الأسرة والإجازة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن الترويح عن النفس أمر مطلوب؛ لأن القلوب والأنفس قد تكل وتتعب؛ لذا فإنها تحتاج إلى ترويح يعيد لها نشاطها وجديتها، ومع هذا نقول: إن الوقت هو رأس مال المسلم في هذه الحياة، ولأهميته أقسم الله تعالى به في آيات عديدة؛ كقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ [العصر: 1]، ﴿ وَالْفَجْرِ ﴾ [الفجر: 1]، ﴿ وَالضُّحَى ﴾ [الضحى: 1]، إلى غير ذلك، فهي إقسامات من الله تبارك وتعالى بالوقت، وإن عمر الإنسان في هذه الدنيا هو موسم الزرع، وفي الآخرة يكون الحصاد، والمراوحة بين الجد والمرح منهج شرعي؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة: ((ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة، قالها ثلاثًا))؛ رواه مسلم.

 

وهذه الإجازة هي مزيج من الأهداف والوسائل والاتجاهات ونحو ذلك، فهي في مجملها توسعة على الناس؛ لتؤخذ الراحة بشكل أكبر، ثم يعود الإنسان إلى عمله ونشاطه، ولنا مع هذه الإجازة همسات ومقترحات:

الهمسة الأولى: الإجازة هي فترة من عمر الإنسان، يتناول فيها ما يناسبها، منوعًا في النشاطات، معدِّدًا في المهارات، فمنها: السفر والزيارات والرحلات، والدورات التدريبية، والأنشطة التجارية، والمجالات الثقافية، وغير ذلك مما يتفاوت الناس فيه، فكلٌّ يأخذ ما يراه مكملًا لحاجته؛ فهي فرصة لسد الخلل وتكميله.

 

الهمسة الثانية: في الإجازة تكثُر السفريات والرحلات ونحوها، فلا تنسَ أخي الكريم عند خروجك من بيتك إلى هذه الأشياء أن تتحصَّن بالهداية والكفاية والوقاية، وذلك بقولك عند خروجك من بيتك: ((بسم الله، توكَّلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيُقال لك: هُديتَ وكُفيتَ ووُقيتَ، ويتنحى عنك الشيطان))؛ فحافظ على هذه الكلمات، وحفِّظها لأولادك صغارًا وكبارًا.

 

الهمسة الثالثة: اعلم أنك إذا سافرت، فأنت من خروجك إلى رجوعك تخوض في ساعة الإجابة، فدعاء المسافر هو إحدى الدعوات المستجابات، فالْهج بالدعاء قائمًا وقاعدًا وماشيًا وراكبًا، وعلى كل أحوالك، ولو بكلمات قليلة، فما تدري متى تكون الإجابة.

 

الهمسة الرابعة: إذا سافرت للنزهة والتجوال، فاعلَم أنك بحفظ الله ورعايته، فاعتصم به وتوكَّل عليه، واعلم أن كل ما تحتاجه في سفرك هو عطاء من الله تعالى لك، وفضل منه عليك، فقابل يا رعاك الله ذلك بالشكر القولي والفعلي والقلبي، فتتجنَّب مواطن الردى التي من خلالها تُكسب السيئات، وكن حريصًا على البعد عنها، فإن رعيَّتك أمانة في عنقك، وقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، فمخالطة هذه المجالس السيئة، تجعل الجوارح كلها متلطخة بالمعصية والذنب، وليس هذا من شكر المنعم على عطائه وفضله.

 

الهمسة الخامسة: للرحلات والسفريات آداب يجب مراعاتها، بما يتعلق بالأمكنة، أو بالبيع والشراء، أو المعاملة، أو المحادثة والمجالسة، وغير ذلك؛ فكن حريصًا على تطبيقها لتسعد أنت وليسعد غيرك، ومن الآداب: كثرة السلام، والكلمة الطيبة، وبذل المعروف، وإعانة المحتاج، واحترام النعمة، وعدم الإسراف، وغير ذلك مما لو طبقه الناس جميعًا، لسعدوا جميعًا؛ لأنك بتطبيقك لهذه الآداب وأمثالها تكسب مكسبين عظيمين؛ الأول: هو الأجر والثواب المترتب عليها، واعلم أن الجزاء من جنس العمل، والثاني: أن غيرك يسعد بمعاملتك، وتسعد أنت بمعاملته، فهي سعادة للجميع.

 

الهمسة السادسة: لا بد في الرحلات والسفريات ونحوها أن تكون المرأة متسترة ومتحجبة، غير متبرجة؛ لأن الله تعالى عندما رزقها هذه النعم من كل وجه، طلب منها أن تحتجب عن غير محارمها، وتكون حَصانًا رَزانًا، تتصف بالحياء الذي هو من صفات العابدات الصالحات، أما المرأة الكاشفة والمتبرجة، فإن هذا مخالف لصريح القرآن والسنة وأقوال السلف.

 

الهمسة السابعة: مما لا شك فيه أن العادات إذا صاحبتها النية الصالحة صارت عبادة، فالترفيه في الرحلات والسفريات إذا نوى صاحبه السير في الأرض، والتفكر والتأمل، وإدخال السرور على الرفقة من الأهل والأصحاب - فإن هذه النية تؤثر في قبول العمل وعلو درجته؛ فاستحضر هذا يا رعاك الله.

 

الهمسة الثامنة: إن الحياء خلق رفيع، وقيمة عالية من القيم الاجتماعية والشرعية؛ فيجب على الأسرة جميعًا أن يتصفوا به في رحلاتهم وسفرياتهم؛ لتستقيم أمورهم فيما بينهم ومع غيرهم، فقد يوجد من بعض النساء هداهن الله أنها قد تستحي في بيتها، لكن إذا خرجت قل حياؤها، وهذا ملحظ خطير وكبير، فالأصل فيها هو الحياء والستر، والبعد عن أماكن الرجال في المصايف والاجتماعات.

 

الهمسة التاسعة: حاول ألا يتصف ليلك بالسهر؛ حتى لا تتعطل مصالحك، فإن الليل سكن والنهار معاش، ولكن إن بقيت لظرف أو لآخر إلى الثلث الأخير من الليل في حَلِّك أو تَرحالك، فلا تنسَ أن ترفع دعواتك وطلباتك؛ فأنت في ساعة إجابة، فادعُ الله من خيري الدنيا والآخرة لك وللمسلمين.

 

الهمسة العاشرة: قد يقول بعض الأولياء: أترك الأولاد وما يشاؤون خلال هذه الإجازة، ليعملوا ما يعملوا ليرتاحوا، ونحو تلك العبارات، وهذا لا شك أنه خلل تربوي، وإن راحتهم لا تمنع من إرشادهم إلى ما فيه خيرهم دنيا ودينًا؛ حتى لا يخسروا ما كسبوا سابقًا؛ لأنهم قد لا يدركون بأنفسهم كامل مصالحهم.

 

الهمسة الحادية عشرة: كم هو جميل أن يكتب الأولاد والبنات شيئًا من الأهداف - ولو كانت يسيرة وسريعة - مع ترفيههم وراحتهم، فإن هذا وذاك لا يتعارضان، فكتابة الهدف، واختيار الوسائل لتحقيقه من قبل المربي أو الوالدين - له أثر كبير في سلوك الأولاد وتربيتهم، وتختلف الأهداف من شخص لآخر، لكن من المقترح أن يكتب كل ما يريد في ورقة مسودة، تجمع عددًا من الأهداف والوسائل، وهذه تسمى جولة العصف الذهني، ثم يأتي إلى الجولة الأخرى جولة للترتيب والانتقاء، فينتقي ما يراه مناسبًا مما كتبه في المسودة، ويعمل على تحقيقها.

 

الهمسة الثانية عشرة: لنعلم معاشر الأولياء أن كل ربح يحصل لأولادنا، إنما هو في حقيقته لنا، وأن كل خسارة تحصل لهم، إنما هي في حقيقتها خسارة لنا؛ لأنهم من كسبنا، وهم أبناؤنا؛ فلنحرص كثيرًا على تربيتهم في شغل أوقاتهم بما يفيد.

 

هذه ثنتا عشرة همسة حول الإجازة، وإليك أخي الكريم بعض المقترحات في الإجازة، لعلها أن تكون رديفًا لما لديك؛ فهي ترتب العمل والوقت والجهد:

المقترح الأول: حفظ شيء من كتاب الله تعالى، ولو لم يكن كثيرًا، أو مراجعة المحفوظ السابق، وليس هذا خاصًّا بالصغار والشباب فقط، ولكنه حتى لكبار السن؛ فهذا من طلب العلم والعمل الصالح، فإن في مجتمعنا تسعينيين وثمانينيين من أعمارهم بدأوا حفظ القرآن من الرجال والنساء، فاحرص أن تكون واحدًا منهم، فحلق الكبار تنادي: هلمَّ إلينا.

 

المقترح الثاني: النزول لسوق العمل، والعمل الحر من أفضل الكسب؛ وقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ((من أمسى كالًّا من عمل يده، غُفر له))، فإن في هذا العمل خيري الدنيا والآخرة لمن صحت نيته، وقد تكون الإجازة انطلاقًا لعمل تجاري كبير، ولهذا شواهد كثيرة من الواقع ولله الحمد، لا يتسع المقام لذكرها.

 

المقترح الثالث: المشاركة في الدورات التدريبية، حسب ما يحتاجه الفرد في عمله أو دراسته أو غيرهما، وربما أنجز عددًا من الدورات خلال الإجازة.

 

المقترح الرابع: السفر لصلة الرحم للأبعدين من الأقارب، ورؤيتهم والجلوس معهم، فهذا من أفضل الأعمال، وبه ترفع القطيعة ويحصل التواصل، وهو خير كله.

 

المقترح الخامس: السفر للعمرة، ومراعاة آدابها وأحكامها، واستثمار اللحظات في تلك البقاع الطاهرة، ثم الذهاب للمسجد النبوي في المدينة، وهذا خير عظيم، فالصلاة في مكة بمائة ألف صلاة، والصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة، وهذا خير عظيم وكبير.

 

المقترح السادس: برنامج السؤال الأسبوعي، وفكرته هي أن يُعلَّق في البيت في كل أسبوع سؤالٌ تربوي، ثم تُطلب إجابته في نهاية الأسبوع، وبعد جمع الإجابات يوضع الجواب الصحيح، وهكذا في باقي الأسئلة، ويكون التكريم فوريًّا أو شهريًّا عن طريق جمع النقاط؛ فسيتعلم الأولاد البحث عن المعلومة بطريقة ظريفة وسهلة.

 

المقترح السابع: الدراسة الصيفية عن طريق الفصول الصيفية؛ فلا شك أنها تخفف من أعباء الدراسة خلال الفصلين الدراسيين، وتعجل بزمن التخرج.

 

المقترح الثامن: أن يحفظ الأولاد خلال الإجازة في كل أسبوع حديثين، أو ذِكرين من السنة العملية التي تمر عليهم في يومهم وليلتهم، ولم يحفظوها من قبل، وتكون هذه الإجازة انطلاقة لهم في العلم والعمل طول عمرهم.

 

أخي الكريم وأختي الكريمة، الإجازة هي محطة ثالثة للفصلين الدراسيين مكملة لهما، وليست هادمة، وإن سلوكنا يجعلها سلبية أو إيجابية، وكل الناس يغدو فيعمل، فمعتق نفسه أو موبقها، فاحرص تمامًا على أن يكون لك في إجازاتك بعض المخرجات التي تحتاجها شخصيتك الكريمة؛ فهي فرصة مباركة أن تتكامل فيها بناء الشخصية الفذة لنا جميعًا.

 

وفقنا الله تعالى لكل خير، وإلى حلقة أخرى إن شاء الله تعالى

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply