيع. (البداية والنهاية (8 / 221).

 3-وكذلك قال به شيخ الإسلام ابن تيمية فى رسالته "رأس الحسين(ص/197)، حيث قال:  "أن الذي ذكر أن الرأس نقل إلى المدينة هم من العلماء والمؤرخين الذين يعتمد عليهم " وقال به ابن سعد فى "الطبقات الكبرى"(5/184)

 4- ذكر عمر بن أبي المعالي أسعد بن عمار في كتابه "الفاصل بين الصدق، والـمَيْن في مقر رأس الحسين" أن جمعًا من العلماء الثقات كابن أبي الدنيا، وأبي المؤيد الخوارزمي، وأبي الفرج بن الجوزي قد أكدوا أن الرأس مقبور في البقيع بالمدينة "         ومن خلال البحث، فإنه يتضح أن جسد الحسين - رضي الله عنه – بكربلاء، وأما رأسه بالبقيع في المدينة، والله أعلم.

* وبهذاتبين لنا بطلان الضريح الشهير الموجود في مصر؛ والمسمى بـ (ضريح الحسين) فما هذا إلا حلقة من سلسلة أكاذيب الروافض العبيديين؛ فإن احساسهم بأن الناس لا يصدقون نسبتهم إلى الحسين، جعلهم يلجؤون إلى تغطية هذا الجانب باستحداث وجود رأس الحسين.

 

نريد أن نختم مسألة أيضًا:

وهى شبهة خروج الحسين: من يقول بجواز الخروج على الحاكم، ومايتعلق بهذه الشبهة أن الحسين بن على قد خرج على يزيد بن معاوية فيتخذون ذلك تكئة ويستدلون بذلك على جواز الخروج على الحاكم

نقول والله أعلى وأعلم: الرد من وجهين أولًا الرد من وجهين

الوجه الأول: أن الحسين أصالةً لم يُبايع يزيد بن معاوية حتى يُقال أنه في عنقه بيعةً قد نقضها فهو أصالةً لم يُبايع يزيد بن معاوية بل بايع معاوية فبموت معاوية هنا انتهت بيعة الحسين لمعاوية فهو لم يبايع يزيد ولا يرى فى عنقه بيعةً ليزيد بن معاوية وعليه فلاتسرى على الحسين الأدلة تحلل مسألة الخروج على الحاكم كما سيأتي ذكرها، فهو لم يُبايع يزيد أصالةً وقد غلب على ظنه أنه بذلك يُعيد الأمور إلى نصابها إذا اجتمع بين هذا العدد من المسلمين، وهو لم يفعل ذلك لأنه أراد مُلكًا أو لدنيا يصيبها بل فعل ذلك بل لأن يُعيد الأمر إلى الشورى ولإزالة فكرة التوريث التى أتت برجل وهو يزيد بن معاوية لم يره الحسين أهلًا إلى أن يحكم دولة الإسلام فهو فعل ذلك لتتحقق المصلحة العامة

إذن: قبل أن نبني مسألة خروج الحسين على مسألة الخروج على الحاكم: هو أصالةً لم يُبايع يزيد بن معاوية بل كما ذكرنا أنه لم يرى فى عنقه بيعة ليزيد بل يرى أنه أتى على غير أساس شرعي.

 

ثم نقول: هل يوم أن خرج الحسين - رضى الله عنه - متوجهًا من مكة إلى الكوفة هل خرج ليُقاتل يزيد أو يُقاتل جيش يزيد؟

لا، إنما خرج لينضم إلى من بايعه وكاتبه على نصرته وتعزيره وتأييده لكن ماخرج عن حاكمه ليُقاتلهم مثلًا بل خرج إلى شيعته وأتباعه في العراق وقد غلب على ظنه أن الأمر سيعود إلى نصابه لتتحقق المصلحة العامة

 

ثم نقول: لما غلب على ظن الحسين وقوع مفاسد ماذا فعل؟

نوى أن يرجع في غير موضع

الموضع الأول: لما أراد أن يرجع وقال إخوان مسلم بن عقيل لاحتى نأخذ بثأثرأخانا مسلم بن عقيل

 

الموضع الثاني: لما عرض خطة رشد على عبيد الله بن يزيد فقال: اختاروا واحدة من ثلاثة

 

إما أن أعود من حيث جئت، وإما أن أذهب ليزيد بن معاوية في الشام، وإما أن أذهب إلى ثغر من ثغور المسلمين، وهم أي جيش عبيد الله بن يزيد أصروا اصرارًا واستكبروا استكبارًا على أن يُحققوا حظ النفس النفس على رجل أعدل وهو الحسين.

عرض عليهم خطة رشد لكنهم أبوا إلا أن يُسقطوه شهيدًا وحيدًا - رضى الله عنه

إذن: الرد الأول على هذه الشبهة: أن الحسين لم يُعطي البيعة ليزيد بن معاوية لأنها أتت على غير أساس شرعي

 

الوجه الثاني: أننا لو تنزلنا وقلنا: سواءً أكان الحسين أو ابن الزبير أو ابن الأشعث: خرجوا على أئمتهم - فالقاعدة تقول: أن أقوال رجال وأفعال الرجال يُحتج لها ولايُحتج بها - كلٌ يؤخذ من قوله ويُرد

 

القاعدة: أن الأفعال والأقوال حجة بالشرع ليست حجة على الشرع، الحسين حبيب ألينا والحق أحب إلينا منه، فكما ذكرنا من باب التنزل مع الخصم، لو افترضنا أنه خرج على إمامه فالوجه الثاني: أنه قد خالف أدلة الشرع لأنه قد دلت أدلة الكتاب والسنة والإجماع على أن طاعة الأئمة واجبة وإن جاروا إلا في كفر بواح لنا من الله فيه برهان، فكلٌ يؤخذ من قوله ويُرد

لو تنزلنا إلى أن الحسين قد خرج وإلى أن ابن الزبير قد خرج أيضًا على إمامه ففي الوجه الثاني من الرد: أن هذا كان خلافًا في صدر الإسلام ثم انعقد الإجماع على حرمة مسألة الخروج على الأئمة حتى وإن جاروا هذا أيضًا من أوجه الرد فلا يُمنع أن تكون المسألة كان فيها خلاف في صدر الإسلام، ولذلك لما ترجم الحافظ بن حجر للحسن بن صالح قال؛ وكان الحسن بن صالح يرى السيف: يعني يرى جواز الخروج على أئمة الجور

قال ابن حجر: وهذا مذهب قديم للسلف، لكن الأمر استقر بعد ذلك على حرمة ذلك

 

إذن: معنى كلام الحافظ بن حجر: أن مسألة الخروج على أمر أئمة الجور كان فيه خلاف ثم انعقد الإجماع على حرمة الخروج على الأئمة وإن جاروا إلا إذا كان منهم الكفر البواح.

وكما ذكرنا أن أدلة الشرع تُقدم على قول أي أحد كائنًا من كان ففي حديث الشيخين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من رأى من أميره شيئًا يكره فليصبر فإن فمن فارق الجماعة شبرًا فمات كانت ميتته ميتة جاهلية""

 

وكذلك أيضًا في حديث نافع: أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية: قال: قام ابن عمر فجمع حشمه وولده وقال: " إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " يُنصب لكل غادر لواء عند اسمه يوم القيامة عند استه بقدر غدره ".

 

ثم قال: وإنا قد بايعنا هذا الرجل: فإن علمت أن أحد فيكم خلعه فهذا فيصل بينه وبينه

قال ابن تيمية: استدل ابن عمر: بهذا الحديث على حرمة الخروج على يزيد

 وكذلك أيضًا عن نافع أن بن عمر ذهب إلى عبد الله بن مطيع: وهو من كان رأسًا في قضية الحارَّة: باختصار قضية الحارَّة: كانت من أهم أسبابها ماوقع في مقتل الحسين انتفض أهل المدينة لمقتل ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت حقًا من أعظم مصائب أمة الإسلام، قال عنها ابن حزم: كانت من أعظم مصائب دولة الإسلام

قال فيها ابن كثير: وقع فيها ما لايُحد ولايُوصف مما لايعلمه إلا الله

كما ذكرنا أن من أهم أسباب موقعة الحارّة: أن أهل المدينة غضبًا للحُسين خرجوا على يزيد: فقام عبد الله بن مطيع وأعلن أن أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد فلما علم يزيد بذلك أرسل إليهم جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة: الذي سماه العلماء بعد ذلك مسرف، لأنه أسرف على نفسه بما فعل عليه من الله مايستحق، وأمره يزيد بن معاوية بأن يراجعهم ثلاثًا فإن أبوا قلتلهم، فمرت الأيام الثلاثة فما عادوا ووقعة المعركة واستُحلت مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت فاجعة عظيمة ولذلك قال المؤرخون: أن يزيد بن معاوية افتتح ولايته المشئومة بمقتل الحسين وختمها بواقعة الحارَّة

 

قُتل فيها من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبنائهم ونسائهم كانت حقًا فاجعة ومصيبة من أعظم مصائب التاريخ الإسلامي

نرجع ونقول: أن ابن عمر ذهب إلى عبد الله بن مطيع الذي كان على رأس من خرج في قضية الحارة وقال له قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من خلع يدًا لقى الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية"

فهل كان ذهاب ابن عمر لعبد الله بن مطيع تقديسًا منه لحكم يزيد كان تمجيدًا ودفاعًا عن يزيد؟

 

لا والله ماهكذا ظننا بصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل الحكمة من ذلك أن ابن عمر رأى أن يزيد بن معاوية رجل لايرقب في مؤمنٍ إلًا ولاذمة، يزيد بن معاوية الذي له حسنات تُغمر في بحر سيئاته، يزيد بن معاوية الذي فعل بأهل المدينة مافعل وإلى الله المشتكى، يزيد بن معاوية الذي عقيدتنا فيه أنه لايُسب ولايُحب، يزيد بن معاوية الناس فيه على ثلاثة فرق: منهم من يحبه ويتولاه، ومنهم من يسبه ويلعنه، والصحيح في ذلك: أنه لايُسب فأمره إلى الله عز وجل، والمسلم ليس سبَّابًا، ولايُحب لما فعله بصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم

ولذلك قال صالح ابن الإمام أحمد: يا أبي إنهم يُحبون يزيد بن معاوية فقال له: يا بُني وهل يُحب يزيد رجل يؤمن بالله واليوم الآخر؟

فقال صالح: يا أبي وهل تلعنه؟ قال: يابُني وهل رأيت أباك يلعن أحدًا؟

 

فإلى الله المشتكى، نرجع ونقول: هل

ابن عمر فعل مافعل تقديسًا وتمجيدًا ليزيد بن معاوية؟

 

لا والله بل لأن دماء المسلمين عظيمة فقد نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة وقال: " ماأعظمك وما أكرمك ولدم المسلم ولدم المسلم أعظم عند الله حرمة منكِ"

 

نعود ونقول: في الوجه الثانى من أوجه الرد على شبهة خروج الحسين: أننا لو تنزلنا أن هذا كان خروجًا فالمقدم هو شرع الله عز وجل وأدلة الكتاب والسنة على حرمة الخروج وكذلك آثار الصحابة قال: عمر بن الخطاب لسويد عن ولى الأمر: إن ضربك فاصبر وإن ظلمك فاصبر فإن أمرك بمعصية فقل سمعًا وطاعة: دمي دون ديني

يعني: الطاعة في عموم الأمر دون فعل المعصية

 

ولما سُئل ابن مسعود عن القتال في الفتنة: قال: عليكم بعِظم أُمة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يستريح برٌ أو يُستراح من فاجر

ومنا يؤيد ذلك ماذكرناه من آثار من أن صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم عارضوا الحسين في خروجه: منهم ابن عمر وابن عباس والنعمان بن بشير ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر وجابر وابن عمرو وأبو سعيد كلهم عارضوه في ذلك لأنهم كانت لهم نظرة وبصيرة في أن هذا الأمر لن يأتي بخير

أما الإجماع فقد انعقد الإجماع على حرمة الخروج على الأئمة والولاة حتى نرى كفرًا بواحًا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -

وقد نقل الإجماع: أحمد والبخاري وغيرهم من العلماء على حرمة الخروج على أئمة الجور ويُنسب أمر الخروج على أئمة الجور إلى الخوارج وإلى بعض الطوائف المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة

قال شيخ الإسلام: وأما أهل العلن فلا يرخصون لأحد في الخروج على ولاة الأمور

قال الإمام النووى: الخروج على ولاة الأمور حرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة

 وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في منهاج السنة: تبين أن الأمر كما قال أولئك، قال: لم يكن في خروج الحسين مصلحة دين ولا مصلحة دنيا لكن الرأى يصيب تارة ويُخطئ تارة

وقال أيضًا شيخ الإسلام: ولم يكاد يُعرف طائفة خرجت على سلطان إلا وفي خروجها من الفساد أعظم ما كان من الفساد الذي أزالته

وقال رحمه الله: في من يتعمد الخروج على الإمام: فلا أقاموا دينًا ولا أبقوا دنيا

وكما قال صاحب الإحياء: كالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا

وقال ابن خلدون:أحوال الثوار القائمين بغيير المنكر على أهل الجور يُعرضون أنفسهم إلى المهالك ثم يرجعون مأزورين غير مأجورين

 

قال العلامة ابن عثيمين: والحاكم وإن كان أفسق عباد الله لايُخرَج عليه: لأن مفسدة الخروج عليه أعظم بكثير من مفسدة معصيته

 

والقاعدة التي نختم بها

 ماأفلح ثوري قط واقرأوا التاريخ إن شئتم

 

هذا والله أعلم، ورد العلم إليه أسلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، اللهم لاعلم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم، ولافهم إلا مافهمتنا إنك انت السميع العليم،اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتناه، اللهم اهدنا بهداك واغننا بفضلك عمن سواك، وأنر وجوهنا برؤياك، ولاتخزنا يوم أن نلقاك، اللهم اكفنا هم الدنيا والآخرة، واغفر لنا ذنبنا أولًا وآخرًا، وأرنا النعمة ظاهرًا وباطنًا، وارضى عن صحابة نبينا وآل بيته الكرام.

ختام: تيمية: إنه لم يكن في الخروج مصلحة لا في دين ولا في دنيا. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يحصل لو قعد في بلده. فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار سببا لشر عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن. انظر المنتقى من منهاج السنة ص287-288 وألحقنا بركب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفردوس الأعلى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply