من أقوال السلف في الإخلاص


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الإخلاص منزلة عظيمة في دين الإسلام، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة:5] وقال الله سبحانه: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر:3] وقال الله عز وجل: ﴿إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ﴾ [النساء:146] وقال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110] وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) والإخلاص كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هو حقيقة الإسلام.

للسلف أقوال في الإخلاص، يسّر الله لي فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها.

** قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

- أفضل الأعمال: أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله، وصدق النية فيما عند الله.

- وكتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس.

 

** قال عثمان رضي الله عنه: ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله عز وجل على صفحات وجهه وفلتات لسانه.

** قال أبو هريرة رضي الله عنه: مكتوب في التوراة ما أريد به وجهي فقليله كثير، وما أريد به غيري فكثيره قليل.

** كتب سالم بن عبدالله إلى عمر بن عبدالعزيز رحمهما الله: اعلم أن عون الله للعبد على قدر النية، فمن تمت نيته تم عون الله له، ومن نقصت نقص بقدره.

** كان معروف الكرخي رحمه الله يقول: يا نفس أخلصي تتخلصي.

** قال يعقوب المكفوف رحمه الله: المخلص من يكتم حسناته، كما يكتم سيئاته.

 

** عن سفيان الثوري رحمه الله:

- ما عالجت شيئًا أشدَّ عليَّ من نيتي، لأنها تتقلبُ عليّ

- كانوا يتعلمون النية للعمل، كما تتعلمون العمل.

 

** قال ابن المبارك رحمه الله: رُب عملٍ صغير تُعظمه النية، ورُب عملٍ كبيرٍ تُصغره النية.

** قال الربيع بن خثيم رحمه الله: كل ما لا يبتغي وجه الله يضمحل.

** قال الحسن رحمه الله: لا يزال العبد بخير ما إذا قال لله، وإذا عمل  عمل لله عز وجل

** عن زبيد اليامي رحمه الله، قال: إني لأحبُّ أن تكون لي نية في كلِّ شيءٍ حتى في الطعام والشراب

** قال سهل بن عبدالله رحمه الله: ليس على النفس شيء أشقَّ من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب

** قال يوسف بن الحسين الرازي رحمه الله: أعزُّ شيء في الدنيا: الإخلاص! وكم اجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبتُ فيه على لون آخر.

** قال مطرف بن عبدالله بن الشخير رحمه الله: صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية.

** قال الفضيل بن عياض رحمه الله: في قوله تعالى: ﴿ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود:7] أخلصه وأصوبه، فإنه إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة.

** عن شداد بن أوس رحمه الله، أنه قال لما حضرته الوفاة: إن أخوف ما أخاف عليكم: الرياء.

** قال يحيى بن معاذ رحمه الله: من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله ظاهره باتباع السنة

 

** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله:

- الله يحب من عباده الإخلاص في عبادته، في التوحيد، وسائر الأعمال كلها التي يعبد بها، وفي الإخلاص طرح الرياء كله لأن الرياء شرك أو ضرب من الشرك.

- يدخل في الإخلاص التوكل على الله، وأنه لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع على الحقيقة غيره، لأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، لا شريك له.

 

** قال الإمام الغزالي رحمه الله:

- قال بعض العلماء اطلب النية للعمل قبل العمل وما دمت تنوى الخير فأنت بخير

- يقال: العلم بذر، والعمل زرع، وماؤه الإخلاص.

 

** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:

- ما أقلّ من يعمل لله تعالى خالصًا لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم.

- إذا عدم الإخلاص في الأعمال فهي تعب ضائع.

-الله الله في إصلاح النيات،... قال مالك بن دينار: قولوا لمن لم يكن صادقًا لا يتعنى. وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته، وهو التفات القلوب إليه، فإنه متى لم يخلص حرم محبة القلوب، ولم يلتفت إليه أحد، والمخلص محبوب، فلم علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه لما فعل.

 

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

- النية للعمل كالروح للجسد.

- الإخلاص فهو حقيقة الإسلام، إذ الإسلام هو الاستسلام لله لا لغيره، كما قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ) الآية. [الزمر:29] فمن لم يستسلم لله فقد استكبر، ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك، وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام، والإسلام ضد الشرك والكبر.

 

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:

- المخلصُ لله إخلاصه يمنعُ غلَّ قلبه، ويخرجهُ ويزيلُه جملةً، لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش.

- العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأُ جرابهُ رملًا يثقله ولا ينفعه.

-لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماءُ والنار، والضبُ والحوت.

- العامل... الذي يخلِّصه من رؤية عمله: مشاهدته لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه له، وأنه بالله لا بنفسه، وأنه إنما أوجب عمله بمشيئة الله لا مشيئته هو، كما قال تعالى: ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾ [التكوير:29]

- إذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح، سهل عليك الإخلاص وذبح الطمع يسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يُطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتى العبد منها شيئًا سواهُ. والزهد في الثناء والمدح يسهله عليك علمُك أنه ليس أحد ينفع مدحُه ويزِين، ويضر ذمُّه ويشين إلا الله وحده

- الذي يخلصه من رضاه بعمله وسكونه إليه أمران:

أحدهما: مطالعة عيوبه وآفاته وتقصيره فيه، وما فيه من حظِّ النفس ونصيب الشيطان.

الثاني: علمه بما يستحقه الربُّ جلَّ جلاله من حقوق العبودية وآدابها الظاهرة والباطنة وشروطها.

- العارف لا يرضى بشيءٍ من عمله لربه، ولا يرضى نفسه لله تعالى طرفة عينٍ، ويستحيي من مقابلة الله بعمله، فسوء ظنه بنفسه وعمله وبغضه لها، وكراهته لأنفاسه وصعودها إلى الله يحول بينه وبين الرضا بعمله والرضا عن نفسه.

- قال بعضهم: آفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيءٍ منها فقد أهلكها، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور.

 

** قال الإمام ابن مفلح رحمه الله: قال ابن عقيل في "الفنون ": للإيمان روائح ولوائح، لا تخفى على اطلاع مكلف بالتلميح للمتفرس، وقلَّ أن يضمر مُضمرًا شيئًا إلا وظهر مع الزمان على فلتات لسانه وصفحات وجهه.

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: حُبُّ المساكين مستلزم إخلاص العمل لله تعالى، والإخلاص هو أساسُ الأعمال الذي لا تثبت الأعمال إلا عليه، فإن حبَّ المساكين يقتضى إسداء النفع إليهم بما يمكن من منافع الدين والدنيا، فإذا حصل إسداءُ النفع إليهم حُبًا لهم والإحسان إليهم كان هذا العمل خالصًا

واعلم أن محبة المساكين لها فوائد كثيرة. منها: أنها توجب إخلاص العمل لله عز وجل لأن الإحسان إليهم لمحبتهم لا يكون إلا لله عز وجل، لأن نفعهم لا يُرجى غالبًا.

 

** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

- الكف عن الشر داخل في فعل الإنسان وكسبه، حتى يؤجر عليه ويعاقب، غير أن الثواب لا يحصل مع الكف إلا مع النية والقصد، لا مع الغفلة والذهول، قاله القرطبي ملخصًا.

- العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى ينجي صاحبه، إذا قبله الله تعالى.

- من كان صادق النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشر فإن الله يصرفه عنه، ولهذا قال بعض أهل المعرفة: من صدق مع الله وقاه الله، ومن توكل على الله كفاه الله

 

** قال العلامة السعدي رحمه الله:

- لا أنفع للعبد من جعل الإخلاص والمتابعة نصب عينيه في... كل ما يقول ويفعل حتى يكون الإخلاص له نعتًا، والمتابعة له وصفًا، وتضمحل عن قلبه جميع المقاصد والأغراض المنافية للإخلاص ويدع البدع الاعتقادية والبدع الفعلية إيثارًا للمتابعة فإن من صدَّق الرسول في كل ما يقول فقد برئ من بدع العقائد ومن اقتصر على ما أمر به الرسول من العبادات ولم يحرم ما أحل الله من الطيبات فقد سلم من بدع الأعمال.

-المخلص لله قد علق قلبه بأكمل ما تعلقت به القلوب من رضوان ربه وطلب ثوابه، وعمل على هذا المقصد الأعلى فهانت عليه المشقات وسهلت عليه النفقات، وسمحت نفسه بأداء الحقوق كاملة موفرة، وعلم أنه قد تعوض عما فقده أفضل الأعواض وأجزل الثواب وخير الغنائم

- من ثمرات الإخلاص أنه يمنع منعًا باتًا من قصد مراءة الناس وطلب محمدتهم، والهرب من ذمهم، والعمل لأجلهم، والوقوف عند رضاهم وسخطهم، والتقيد بإرادتهم ومرادهم، وهذا هو الحرية الصحيحة أن لا يكون القلب متقيدًا متعلقًا بأحد من الخلق.

ومن ثمرات الإخلاص أن العمل القليل من المخلص يعادل الأعمال الكثيرة من غيره، وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال: ((لا إله إلا الله خالصًا من قلبه))  وأنه أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: رجلان تحابا في الله اجتمعًا عليه وتفرقًا عليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه،

وأن المخلص يصرف الله عنه السوء والفحشاء ما لا يصرفه عن غيره، قال الله سبحانه وتعالى عن يوسف: ﴿ كَذلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السّوءَ وَالفَحشاءَ إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ ﴾  [يوسف:24] قرئ بكسر اللام وفتحها، وهما متلازمتان، لأن الله تعالى لإخلاصهم جعلهم من المخلصين. ومن ثمرات الإخلاص الطيبة أن المخلص إذا عمل مع الناس إحسانًا قوليًا أو فعليًا أو ماليًا أو غيره، لم يبال بجزائهم ولا شكرهم لأنه عامل الله تعالى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

- المخلصون هم خلاصة الخلق وصفوتهم، وهل يوجد أكمل ممن خلصت إرادتهم ومقاصدهم لله وحده، طلبًا لرضاه وثوابه.

 

** قال العلامة عبدالله بن محمد ابن حميد رحمه الله: ما يبقى للإنسان إلا ما قصد به وجه الله والدار الآخرة، هذا الذي يبقى، فإذا عمله لأجل وجه فلان، فهذا يخونك أحوج ما تكون إليه، بل تعاديه ويعاديك يوم القيامة، وكل منكم يتبرأُ من الآخر لأن المحبة لم تبنِ على أسسٍ من التقوى.

** قال العلامة العثيمين رحمه الله: قوله تعالى: ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 173] يشمل الفضل في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإن الإنسان إذا عمل العمل الصالح مُخلصًا لله به حبب الله إليه العمل حتى يزيد في العمل، وهذا شيء مشاهد، كذلك إذا أعطى وأنفق زاده الله من فضله؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: 39]؛ أي: يأتي بخلفه.

** قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: علامة المرائي هي: أنه إذا عمل العمل أمام الناس زاد فيه، وحسنه، وإذا عمله خاليًا لم يحسنه، بل أساء فيه، والعياذ بالله... ويجب على الإنسان أن يتفقد نفسه، هل هو مراءٍ؟ وهل هو طالب لمصالح دنيوية أم لا؟

** قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك: المخلص هو الذي أراد بعمله وجه الله تعالى دون سواه، نعم الإخلاص يدفع إلى الجد في العمل، لكن ليس كل جاد في عمله يعد مخلصًا

 

** قال الشيخ عبدالعزيز بن صالح آل الشيخ:

- العبد المؤمن إذا كان عمله على الصواب والإخلاص وإن كان قليلًا... فالله عز وجل يباركه وينميه للعبد، وأما إذا كان كثيرًا لكن يشوبه والعياذ بالله الرياء أو العجب أو التكبر... .فإن العبد يؤتى من هذه الجهة.

- من كان قلبه خالصًا لله عز وجل، واطمأن بالله، وكان فيه من محبة الله عز وجل، وإجلاله، والتعلق به، والإقبال عليه أكبر، وأكثر نصيب، فإنه ينتفع بالآيات أيما انتفاع، ومن كان في قلبه شيء آخر ضعف انتفاعه بقدر هذا

- أثر الكلام اليوم في النفوس قليل لِمَ؟ لأنه كما قيل إذا صدر الكلام من موفق مخلص دخل القلوب بإذن الله، وأما إذا صار رياءً وسمعةً، فإنه للذة، ولا يجاوز الآذان يستلذ... ولكن هل أثر في حياة الناس؟ هل دخل القلوب؟

- المتقدمون بارك الله عز وجل لهم في أوقاتهم ولا شك أن هذا له أسباب، وأظن أن أعظم تلك الأسباب هو إخلاصهم لله عز وجل، وكثرة الرغب والدعاء إلى الله عز  وجل بالمباركة.

ومما يختم به أن العلامة محمد بن الأمين الشنقيطي رحمه الله له مجموعة من المؤلفات، منها: نظم في أنساب العرب، سماه: (خالص الجمان في ذكر أنساب بني عدنان ) وقد ألفه قبل البلوغ، ثم دفنه بعد ذلك، معللًا هذا الصنيع بأنه كتبه على نية التفوق على الأقران.

نسأل الله الكريم أن يرزقنا الإخلاص والمتابعة في جميع أعمالنا وأقوالنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply