حدث وحديث داخل الأسرة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن مجتمعنا الصغير داخل الأسرة يعج بحمد الله تعالى بالإيجابيات والمخرجات الطيبة، وإن هذا الواقع بحاجة إلى نشره بين الناس ليتعلم الجميع من الجميع، وحول جولة سريعة على بعض الأسر تربوياً وإيمانياً وجدناً مواقف طيبة تحتاج إلى نوع من التعليق ليعلمها الآخرون، وفي المقابل قد يكون فيه بعض المواقف السلبية نسبياً، وهي تحتاج إلى تعليق ليحذرها الآخرون، فالمؤمن مرآة أخيه، وإنك لتجد نشوة ونشاطاً عندما يحدثك أحدهم عن تجارب ومواقف تربوية تغبطه عليها.

وسأُجمل عددا من المواقف مع شيء من التعليق على كل موقف.

 

الموقف الأول: أب يقول تحاورت مع أولادي كيف نستفيد من وقتنا ويتعلم بعضنا من بعض، فجلسنا جلسة مطولة نتلاقح فيها الأفكار، فكل يدلي بدلوه فاجتمع رأينا على أن يكون لنا جلسة نصف ساعة بعد عصر الجمعة من كل أسبوع، واتفقنا على قراءة من تفسير ابن كثير رحمه الله، فيقول انتهينا من تفسير القرآن كله خلال ثلاث سنوات. انتهى الموقف

 

التعليق عليه:

إن الأسرة عندما تفكر هذا التفكير فهو علامة نجاح لها، فهي تزداد علما، وتهذب سلوكا، وتزيل جهلا، وتطمئن نفوسهم، وتنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده، فمن كانت هذه أوصافه فلا شك أن المشاكل ستزول عنه، والشياطين ستهرب منه، والملائكة ستقترب إليه، وهذه الأوصاف هي أمنية لكل أحد، فكن أخي الكريم في بيتك من هؤلاء.

 

الموقف الثاني: امرأة كبيرة في السن لم يقصر أولادها في زيارتها بشكل شبه يومي، ولكنهم حاضرون غائبون، بمعنى أنهم عند والدتهم بأجسادهم، وأما قلوبهم ونظراتهم فمع جوالاتهم، فما كان من تلك الأم إلا أن وضعت سلةً عند باب الغرفة، وقالت من أرادني منكم فليضع جواله فيها، وبعد ذلك كانوا مع والدتهم قلباً وقالباً.انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

 لنا عتب كبير على بعض أحبابنا، حيث لم يقصر في التواصل ولكن تواصلهم كأنه تحلة القسم، فيا ليت هؤلاء يستحضرون إدخال السرور وحقيقة البر ومعرفة طبيعة نفسية الكبير وآلية نقل نفسيته إلى الأحسن، وأن يكون لهذه الزيارة أثر إيجابي يبقى بعد ذهابهم، والذي يحدوهم إلى هذا كله هو الاحتساب والإخلاص.

 

الموقف الثالث: يقول أحدهم كنت أصلي الوتر في المسجد بعد صلاة العشاء، ثم جعلت صلاة الوتر بعد ذلك في البيت لأنه أفضل، ففوجئت بزوجتي تسأل عن هذه الصلاة، فقلت لها هي صلاة الوتر، فقالت وما هو الوتر؟ فكانت تجهله تماما، فشرحته وفصلته لها فاستدامت تصليه من تلك الساعة. انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

إن صلواتنا النوافل أيها الإخوة في البيت خير عظيم وكبير، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جاعل من صلاته في بيتي خيراً) رواه مسلم. وكلمة خير نكرة، فهو خير كثير للصغار ليتعلموا وللكبار ليقتدوا، وهي بذاتها علم عملي يراه أهل البيت، فاجعلوا نوافلكم رحمكم الله في بيوتكم ما استطعتم إلى هذا سبيلا، قال عليه الصلاة والسلام: (أفضل صلاة الرجل ما كان في بيته إلا المكتوبة) متفق عليه.

 

الموقف الرابع: رجل مع أسرته يسكن في الحي الذي تسكن فيه أمه، بل يشملهم مسجد واحد، بل هو مجاور لها، ومع ذلك لا يزورها إلا في الأسبوعينن مرة. انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

هذا واقع مرير لبعض الرجال حيث يكونون في المدينة نفسها مع والديهم أو في حي واحد، ثم يتأخرون في زيارتهم معتذرين بظروف للأولاد أو غيرهم، فهل فكر هؤلاء ماذا فعل بهم الوالدان حال صغارهم؟ أم هل فكروا في الأجور التي تأتيهم في زيارتهم؟ أم هل فكروا أن هذا واجب عليهم؟ أم هل فكروا أن البر سلف كما يقال؟ أم هل فكروا بدعوة تحصل لهم من والديهم يسعدون بها في الدنيا والآخرة؟ أم هل فكروا أن يصحبوا معهم أولادهم ليكون درساً لأولادهم عملياً في البر؟ فيا ليت هؤلاء يعلمون أنهم سيندمون كل الندم إذا توفي الوالدان أو أحدهما، ويا ليتهم يعلمون أن الوالد أوسط أبواب الجنة، فمتى يفيق هؤلاء وأمثالهم؟

 

الموقف الخامس: فتاة تدرس في الثانوية وتقوم كل ليلة ساعتين ساجدة وراكعة وتالية وذاكرة، لكنها في فترة الامتحانات لا تقوم إلا نصف ساعة، فهي تستفتي أحد المشايخ، هل هي معذورة في تلك الأيام؟ ويُكتب لها تلك الساعتان نظراً لانشغالها بالامتحانات؟ انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

هنيئا لتلك الأسرة بتلك الفتاة، وهنيئا لمجتمع فيه تلك النماذج الحية، ما واقع فتياتنا وفتياننا في ليلهم؟ كل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، فهل أنا وأنت وأنتي نسعى في تربيتنا لنحظى بمثل تلك الفتاة؟

ابحث رحمك الله في ذريتك، لعل بوادر خير موجودة تحتاج إلى من يُذكيها، وإن أول خطوة في صلاح الذرية هو صلاح الوالدين أنفسهما فهما قدوة وأسوة، فلعلكما وفقتما وبوركتما تسعيان حثيثا لتحصيل ذلك.

 

الموقف السادس: أسرة من الأسر بادر أحدهم فوضع حصالة صغيرة في مكان بارز من البيت وكتب عليها بعض الإرشادات عن الصدقة وفضلها، فكان أهل البيت ينفقون ويتصدقون ويبذلون، وربما كان ذلك في السر أحيانا، ثم تُفتح تلك الحصالة شهرياً فتدفع للفقراء. انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

 ما أجمل إحياء القيم الإيجابية عند الأولاد بواقع عملي مثل ذلك، فهؤلاء اعتادوا السخاء والبذل، ونشأ صغيرهم على هذا، وشاب كبيرهم عليه، ولك أن تسأل كم تصدق هؤلاء عن هذا الطريق بصدقة سر التي صاحبها تحت العرش؟ فهنيئا لهم، ولنا بهم أسوة أن نفعل كما فعلوا، فالقليل مع القليل كثير، فبادر بتأسيسها لتحظى بمثل أجورهم.

 

الموقف السابع: رجل كبير في السن يزور أقرباءه ويصل رحمه، ومن ضمن المزارين نساء وفتيات حديثات الزواج من محارمه وعندما يقولون له لا تتعب نفسك فالحق علينا وليس عليك، يقول لهن أنا أقدر منكن على الزيارة لأنكن مرتبطات بأزواج وأولاد. انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

 ما أجمل التواضع وحسن الخلق، فهو لم يمكث في بيته على كبر سنه ويطالبهم بالزيارة، بل إنه بادر ووصل رحمه وضرب مثالاً عظيماً للعائلة في ذلك، فيا ليت قاطعي الرحم والأعمام والأخوال يدرسون مثل حياة هذا الرجل.

 

الموقف السابع: يقول أحدهم وضعت جلسة ذكر مع أولادي، واستمرت هذه الجلسة مدة طويلة تصل إلى أربعين سنة بلا مبالغة، وآخر يقول وضعتها منذ سنين ونحن على ذلك، وكل منهما يقول لابد من وجود تلك الجلسة قصرت أم طالت يوميا. انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

لنا أن نتساءل معاشر الإخوة والأخوات ما الذي وجده هذا وأمثاله من تلك الجلسة؟ إنهم وجدوا الطمأنينة والسكينة وتنزل الملائكة والخير والعلم الغزير الكثير، وهذه مطالب للجميع، لكنها عند البعض واقعاً يعايشه، وعند البعض الآخر أماني فقط، فلننسارع يا أفاضل إلى إيجاد تلك الجلسة في بيوتنا، ولو كانت قصيرة ولنستمر عليها، ففيها من الخير ما لا يعلمه إلا الله.

 

الموقف الثامن: يقول أحدهم عند إيقاظي لأولادي لصلاة الفجر أشتد عليهم أحيانا نظراً لسهرهم وعجزهم وثقلهم وتأخرهم ويخرج مني بعض الكلمات الشديدة، فحاولت أن استبدل ذلك بكلمات طيبة كالسلام عليهم، وأدعو لهم وأقول اللهم اهدهم اللهم أيقظهم، اللهم أعني وإياهم على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ثم أسبح وأهلل فيسمعون ذلك فيقول رأيت منهم عجباً في سرعة الاستيقاظ.

ما أجمل الصبر والمصابرة والتحمل وبعد النظر، والكلمات أيها الإخوة والأخوات إذا خرجت إنما هي مجموعة حروف قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية، فانتق كلماتك، لتوقظ وتربي في الوقت نفسه.

 

الموقف التاسع: يقول: سألت ابني هل تقرأ آية الكرسي عند النوم؟ وسألته عن بعض الأذكار، فكانت الإجابة ضعيفة مع أنه يحفظ نصف القرآن فأرشدته وحسنت حاله. انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

ما أجمل أن نسأل أولادنا مثل تلك الأسئلة حتى نؤكد هذه المعاني في واقعهم ونتذاكر معهم فنكسب وإياهم الأجور المضاعفة بخلاف من تركهم فقد يجهلون الأبجديات من الأذكار والسنن.

 

الموقف العاشر والأخير: رجل عمره سبعون عاما دعاه صاحبه إلى وليمة زواج فلما قرب الموعد وكان ذلك عزيزاً عليه وذا منزلة عالية، إعتذر منه في يوم الزواج، وقال هذا الرجل السبعيني: إن السبب في ذلك هو أن الوالدة لم تأذن لي بالذهاب فلم أكن لأعصيها. انتهى الموقف.

 

التعليق عليه:

انظروا إلى قمة العزة بطاعة الوالدين فلم يقل أنا رجل كبير، وذو منصب، وأيضا من جانب آخر لم يعط والدته كلاماً تجعله يذهب إلى وليمة الزواج، علماً أنه يستطيع إقناعها، لكنه اعتز بمنع أمه له على كبر سنه، فأين أولادنا الذين أحياناً يجبنون أن يذكروا منع والديهم لهم؟ وربما إذا منعهم الوالدان أو أحدهما وقفوا على رؤوسهم ملحين إلحاحاً شديداً بتحقيق الإذن حتى يؤذن لهم من غير رضى.

 

اللهم أصلح نيتنا وذرياتنا وأعمالنا ووصلنا دار السلام بسلام.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply