التحذير من الشرك بالله


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إنَّ الشرك بالله تعالى هو أخطر الأمور التي حذرنا الله تعالى منها،فأقول وبالله تعالى التوفيق:

معنى الشرك:

 الشِّرْكُ: هو جَعْلُ شريكٍ مع الله تعالى.  (المفردات للراغب الأصفهاني صـ452)

أنواع الشرك:

الشرك نوعان: شرك أكبر وشركٌ أصغر.وسوف نتحدث عن كل منهما.

 

أولًا:الشرك الأكبر:

المقصود بالشرك الأكبر هو أن يصرف المسلمُ شيئًا من أنواع العبادة لغير الله تعالى , كدعاء غير الله والتقرب بالذبح والنذر لغير الله , والخوف من الأموات، أو الجن أو الشياطين , وطلب المدد والذرية والحاجة وما لا يقدر عليه إلا الله، كطلب تفريج الكُرُبَات من الأموات ،من الأولياء والصالحين.

 وهذا النوع مِن الشرك يحبطُ جميعَ الأعمال الصالحة ، ويخرجُ صاحبه من الإسلام ويُخَلِّده في النار إذا مات ولم يتب منه.

(معارج القبول لحافظ حكمي جـ 1 صـ 393:383)

قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) (النساء:116)

وقال سبحانه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) (المائدة:72)

 

أنواع الشرك الأكبر:

الشرك الأكبر عدة أنواع وهي:

(1) شرك الدعاء   (2) شرك النية والقصد   (3)شرك الطاعة   (4) شرك المحبة

(الضياء الشارد لسليمان بن سمحان صـ422:421)

وسوف نتحدث عنها بإيجاز

 (1) شرك الدعاء:

المقصود بشرك الدعاء: هو اللجوء بالدعاء إلى غير الله تعالى.

قال سبحانه: قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)  (غافر: 60)

وقال سبحانه: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت:65)

قال الإمام القرطبي (رحمه الله): قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) يَعْنِي السُّفُنَ وَخَافُوا الْغَرَقَ (دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أَيْ صَادِقِينَ فِي نِيَّاتِهِمْ، وَتَرَكُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَدُعَاءَهَا. (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) أَيْ يَدْعُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَمَا لَم يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا.

(تفسير القرطبي جـ13صـ376)

 

(2) شرك النية والقصد:

وذلك أن ينوي الإنسانُ بأعماله الدنيا أو الرياء أو السُّمْعَة، إرادة كاملة،كلِّية،كأهل النفاق الخالص، ولم يَقصد بهذه الأعمال وجه الله تعالى، فهو مشركٌ شركًا أكبر.

قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:16:15)

 

(3) شرك الطاعة:

المقصود بشرك الطاعة: هو طاعة الأحبار والرهبان وغيرهم من العلماء والسلاطين والأمراء في تحريم ما أحل الله أو إباحة ما حرم الله تعالى.

قال سبحانه: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31)

روى الترمذيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ» ، وَسَمِعْتُهُ

يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه) (التوبة: 31) ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ»(حديث حسن)(صحيح الترمذي للألباني حديث:2471)

 

(4) شرك المحبة:

والمراد بهذه المحبة هي محبة العبودية،المستلزمةُ للإجلال والتعظيم والذل والخضوع التي لا تنبغي إلا لله وحده لا شريك له، ومتى صرف العبد هذه المحبة لغير الله فقد أشرك به الشرك الأكبر.

قال تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة:165)

قال الإمامُ ابنُ كثير(رحمه الله) يُذْكُرُ تَعَالَى حَالَ الْمُشْرِكِينَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، حَيْثُ جَعَلُوا لَهُ أَنْدَادًا، أَيْ: أَمْثَالًا وَنُظَرَاءَ يَعْبُدُونَهُمْ مَعَهُ وَيُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّهِ، وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا ضِدَّ لَهُ وَلَا ندَّ لَهُ، وَلَا شَرِيكَ مَعَهُ.(تفسير ابن كثير جـ2صـ142)

روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ "(البخاري حديث:16/مسلم حديث:42)

روى الشيخانِ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»

(البخاري حديث:6811/مسلم حديث:86)

 

مقارنة بين شرك أهل الجاهلية شرك أهل زماننا

شركُ أهل الجاهلية يعتبرُ أخفُ مِن شرك أهل زماننا بأمرين:

أحدهما: أن أهل الجاهلية كانوا يُشركون ويدعُون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدعاء. كما قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (الإسراء: 67)

وقوله: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) (الأنعام: 40: 41)وقوله: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ) (الزمر: 8) إلى قوله: (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (الزمر: 8) وقوله: (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(لقمان: 32)

 

وأما الناس في زماننا فإنهم يدْعُون الأولياءَ والصالحينَ في السَّراء والضَّراء.

الأمر الثاني: أن أهل الجاهلية كانوا يدعون مع الله تعالى أناسًا مُقربين عند الله، إما أنبياء، وإما أولياء، وإما ملائكة، أو يدعون أشجارًا أو أحجارًا مطيعة لله تعالى،وليست عاصية.

وأهل زماننا يدعون مع الله تعالى أناسًا قد يكونون من أفسق الناس.

والذي يعتقدُ في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به.

(كشف الشبهات ـ لمحمد بن عبد الوهاب ـ صـ 35:33)

 

ثانيًا: الشرك الأصغر وهو الرِّيَاءُ.

معنى الرياء:

الرِّيَاءُ:مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ إِظْهَارُ الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ رُؤْيَةِ النَّاسِ لَهَا فَيَحْمَدُوا صَاحِبَهَا.  (فتح الباري لابن حجر العسقلاني  جـ11 صـ344)

الفرق بين الرياء والسمعة:

السُّمْعَةُ:مُشْتَقَّةٌ مِنْ سَمِعَ،وَالْمُرَادُ بِهَا نَحْوُ مَا فِي الرِّيَاءِ لَكِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ، وَالرِّيَاءُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني  جـ11 صـ344)

 

التحذير من الرياء:

أولًا: القرآن الكريم:

(1)  قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر) (البقرة: 264)

قال الإمامُ ابنُ كثير (رحمه الله): قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) أَيْ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَمَا تَبْطُلُ صَدَقَةُ مَنْ رَاءَى بِهَا النَّاسَ، فَأَظْهَرَ لَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ مَدْحُ النَّاسِ لَهُ أَوْ شُهْرَتُهُ بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ لِيُشْكَرَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ يُقَالَ إِنَّهُ كَرِيمٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ، مَعَ قَطْعِ نَظَرِهِ عَنْ مُعَامَلَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ، وَلِهَذَا قَالَ (وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (تفسير ابن كثير جـ2 صـ 463)

 

(2) وقال سبحانه: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء 142)

       قال ابن كثير قَولهُ تعالى: (يُرَاءُونَ النَّاسَ): أَيْ: لَا إِخْلَاصَ لَهُمْ وَلَا مُعَامَلَةَ مع الله بل إنما يشهدون الناس تَقِيَّةً مِنَ النَّاسِ وَمُصَانَعَةً لَهُمْ ؛ وَلِهَذَا يَتَخَلَّفُونَ كَثِيرًا عَنِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يُرَون غَالِبًا فِيهَا كَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَقْتَ العَتَمَة، وَصَلَاةِ الصُّبْحِ. (تفسير ابن كثير جـ4 صـ318)

 

(3)وقال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف:110)  قال ابن كثير قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ) أَيْ: ثَوَابَهُ وَجَزَاءَهُ الصَّالِحَ، (فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا) ، مَا كَانَ مُوَافِقًا لِشَرْعِ اللَّهِ (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) وَهُوَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَانَ رُكْنَا الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ. لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ، صوابُا عَلَى شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (تفسير ابن كثير جـ9 صـ 205)وقال جلَّ شأنه: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)  (الزمر: 47)

قال مجاهد في معنى هذه الآية: عملوا أعمالًا توهموا  أنها حسنات فإذا هي سيئات.

وقال سفيان الثوري  في معنى هذه الآية:ويل لأهل الرياء ,ويل لأهل الرياء,  هذه آيتهم وقصتهم. (تفسير القرطبي  جـ15 صـ254)

 

 (4) وقال سبحانه موضحًا عقوبة المرائين يوم القيامة: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ) (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون 4: 7)

 

ثانيًا:السُّنة:                                                             

 (1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا. قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار. (مسلم حديث 1905)

 

(2) روى أحمدٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:الرِّيَاءُ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً). (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث 1555)

 

(3) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ.) (مسلم حديث 2985)

 

(4) روى مسلمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ) (مسلم حديث2986)

قال الخطابي(رحمه الله) في معنى هذا الحديث:  من عمل عملًا على غير إخلاص إنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه ،  جُوزي  على ذلك بأن يشهره ويفضحه، فيبدو عليه ما كان يبطنه ويُسره من ذلك. (الكبائر للذهبي صـ 157) 

فــائــدة : الرياء يكون في الفعل؛  و السُّمعة تكون في القول.  (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ344)

روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: َقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:  (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا)  .(حديث صحيح) (صحيح أبى داود للألباني حديث 3112)

 

(5) روى الترمذيُّ عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ. (حديث حسن) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 2139)

 (6) روى ابنُ ماجه عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  قَال: خرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟ قَالَ: قُلْنَا. بَلَى. فَقَالَ: الشِّرْكُ  الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ. (حديث حسن) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 3389)

 

أقوال سلفنا  الصالح في ذم الرياء:

1- نظر عمر بن الخطاب: , رضي الله عنه , إلى رَجل وهو يطأطئ  رقبته فقال: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك , ليس الخشوع في الرقاب , إنما الخشوع في القلوب. (الكبائر للذهبي صـ159)

2- قال على بن أبي طالب، رضي الله عنه: للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان في الناس ويزيد في العمل إذا أُثني عليه وينقص إذا ذم به. (الكبائر للذهبي صـ159)

3- أتى أبو أمامة الباهلي: رضي الله عنه, على رَجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده ويدعو,  فقال له أبو أمامة: أنت أنت لو كان هذا في بيتك.(الكبائر للذهبي صـ159)

4- سألَ رجلٌ سعيدَ بن المسيب فقال: إن أحدنا يصطنع المعروف يحبُ أن يُحمدَ ويُؤجَر، فقال له: أتحب أن تُمقتَ؟ قال: لا، قال: فإذا عملت لله عملًا فأخلصه. (إحياء علوم الدين للغزالي جـ3 صـ296)

5- قال محمد بن مبارك الصوري: أظهر السمت بالليل فإنه أشرف من إظهاره بالنهار لأن السمت بالنهار للمخلوقين والسمت بالليل لرب العالمين.  (الكبائر للذهبي صـ159)

 

مثال للرياء:

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَثَلُ مَنْ يَعْمَلُ رِيَاءً وَسُمْعَةً كَمَثَلِ مَنْ مَلَأَ كِيسَهُ حَصًى ثُمَّ دَخَلَ السُّوقَ لِيَشْتَرِيَ بِهِ ، فَإِذَا فَتَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ افْتَضَحَ ، وَضَرَبَ بِهِ وَجْهَهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ سِوَى قَوْلِ النَّاسِ: مَا أَمْلَأ كِيسَهُ وَلَا يُعْطَى بِهِ شَيْئًا ، فَكَذَلِكَ مَنْ عَمِلَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي عَمَلِهِ سِوَى مَقَالَةِ النَّاسِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى: (وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)                                                                                                                 أَيْ الْأَعْمَالُ الَّتِي قُصِدَ بِهَا غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَبْطُلُ ثَوَابُهَا و صَارَتْ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ ، وَهُوَ الْغُبَارُ الَّذِي يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ. (الزواجر لابن حجر الهيتمي جـ1صـ 80)

 

أنـواع الـريـاء

  يشتمل الرياء  على عدة أنواع ؛ هي:

النوع الأول: الرياء من جهة البدن: وذلك بإظهار نحول الجسم واصفراره , لريهم بذلك شدة الاجتهاد في العبادة , وشدة خوفه من يوم القيامة , وكذلك يُرائي بتشعث شعر رأسه ولحيته , ليظهر أنه مستغرق في أمور الدين , ولا يتفرغ لتسريح شعره, ويقرب من هذا خفض الصوت ودخول العينين في الرأس وذبول الشفتين ليدل بذلك على أنه مواظب على الصوم.

 

النوع الثاني:  الرياء من جهة الهيئة والملابس:كإمالة الرأس إلى الأمام في حالة المشي , وإبقاء أثر السجود على الوجه , ولبس الثياب الغليظة , وتشمير الثياب كثيرًا , وتقصير الأكمام , وترك الثوب مُخرقًا , غير نظيف , وارتداء الثياب المرقعة , ليصرف وجوه الناس إليه.

 

النوع الثالث:  الرياء في القول: وذلك بوعظ الناس وتذكيرهم , وحفظ الأخبار والآثار , من أجل المحاورة وإظهار غزارة العلم , والدلالة على شدة العناية بأحوال السلف الصالح , وتحريك الشفتين بذكر الله تعالى , وإظهار الغضب عند وجود المنكرات , وخفض الصوت وترقيقه بقراءة القرآن عند وجود الناس حوله , ليدل بذلك على شدة خوفه وحزنه ونحو ذلك.

 

النوع الرابع: الرياء بالعمل: كمُرَاآةِ المصلي بطول القيام  , وتطويل الركوع والسجود , وإظهار الخشوع ,وكذلك بالصوم والحج  والصدقة ونحو ذلك.

 

النوع الخامس:  المراءاة بالأصحاب والزائرين: كمن يطلب من أحد العلماء أن يزوره ليقال: إن فلانًا قد زار فلانًا , وأن أهل الدِين يترددون إليه , وكذلك من يرائي بكثرة الشيوخ  , ليقال: لقي شيوخًا كثيرة واستفاد منهم فيباهي بذلك. هذه الأنواع الخمسة تجمع كل  ما يرائي به المراؤون , فهم  يطلبون بذلك  رفع منزلتهم  في قلوب الناس.  (إحياء علوم الدين للغزالي جـ3 صـ297: 299)

 

   أقسام العمل مع الرياء:

  الرياء مع العمل له عِدة أقسام هي:

القسم الأول: عمل فيه رياء خالص:

العمل تارة يكون رياءً خالصًا , بحيث لا يُراد به سوى مراآة المخلوقين لغرض دنيوي , كحال المنافقين  في صلاتهم , وَهَذَا الرِّيَاءُ الْمَحْضُ لَا يَكَادُ يَصْدُرُ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَقَدْ يَصْدُرُ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْحَجِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، أَوِ الَّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُهَا، فَإِنَّ الْإِخْلَاصَ فِيهَا عَزِيزٌ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُ حَابِطٌ وَأَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَحِقُّ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ وَالْعُقُوبَةَ.

(جامع العلوم لابن رجب الحنبلي  جـ1 صـ80)

 

القسم الثاني: وَتَارَةً يَكُونُ الْعَمَلُ لِلَّهِ، وَيُشَارِكُهُ الرِّيَاءُ، فَإِنْ شَارَكَهُ مِنْ أَصْلِهِ فَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَحُبُوطِهِ.

(جامع العلوم لابن رجب الحنبلي  جـ1 صـ80)

روى النسائيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ. (حديث حسن صحيح)(صحيح سنن النسائي جـ2 صـ 383)                                                                                                                                

 روى ابنُ ماجه عَنْ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ (وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ.(حديث حسن) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 3388)

 

القسم الثالث: عمل يخالطه غير الرياء: إن العمل إذا خالط شيئًا غير الرياء لم يبطل بالكلية ؛ فإن خالطَ نيَّةَ الجهادِ مثلًا نيّة غير الرِّياءِ ، مثلُ أخذِ أجرة للخِدمَةِ ، أو أخذ شيءٍ مِنَ الغنيمةِ ، أو التِّجارة ، نقصَ بذلك أجرُ جهادهم ، ولم يَبطُل بالكُلِّيَّة .

(جامع العلوم لابن رجب الحنبلي جـ1 صـ82)

روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ  . (مسلم حديث 1906)                                                                                               

قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إذا أجمعَ أحدُكم على الغزوِ ، فعوَّضَه الله رزقًا ، فلا بأسَ بذلك ،وأمَّا إنْ أحَدُكُم إنْ أُعطي درهمًا غزا ، وإنْ مُنع درهمًا مكث ، فلا خيرَ في ذلك. (جامع العلوم لابن رجب الحنبلي  جـ1ـ صـ 83)

 

القسم الرابع: عمل خالص لله ثم تطرأ عليه نية الرياء:

       إذا كان أصلُ العمل للهِ وحده ، ثم طرأت عليه نيَّةُ الرِّياءِ ، فإنْ كان خاطرًا ودفَعهُ ، فلا يضرُّه بغيرِ خلافٍ ، وإن استرسلَ معه ، فهل يُحبَطُ عملُه أم لا يضرُّه ذلك ويجازى على أصل نيَّته ؟ في ذلك اختلافٌ بين العُلماءِ مِنَ السَّلَف قد حكاه الإمامُ أحمدُ وابنُ جريرٍ الطَّبريُّ ، ورجَّحا أنَّ عمله لا يبطلُ بذلك ، وأنّه يُجازى بنيَّتِه الأُولى ، وهو مرويٌّ عنِ الحسنِ البصريِّ وغيره. وذكر ابنُ جريرٍ أنَّ هذا الاختلافَ إنَّما هو في عملٍ يرتَبطُ آخره بأوَّلِه ، كالصَّلاةِ والصِّيام والحجِّ ، فأمَّا ما لا ارتباطَ فيه كالقراءة والذِّكر، وإنفاقِ المالِ ونشرِ العلم، فإنَّه ينقطعُ بنيَّةِ الرِّياءِ الطَّارئة عليه،ويحتاجُ إلى تجديدِ نيةٍ.(جامع العلوم لابن رجب الحنبلي  جـ1 صـ84:83)

 

القسم الخامس:عمل لله يصاحبه ثناء الناس:

إذا كان عمل المسلم خالصا لوجه لله تعالى، ثم ألقى الله لهُ الثَّناء في قُلوبِ المؤمنين بذلك ، ففرح بفضل الله ورحمته ، واستبشرَ بذلك ، لم يضرَّه ذلك. (جامع العلوم لابن رجب الحنبلي جـ1 صـ84: 85)      

 روى مسلمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ.) (مسلم حديث 2642)

 

ختامًا:

 أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًَا لي عنده يوم القيامة.

(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:89:88)

كما أَسْأَلهُ سُبْحَانهُ أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكِرَامِ.وَآخِــرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply