بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه وقفات مع قاعدة عظيمة النفع، وهي تنطبق على كل عقد من العقود، والله أسأل أن ينفع بها ويتقبلها.
الوقفة الأولى:
في الآية نداء من الله تعالى لأهل الإيمان، وبقدر ما يكون عند العبد من الإيمان بقدر ما يفي بالعقود التي بينه وبين الله تعالى وبينه وبين الناس؛ قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا ﴾؛ يا أيها الذين أقرُّوا بوحدانية الله، وأذعنوا له بالعبودية، وسلِّموا له الألوهة، وصدِّقوا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم في نبوته وفيما جاءهم به من عند ربهم من شرائع دينه ﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾؛ يعني: أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربَّكم، والعقود التي عاقدتموها إياه، وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقًا، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضًا، فأتِمُّوها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها، ولمن عاقدتموه منكم، بما أوجبتموه له بها على أنفسكم، ولا تنكُثُوها فتنقضوها بعد توكيدها.
الوقفة الثانية:
في دلالة الآية على الأمر بوفاء جميع العقود بجميع أنواعها الواجب منها والمستحب.
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها.
الوقفة الثالثة:
في دخول جميع العقود في الآية بكل أنواعها التي بين العبد وبين الله وبينه بين الناس.
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتَمَّ قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئًا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم، والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع، فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها.
الوقفة الرابعة:
أمثلة من فتاوى العلماء على هذه القاعدة:
السؤال: ما حكم أخذ أصحاب المحلات التجارية إيجارهم مقدمًا وأحيانًا لمدة سنة أو أكثر؟
الجواب: يجوز تقديم الأجرة وتأخيرها على حسب ما يتفق عليه المؤجر والمستأجر؛ لقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة:1]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم... »؛ الحديث، والله ولي التوفيق؛ (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز ١٩/ ٣٣٥).
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
هناك بعض أئمة المساجد والمؤذنين لهم وظائف وفي بعض الأحيان يتخلفون عن الإمامة والأذان ويبقون في الوظيفة، وأحيانًا يحضرون، وبعض المرات يوكلون من يصلي أو يؤذن بدلًا عنهم وبعض المرات لا يحضرون ولا يوكلون أحدًا، فما حكم ذلك؟
أفيدونا أثابكم الله.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الواجب على الموظف أن يقوم بواجب وظيفته سواء كانت إمامة أو أذانًا أو غيرهما؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾، وقوله: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِن الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: ٣٤]، ولا يحل للإمام أو المؤذن أن يخل بواجب وظيفتهما.
وإذا كان الإمام أو المؤذن لا يستطيع أن يقوم بالوظيفتين، فليترك إحداهما لغيره، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
كتبه محمد الصالح العثيمين في: ٢٨ /٤ /١٤١٧هـ.
وجاء في (تفسير ابن عثيمين على سورة المائدة) - وقوله: ﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ هذا عام، فأي عقد فإنه يجب الوفاء به، ولكن لا بد أن يقيد بما جاءت به الشريعة، وهو ألا يكون العقد محرمًا، فإن كان العقد محرمًا، فإن النصوص تدل على عدم الوفاء به بل على تحريم الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط».
الخاتمة:
فهذه الآية من أجمع الآيات التي يستدل بها على كل عقد واتفاق وعلى عددٍ لا يحصى من المسائل، وهذا من بركة القرآن وعظيم نفعه فله الحمد والمنة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد