بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الموت هو نهاية كل نفس، قال الله عز وجل: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران:185] فالموت سوف يأتي، وإن كان لا أحد يعلم متى سوف يأتيه قال الله جل وعلا: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان:34] وهذا يوجب على كل مسلم الاستعداد للموت قبل نزوله.
الأعمال بالخواتيم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن العبد ليعملُ عمل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم )) [أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، في باب العمل بالخواتيم]
والخوف من الخاتمة أبكى الكثير من الصالحين، وأقضّ مضاجعهم، لأنهم لا يعرفون بماذا يُختم لهم. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان سلفنا الصالح يشتد خوفهم وقلقلهم من ذكر السوابق _ أي ما سبق به الكتاب _ فإن الخواتيم ميراث السوابق، وكل ذلك قد سبق به الكتاب. وقد قيل: قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون بماذا يختم لنا؟
ومن هنا حرص الموفقين من عباد الله على أن الموت على خاتمة حسنة، واجتناب كل سبب وعمل يؤدي إلى سوء الخاتمة.
وحيث يوجد للسلف أقوال في حسن وسوء الخاتمة، فقد جمعت بفضل منه الله وكرمه بعضًا منها، أسأل الله أن ينفعني وجميع المسلمين بها.
• الحذر والخوف الشديد من سوء الخاتمة:
** بكى سفيان الثوري رحمه الله ليلة إلى الصباح، فلما أصبح قيل له: كل هذا خوفًا من الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرض، وقال: الذنوب أهون من هذا، ولكن أبكي من خوف الخاتمة. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وهذا من أعظم الفقه، أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: الخاتمة غير معلومة... وخطر الخاتمة باق، ففي الخوف من سوء الخاتمة شغل عن الفرح بكل ما في الدنيا.
** قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: للنفوس الخيرة علامات: الجد في الغالب والحذر من الزلل، والاحتقار للعمل، والقلق من خوف السابقة، والجزع من حذر الخاتمة.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الاعتبار بالخاتمة قال ابن أبي جمرة: هذه التي قطعت أعناق الرجال مع ما هم فيه من حسن الحال لأنهم لا يدرون بماذا يُختم لهم
**قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: الأعمال بالخواتيم الإنسان لا يغتر بعمله وإن كان أصلح الصالحين، بل يخاف من سوء العاقبة... فالأعمال بالخواتيم، ولكن من لطف الله عز وجل بعباده أن من عاش على الخير فإنه يختم له بالخير، ومن عاش على الشر فإنه يختم له بالشر، فالإنسان يعمل الأسباب، ويحسن الظن بالله عز وجل.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: كان كثير من السلف إذا ذكروا الخاتمة بكوا كثيرًا، وقال بعضهم: قلوب الأبرار مُعلقة بالخواتيم يقولون: بما ذا يُختم لنا؟...والتعلق بالخواتيم يجعل العبد المؤمن يقظًا حريصًا على إيمانه، فإذا جاهد نفسه فإن الله سبحانه يهديه السبيل، ويزيده هدى منّة عليه، وتفضلًا، وكرمًا، أما إذا اختار العبد طرق الغواية يُسر لعمل أهل الشقاوة، والعياذ بالله.
** قال الشيخ صالح عبدالعزيز آل الشيخ: قال جماعة من السلف: "الخواتيم ميراث السوابق" هذا يبعث على الخوف الشديد من الخاتمة لأن العبد لا يدري بما يُختم له
وقال: حسن الخاتمة منوط بمعرفتها، بأن يعرف متى تنتهى حياته، حتى يستعد، وإذا كان ذلك محالًا أن يعلم متى سيموت ومتى سينتهى، فإن الواجب حينئذ أن يحذر صباح مساء، وليلًا ونهارًا، وأن يحذر من سوء الخاتمة.
• الحرص على الدعاء بالثبات على الدين وحسن الخاتمة:
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان يتعوذ بالله في صلاته من أربع، ويأمر بالتعوذ منها: (( أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ))
وفتنة الممات يدخل فيها سوء الخاتمة.
** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الأقدار غالبة والعاقبة غائبة فلا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وبحسن الخاتمة
• أسباب لحسن الخاتمة:
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: المؤمن يمشي مع البلاء كيفما مشي به...فيقلبه البلاء يمنة ويسرة...فتكون عاقبته العافية من البلاء وحسن الخاتمة.
** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ينبغي للعبد أن يتملق إلى الله دائمًا، في تثبيت إيمانه، ويعمل الأسباب الموجبة لذلك ويسأل الله حسن الخاتمة وتمام النعمة لقول يوسف عليه الصلاة والسلام ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف:101]
** قال العلامة ابن باز رحمه الله: من سنته في عباده جل وعلا أن من اتقاه واستقام على أمره عن إيمان وعن إخلاص وصدق، فالله جل وعلا يحسن له الختام فضلًا منه وإحسانًا وهذا من جنس قوله تعالى ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن:60]
** قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: كيف يستطيع الإنسان ألا يموت إلا وهو مسلم؟ الجواب: يستطيع ذلك، بأن يثابر على العمل الصالح في حياته، والله سبحانه وتعالى أكرم من أن يخذل شخصًا أمضى عمره في طاعة الله، فإذا نشأ الإنسان في طاعة الله، ومرَّن نفسه على الطاعة فإن الله يشكر له، حتى يحسن له الخاتمة.
** قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: من حفظ الله في شبابه حفظه الله عند شيبه، وحفظ الله في الشباب يعني: النشأة على الخير، والطاعة، فلا يسفه في شبابه، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه عند المشيب، ويحسن له الخاتمة، وهذا شيء مجرب، لأن الذين لازموا الطاعة، وحفظوا دين الله سبحانه وتعالى، فإن الله يحفظهم عند الكبر، وعند الوفاة، ويحسن لهم الختام، ويحفظهم من عدوهم الشيطان، جزاءً لعملهم الصالح.
** قال الشيخ صالح آل الشيخ: عمل الأكياس وعمل الصالحين جعلنا الله عز وجل منهم، وغفر لنا ذنوبنا أنهم يستعدون للخاتمة. والاستعداد للخاتمة من وسائل النجاة، وهما استعدادان: استعداد في صلاح القلب. واستعداد في صلاح العمل.
والاستعداد في صلاح القلب هو بالعلم النافع، الذي ورث في القلب العلم بالله عز وجل ومعرفته وأسمائه وصفاته، واليقين في ذلك، ثم العمل الصالح بأن يمتثل الأمر، ويجتنب ما نهى الله عز وجل عنه أو نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يستغفر من الذنوب والخطايا. وقال: العبد...إذا جاهد في الله حق الجهاد واستقام على الطاعة يُرجى له أن يُختم له بخاتمة السعادة.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: الإنسان يحرص على إحسان خاتمته وذلك يكون بطرق متعددة منها: الطريقة الأولى: الإكثار من دعاء الله عز وجل ليلًا ونهارًا بإحسان الخاتمة، وقد ورد في الحديث: (( إنما الأعمال بالخواتيم ))
الطريقة الثانية: الإكثار من الطاعات لأن الطاعات كالسلسة يجر بعضها بعضًا، فإنك إذا دخلت في أعمال طاعات يسر الله لك أعمال طاعات أخرى.
فالمقصود أن العبد ينبغي له بذل الأسباب التي تجعله يحسن خاتمته، ولذلك كان الأئمة يخافون من هذه المرحلة الأخيرة من مراحل حياتهم قبل الموت، وقبل النزع، ولذلك كانوا يحرصون على تطهير أنفسهم من النفاق، لأن للنفاق تأثيرًا في آخر لحظة من لحظات الإنسان، وكذلك يحذرون من دسائس السوء الخفية، وقد كان النبي يكثر من الدعاء: (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) فسئل عن ذلك؟ فقال (( إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.))
المقصود: أن العبد ينبغي به أن يحرص على تطهير نفسه من المعاصي لئلا يكون ذلك سببًا من أسباب خاتمة السوء، وكذلك يحرص المر على الابتعاد عن الأمور المدلهمة، التي لم تتضح فيها حقيقة الحال، لئلا تكون فتنة، فيكون ذلك سببًا من أسباب تغير القلوب. وقال: من عمل الأعمال الخير بنية خالصة في حياته، وفق لحسن الخاتمة،
فائدة: قال العلامة العثيمين رحمه الله: فإن قال قائل كان النبي صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك الرجلان منا، فهل يفهم من هذا أن الإنسان إذا كان معروفًا بالصلاح وشُدِّد عليه المرض الذي مات فيه أن هذا يدل على حسن الخاتمة؟
فالجواب: رُبما يدل على هذا، وقد ابتُلي الرسول علية الصلاة والسلام بهذا ليتم له مقام الصبر، لأن مقام الصبر مقام عالٍ، يحتاج إلى أمر يُصبر عليه.
• من أسباب سوء الخاتمة:
** قال عبدالعزيز بن أبي رواد: حضرت رجلًا عند الموت، يلقن: لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك.
قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر. فكان عبدالعزيز يقولُ: اتقوا الذنوب، فإنها هي التي أوقعته.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: لسوء الخاتمة أسباب تتقدم على الموت، مثل: البدعة، والنفاق، والكبر، وجملة من الصفات المذمومة، ولذلك اشتد خوف الصحابة رضوان الله عليهم من النفاق.
فاشتغل بالاستعداد لها فواظب على ذكر الله تعالى وأخرج من قلبك حب الدنيا واحترس عن فعل المعاصي بجوارحك وعن الفكر فيها بقلبك واحترز من مشاهدة المعاصي ومشاهدة أهلها جهدك فإن ذلك يؤثر في قلبك وإياك أن تسوف وتقول: سأستعد لها إذا جاءت الخاتمة فإن كل نفس من أنفاسك خاتمتك إذ يمكن أن تختطف فيه روحك، فراقب قلبك، وإياك أن تهمله لحظة، فلعل تلك اللحظة خاتمتك.
** قال الحافظ أبو محمد عبدالحق بن عبدالرحمن الأشبيلي رحمه الله: واعلم أن لسوء الخاتمة – أعاذنا الله منها – أسبابًا، ولها طرق وأبواب، أعظمها: الاكباب على الدنيا، والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة، ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض، ونصيب من الجرأة والإقدام، فملك قلبه، وسبي عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حجبه، فلم تنفع فيه تذكرة، ولا نجعت فيه موعظة، فربما جاءه الموت على ذلك.
وقال رحمه الله : واعلم أن سوء الخاتمة – أعاذنا الله منها – لا تكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، ما سمع بهذا ولا علم به، ولله الحمد، وإنما تكون لمن له فساد في العقيدة، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه، حتى ينزل به الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوية، ويُصطلم قبل الإنابة، فبظفر به الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إذا نظرت إلى كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبة لهم على أعمالهم السيئة وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرًا والذي يخفي عليهم من أحوال المحتضرين أعظم،...فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فُرُطًا، فبعيد من قلب بعيد من الله تعالى، غافل عنه، متعبد لهواه، أسير لشهواته، ولسانٍ يابس من ذكره، وجوارح معطلة عن طاعته مشتغلةٍ بمعصيته أن توفق للخاتمة بالحسنى.
** قال الإمام الشاطبي رحمه الله: قال عبدالحق الإشبيلي إن سوء الخاتمة...يكون لمن كان...مستقيمًا ثم تغيرت حاله، وخرج عن سنته، وأخذ في طريق عير طريقه، فيكون عمله ذلك سببًا لسوء خاتمته، وسوء عاقبته، والعياذ بالله قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: خاتمة السُّوء تكونُ بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، من جهة عمل سيئٍ، ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت وقال رحمه الله: الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة يخشي منها أن يعاقب صاحبها بسلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص، وإلى سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك. كما يقال: إن المعاصي بريد الكفر.
** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: المعاصي بريد الكفر، فيخاف على من أدامها وأصرّ عليها سوء الخاتمة. ومن اعتاد الهجوم على كبار المعاصي جره شؤم ذلك إلى أشدَّ منها، فيخشى أن لا يختم له بخاتمة الإسلام.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: ربما يكون في قلب الإنسان سريرة خبيثة من عُجب أو كبرياء أو ما أشبه ذلك لا تظهر للناس لكنه عند الموت تظهر والعياذ بالله
فهذه الأخلاق الذميمة لا تظهر للناس، إنما عند الموت تظهر للملائكة وتبين، فيختم له بسوء الخاتمة، والعياذ بالله. وقال رحمه الله: قد يكون في القلب- أجارنا الله وإياكم وأعاذنا وأعاذكم- سريرة خبيثة، باطنة ككراهته للحق، أو بعض الحق، وحقد على المؤمنين وغل، وما أشبه ذلك من الأمور التي تهوي به في مكان سحيق ولهذا أنا أُكرر دائمًا أن يُركز الإنسان على تطهير القلب قال تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحشر:10] فطهر قلبك من الشرك، والغلِّ والحقد، وكراهة ما أنزل الله، حتى ولو كان في أمرٍ سهل، فلا تكره شيئًا مما شرعه الله أبدًا لأنه ربما يُختم للإنسان أجارنا الله وإياكم بسوء الخاتمة.
قال العلامة عبدالله بن محمد ابن حميد رحمه الله: الذين يأكلون الربا ويتعاملون بها لا شك أنهم معرضون لسخط الله والله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ومن يستطيع أن يحارب الله ورسوله؟! ولم يأت هذا في عقوبة الزنا، ولا عقوبة الخمر، مما يدلُّ على عظم ذنب الربا، وقبحه. قال ابن دقيق العيد: إن أكلة الربا مجرب لهم سوء الخاتمة. فالغالب أن من تعاطى الربا لا يختم له بخير، في الغالب أنه يموت على شر، لأن دمه ولحمه نبتَ على سُحتٍ، فحريّ ألا يوفق ولا يختم له بخيرٍ.
فينبغي أن يكون المسلم على حذر من سوء الخاتمة أجارنا الله وإياكم وأعاذنا وأعاذكم منها. فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قرأ: ﴿وَالنَّجْمِ﴾ فسجد فيها، وسجد من كان معه معه، غير أن شيخًا أخذ كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا، قال عبدالله: لقد رأيته بعدُ قتل كافرًا. قال العلامة العثيمين رحمه الله: هذا نتيجة لاستكباره- والعياذ بالله- عن السجود، فإنه عوقب بسوء الخاتمة، وقتل بعد ذلك كافرًا.
وقد ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه " تاريخ الإسلام " بعض الحوادث لأناس كانت خاتمتهم سيئة، منهم:
_ عمير بن جرموز المجاشعي، قاتل حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله تقربًا إلى علي، ولما جاء يستأذن عليه، قال له علي: " بشر قاتل الزبير بالنار "، فندم وسقط في يده، وبقي كالبعير الأجرب، كلّ يتجنبه، ويُهول عليه ما صنع، ورأى منامات مزعجة، فكره الحياة لذنبه، وأتى بعض السواد، وهناك قصر عليه زج، فأمر إنسانًا أن يطرحه عليه فقتله.
_ مجد الدين الجزري، ابتلي بحب شاب، وقويت عليه السوداء، وفسدت مخيلته، فأغلق عليه الخانقاه الشهابيه، وطلع إلى السطح فألقى نفسه في الطريق، فمات.
_ أبو إسحاق النظام، البصري المتكلم المعتزلي الإمام ذو الضلال والإجرام، له مقالة خبيثة، وقد كفره غير واحد، سقط من غرفة وهو سكران فهلك.
_ قال زكريا الساجي: كنا نمشى في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا، وكان معنا رجل ماجن متهم في دينه. فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا يكسروا، كالمستهزئ، فما زال موضعه حتى جفت رجلاه، وسقط.
_ كيكاوس بن كيخسرو بن قلج رسلان، السلطان، كان جبارًا، ظالمًا، سفاكًا للدماء، أخذه الله بغتةً، فمات فجاءة وهو سكران.
وختامًا فنصيحة لنفسي المقصرة، ولجميع إخواني المسلمين، الحذر، الحذر، من الذنوب والمعاصي، فهي كما ذكر أهل العلم من أسباب سوء الخاتمة، قال العلامة ابن القيم، رحمه الله: من عقوبات الذنوب والمعاصي... أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه... وثمَّ أمر أخوفُ من ذلك وأدهى منه، وأمرّ، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيرًا من المحتضرين أصابهم ذلك حتى قيل لبعضهم قل: لا إله إلا الله، فقال :آه! آه! لا أستطيع أن أقولها!
وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال :
يا رُبَّ قائلةٍ يوم وقد تـعبت كيف الطريق إلى حمام منجاب
وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء.
وقيل لآخر فقال: وما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ركبتها، ثم قضى ولم يقلها
وقيل لآخر ذلك، فقال: وما يغني عنّي، وما أعرف أني صليتُ لله صلاة، ولم يقلها.
وقيل لآخر ذلك، فقال : كلما أردت أن أقولها فلساني يُمسك عنها.
اللهم نسألك يا رحيم يا رحمن أن ترزقنا جميعًا حسن الخاتمة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد