هل تحقق العملات الرقمية وظائف النقد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 هذا المقال سيتناول وظائف النقد، وهل هي متحققة في العملات الرقمية، بدايةً يذكر علماء الاقتصاد أو علماء المعاملات الإسلامية وظائف للنقد يجب أن يحققها النقد وإن كان بشكل نسبي، منها:

1-      القبول العام وهي الوظيفة الأولى كوسيط في التبادل بين الناس، أن يكتب القبول العام ويقبل الناس التعامل بها لتبادل سلعهم.

2-      الصلاحية لأن تكون مستودعًا للقيمة، يعني تحفظ قيمة السلع التي يتم شراءها بها مستقبلًا.

3-      النقود مقياس ومعيار للقيمة، لو أحببت تقييم سلعة ما، ستقيمها بالنقود، فيجب أن تكون النقود مقياس ومعيار للقيمة.

4-      النقود مقياس للمدفوعات الآجلة، لو بعتَ سِلعةً بالدين، فقيمتها بالمدفوعات الآجلة كم؟ فيجب أن تكون النقود مقياس مدفوعات آجلة، 1000 دولار في شهر كذا وهكذا.

 

هذه شروط النقد، وسنبحث فيما إذا كانت متحققة في العملات الرقمية أم لا تتحقق.

بدايةً مع الشرط الأول وهو القبول العام في العملات الرقمية كوسيط في التبادل، القبول العام بشكل مطلق لم يتحقق إلا مع الذهب والفضة، لما كانت العملات ذهب وفضة تحقق القبول العام لها كوسيط للتبادل في كل الأرض، لو كنت تملك دينار ذهبي يمكنك التعامل به في الصين أو تركيا أو أي مكان، دينار ذهبي، طالما له وزن معين، إذن مقبول في كل هذه البلاد، لكن اليوم تحول النظام إلى العملات الورقية، هل لها قبول عام في كل الأرض، أم قبول نسبي، بمعنى أنها مقبولة في بعض البلاد دون بعض، يعني لو معك ليرة تركية، هذه مقبولة في تركيا، لكن لو انتقلنا إلى أوروبا أو غيرها من البلاد لن تكون مقبولة للتعامل بها، إذن القبول نسبي.

قد يقول قائل الدولار عملة رقمية ومقبولة في كل العالم، لا ليس مقبولًا في كل العالم، بعض البلاد تحظر التعامل بالدولار، العراق مثلًا في بعض الأحيان، كان الحكم في النظام السابق أقر أن التعامل بالدولار الأمريكي يصل حكمه إلى الأعدام، وفعلًا تم إعدام بعض الناس لتعاملهم به في السوق السوداء، فلا يقبل الدولار الأمريكي في جميع البلاد، وبالتالي فالقبول العام في العملات الورقية متحقق بشكل نسبي، ونفس الأمر لو طبقناه على العملات الرقمية، هل تحقق لها القبول العام؟ نقول نعم تحقق لها القبول العام لكن بشكل نسبي شأنها شأن العملات الورقية.

فمثلًا أنت تجد اليوم عشرات الشركات العظمى حول العالم تقبل التعامل بالبيتكوين أو العملات الرقمية، وميزانية واحدة من هذه الشركات قد تعادل ميزانية دول بأكملها، مثلًا شركة واحدة تقدم الأطعمة في 11 ألف مطعم، شركة توصيل طلبات طعام تقبل الدفع بالعملات الرقمية، مشترك فيها 11 ألف مطعم في بولندا و5000 مطعم في أمريكا، هذه فقط شركة واحدة، إذن هناك قبول، ولعله في العملات الرقمية قد يكون قبولها أكثر من العملات الوطنية الورقية، مثلًا البيتكوين لو انتقلت فيه لأي مكان في العالم ستجد من يقبل التعامل به في كل دول العالم، لا نقول كل الناس تقبل التعامل، لكن ستجد في كل دولة من يقبل ويتهافت للحصول على البيتكوين، لكن العملات الوطنية قد لا تجد من يقبل بها خارج حدود بلدها.

النقطة الثانية هي صلاحية العملات الرقمية بأن تكون مستودع للقيمة، قصة المستودع للقيمة بأن لا تفقد العملة قيمتها مع مرور الزمن، هذا ما يقصد بقولهم صلاحية العملة الرقمية بأن تكون مستودع للقيمة، وهذا الأمر متحقق في الذهب والفضة، لكن في العملات الرقمية هو متحقق بشكل نسبي لأن التضخم موجود ويأكل من العملة وقد تفقد قيمتها، وكل يوم نشهد هذه المشكلة في البلاد التي تعاني من التضخم وانخفاض قيمة العملة، في تركيا كل شهر تتغير الأسعار لأجل ملاحظة مستوى التضخم، يضعون في الشهر 10% يتفاجئون قبل حلول موعد الآجال للدفع فإذا التضخم قد أكل 20% من قيمة العملة، ولا يستطيعون الجري وراء انخفاض قيمة العملة، لكن في حال العملات الرقمية وخاصة البيتكوين نجد أنها تأخذ اتجاه صعودي منذ عام 2009 وحتى يومنا هذا، وصلت إلى 64 ألف، قد يقول قائل ها هي وصلت الآن إلى حدود 30 ألفًا، معلوم أن هذا النزول مضاربي وليس بسبب العرض والطلب الحقيقي على العملة وإلا فالعملة تأخذ اتجاه صعودي منذ نشأتها وحتى اليوم وبالتالي العملات الرقمية تصلح أن تكون مستودع للقيمة، لا بل هي مخزن للاستثمار، من استثمر بالبيتكوين في أوائل انطلاقه أصبح من مليارديرات هذا العصر.

المسألة الأخرى هي صلاحية العملات الرقمية للقيام بمقياس أو معيار للقيمة، العملات الرقمية موجودة بين يدينا وليس من وظائفها مثلًا أن تقيس قيمة الأشياء، طالما موجودة العملات الوطنية، العملات الرقمية نستطيع أن نطلق عليها عملات مساعدة في هذا التوقيت حتى تتجاوز مرحلة النشأة، هي وسيلة للدفع، يمكن الدفع من خلالها وإبراء الذمة، لكن هل هي مطالبة بتقييم الأشياء، حتى العملات القديمة مثل الدولار الأمريكي عندما تذهب به لأي بلد من البلاد ستحتاج أن تقيم السلعة بالعملة المحلية ثم يحولونها إلى دولار أمريكي كي تتمكن من الدفع بالدولار الأمريكي، هذه الفكرة متحققة وموجودة بالعملات الرقمية، بإمكانك الاستعانة بالعملات ذات القيمة الثابتة مثل "Tether" قيم بها الأشياء كما تشاء وعند الدفع ادفع بالبيتكوين أو غيرها أنت وشأنك بعد ذلك.

إذن هي وفرت البديل الرقمي لهذه المعضلة، فالبيتكوين مثلًا لا يتحلى بثبات القيمة بعد، لكن هناك حل رقمي لهذه المشكلة وهي استخدام العملات الرقمية ذات القيمة الثابتة لتقييم الأشياء ويكون بعد ذلك البيتكوين وسيلة للدفع.

النقطة الرابعة والأخيرة هل العملات الرقمية تصلح بأن تكون مقياس للمدفوعات الآجلة؟ هذه المهمة هي الأخرى تحتاج إلى ثبات نسبي في أسعار الصرف، خاصةً في العملات الرقمية، ولا تزال العملات الرقمية الرئيسية تفتقر لهذا الأمر، لكن كما قيل في الشرط السابق، يقال من هنا أنه بإمكانك تقييم المدفوعات الآجلة بالعملات الرقمية الثابتة مثل "Tether" وعند الدفع تجري عملية الصرف وتدفع بالبيتكوين أو إن شئت تدفع بالعملة الرقمية الثابتة مثل "Tether" ومثيلاتها.

 

إذن هذه أهم النقاط التي تمثل وظائف النقد، هل تستطيع العملات الرقمية القيام بها؟ نعم يمكنها القيام بهذه المهمة وقد قامت بها بالفعل في كثير من البلاد، ليس آخرها إعلان السلفادور عن قبول البيتكوين كعملة ثانية في البلاد، السلفادور ليس لها عملة وإنما تتعامل بالدولار، فقبلت بالبيتكوين كعملة ثانية بالبلاد يتم الدفع بها وإبراء الذمة، هذا فيما يتعلق بوظائف النقد والنتيجة أن العملات الرقمية وعلى رأسها البيتكوين تحقق وظائف النقد، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

-تم تفريغ المقال من صوتيات للدكتور حول الكريبتو-

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply