بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من أهم الأسباب لنجاح الأسرة التفاهم والحوار بين أفرادها، وهذا الحوار يبني الأسرة إذا كان بنّاءا ومفيدا، وقد يهدمها إذا كان جدالا عقيما، فلابد من معرفة آداب الحوار الناجح وسلوكها، وعلى الوالدين الكريمين أثناء الحوار أن يكون لديهما بُعد نظر وصبر وروية، فإن حوار الأولاد يعتريه النقص، فلابد من التريث والصبر، وسأذكر حوارا تربويا بين ابن وأبيه، لعله أن يفتح آفاقا، ويزيل جهلا، ويحرك فكرا، ويسد ثغرة، ويجيب على إشكالات متوقعة، فإلى الحوار التالي:
قال الابن: يا والدي العزيز كان حوارنا بالأمس حول التكليف الشرعي للأولاد، فمتى يكون ذلك؟ قال الأب نعم يا بني لقد جعل الشرع الحكيم شيئاً يفصل الصغير عن الكبير وهو علامات البلوغ، فإذا حصل منها شيء فينتقل ذلك الصغير إلى أن يكون كبيراً مكلفا، وهذه العلامات هي:
أولا إنزال المني.
ثانيا: إنبات شعر العانة، وهو الشعر الذي ينبت فوق فرج المرأة وذكر الرجل.
ثالثا: بلوغ خمسة عشر عاماً
وقد تزيد المرأة أمراً رابعاً وهو خروج دم الحيض.
فأول علامة تحصل من هذه العلامات عند الذكر أو الأنثى يكون قد انتقل من الصغر إلى الكبر وصار مكلفا.
قال لإبن يا أبت هذه بداية التكليف، فما هو التكليف؟ قال الأب: هو أنك في السابق مرفوع عنك القلم، وأما الآن حيث حصل إحدى هذه العلامات فقد وجبت عليك الفرائض في الدين، كما تجب على الرجال الكبار، كالصلاة والصيام والحج وسائر الفرائض، وتسجل عليك السيئات كالكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الحرام وغيرها من المحرمات.
قال الابن: يا أبت عندما يكون الابن مبتلى بأب غير مطيع لله فيربيه على ما لا يرضي الله من المحرمات، فهل هذا عذر لهذا الابن عند الله تعالى؟
قال الأب: يا بني لا يعذر الابن بذلك، فإذا أمر الأب بالمعصية فلا يطاع ولكن يتعامل معه بالحسنى، أما أنت يا بني من حين بلغت فعليك حسابك وعلى أبيك حسابه، وإذا فعلت مثلما يفعل من المعصية فعليك وزرك وعليه وزره.
قال الابن: يا ابت أفهم من هذا أن الشاب البالغ الذي لا يوقظه أهله لصلاة الفجر لا يكون معذورا؟
قال الأب نعم، لأنه هو يتحمل المسئولية الخاصة وعلى والديه مسؤليتهما، فإذا لم يوقظه أهله فليفعل الأسباب المعينة وهي كثيرة بحمد الله تعالى.
قال الابن: يا ابت ما هي وصيتك لي وقد بلغت تلك المرحلة.
قال الأب: إن انتقالك لهذه المرحلة يستوجب منك أن تفكر كثيراً في نفسك، وأن تراجع حياتك، وأن تعلم أن كل شيء يُكتب عليك أو لك، فاحرص على تعلم شعائر الدين وحافظ عليها واحفظ حسناتك وكفر عن سيئاتك.
قال الابن: يا ابت قد أمرتني أن أختار أصدقائي بأن يكونوا صالحين، فما هي أوصاف هؤلاء؟
قال الأب أوصافهم كثيرة لكن من أهمها أن تكسب من خلالهم الخير والحسنات فيكونوا صادقين ذوي أخلاق حسنة، ألسنتهم نزيهة أسماعهم بريئة، أعينهم أمينة غير خائنة، قلوبهم سليمة، يحثونك على الخير، ويحذرونك من الشر.
قال الابن يا أبت بعض الشباب حينما ينصحه أحد بترك الزميل السيئ يقول هذا ابن عمي أو ابن خالي أو جاري، فما رأيك؟
قال الأب إن جليس السوء الذي لا تصلح مجالسته هو من يدعوك إلى المعصية أيا كان سواء كان قريباً أو جاراً أو غيرهما.
قال الابن: يا أبت إن بعض الشباب يجلس مع جليس سوء ويقول عن نفسه بأنه لن يتأثر به، فما رأيك بهذا؟
قال الأب: أبدا يا بني، إن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من مجالسة جلساء السوء، وأخبرنا أنه مثل نافخ الكير فلا بد أن يتأثر به جليسه ولو بسمعته السيئة، ولكن إن لم يتأثر به في الدنيا فجلوسه معه محبة لهم، والمرء يحشر يوم القيامة مع من أحب.
قال الابن: يا ابت هل هو صحيح أن مرحلة المراهقة مرحلة طيش وضياع؟
قال الأب أبدا يا بني هذا غير صحيح، فالشاب عندما يصل إلى هذه المرحلة كما تُخلق فيه الشهوات والغرائز، فكذلك يوفقه الله تعالى نحو التدين والإقبال عليه، وهؤلاء الذين تراهم ضائعين وتائهين لأنهم أعرضوا عن دين الله تعالى، وانساقوا وراء شهواتهم وغرائزهم.
قال الابن: لماذا يا أبت نرى بعض الشباب يعيشون حالة الطيش؟
قال الأب: إن الشباب يابني طاقة، فإذا لم تُصرف فيما ينفع صُرفت في اللهو والعبث، وهي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
قال الأبن: يا ابت لماذا بعض الناس ينظرون إلى الشاب حتى بعد بلوغه نظرة استصغار وطفولة أحيانا؟
قال الأب: هذا يعود يا ابني إلى أسباب كثيرة منها:
أولا: أن بعض الشباب يبلغ وما يزال سلوكه لم يتغير إلى الأحسن، فيعامله الناس على أنه صغير فلابد أن يكون سلوكه أحسن من ذي قبل.
الثاني: أن الشاب في تلك المرحلة يسمع لأصدقائه ربما أكثر مما يسمع لوالديه، وهذا خطأ.
قال الابن: إذا ما هو الأسلوب المناسب للشاب في تلك المرحلة؟
قال الأب الأنسب للشاب أن يقنع الناس أنه أصبح رجلا، وذلك من خلال تغييره لأسلوب حياته بحيث يتجاوز اهتمامات الصغار والأطفال، ويحاول أن يعيش بأخلاق الرجال الكبار، ومن ذلك أن يحترم الكبار، وأنه إذا كلفه أحد بشيء قام به على ما يرام حتى يفهم الناس منه ذلك التغيير إلى الرجولة.
قال الابن: ولكن يا ابت عندما يغضب الشاب فماذا يفعل؟ قال الأب يا ابني إن الإنسان العاقل هو من لا يستجيب لدافع الغضب حين يثور، وعلينا جميعاً بأننا إذا غضبنا أن نستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم وأن نغير مكاننا وكلامنا فإن الشيطان يستغل غضب الإنسان فيقوده إلى ما يُسخط الله تعالى.
قال الابن: يا أبت رأيت بعض الشباب يُسيء إلى والديه في المعاملة بحجة أنهما لا يحققان بعض ما يريد، قال الأب: هذا مما يؤسف له يا بني أن يرفع الصوت على والديه وهما قد تعبا في تربيته وتوفير المأكل والمشرب له ناسياً الحق العظيم وهو البر، فلو استعرض يا بني هذا الشاب العاق حال صغره ورحمة أبويه به لترك العقوق، ولو علم بأن رضا الله تعالى برضا الوالدين لترك العقوق، ولو علم أنهما هما سبب وجوده في الدنيا لترك العقوق، ولكن تخفى هذه الأشياء على بعض الشباب فإياك أن تكون منهم.
قال الابن: يا أبت لننقل حوارنا إلى الجو المدرسي، فما توصيني به في دراستي؟
قال الأب أوصيك أولاً بأن يكون ما تطلبه من علم إنما هو لله تعالى، مطبقاً ما تسمع محافظاً عليه محترماً لمعلمك وزميلك.
قال الإبن: وكيف أجعل العلم لله تعالى؟
قال الأب: سُئل الإمام أحمد رحمه الله هذا السؤال، فقال رحمه الله: تنوي بذلك رفع الجهل عن نفسك وعن غيرك.
فإذا عرفت يا بني حكماً في مسألة ما فحاول أن تفيد جلسائك وأهلك بهذا.
قال الابن: إذن يا ابنتي لماذا لا نجعل في بيتنا مجلساً للعلم وحلقة للذكر؟
فقال الأب ما أجمل ما طلبت وأحسنه، اجمع إخوانك وأخواتك لنحيي بيتنا بالذكر والعلم.
قال الابن: فما تنصحني به في مجال القراءة الثقافية؟
قال الأب: إن القراءة هي غذاء العقل، كما أن الطعام غذاء الجسم، فلا ينمو العقل إذا لم تقرأ، فاجعل لك ولو نصيباً يسيرا.
قال الابن فما توجيهك لي يا أبت؟
قال الأب: اقترح عليك أن تجعل لك كتابا اسمه (كتاب الأسبوع)، ففي كل أسبوع كتاب، فتقرأ في السنة قرابة خمسين كتابا، وهذا يا بني رصيد تربوي كبير بالنسبة لك.
قال الابن: أبشرك يا أبي ببشرى وهي أنني حفظت في الحلقة عشرة أجزاء ولله الحمد، فقال الأب بشرك الله تعالى بالخير، واجعل هذا الحفظ يابني شاهداً لك لا عليك، فإن طبقته في سلوكك كان شاهدا لك، وإن خالفته كان شاهداً عليك، ولا تنس يا بني أن اثنين من الناس إذا لم تحترمهما فقد لا تستفيد منهما كثيراً وهما: العالم والطبيب، فاحترم معلمك كثيرا ليعطيك كثيرا.
فقال الابن: ما أجمل الحوار الهادف بيني وبينك، فقد استفدت كثيراً من هذا الحوار.
فقال الأب: بقدر ما تحاور تستفيد ويتسع أفقك وتتوسع مداركك.
فقال الابن: هل يمكن يا أبت أن تحاور أصحابي كما حاورتني الآن؟
قال الأب: نعم، إذا هم أتوا إليك ضيوف فإنني بإذن الله تعالى أحاورهم، فأنت قل زملائك يحاورون آباءهم، وأنا أقول للآباء يحاورون أبناءهم.
فيا معاشر الآباء أكثروا من الحوار مع أولادكم وانزلوا إلى مستواهم فهو نضج لأفكارهم وتربية لهم.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح نياتنا وذرياتنا و أقوالنا وأفعالنا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد