أولادنا والصلاة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن مما هو مستقر في الأذهان والعقول بحمد الله تعالى وجوبَ تأدية تلك الصلاة كما أمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لكثرة النصوص من الوحْيَيْنِ في ذلك الموضوع، ولأن الصلاة صلة بين العبد وربه، ولأنها عماد الإسلام، ولأنها الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي من الفوارق العظيمة بين الإسلام والكفر، وهنا نتساءل: هل واقعنا وواقع أولادنا يعكس تلك الأهمية في فعلها وتأديتها؟ إن المقارِنَ بين ما يجب تجاه الصلاة وبين الواقع، يجد فرقًا كبيرًا وبونًا شاسعًا؛ وذلك لأنها في الحقيقة لم تأخذ من أذهاننا وعقولنا واهتمامنا ما يجب أن يكون لها، وفي نظرة فاحصة لواقع أولادنا مع الصلاة نجدهم أصنافًا عدة؛ فمنهم المحافظ المتقن لها، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء، ومنهم من يتساهل في أذكارها وأفعالها وأوقاتها، ومنهم غير ذلك، وسيكون الحديث عن واقع أولادنا مع الصلاة ضمن عشرين وصية، فلنحاول جميعًا تنمية الواقع الإيجابي لهم وتغيير الواقع السلبي؛ حتى ينشؤوا محبين لها متقنين لها في أفعالها وأقوالها.

 

الوصية الأولى: مما لا شكَّ فيه أن الآباء والأمهات هم موضع القدوة لأولادهم في اهتمامهم بها وقتًا وذكرًا وتأديةً وتعظيمًا؛ ما ينعكس إيجابًا على الأولاد، فيحذون حذوهم في الغالب، وهمسة أهمسها في آذان الوالدين حفظهم الله أن أظهِرا اهتمامكما بها أمام أولادكم؛ حتى يستقوا منكما ذلك الاهتمام؛ مما يجعل ذلك سجية لهم.

 

الوصية الثانية: لا بد أن يضع الوالدان الكريمان منهجية يسلكونها في توعية الأولاد في أمر الصلاة، ويتابعونها، ولا يكتفون بإلقاء بعض الكُلَيْمات عليهم أحيانًا، بل لو سألتَ أحدهم: هل وضعت جدولة محررة، وطبقتها على أولادك توعية لهم؟ لربما قال: لا، فكيف نريد النتيجة الإيجابية التامة ونحن لم نسلك مسلكها، فهذه المنهجية جديرة بالاهتمام؛ لأن مقام الصلاة عظيم، فكانت المنهجية كذلك عظيمة.

 

الوصية الثالثة: إن اصطحاب الأولاد إلى المسجد غاية في التربية والاقتداء؛ فسيتعلمون آداب المشي إلى الصلاة في أذكارها وتأديتها وطمأنينتها، فلو حصل هذا - ولو أحيانًا - فله الأثر الكبير في الاقتداء، لا سيما إذا صاحَبَهُ تثقيفٌ عن أمر الصلاة وأهميتها خلال المشي إليها بين الولد وأبيه.

 

الوصية الرابعة: يستثمر الوالدان وسائلَ التواصل في شيء مكتوب أو صوتي عن الاهتمام بالصلاة وأحكامها ومسائلها، سواء من الوالدين نفسيهما، أو مقاطع لأهل العلم والتربية تُرسل إلى الابن والبنت، فسيأخذونها باهتمام خصوصًا أنها جاءت من أبيه وعلى الخاص أيضًا، فهذا له شأنه الكبير في المعرفة.

 

الوصية الخامسة: لعله من المناسب أن تقوم الأسرة بمسمَّاها العام بوضع مسابقة عبر وسائل التواصل في شأن الصلاة ومسائلها وأحكامها والاهتمام بها؛ مما يجعل الجميع يتفاعل معها كبارًا وصغارًا ثم يُكرم الفائزون، وذلك لمدة شهر مثلًا بواقع يومين من كل أسبوع، ففي كل أسبوع سؤالان، فلهذه أثرها الإيجابي ومخرجاتها الطيبة.

 

الوصية السادسة: على المعلمين في المدارس وفي جميع المراحل وضع برنامج يخص الصلاة، ومما يُقترح في هذا استحداثُ دورة بعنوان: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، يتم إلقاؤها على الطلاب بحيث تلقى مرارًا على هيئة دفعات للطلاب، ولا يكون جميعهم دفعة واحدة؛ حتى يتحقق الهدف من ذلك، فلو أُلقيت تلك الدورة كل أسبوع على فصل من فصول المدرسة، لكان لذلك الأثر الكبير الواضح، مع ما يتبع هذا من ملصقات توعوية في نواحي المدرسة ومصلاها تخدم هذا الجانب.

 

الوصية السابعة: وعلى الآباء وأرباب الأسر أن يقوموا أيضًا بتلك الدورة عن الصلاة في بيوتهم وعلى أولادهم، وكم هو جميل أن يُجمع شباب الأسرة عامة، ويُستضاف لهم أحد رجال التربية، ثم يلقي تلك الدورات عليهم؛ مما يكون له كبير الأثر! وليس ذلك بكبير ولا كثير على موضوع الصلاة.

 

الوصية الثامنة: من المهم استثمار المجالس العائلية المنزلية بالحديث عن بعض الجوانب عن الصلاة وأهميتها، ومعالجة بعض المشكلات سواء في أقوالها أو أفعالها إرشادًا وتوجيهًا، ولكن في مثل هذه المجالس نجتنب العتاب الواضح؛ حتى لا ينفر الأولاد عن مجالسنا، وليكن عتابنا ثنائيًّا بيننا وبينهم فيما بعد.

 

الوصية التاسعة: هل ألقينا نظرة فاحصة على صلاة أبنائنا في تأديتها وصححنا أخطاءهم؟ فإن هذا يساعد كثيرًا في الاهتمام بها؛ ففي صلاتهم خللٌ لا بد من تصويبه، والآباء والأمهات هم في قائمة المسؤولين عن هذا الخلل، فعلِّموهم وأرشدوا من يعلمهم؛ فإنكم مسؤولون عن هذا الخلل إذا علِمتموه ثم تركتموه.

 

الوصية العاشرة: هل تم مع أبنائنا جلسات ثنائية حسب الزمان والمكان المناسبين للحديث عن هذا الموضوع، وبيانه وآثاره، ثم متابعة ذلك فيما بعد؟ إن تلك الجلسات تساهم كثيرًا في صلاح الحال والمآل.

 

الوصية الحادية عشرة: بقاء الولد في فراشه حتى يقترب موعد الدراسة، ثم يقوم فينقرها نقرًا خارج وقتها، ثم ينصرف إلى مدرسته، هذا الواقع مسؤولية من؟ لا شك أن الوالدين مسؤولان عن هذا تمامًا، فالأمر جِدٌّ عظيم، وليتعرف الوالدان الكريمان حفظهم الله على الأثر السلبي لذلك الفعل على الابن نفسه في الدنيا والآخرة، فاستعجلا وعالجا ذلك ما دام الأمر ممكنًا، وقبل أن يستفحل وينشأ الابن على ذلك؛ فيصعب العلاج حينها.

 

الوصية الثانية عشرة: الوالدان اللذان بذلا أسبابًا لإيقاظ الأولاد لصلاة الفجر، ولم يفلحوا في هذا الأمر، هل توقفوا عند ذلك أو طلبوا الاستشارة من التربويين وأهل العلم؟ فإن التوقف عند الأسباب المبذولة قد يكون نوعًا من التقصير، بل اسألوا غيركم عن هذا، فستجدون حلولًا لم تخطر على أذهانكم.

 

الوصية الثالثة عشرة: عندما يمرض أحد الأولاد - لا قدر الله - فإن شفقة الوالدين قد لا تتوقف عند أحدٍ قريب في الطب إذا لم يُشفَ الولد، بل يبحثون عن أطباء آخرين حاذقين، فكونوا كذلك في أمور دينهم وصلاتهم، فاستشيروا غيركم وعالجوا مشكلتكم عند الكثير من أهل العلم والتربية.

 

الوصية الرابعة عشرة: ماذا عن أحكام الصلاة ومسائلها وأذكارها؟ هل يعرفها أولادنا؟ فمن المقترح أن يجعل الوالدان لأولادهم منهجًا في ذلك يرَونه مناسبًا حسب طبيعة تلك الأسرة، وبالوسيلة المناسبة لهم في بيان أحكام الصلاة وأركانها ومسائلها.

 

الوصية الخامسة عشرة: هل أولادنا محافظون على الأذكار بعد الصلاة؟ فنراهم سريعًا ما ينصرفون بعد صلاتهم، فيا ليت أن يقوم الوالدان بالتوعية في هذا؛ لأن هذا من المكملات للفريضة ومن وسائل الاهتمام بها.

 

الوصية السادسة عشرة: من أهم الوسائل في توعية الأولاد في موضوع الصلاة ما يلي:

الجلسات الثنائية، ومعلم المدرسة، ومعلم الحلقة، وإمام المسجد، ومؤذن المسجد، والجار المناسب، والصديق المناسب، ونحوهم، فمن الممكن أن نطلب من هؤلاء ونحوهم المشاركةَ معنا في توعية أولادنا في صلاتهم؛ فلهم الأثر الكبير عليهم.

 

الوصية السابعة عشرة: الأذكار الصباحية والمسائية والمحافظة عليها لها دورها الكبير في إعانة المسلم على أمور دينه ودنياه، فهل أولادنا يعرفونها ويحافظون عليها؟

 

الوصية الثامنة عشرة: من الجميل أن نذكُرَ لأولادنا قصصًا من الماضي والحاضر في جانب الاهتمام في أمر الصلاة، فإن هذا الأسلوب القصصي يمثل علاجًا كبيرًا للمشكلة والوقاية منها.

 

الوصية التاسعة عشرة: على الوالدين أن يُكثرا ولا يسأما من الدعاء لأولادهم بأن يكونوا صالحين مصلحين، وأيضًا كقولهم: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [إبراهيم: 40]، ونحو ذلك، فليتحرَّوا أوقات الإجابة في دعواتهم؛ فإن الله عز وجل قريب مجيب.

 

الوصية العشرون: الاهتمام بالنوافل القبلية والبعدية للصلوات مهمٌّ جدًّا لنا ولأولادنا؛ فإن هذا يحرس الفرائض عن نقصها ويكملها ويرقعها.

 

فيا معشر الآباء والأمهات، هذه عشرون وصية، لنحرِصْ على تفعيلها على أنفسنا وأولادنا ولا نسأم؛ فإن هذه الذرية عطاء من الله تعالى، وعلى هذا العطاء سؤال كبير وعظيم، فلنقُمْ بالواجب تجاههم؛ فإننا مسؤولون عنهم، فعالجوا وناقشوا واستشيروا وابذلوا الجهود الممكنة، وشجعوهم عندما ترَون منهم ما يسركم، ولا تتوقفوا على العتاب عند الخلل، وتنسَوا الشكر عند العمل، فشجعوهم وسددوهم، وإذا علِم اللهُ تعالى صدقَ النية أعان.

 

أصلح الله لنا نياتنا وذرياتنا، وجعلهم قرة عين لنا ولأمَّتِهم، ونفع بهم البلاد والعباد، وثبتنا وإياهم على الحق في الدنيا والآخرة.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply