التعجيل بدفن الميت


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

دفن الميت فرض كفاية فقد أرشد الله تعالى أحد ابني آدم إلى دفن أخيه، وإبان ذلك بعث بغراب يبحث في الأرض، قال الله تعالى}:فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ{ [المائدة: 31].

ومن المعلوم أن السنة أكدت على تعجيل دفن الميت، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أسرِعُوا بالجنازَةِ ، فإنْ تكُ صالِحةً فخيرٌ تُقدِّمُونَها إليه، وإنْ تَكُ سِوَى ذلكَ فشَرٌّ تَضعونَهُ عن رِقابِكمْ".

وبذالك فقد اهتم الإسلام بقيمة النفس الإنسانية، وهنا يأمر الرسول صحابته بإسراع الجنازة لأنهم إنما يسرعون بها إلى نعيمها وسعادتها، وإلى روضةٍ من رياض الجنة، وإن كانت تلك الجنازة شرًا فوق رقابهم فالإسراع في التخلص منها.

والإسراع كما هو معلوم بألا ينتهي بتهور يخشى معه حدوث ضرر للميت، أو مشقة على القائمين بالجنازة، ومقصود الحديث والله أعلم ألا يُتباطأ بالدفن، لأن التباطؤ قد يؤدي إلى التباهي والاختيال.

والعبرة في الحديث أن الإسراع في الجنازة يكون لمصلحة الميت إن كان سعيدًا، أو لمصلحة المشيعين والقائمين بها إن كان شقيًا والعياذ بالله.

قال العيني في عمدة القاري، وقال ابن حجر في شرحه للحديث: (وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت لكن بعد أن يتحقق أنه مات، أما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم، نبه على ذلك ابن بزيزة).

وذكر في الموسوعة الفقهية اتفاق الفقهاء في حال تيقن موت الشخص بالتجهيز فورًا بدون تأخير، وفيها أيضًا: (يستحب الإسراع بتجهيزه كله من حين موته، فلو جهز الميت صبيحة الجمعة يكره تأخير الصلاة عليه ليصلي عليه الجمع العظيم، ولو خافوا فوت الجمعة بسبب دفنه يؤخر الدفن، وقال المالكية والشافعية أيضاً بالإسراع بتجهيزه إلا إذا شك في موته).

وعلى هذا هو الأصل في دفن الميت بأن يكون التعجيل والمبادرة هو الأساس إلا بوجود عذر شرعي يدعو إلى تأخير الدفن كوجود شبهة قتل أو تحقيق بسبب الوفاة، فيتم تأخير الدفن لحين فحص المتوفى والتأكد من أسباب وفاته حسب المعمول به.

ومن الأسباب أيضًا انتظار أهل الميت، ما لم يطل هذا الانتظار، قال  في فيض القدير: ينبغي انتظار الولي إن لم يخف تغيره. مع أن الأصل هو عدم انتظار الغائب، فقد قال الإمام الشافعي في الأم: ولا ينتظر بدفن الميت غائب من كان الغائب.

وقد سئل فضيلة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله عن آداب دفن الميت فأجاب بأن السنة في دفن موتى المسلمين بأن يكون للقبر لحدٌ، وهو الأفضل، ويكون في قبلي القبر بقدره، ويدفن المتوفى على جنبه الأيمن، ويوجه بعدها إلى القبلة، وينصب اللبن على القبر، ويسد خلل القبر بالطين، ثم يهال عليه التراب ويرفع عن الأرض مقدار شبرٍ حتى يعرف وجود قبر.

فضلًا على ذلك فالسنة في دفن موتى المسلمين أن يعمق ويحفر إلى السرة -سرة الرجل القائم بالحفر-، ويكون له لحدٌ، وهذا هو الأنسب، ويقول القائم عليه عند وضعه: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينصب اللبن ويسد الخلل ويهال التراب ويرفع بمقدار شبر، حتى لا يمتهن.

هذا هو السنة، ثم يُرش بالماء، ويُوضع عليه الحصباء، وتُوضع الأنصبة على طرفي القبر: لَبِنة لَبِنة عند طرفيه؛ حتى يُعرف أنه قبرٌ.

وسئل الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله عن كيفية الجمع بين نهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن الدفن والصلاة في ثلاث ساعات وحديث الرسول أيضًا للتعجيل بالجنازة، فأجاب رحمه الله بعدم وجود تعارض بين الحديثين، لأن السنة هي التعجيل في الجنازة والدفن، وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".

وفي حال صادف وقت الدفن مع وقت الساعات الثلاث تأجل الصلاة عليها والدفن، ذلك لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: "ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ نهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، حتى تزول الشمس وحين تتضيف الشمس للغروب".  أخرجه مسلم في صحيحه.

والساعات الثلاث التي ورد فيها النهي قليلة لا يضر تأخير الدفن فيهن ولا تأخير الصلاة على الميت فيهن، ولله الحكمة البالغة في ذلك وعلينا السمع والطاعة.

أما بالنسبة إلى قول العامة (إكرام الميت دفنه)، فإنها حكمة ومعناها صحيح وإن كان اللفظ ليس حديثّا ولا يثبت رفعها للنبي وإنما أخرجه ابن أبي الدنيا، وعلى هذا فالمعنى صحيح وهو استحباب تعجيل دفن الميت وإن لم يثبت رفع هذا اللفظ إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والكافر إذا هلك بين المسلمين وليس له من عائلته من يدفنه، واراه المسلمون، وذلك باتفاق المذاهب الأربعة، وذلك لألا يتضرر المسلمون بتركه ويتغير ببقائه، فعن أبي طلحة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم:"امر يوم بدرٍ بأربعةٍ وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقذفوا في طويٍ من أطواء بدرٍ خبيثٍ مخبثٍ".

والعاقبة للمتقين، وإن طالت سطوة الباطل، هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply